ملفات خاصة

 
 
 

فيلم السعفة الذهبية:

“مجرد حادث بسيط” ومجرد فيلم صغير

أمير العمري- كان

كان السينمائي الدولي

الثامن والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

لا شك أن السينما الإيرانية تطورت كثيرا بعد رحيل الأب الروحي عباس كياروستمي، الذي دشن الموجة الجديدة في التسعينيات، فهي بعد رحيل كياروستمي، لم تعد تلك السنيما الفقيرة، الريفية، التجريدية المبهمة، ذات البعد الأحادي، التي تدور في الجبال والقرى، القريبة من روح الفيلم التسجيلي، بل أصبح من الممكن أن نطلق عليها “سينما الدراما المعقدة المكثفة” التي تكشف في كل مشهد، عن تطور جديد في الحبكة، يدفع الموضوع إلى الأمام، يثري الشخصيات، ويزود الصورة بتفاصيل جديدة، والدراما بمواقف متأزمة معقدة، تشد المتفرج وتدفع الأحداث إلى الأمام، لا تظل تدور حول نفسها.

هذا تحديدا ما يميز كثيرا أفلام مخرجين من أمثال أصغر فرهادي ومحمد رسولوف وسعيد روستائي ومريم مقدم وبهتاش صنايحة، ومعظمهم تمكن من التخلص من تأثير كياروستمي، وأمكنه العثور على أسلوبه الخاص. غير أن المخرج جعفر بناهي (65 سنة) فقد ظل يصنع ما يعرف بالفيلم “المنياتير” ذلك العمل البسيط الصغير الذي يدور حول فكرة واحدة، يخلو من الدراما المركبة، ويميل الى التبسيط الشديد، ويظل يطرق على الفكرة، خصوصا وأنه أصبح يستخدم الهجاء السياسي كوسيلة للفت أنظار المهرجانات الأوروبية، بغض النظر على معايير الفن الرفيع، فأفلام بناهي من بعد أفلامه الأولى الجيدة وآخرها فيلم “تسلل” Offside (2006)، سقطت في المباشرة الفجة ولم تعد تتمتع بما تتمتع به مثلا، أفلام رسولوف وهي أيضا من أفلام النقد السياسي القوي.، ولكن شتان ما بين الاثنين. ويمكن أن ندرك الفرق الكبير فيما بينهما، في الأسلوب واللغة السينمائية والبراعة في نسج الدراما- إذا ما قارنا بين فيلم رسولوف البديع “بذرة التين المقدسة”، وفيلم بناهي الأحدث “كان هذا مجرد حادث بسيط” It Was Just An Accident.

إلا أن بناهي يظل المخرج الأكثر حظا لدى مهرجانات السينما الأوروبية، لأنه نجح في الترويج لصورته كمخرج منشق معارض، سجن أكثر من مرة، ومنع من العمل رسميا” لمدة 20 سنة، ومع ذلك استمر يصنع الأفلام (بتمويل فرنسي وألماني وغير ذلك) خلال فترة “الحظر” الممتد منذ 15 سنة، وتمكن دائما من العثور على “وسيلة” لعرضها خارج إيران. وعندما منع ذات مرة من السفر لحضور عرض فيلمه “تاكسي” في مهرجان برلين، وضعوا له مقعدا خاليا في إشارة لا ذات مغزى، ونظمت مظاهرة احتجاج ضد السياسة الإيرانية أمام قصر المهرجان، فأصبح بالتالي “أيقونة” مهرجانية رغم تواضع مستواه الفني كثيرا، فأفلامه تنضح بالمباشرة والصراخ والمبالغة في الأداء، كما أنه كثيرا ما يصر على الظهور بنفسه في أفلامه رغم حضوره الثقيل كممثل، وعندما صنع عملا أطلق عليه “هذا ليس فيلما” وهو فيلم “بدائي” بكل المقاييس، كان من المدهش أن يعرض في مهرجان كان عام 2011.

يفترض- كما يقال لنا- أن يكون بناهي ممنوعا منذ 15 عاما بشكل رسمي من إخراج الأفلام في إيران، أي منذ عام 2011 فكيف تمكن رغم ذلك، من إخراج خمسة أفلام هي: “هذا ليس فيلما”، “ستار مغلق”، “تاكسي”، “لا يوجد دببة”، وأخيرا “كان هذا مجرد حادث بسيط” الذي حصل على “السعفة الذهبية” في مهرجان كان الـ78؟

النظرية التي تتردد من داخل إيران- تقول إن هناك جناحا داخل السلطة يميل إلى المنع “رسميا” والسماح “عمليا” بالتصوير بل وبخروج الأفلام للعرض في المهرجانات والفوز بالجوائز، من أجل أن يبقى اسم إيران دائما مطروحا في الساحة العالمية على صعيد الفنون، ولو من خلال أعمال تعتبر غير مرغوب فيها بسبب ما توجهه من نقد. أي أن السلطات الإيرانية تعتمد سياسة “إحظر” و”تغاضى”، و”امنع” ثم “تساهل”، و”اسجن” ثم “اترك”، أي احظر الفيلم رسميا وهاجم صانعيه وأصدر عليهم أحكاما لكن أطلق سراحهم بسرعة، أو ضعهم تحت الإقامة، أو اجعلها أحكاما بالسجن مع وقف التنفيذ، وفي المحصلة: اترك الأفلام تُصنع وتخرج وتذهب وتعرض في الخارج!

لقد صور ما أعتبره أكثر الأفلام الإيرانية شجاعة وجرأة في ضرب قواعد الرقابة الإيرانية وتجاوزها، أي فيلم “كعكتي المفضلة” (2024)، في إيران وخرج وعرض في مهرجان برلين العام الماضي، وعاد مخرجاه وبطلته إلى إيران، وصدر بحق المخرجين حكم بالحبس لمدة 18 شهرا مع وقف التنفيذ لمدة 5 سنوات. وهو نفس ما حدث من قبل مع بناهي نفسه.

