فاتن حمامة.. الفنانة التي
تربعت على القمة، لتزداد بريقاً وتألقاً بعد أن أهدت للسينما ما
تجاوز المائة فيلم، تركت بعضها علامات مضيئة في تاريخ السينما
المصرية، خلال القرن الماضي، صنعتها بما ملكته من قدرات وطاقات
فنية مذهلة، استطاعت بها تحويل ما قدمته من شخصيات درامية في
أفلامها إلى شخصيات إنسانية تنبض بالحياة.
لن يكون بوسعنا في حيز
صغير كهذا، أن نتابع مشوار فاتن حمامة السينمائي، وأن نستعرض
استعراضا شاملا كل أفلامها.. لذا من المفيد تقسيم هذا المشوار إلى
مراحل فنية، تبعاً لتطور الأنماط والشخصيات في أفلامها، وعرض لبعض
من أفلامها. فالتصدي لمشوار فاتن حمامة الفني لن يمكن السيطرة علية
دون تقسيم أو تبويب يجعلنا نخترق هذا التاريخ من عدة جبهات، وإلا
لن يتوقف سيل الحديث ـ لا نختلف بأنه سيكون شيقا في كل الأحوال ـ
لذلك اجتهدنا بهذه التقسيمات التي تعتمد على مراحل، علها لا تهزمنا
في هذه الجولة.
مرحلة الصبا والشباب والانطلاق
مجموعة من الأفلام تمثل
المرحلة الأولى من حياتها الفنية، بداية بأول أفلامها، عندما قدمت
الطفلة الذكية المرحة، مروراً بأفلام رصاصة في القلب، أول الشهر،
ملاك الرحمة، حيث مرحلة الصبا وتفتح الموهبة وتطور الشخصية، لكن
بهدوء واتزان ودون أن تكون هناك أدوار تستحق التأمل.. مجرد فتاة
حلوة ذكية، تضفي جوا من المرح والأمل والتفاؤل على باقي شخصيات
الفيلم، كما شاهدنا ذلك في أفلام نور من السماء، الملاك الأبيض،
المليونيرة الصغيرة، كانت ملاكاً.
مرحلة الشخصية الرومانسية
فاتن حمامة.. صاحبة الحب
العذري.. هذا الحب الذي غالباً ما يكون ضحية أوضاع اجتماعية
ومعيشية، أو أن تكون الفوارق الطبقية في الفيلم سبباً من أسباب
التضحية.. وقد برز هذا النمط من الشخصيات في أفلام، مثل وداعاً يا
غرامي، سلوا قلبي، خلود، ارحم دموعي، أيامنا الحلوة، حب ودموع، حتى
نلتقي، بين الأطلال.
وقد جسدت فاتن حمامة، في
هذه الأفلام، أحلام فتاة العشرين، بكل ما فيها من تطلع إلى حبيب
تعيش معه، وكأنها ملاك يسبح في رحاب الحب الواسع، بل كأنها قصيدة
شاعرية تتنفس الحب.. بل هي كذلك.
مرحلة الميلودراما البكائية
بدأت هذه المرحلة، في
مشوار فاتن، مع أفلام المخرج «حسن الإمام»، في أفلام مثل ملائكة في
جهنم، اليتيمتين، ظلموني الناس، أنا بنت ناس، أسرار الناس، زمن
العجايب، كاس العذاب، حب في الظلام، الملاك الظالم.. وقد حصرت فاتن
حمامة نفسها، بهذه النوعية من أفلام الميلودراما البكائية، في
شخصية الفتاة المسكينة التي تواجه المصاعب والعقبات والأقدار،
عاجزة عن تجاوزها، إلى أن ينتصر الخير في نهاية الفيلم، فتنتصر
معه.
في هذه المرحلة، والتي
تعتبر سلبية بالنسبة إلى مشوارها، كانت فاتن لا تدقق كثيراً في
اختيار أدوارها، أو لا تدقق في قراءة السيناريو ومناقشته.. فقد
كانت تمر بمرحلة الانتشار، وهي مرحلة هامة وضرورية في حياة أي فنان
وعلى كل المستويات.. وبالرغم من تلك الميلودراما الرديئة التي
تحتويها أفلام هذه المرحلة، إلا أن فاتن كانت بصيص الأمل والحسنة
الوحيدة فيها.. وهي ـ بالطبع ـ نوعية أفلام تعبر عن المناخ العام
للسينما المصرية في تلك الفترة. غير أن فاتن حمامة، في فترة متأخرة
من هذه المرحلة، استطاعت أن تتخلص من هذا النمط من الأدوار، وقدمت
أدواراً أخرى متنوعة، مثل دور الشريرة في فيلم «لا أنام» للمخرج
«صلاح أبوسيف»، حيث مثلت الشر المقنع كجزء من الحياة الشريرة التي
نصادفها.. وفي فيلم «الطريق المسدود» قدمت شخصية الفتاة المتحررة،
والتي تبحث عن حرية المرأة وتدافع عنها، وتتطلع إلى المساواة مع
الرجل في الحقوق والواجبات.. كما مثلت دوراً كوميدياً في فيلم
للمخرج «فطين عبدالوهاب» وهو «الأستاذة فاطمة».. ومن الأفلام
الوطنية التي قامت ببطولتها نتذكر أفلام «اللّه معنا» للمخرج «أحمد
بدرخان»، و«أرض السلام» للمخرج «كمال الشيخ»، و«الباب المفتوح»
للمخرج «هنري بركات».. أما بالنسبة لفيلم «لا وقت للحب» للمخرج
صلاح أبوسيف، فيعتبر من أفضل الأفلام الوطنية التي قدمتها السينما
المصرية، وقد أدت فيه فاتن دور الفتاة المتطوعة مع الفدائيين ضد
قوات الاحتلال في منطقة قناة السويس عام 1951.. حيث أن الفيلم يطرح
أحداثاً طبيعية، مبتعداً عن البطولات الملحمية والخرافية، فكل شيء
طبيعي ومنطقي، ولم تكن فاتن سوى فتاة عادية نلتقي بها كل يوم،
عبَّرت بصدق عن السلوك الطبيعي للفتاة الوطنية، بعيداً عن المغالاة
وإقحام عناصر زائفة للدور الفدائي الوطني. |