ملفات خاصة

 
 
 

كان 2025.. فيلم "Sirāt":

رحلة في قلب الضياع

 أحمد العياد

كان السينمائي الدولي

الثامن والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

إيلاف من كانفي فيلمه الجديد "Sirāt"، يقدّم المخرج الإسباني أوليفر لاكسه تجربة حسية جريئة تنبض بالتوتر والانفجار العاطفي. عمل سينمائي طموح ومثير للتفكير، يجمع بين العناصر الدرامية والروحية، وقد عُرض للمرة الأولى ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي 2025.

يروي الفيلم رحلة أب (لويس، يؤديه سيرجي لوبيز) وابنه (استيبان) إلى عمق الصحراء المغربية، بحثًا عن الابنة المفقودة منذ أشهر. لكن هذه الرحلة تتحول تدريجيًا إلى مواجهة روحية وجودية، تتقاطع فيها الذاكرة بالخوف، والانتماء بالتيه، والواقع بالهلوسة.

يُفتتح الفيلم بمشهد بصري مذهل: مكبرات صوت ضخمة تُنصَب في قلب الصحراء استعدادًا لحفلة "رايف" تبدو وكأنها نسخة صحراوية من حفلات "ميدل بيست" في الرياض. هنا، وسط الرمال واللهيب، تتقاطع مصائر الغرباء في نشوة جماعية مقلقة، حيث يظهر رجل بيد مشوهة، وآخر بساق مبتورة، في إشارات جسدية مشحونة بالرمزية والاضطراب.

الموسيقى الإلكترونية الثقيلة، من تأليف كاندينغ راي، تتغلغل في الصخور والأجساد، بينما يصوّر مورو هيرسي المشاهد بحدّة بصرية مربكة. تنقلك الكاميرا من زحام الحشود إلى صمت الطريق المفتوح، في رحلة أقرب إلى البرزخ منها إلى الأرض.

"Sirāt" تجربة بصرية وصوتية مذهلة، تقترب بجنونها من "Mad Max: Fury Road"، لكنها أكثر كآبة وواقعية. فيلم يتأرجح، مثل جسر "الصراط" الذي يشير إليه عنوانه، بين الفردوس والجحيم، ويصرّ على أن يختبر مشاهديه على الحافة.

من هنا، يمكن القول إن مهرجان كان قد بدأ فعليًا... فيلم كهذا، سواء نال جائزة في 25 مايو أم لا، سيبقى في الذاكرة، وسيُحدِث أثره الطويل خارج قاعة العرض.

 

####

 

المخرجة السعودية تشارك في جلسة "أفلام في طور الإبداع"

هيفاء المنصور في كان 2025: السينما السعودية تنهض بالدعم والرؤية

 إعداد: فريق التحرير- إيلاف

إيلاف من كانشاركت المخرجة السعودية هيفاء المنصورة، في جلسة "أفلام في طور الإبداع" أقيمت اليوم ضمن فعاليات الدورة 78 من مهرجان كان السينمائي، بجانب نخبة من صنّاع الأفلام والخبراء لاستعراض أحدث المشاريع السينمائية السعودية، وتسلط الضوء على الفرص والتحديات في صناعة الأفلام بالمملكة.

أكدت المخرجة هيفاء المنصور أن ما تحقق في صناعة السينما السعودية لم يأتِ صدفة، بل نتيجة تخطيط وجهود متواصلة وتمويل حكومي مكّن الأصوات المحلية من الوصول إلى جمهور عالمي.

شددت المنصور على أهمية استمرار هذا الدعم، محذرة من أن غيابه قد يدفع الصناعة نحو تقديم محتوى تجاري فقط. وقالت إن قوة السينما تكمن في التعبير عن القضايا الإنسانية المشتركة، مشيرة إلى أن فيلمها «وجدة» رغم خصوصيته الثقافية لاقى رواجًا عالميًا لأنه يروي قصة بسيطة ذات طابع إنساني.

كما أبدت إعجابها بسرعة نمو القطاع، لكنها أوضحت أن هذا النمو كان مدروسًا وليس عشوائيًا، مع وجود دعم للأصوات المتنوعة وتمكين النساء وتوسيع الوعي بالسينما حتى في المناطق الريفية.

وفيما يتعلق بدور المرأة، قالت إن المخرجات السعوديات لم يعدن مهمّشات، والجمهور أصبح أكثر اهتمامًا بسماع قصصهن. كما أشارت إلى أن مرحلة ما بعد الإنتاج لا تزال الأصعب بسبب نقص الكفاءات في مجالات فنية متخصصة مثل المونتاج وتصحيح الألوان، داعية إلى الاستثمار في التدريب والتأهيل.

وختمت حديثها بتأكيدها أن السينما لم تمت، وأن الجمهور السعودي ما زال حريصًا على حضور العروض السينمائية، ما يمنح الصناعة دفعة قوية نحو المستقبل.

 

موقع "إيلاف" السعودي في

16.05.2025

 
 
 
 
 

حسن هادي: «كعكة الرئيس» صورة مصغّرة لعصر صدام حسين

احمد العياد

بين الذاكرة والواقع، وبين السينما والوثيقة، يقف المخرج العراقي حسن هادي حاملًا كاميرته في وجه النسيان، مسترجعًا واحدة من أقسى الحِقَب في تاريخ بلده المعاصر. في ندوة أقيمت ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي، يفتح هادي قلبه للحديث عن فيلمه الجديد «كعكة الرئيس»، الذي يعود من خلاله إلى تسعينيات العراق، ليصوّر أثر الحصار الاقتصادي، لا كحدث سياسي عابر، بل كزلزال اجتماعي أطاح بالبُنى الأخلاقية والثقافية للمجتمع.