أما فيلم بناهي الجديد فقد صور أيضا شأن باقي أفلامه كلها، داخل إيران. وليس من الممكن الحديث عن “تصوير سري” في دولة شمولية مثل إيران، حيث تنتشر عيون المخبرين في كل مكان لحماية ديكتاتورية نظام الملالي وشيوخ القرون الوسطى الذين يحكمون ويتحكمون في مصائر شعب من أعرق شعوب العالم بثقافته وأشعاره وفنونه البصرية وأدبه ولغته. كما تمكن بناهي من إرسال الفيلم إلى مهرجان كان، ثم الذهاب بنفسه إلى هناك والحديث ضد النظام، وقال إنه سيعود إلى إيران وإنه لا يخشى شيئا، ولا نعرف بعد ماذا سيقال له أو ماذا سيحدث، لكنه يظل “رسميا” ممنوعا من العمل!

إنه يستوحي فيلمه كما يقول، من تجربته الشخصية في الاعتقال وما تعرض له من تعذيب. ولكنه لم يصنع عملا مركبا، يكشف آليات القمع والتعذيب، وبدلا من ذلك يلجأ إلى ما يشبه المسرحيات الهزلية الساذجة التي يصنعها تلاميذ المدارس.

في البداية نرى رجلا يقود سيارة في الليل بصحبة زوجته التي تبدو في حالة حمل متقدم كثيرا، وابنته الصغيرة. السيارة تسير في الظلام في منطقة خالية تماما في طريق مقفر.. لا نعرف إلى أين تتجه هذه الأسرة. ليس هذا مهما فالتجريد جزء أساسي مما نشاهده في هذا العمل، كأقصر طريق لتوجيه الرسالة السياسية الغاضبة.

الرجل، ويدعى “إقبال”، يصطدم فجأة بجسد كلب نسمع صوته فقط وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة دون أن نراه قط. يقف إقبال السيارة. يهبط لكي يتخلص من جثة الكلب الميت بينما تشكو ابنته كثيرا وتستنكر الحادث، لكنه “مجرد حادث بسيط” كما تردد الأم. يُستأنف السير. لكن السيارة تتعطل بعد قليل في منطقة خالية شبه صحراوية لكن المدهش أننا سننتقل فجأة من عتمة الليل إلى ضوء النهار لنجد أنها بمحض الصدفة توقفت أمام ورشة لإصلاح سيارات. ولك أن تضرب كفا بكف طبعا!

يتوقف رجل على دراجة نارية بجوار سيارة إقبال، يخبره أن أقرب محطة إصلاحا سيارات على مسافة كيلومترين (لا نفهم لماذا إذا كانت هذه ورشة إصلاحات!!) ثم يعرض محاولة إصلاح السيارة في الورشة. داخل الورشة، في أعلى، هناك رجل آخر هو “وحيد”، من الواضح أنه صاحب الورشة. يتطلع من أعلى بعد أن استمع الى ما يجري في الأسفل، كما لفت نظره كثيرا على ما يبدو صوت طرقات قدم الرجل- الغريب (إقبال) على الأرضية.

هذه الثرثرة التي لا معنى لها ولا تفيد في بناء شيء سوى أنها توحي بأننا مقبلين على مشاهدة أحد أفلام الإثارة البوليسية، تستغرق نحو عشرين دقيقة من زمن الفيلم دون أن نعرف ما هو الموضوع.. عن أي شيء يبحث “وحيد” ذلك “الميكانيكي” البسيط الذي لا يبدو عليه أنه يمكن أن يتمتع بأي ثقافة سياسية تجعله يتخذ أصلا موقفا معارضا من النظام. لكن هذا ما يريد لنا جعفر بناهي أن نفهم.

يهبط “وحيد” ويتسلل ويقود نصف شاحنة، ويتوقف فجأة أمام رجل، غالبا سيصبح هو إقبال نفسه الذي كان يملأ خزان وقود السيارة التي تم إصلاح عطلها، ثم يختطفه ويضعه بالقوة داخل الشاحنة الصغيرة، ويقيده داخل صندوق خشبي. لقد تعرف فيه على الرجل الذي كان يعذبه في السجن، لكن صاحبنا هذا ينكر ويصر على أن وحيد مخطيء، وأنه لا شأن له بالسجون والتعذيب، وأنه رجل مسكين فقد ساقه حديثا وأصبح يستخدم ساقا اصطناعية يكشف عنها لوحيد.. إلى آخر ما يمكنك تصوره في حوار يتكرر ويعاد ويزاد ويستمر طويلا من جانب وحيد وباقي الشخصيات التي ستظهر تباعا، في اختبار حقيقي لصبر المتفرج.

يسقط في يد وحيد. هل يمكن أن يكون مخطئا؟ ولكي يتأكد يجب أن يبحث عمن يمكنه تأكيد هوية الرجل قبل أن يقتص منه، لذا فهو يذهب الى صاحب مكتبة كان معتقلا معه، لكنه يرفض أن يساعده وبدلا من ذلك يدله على معتقلة سابقة هي المصورة الفوتوغرافية “شيفا”، فيجدها مشغولة في التقاط صور لما قبل الزفاف لعروسين شابين هما “جولي” وعريسها المنتظر “علي”. وبينما تبدو شيفا أيضا مترددة بعض الشيء، يظهر فجأة شاب آخر يدعى “حميد” يصبح أكثر الجميع تطرفا ورغبة في الفتك بالرجل الأسير، فهو واثق كل الثقة من هويته، لكن الآخرين مترددون في إنزال حكم الإعدام به.

من هنا يصبح الفيلم مجرد حالة من المناقشات العاصفة، والصراخ الهستيري، والشجار، والمناقشات، والخلاف فيما بين الجميع، وفي محاولة للتأكد من هوية الرجل تذهب شيفا مع وحيد الى عنوان بيته فيجذان زوجته على وشك الوضع فينقلانها الى المستشفى حيث تضع ابنا، وفي الطريق يصور بناهي كيف أصبح التحرك في المدينة مستحيلا من دون دفع الرشوة، سواء للعاملين في المستشفى، أو حتى لرجال الأمن الذين يجعلون الأمر سهلا على “الزبائن”، فمقابل التغاضي عن تفتيش الشاحنة وبالتالي الكشف عما فيها من “مشكلة”، فهم يقبلون دفع بواسطة آلة الدفع الفوري باللمس التي يحتفظون بها معهم في الطريق!

لكن أن تتخيل بالطبع كيف يسير فيلم على هذا النحو، في بنائه وتكوينه واستخفافه بعقلية المشاهد، لكن مخرجه واثق أن فيلمه مضمون مقدما، باعتباره نتاجا لمناضل ثوري مناهض لنظام ديكتاتوري يريد الغرب التخلص منه، أي أن دعم الفيلم حتى من قبل مشاهدته وضمان ضمه الى مسابقة أكبر مهرجان سينمائي في العالم، أمر مفروغ منه ومقدر سلفا، فهذا ما يتسق مع “الصوابية السياسية” طبقا لمقاييس نقاد الغرب!

في محاولة من جانب بناهي لمليء الفراغ الذي تعاني منه “الحبكة” إن جاز أن هناك حبكة من الأصل، ينتقل بين آونة وأخرى، لإشاعة بعض الفكاهة الغليظة، فعندما تتعطل الشاحنة الصغيرة، التي يحتجز في داخلها ذلك “الجلاد” المحتمل يهبط الجميع بما في ذلك “جيلي” في ملابس العروس لتشترك معهم في دفع السيارة. وعندما يجلس وحيد مع “شيفا” يناقشان الأمر بجوار شجرة عجفاء في الصحراء، يشير للفتاة بأن الشجرة شبيهة بالشجرة في مسرحية “في انتظار جودو”، والمشاهد لن يهتم بالطبع بالتساؤل عن علاق هذا الميكانيكي البسيط بمسرح بيكيت، لكن هذا بناهي نفسه يسعى لإرضاء “المركزية الأوربية”، ويقول للأوروبيين إنه على إطلاع بمسرح العبث، وبأن فيلمه يمكن أن يقارن أيضا بهذا النوع من المسرح!

بالطبع، أراد بناهي أن يتوقف أمام ذلك المأزق الأخلاقي، وأن يطرح بعض التساؤلات حول تعقيدات العلاقة بين المعِذب والمعَذب، أي من مارس التعذيب ومن مورس عليه التعذيب. هل يمكن أن يصبح الضحية جلادا يمارس نفس ما كان يمارسه عليه الجلاد؟ سؤال يمكنك أن تتكهن مسبقا بالإجابة عنه، والفيلم يجيب بالفعل ويكتفي بتلقين الجلاد درسا، وتلقين المشاهد درسا آخر، في احتمال مثل هذا النوع من أفلام الرسالة السياسية- الأخلاقية المباشرة الساذجة، بغض النظر عن فراغه من الإبداع، وخلوه من الطموح الفني، ومن الخيال المركب البديع الذي يضمن بقاءه في الذاكرة. فهو في رأيي- يظل عملا صغيرا سيذهب طي النسيان، رغم “السعفة الذهبية” وغيرها من السعفات والنخلات!

 

موقع "عين على السينما" في

26.05.2025

 
 
 
 
 

«كان ياما كان في غزة».. فلافل ومسدس وكاميرا

محمد طارق

منذ عشر سنوات، عرض الأخوان عرب وطرزان ناصر فيلمهما الروائي الطويل الأول «ديجراديه» في مسابقة أسبوع النقاد في مهرجان كان السينمائي. جاء ذلك بعد سنتين فقط من مشاركتهما بفيلم «كوندم ليد» القصير في مسابقة الأفلام القصيرة بنفس المهرجان. منذ ذلك الوقت، عُرف الأخوان المولودان في غزة عام 1988 – بعد عام واحد من إغلاق آخر سينما فيها – بكونهما من الأصوات السينمائية الواعدة الآتية من قطاع محاصر في أرض محتلة.

عام 2020، صنعا فيلمهما الروائي الطويل الثاني «غزة مونامور»، والذي عُرض في مهرجان فينيسيا السينمائي، وبعد خمسة أعوام من هذا التاريخ، أي العام الجاري، أُعلن عن مشاركتهما بفيلمهما الأحدث «كان ياما كان في غزة» ضمن عروض قسم «نظرة ما» في الدورة الـ78 لمهرجان كان السينمائي الدولي، مشاركة كُللت بفوزهما بجائزة أفضل إخراج.

تدور أحداث الفيلم في غزة، عام 2007، حيث يحيى الطالب الجامعي الشاب صديق لأسامة الثلاثيني صاحب مطعم الفلافل والسيارة المرسيدس القديمة الفخمة. يستخدمان المطعم غطاءً لبيع المخدرات، ويوصلان الأقراص المخدرة في سندويشات الفلافل. على الجانب الآخر، يعترض طريقهما في تلك التجارة شرطي هو أبو سامي، يحاول أولًا استمالة أسامة لبيع بعض المخدرات التي يسرقها من المخفر، لكن مع رفض الأخير، يقرر أبو سامي إيقاف كل عمل أسامة وفضحه.

نبدأ الفيلم بمشاهد مؤسسة لكل من الشخصيات الثلاثة: أسامة – في مشهد كوميدي – بينما يدعي مرضًا مزمنًا لطبيب ليكتب له دواءً من ضمن جدول المخدرات (ليبيعه فيما بعد)، وأبو سامي بينما يطلب من أسامة معاونته في بيع المخدرات، ويرفض الأخير لعدم رضاه عن نسبة البيع، فتظهر انتهازية أبو سامي وحقده ضد شخصية أسامة لقوتها وتعاليها، وأخيرًا يظهر يحيى بوجهه الملائكي، المشابه في براءته للأطفال. هكذا، بشكل ما، يضعنا الأخوان ناصر أمام ثلاثة أنماط من الشخصيات يحكون القصة: مواطن، ومخبر، وحرامي، أو للدقة: مواطن، وشرطي، وتاجر مخدرات. من خلال تلك العلاقة بين الثلاثة، نشاهد عملًا يحكي قصة كوميدية من على السطح، وقصة حزينة في عمق تلك العلاقة.

من الخارج، تبدو هذه الكوميديا السوداء وكأنها تعبير عن حزن أو اكتئاب يعيشه السكان، أما من الداخل، فالحزن الحقيقي يكمن في أن كل ما يحدث في هذا الفيلم يجري مع شخصيات لا تملك حرية الحركة، إذ إن مساحة قراراتهم مقيدة بشدة بسبب حصار بلدهم واحتلاله. وهذا ما يجعل الفيلم مركبًا ومعقدًا: فهو مضحك ومسلي، لكنه يحمل رسالة سياسية قوية، قد لا تبدو واضحة منذ الوهلة الأولى، لكنها حاضرة بعمق.

تتجلى الكوميديا في الفيلم من خلال المواقف الساخرة التي يمر بها الأبطال، أو حتى في المواقف الجادة التي يصورها الأخوان ناصر بأسلوب يُحاكي أفلام الفيديو القديمة، باستخدام الكتابة على الشاشة أو المؤثرات البصرية والصوتية لتلك المرحلة. أما الحزن، فيقبع خفيًا لكنه ظاهر من وراء ستار؛ فكل ما يدور في الفيلم هو نتيجة مباشرة لحصار هذا القطاع. الشخصيات الثلاث محبطة، بشكل أو بآخر، من حياتها داخل هذا الجزء الحبيس من العالم. وربما يكون هذا الإحساس هو ذاته الذي صوّره الأخوان ناصر في فيلمهما السابق «غزة مونامور»، والذي تمكنا فيه من الانتصار على الحزن دراميًّا، من خلال قصة حب بين عجوزين.

هنا، في فيلمهما الأحدث، ربما تأتي السينما كإجابة لضرب هذا الحصار، سواء من الأخوين اللذين اختارا السينما مهنة لهما وقررا حكي قصص تلك المدينة، أو ليحيى، الذي يلتقطه مخرج من على القهوة فيخبره بأنه وجه مناسب لبطولة فيلم تصنعه المقاومة، اسمه «الثائر»، فتكون هذه هي فرصته في إيجاد هدف من وجوده. يوافق يحيى، ليبدأ فيلم آخر داخل الفيلم، وتبدأ كوميديا أخرى في الظهور من وراء ضعف إمكانيات إنتاج هذا الفيلم، كاستخدام الأسلحة الحقيقية الخاصة بالمقاومة بدلًا من أسلحة السينما، ما يتسبب في إصابات أو مخاطر على طاقم العمل. مع مرور الوقت، تتضافر أحداث الفيلم الداخلي مع الخارجي، كالتحام للسينما مع الحقيقة.

رغم قتامة الأوضاع الحالية في قطاع غزة وكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، يأتي فيلم الأخوين ناصر كفيلم سينمائي خالص، يعلّق على السياسة بأذكى طريقة ممكنة، يأتي كنسمة أمل في أوقات غابرة. كلماتهم على مسرح الديبوسي وقت تقديم الفيلم أو استلام الجائزة حكيا فيها عن أمهما العالقة في القطاع، وعن عائلتهما التي تعاني لشهور طوال، شخصيات ربما وضعا من روحها داخل أبطال الفيلم. ورغم أنه فيلم لا يقدم شعارات رنانة، إلا أنك تستطيع أن تدرك أن هذا الفيلم هو بمثابة صرخة لشخصياته ومخرجيه للخروج من هذا القمقم المغلق المحاصر باحتلال لا يرحم.

 

####

 

حسن هادي: فيلم «كعكة الرئيس» تجسيد مُصغر عن عصر صدام حسين

فاصلة

في حوار خاص مع «فاصلة»، على هامش فعاليات مهرجان كان السينمائي، تحدّث المخرج العراقي حسن هادي عن كواليس فيلمه الروائي الطويل الأول «كعكة الرئيس»، الحاصل على جائزة «الكاميرا الذهبية» في الدورة الـ78. الفيلم الذي يعود إلى فترة التسعينات في ظل حكم صدام حسين، يستعرض بأسلوب ساخر وجريء تأثير الحصار على المجتمع العراقي وهويته الثقافية.

حسن هادي يخوض تجربته الطويلة الأولى بعد عدة أفلام قصيرة، ويغوص في فترة التسعينات، فترة حكم صدام حسين للعراق، وتأثير الحصار على النسيج الأخلاقي والاجتماعي للبلد، من خلال مجموعة من الممثلين الذين يخوضوه تجربتهم السينمائية لأول مرة.

يتناول الفيلم قصة فتاة صغيرة تبلغ من العمر تسع سنوات وتعيش مع جدتها في منطقة الأهوار جنوب العراق، وسط ظروف اقتصادية قاسية، ويُجبر طلاب المدارس آنذاك على تقديم كعكة احتفالًا بعيد ميلاد الرئيس، وهو واجب قسري تمليه السلطة الحاكمة، ويتم تنظيم قرعة داخل الصف لاختيار الطالب المسؤول عن إحضار الكعكة، تحت طائلة الإبلاغ عن الرافضين للسلطات الحزبية. ومن خلال براءة لميعة وذكاء جدتها يحاول الفيلم أن يصوّر مشهدًا رمزيًا لثقل الحياة تحت الحكم الاستبدادي.

https://www.youtube.com/watch?v=WBC2E_hLbYw

 

موقع "فاصلة" السعودي في

26.05.2025

 
 
 
 
 

«عُرس عربى».. بينوش تنتصر للسينما الجميلة!

طارق الشناوي

أتصورها أكثر مرة حظيت فيها السينما العربية على هذا الكم من الجوائز المستحقة، عشنا الفرح العربى، مساء أمس الأول، بينما يتردد أمامنا اسم العراق بجائزة (الكاميرا دور)، الكاميرا الذهبية التى تمنح للعمل الأول، الفيلم الروائى الطويل الأول لحسن هادى، سبق أن حصد جائزة الجمهور، فى قسم (أسبوعى المخرجين)، وهى أول مشاركة رسمية لدولة العراق فى (كان)، الفيلم إنتاج عراقى قطرى أمريكى، وأظنه فتح بابا سحريا للسينمائيين فى العراق، ليصبح (كعكة الرئيس) هو الرهان الأول لكل المهرجانات العربية لعرضه داخل فعاليتها.

السينما الفلسطينية فازت بجائزة ذهبية عن الفيلم القصير (أنا سعيد لأنك ميت الآن) إخراج توفيف برهوم، ولم يتوقف نصيب فلسطين، قبل يومين حصد الأخوان طرزان وعرب (ناصر)، جائزة أفضل إخراج فى قسم (نظرة ما)، القسم معنى بالتجارب الجديدة التى تحلق بعيدا عن الإطار التقليدى للسينما، تنافس مع نحو ١٥ فيلما رهانها، البحث عن (أبجدية) جديدة، ويتفوق التوأم على كل المخرجين، فلسطين كانت حاضرة منذ الافتتاح والمصورة الشهيدة فاطمة حسونة هى العنوان.

وظلت حتى الختام هى أيضا العنوان.

ما هو الخيط المشترك الذى من الممكن أن تلحظه فى كل الأفلام الفائزة عربية وأجنبية مثل (حادث بسيط) للمخرج الإيرانى جعفر بناهى الحاصل على سعفة (كان)، وفيلم (صراط) الإسبانى الحائز على جائز لجنة التحكيم إخراج اوليفيه لاكس، و(صوت السقوط) للمخرجة الألمانية ماشكا شى، وبين العديد من الانتصارات العربية السينمائية.

ستعثر على كلمة السر، إنها البساطة فى التعبير، البعض يقرأ الفيلم برؤية سياسية ويعتبرها مفتاح الجائزة هذا يحمل ظلما للسينما، بقدر ما يحمل إدانة للمهرجان.

الأفلام تنطوى على رؤية سياسية هذا حقيقى، والمهرجان ينتقى الأفلام التى لا تتعارض مع سياسته، تلك أيضا حقيقة، لكن هل لجنة التحكيم منوط بها أن تتلقى أوامر المهرجان لتنفذ ما يريده؟.

الإجابة هى قطعا لا، ينبغى أن يعلو دائما صوت الرؤية الفنية على صرامة الرأى السياسى، سيتوقف كٌثر أمام جائزة المخرج الإيرانى جعفر بناهى، فهو من أكثر المخرجين الذين دافع عنهم المهرجان وطالب بالسماح له بالسفر إلى (كان) وذلك قبل نحو ١٠ سنوات، وأسند له رئاسة لجنة التحكيم حتى يظل الكرسى شاغرا، وسلطت عليه الكاميرا لتصل للعالم كله الرسالة أن بناهى ممنوع من السفر ومن ممارسة المهنة.

هذه المرة جاء بناهى إلى مهرجان (كان) وأظنه- وليس كل الظن إثم- سيعود من (كان) إلى طهران، لا أتصور أنه سيسمح لأحد بأن يحتفى به، هذا إذا لم يتم التحقيق معه، لأنه صور العديد من المشاهد بدون الحصول على إذن من السلطات الإيرانية.

تستطيع أن ترى مثلا ما حدث مع المخرج الإيرانى الراحل عباس كيروستامى، الذى حصل قبل ٢٨ عاما، وتحديدا ١٩٩٧ على سعفة (كان)، تلقى قبلة بريئة من إيزابيل أدجانى النجمة الفرنسية رئيسة لجنة التحكيم وكنت شاهدا عليها، تهنئه على فيلمه الأيقونى (طعم الكرز) فقرروا مقاطعته. العنصر الحاسم فى كل الجوائز هو الإبداع.

ويبقى أن نذكر أن السينما العربية فى هذه الدورة كرمت أيضا لتاريخها من خلال ترميم فيلم المخرج الجزائرى محمد الأخضر حامينا، العربى الوحيد الحاصل على (السعفة الذهبية) عن الفيلم الروائى الطويل (وقائع سنوات الجمر)، وذلك قبل نصف قرن، ورحل حامينا، ٩٢ عاما، يوم عرسه، وظلت السعفة حلما مشروعا، وأراه ليس بعيد المنال عن المخرجين العرب فى (كان ٧٩)!!.

 

####

 

في أول مشاركة للعراق..

فيلم «كعكة الرئيس» عن صدام حسين يحصد جائزة في مهرجان «كان»

كتب: محمد هيثم

حقق الفيلم العراقي «كعكة الرئيس» للمخرج الشاب حسن هادي إنجازًا تاريخيًا، بحصوله على جائزة «الكاميرا الذهبية» (Caméra d'Or) في مهرجان كان السينمائي في الدورة الـ78، ويُعد هذا الفوز الأول من نوعه للعراق في تاريخ مشاركاته بالمهرجان، وجاء تتويجًا لمشاركة الفيلم ضمن مسابقة «أسبوع المخرجين»، وهي إحدى المسابقات الرسمية المهمة التي تُقام على هامش مهرجان كان.

فيلم «كعكة الرئيس» يفوز بجائزة جائزة «الكاميرا الذهبية»

واختير الفيلم ضمن قائمة الأعمال المشاركة في المهرجان لهذا العام، ليفاجئ الجمهور والنقاد على حد سواء بأداء قوي ورؤية إخراجية متميزة، أثمرت عن فوز مستحق بهذه الجائزة الرفيعة التي تُمنح لأفضل عمل أول لمخرج صاعد.

قصة فيلم «كعكة الرئيس»

يسلط فيلم «كعكة الرئيس» الضوء على المجتمع العراقي خلال فترة التسعينيات، من خلال معالجة إنسانية بعيدة عن المباشرة والخطاب السياسي المباشر. يعتمد الفيلم على سرد بصري، ويظر تفاصيل الحياة اليومية في ظل الحصار الاقتصادي الذي أنهك البلاد، ويعكس معاناة الناس من دون الحاجة إلى شعارات أو خطب.

تدور أحداث الفيلم في إحدى القرى النائية بمنطقة الأهوار جنوب العراق، حيث تعيش الطفلة «لمياء» التي تبلغ من العمر 9 سنوات مع جدتها في ظل ظروف معيشية بالغة الصعوبة، وسط نقص في الموارد، تُفاجأ لمياء بتكليف مدرسي غير مألوف: إحضار كعكة للاحتفال بعيد ميلاد الرئيس، وما يبدو مهمة بسيطة، يتحوّل إلى رحلة شاقة ومليئة بالتحديات في بيئة مضطربة، لتصبح الكعكة رمزًا للسلطة والطاعة، بل مسألة قد تترتب عليها نتائج قاسية إن لم تُنفذ.

يجمع الفيلم بين الكوميديا السوداء والدراما السياسية، مستلهمًا تجارب جيل نشأ في ظل الحروب والحصار، وتحديدًا خلال فترة حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، حين كانت البلاد تشهد مظاهر احتفال سنوية بعيد ميلاده في 28 أبريل، وتشمل المدارس والمؤسسات كافة، حتى في ظل الفقر المدقع.

فيلم «كعكة الرئيس» هو إنتاج مشترك بين العراق، والولايات المتحدة، وقطر، بدعم من عدة جهات، ومدير التصوير تيودور فلاديمير باندورو، وكتب الموسيقى التصويرية الفنان العراقي رحيم الحاج وشارك فيه كلا من بنين أحمد نايف، وسجاد محمد قاسم، ووحيد ثابت خريبط، يعد هذا التتويج أول فوز عراقي بجائزة رسمية في تاريخ مهرجان كان.

يُشار إلى أن حسن هادي هو مخرج وكاتب سيناريو عراقي يقيم حاليًا في نيويورك، ويشغل منصب أستاذ مساعد في جامعة نيويورك.

 

المصري اليوم في

26.05.2025

 
 
 
 
 

فستان أم فيلم؟

طارق الشناوي

قبل أن أغادر «كان»، عشت نحو 6 ساعات تحت تهديد موت «الإنترنت»؛ بسبب انقطاع الكهرباء، وبالتالي ضياع كل شيء له علاقة بممارسة المهنة، لا أهمية للجوال، ولا جدوى من الكمبيوتر، ولا معنى أساساً لبقائي في كان، فلا أحد لديه إجابة عن سؤالي: متى تعود الكهرباء؟ مرت الساعات بطيئةً، لا يوجد بصيص أمل. هناك مَن اعتقد أن الأمر قد يستمر حتى صباح اليوم التالي. عادت الكهرباء، ولكن لا يزال الخوف يسكنني.

أقطن في الطابق السابع بالفندق، هبطتُ السلم 3 مرات، وصعدتُ مثلها، تجسَّد أمامي عملياً معنى تلك المقولة الشهيرة «النزول من القمة سهل. معاناة الصعود هي المعضلة»، كانت دقات صوت قلبي أعلى من وقع صوت أقدامي على درجات السلم.

تأملت هذا السؤال الذي يتردد دائماً على مدى 33 دورة في «كان»، ما الذي يتبقى في الذاكرة؟ إطلالة النجمة بفستانها المكشوف «أبو ذيل طويل»، الذي يستحوذ بمفرده على نصف «السجادة الحمراء»، ويحتاج داخل القاعة إلى صف من الكراسي ليتمدد عليها، أم أن الفيلم لديه كثير من أسلحة البقاء؟ لا تصدقوا تحذيرات تيري فريمو المدير الفني لمهرجان «كان»، بمنع الملابس المثيرة وقطع ذيول الفساتين الطويلة، شاهدت كثيراً منها في افتتاح الأفلام، وفي كثير من الفعاليات. لم يراجع أحد أي فنانة مشهورة أو مغمورة، ومنعها من صعود سلم قاعة «لوميير»، بحجة مخالفة «كود» الملابس.

النجمة الأميركية السمراء رائعة الجمال هالي بيري، التزمت التعليمات حرفياً، لأنها عضو لجنة تحكيم، ولهذا استبدلت فستاناً أكثر حشمة، في اللحظات الأخيرة، بفستانها.

قبل 36 ساعة أُسدلت ستائر الدورة رقم 78، وحصدت السينما العربية جائزة «الكاميرا دور (الكاميرا الذهبية)»، بوصفها صاحبة أفضل عمل أول للمخرج العراقي حسن هادي عن فيلمه «كعكة الرئيس». نال الفيلم أيضاً جائزة الجمهور في مسابقة «أسبوع المخرجين»، وحصد الأخوان طرزان وعرب (ناصر)، جائزة أفضل إخراج في قسم «نظرة ما» عن فيلمهما الفلسطيني «كان ياما كان في غزة».

لا يزال السؤال: ما الذي يتبقى... الفستان أم الفيلم؟ مارلين مونرو أجابت في مطلع الستينات عن السؤال، ارتدت فستاناً مصنوعاً من قماش رديء (الخيش)، لا تزال تلك الصورة محفورةً في الذاكرة، أثبتت مارلين أن الجاذبية في الإنسان قبل الفستان.

الأفلام التي شاركت رسمياً في «كان» هذا العام، وحظيت بالجوائز، اعتقد أنه سيتكرر معها ما حدث في العام الماضي، عندما وجدنا أن أهم الأفلام التي وصلت للقائمة القصيرة في «الأوسكار» و«غولدن غلوب» كانت محطة انطلاقها الأولى من «كان»، ليثبت المهرجان مجدداً، أنه الأكثر قدرةً على القراءة الصحيحة، والاختيارات الأكثر جاذبية ومصداقية.

في هذه الدورة حضر عدد من النجمات العرب، وخَفَتَ ولا أدري لماذا حضور النجوم، كانت هناك أكثر من نجمة عربية صعدت على السجادة وتألقت بالفستان، وانتعشت الأجنحة العربية في السوق، وحصل الجناح المصري على جائزة الأفضل، رغم أنه يعود بعد غياب متواصل دام 9 سنوات، وعدد من المهرجانات العربية، وجدتْها فرصةً ذهبيةً لإعلان انطلاقها من على شاطئ الريفييرا.

وكرم الجناح السعودي النساء المبدعات في السينما.

وتأتي إجابة السؤال، مهما كانت للفستان قدرة على سرقة الكاميرا، فإن البقاء كان وسيظل للإنسان وللسينما. ليست تلك الإجابة هي الحقيقة المؤكدة، ولكن ما أتمنى أن تصبح هي الحقيقة المؤكدة.

 

الشرق الأوسط في

26.05.2025

 
 
 
 
 

كلاسيكيَّات {كان} العظيمة

علي حمود الحسن

فيلمان تركا أثرا واصحا في تاريخ السينما المعاصرة، الاول " وقائع سنوات الجمر" (1975)، للمخرج الجزائري الاخضر حامينا، والثاني فيلم Z" ((1969 "  بتوقيع الفرنسي يوناني الاصل كوستا غافراس.

هذان الفيلمان اللذان رمما وعرضا في مهرجان "كان" السينمائي 78، يشتركان في كونهما من إنتاج جزائري، وكلاهما حصلا على جوائز كبرى غير مسبوقة لبلد المليون شهيد.

فقد فاز فيلم "وقائع سنوات الجمر" بسعفة كان الذهبية الكبرى وترشح للأوسكار كأفضل فيلم أجنبي، بينما حصل "Z" على جائزتي أوسكار: أفضل فيلم بلغة اجنبية، وأفضل مونتاج.

ينتمي فيلم الاخضر حامينا" وقائع سنوات الجمر" الى الأفلام الملحمية، التي تناولت ارهاصات الثورة الجزائرية ضد المحتل الفرنسي، الذي لا يشبهه احتلال من حيث القسوة والتوحش.

قصة الفيلم التي كتبها الاخضر حامينا بمشاركة توفيق فارس والروائي رشد ابو جدرة، تقتفي اثر يوميات قرية تعاني جفافا وفقرا ونزعات لا تنتهي للحصول على الماء، اذ تموت المواشي ويذبل الزرع وتحتدم النزاعات، فينزح اهلها الى المدينة، لتبدأ مكابدات ومآسٍ لا تقل عن حياتهم السابقة، فهم يعملون في مهن تستنزفهم وتستغلهم ويفتك بهم  الطاعون، وقبل كل هذا توحش الفرنسيين وقسوتهم، هذه القصص نتابعها من خلال احمد الذي فقد كل شيء في قريته وغادرها الى المدينة، فيتعرض لأبشع انواع الذل والاستغلال، ويفقد أسرته عدا ولده الفتى، وهنا يتفتح عقل احمد ويعي ضرورة مواجهة الفرنسيين واتباعهم، يقتل في كمين فرنسي ، قبل ذلك يتعرف على مولود ( جسده الاخضر حامينا) الدرويش، فهو الذي ذهب عقله، لكنه يقول الحكمة، فهو يعيش في المقابر ويتحدث الى الأموات كما الاحياء، و يتنبأ  بالكوارث، وغالبا ما يروي الأحداث من دون أن يكون راويا، وحينما تندلع الثورة يموت بسلام.

الفيلم الذي كاد يطيح برأس مخرجه بسبب جماعة فرنسية متطرفة ترفض استقلال الجزائر، اعتمد سردا خطيا تقليديا، مرتكزا على اللقطات الطويلة والإيقاع البطيء، موظفا إضاءة خلّاقة في تجسيد وجوه الفلاحين المنهكة وبيوتهم البائسة، وكأي فيلم ملحمي كانت البطولة جماعية، مع  استثمار شخصية مولود كراوٍ يعلق على الاحداث، ويفلسفها، وربما يتنبأ بها، الفيلم زاخر بالرموز الدلالات، لم يسلم الفيلم من انتقاد وتقولات تتهمه  بمحاباة  الفرنسيين، لكنه ليس كذلك، لم يكن خطابيا ولا تقريرا، إنما اوصل رسالته ووثق ما يتعرض له بلده ببلاغة بصرية رصينة.

وعظمة الفيلم الثاني " Z" لكوستا غافرس، الذي انتجته الجزائر، تكمن في إدانته لنظام العسكر الجاثم على صدور اليونانيين والمصادر لحرياتهم، من خلال قصة اغتيال طبيب يساري محبوب (ايف مونتان) اثناء حضوره حشدا لاتباعه، بأمر من العسكر، يُكلَّف قاضٍ نزيه (لوي ترانتيان) بالتحقيق، فيستوجب مع الجميع ويدين القتلة من الجنرالات، هذه الواقعة المبنية  على أحداث حقيقية، رواها كوستا غافراس بأسلوب بوليسي مشوق، اعتمد اللقطة وليس المشهد كوحدة للبناء السردي، كذلك أعطى سياق الأحداث حرية التنقل بين الأزمنة، وهذا ما استثمره المونتير في القطع الحاد، الذي جعل تواتر الأحداث سريعة أقرب الى الومضات، ومن هنا قيمة الفيلم الذي لم يتقيد بالنمط الهوليوودي، بل ابتكر اسلوبا خاصا سيصبح ملهما للكثير من المخرجين.

 وعرض "Z" في سينما سميراميس الواقعة وسط شارع السعدون، الذي غصت تفرعاته بالجمهور، ما اضطر السلطات يومذاك الى منع عرضه، خوفا من تداعياته السياسية

 

####

 

{كعكة الرئيس} تفتح باب المجد للسينما العراقية

إعداد: سينما

في سابقة، حصل الفيلم الروائي الطويل " كعكة الرئيس"(2025) للمخرج حسن هادي على جائزتي الكاميرا الذهبية واختيار الجمهور في مهرجان كان السينمائي 78، الذي اختتمت فعالياته، السبت الماضي، على مسرح لوميير العظيم، بإعلان اسماء الافلام الفائزة بجوائز المهرجان المتنوعة منها:  

الجائزة الكبرى، وهي ثاني أرفع جوائز المهرجان بعد السعفة الذهبية، التي ذهبت الى الفيلم النرويجي "القيمة العاطفية" للمخرج يوهانيم تراير، وحازت التونسية نادية مليتي على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في "الاخت الصغيرة"، وخطف البرازيلي كليبر مندونسا فيليو جائزة أفضل مخرج عن فيلمه السياسي "العميل السري"، بينما نال فيلم " صراط" للمخرج الفرنسي أوليفر لاكس جائزة لجنة التحكيم، وذهبت جائزة أفضل سيناريو الى الأخوين البلجيكيين جان- بيير ولوك داردان عن فيلم " الامهات الشابات"، وحصل الممثل البرازيلي فاغنر مورا على جائزة افضل اداء في فيلم " العميل السري"، ومنحت لجنة التحكيم جائزة خاصة للفيلم الإيراني "القيامة" من إخراج بي جان.

وظفر الفيلم النيجيري شبه الوثائقي " ظل والدي" للمخرج أكينولا ديفيز جونيور على تنويه خاص من لجنة التحكيم ضمن العروض الموازية. وهي ثاني أرفع جوائز المهرجان بعد السعفة الذهبية، إلى الفيلم النرويجي "القيمة العاطفية" للمخرج يوهانيم تراير، وحازت التونسية نادية مليتي على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في "الاخت الصغيرة"، وخطف البرازيلي كليبر مندونسا فيليو جائزة أفضل مخرج عن فيلمه السياسي "العميل السري"، بينما نال فيلم " صراط" للمخرج الفرنسي أوليفر لاكس جائزة لجنة التحكيم، وذهبت جائزة أفضل سيناريو الى الأخوين البلجيكيين جان-بيير ولوك داردان عن فيلم " الامهات الشابات" ، وحصل الممثل البرازيلي فاغنر مورا على جائزة افضل اداء في فيلم " العميل السري"، ومنحت منحت لجنة التحكيم جائزة خاصة للفيلم الإيراني "القيامة" من إخراج بي جان.

  وقال  منتج الفيلم المحلي  حيدر ابراهيم لـسينما " الصباح" عبر "الشبكة العنكبوتية":  "لا أستطيع وصف المشاعر والفرحة التي غمرتنا، بعد اعلان فوز فيلمنا " كعكة الرئيس" بجائزة الجمهور في "كان"، فهذا الحدث لم تشهده السينما العراقية منذ نشأتها، والمعلوم ان جائزة الجمهور والكاميرا الذهبية  في مهرجان "كان" هي أعلى جائزة تمنح للمشاركين في قسم "اسبوعي المخرجين"، وهي الجائزة الوحيدة في هذا المهرجان العريق، التي يملك الجمهور وحده حق منحها من خلال تصويته، وهذا يعني أننا حصلنا على ثقة أعرق مهرجان سينمائي في العالم،

  و"كعكة الرئيس" الذي وصفه النقاد بـ "المؤثر" عالجه المخرج بأسلوب الكوميديا السوداء" "، تدور احداثه في تسعينيات القرن الماضي، وتحكي قصة لمياء، البالغة من العمر تسع سنوات، والتي تُكلّف بإعداد كعكة للاحتفال بعيد ميلاد صدام - وهي مهمة تبدو بسيطة لكنها محفوفة بالمخاطر، وفي ظل العقوبات القاسية ونقص الغذاء وأجواء الخوف، تتحول محاولة لمياء لجمع المكونات إلى رحلة تمرد هادئة وذكاء." 

وقالت الناقدة السينمائية ندى الازهري في مقالة نشرها موقع الجزيرة الوثائقية: " الفيلم مؤثر في بساطته وحرارته، لا يخلو من فكاهة رقيقة في مكانها دائما، تخفف ثقل الحدث، وتمكن بمونتاج ذكي من الموازنة بين الواقع وبعض مشاهد التاريخ من الرئيس، ومع أن موضوعه عن عمل الأطفال وتأثير العقوبات على الشعب وخلفيته السياسية، فقد كان بعيدا عن كل تقريرية وخطابية

 ووصف الناقد محمد رضا مخرج الفيلم بانه " يسرد احداث فيلمه بطاقة مقبولة"، مثنيا على أداء الطفلة بنين احمد نايف التي جسدت شخصية لمياء، لكنه من جهة اخرى يرى ان "كعكة الرئيس": " هو حكاية بلا اسلوب فني مؤازر ما يجعله خاليا من الضرورة". 

وعد الناقد والكاتب الكويتي عبد الستار ناجي الفيلم: " بأنه انجاز عراقي وعربي مهم، وعبَّر عن إعجابه بتجربة المخرج العراقي حسن هادي، الذي صنع لنا حكاية الصبية لمياء وجدتها "بيبي" وما تفعلانه خلال الاحتفالات بعيد الدكتاتور، حيث تختار المدارس الطلاب لشرف إحضار هدايا تذكارية إلى احتفالاتهم المحلية الإلزامية بعيد ميلاد الرئيس صدام.

 واوضح المنتج وصانع الافلام حيدر ابراهيم: " إن فوزنا بجائزتين مهمتين في كان السينمائي، يجسد اصرار صناع السينما الشباب على تقديم أفلام على قدر من الجودة والابتكار وتعبر عن واقعنا" .

 

الصباح العراقية في

26.05.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004