بحسّ إنساني عالٍ ونبرة خالية من الادّعاء، يكشف حسن هادي كيف سعى لأن تكون الكاميرا مرآة للذاكرة، وصوتًا لجيل عاش على الهامش في زمن انهارت فيه الثوابت.

قال حسن: «أنا من محبّي الحكايات البسيطة التي تُخفي في طيّاتها عمقًا اجتماعيًا هائلًا. هذا النوع من السينما يبدو سهلًا، لكنه برأيي من أرقى أشكال التعبير الفني، لأن البساطة التي تحمل كل هذا العمق ليست أمرًا سهلًا أبدًا».

وأضاف أن التحدي الأكبر في إنجاز الفيلم كان العودة بصريًا وزمنيًا إلى حقبة التسعينيات، وسط غياب البنية التحتية وتغيّر ملامح الأمكنة. وتابع: «الكثير من المواقع التي صوّرنا فيها لم تعد موجودة اليوم، وكان علينا أن نُعيد بناء صورة الماضي بعين لم تره من قبل».

وحين سُئل عن تأثير تلك المرحلة على الأطفال والأجيال الجديدة، قال:

«الحصار لم يدمّر فقط الاقتصاد، بل الأسس الأخلاقية والثقافية للمجتمع. لقد أعادنا قرونًا إلى الوراء، ولا تزال آثاره محسوسة حتى اليوم. الطفل في الفيلم يرمز إلى جيل كامل نشأ وسط العقوبات، حيث انكسرت البُنى القيمية، وفُرضت ثقافة الخوف والخضوع».

وفي معرض حديثه عن اختياره تصوير الفيلم في العراق رغم الصعوبات، أوضح:

«عُرض علينا أن نصوّر خارج العراق، لكنني رفضت. هذه ليست مجرد قصة؛ هذه وثيقة عن مرحلة مفصلية في تاريخ بلدنا، وكان من الضروري أن تُصوَّر على أرضها».

وختم حديثه بالتأكيد على أنه لا يسعى إلى تقديم بيان سياسي بقدر ما يرغب في عرض صورة إنسانية صادقة:

«أنا لا أدّعي شيئًا، فقط أقدّم واقعًا عايشناه، وأترك للجمهور حرّية التأمّل والحُكم».

 

####

 

المخرج أوليفر لاشي: «Sirat» هو أكثر أفلامي معاصرة

هيثم مفيد

شارك المخرج الإسباني الفرنسي أوليفر لاشي، خلال المؤتمر الصحفي الذي أُقيم عصر اليوم الجمعة، أفكاره بشأن أحدث أعماله السينمائية «Sirat»، الذي لاقى صدى نقديًا وجماهيريًا واسعًا عقب عرضه العالمي الأول يوم أمس الخميس، واعتُبر عملًا سينمائيًا نابضًا بالحياة.

في مستهل المؤتمر، تحدث لاشي عن المعنى العامي لكلمة «Sirat»، أي «الطريق»، قائلًا: «إنه يُشبه إلى حد ما طقوس العبور. فيه شيء من رحلة البطل، ذلك البطل المُجرّد والمُبَاد، الذي عليه أن ينظر إلى ذاته. يرتبط الفيلم بتقاليد الكأس المقدسة والأساطير القادمة من الهند وبلاد فارس. ولهذه القصص دائمًا جانبان: مادي وميتافيزيقي».

يروي الفيلم قصة أب وابنه يسافران إلى حفل موسيقي ناءٍ في جبال جنوب المغرب القاحلة، بحثًا عن ابنتهما وأختهما المفقودة، وهي شابة اختفت قبل أشهر في حفل مماثل. وبإرشاد من القدر، ينضمان إلى مجموعة من رواد الحفلات في رحلة إلى تجمع أخير في الصحراء، على أمل العثور عليها هناك.

واعتبر لاشي أنه من الرائع أن يتمكن من تقديم شخصية عادية، مبتذلة، عليها أن تتأقلم مع فراغها، مشيرًا إلى أن الفيلم يهزّها ويُجبرها على سؤال نفسها: «من هي؟ وأعتقد أن هذه هي طبيعة الحياة».

وأضاف المخرج الحائز جائزة لجنة التحكيم عام 2019 عن فيلمه «Fire Will Come»: «كان من المهم أن نُظهر شخصًا يبحث عن ابنته، وعليه أن يتأقلم مع أحد أفظع ما قد يحدث لأي شخص. عليه أن يغوص في أعماق ذاته، وهذا يُظهر أنه عندما تُدفع إلى أقصى حدودك، فإنك في الواقع تجد أفضل ما فيك».

وحول صعوبات الإنتاج، كشف لاشي أن التصوير كان قاسيًا: «صوّرنا في المغرب خلال أسوأ أوقات السنة، من مايو إلى يوليو، حيث العواصف الرملية والحرارة الشديدة كانت تضرب المكان. تكسّرت عدساتنا، واضطررنا إلى إعادة تصوير بعض المشاهد، ما أثّر سلبًا على فريق العمل بأكمله. عانيتُ شخصيًا أيضًا أثناء التصوير، وشعرتُ بالانفصال. لكنني أعتقد أن هذه الصعوبة انعكست على النسيج العاطفي للفيلم».

ويرى لاشي نفسه متأثرًا بمخرجين مثل بريسون وتاركوفسكي، لكنه يفكر أيضًا في واقعنا كمجتمع. ويرى تشابهًا مع السينما الأمريكية في سبعينيات القرن الماضي، لأنها كانت أفلامًا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بجيل معين، في فترة اتسمت بالحروب والعنف وثقافة مضادة.

وأضاف: «نجحت جميع تلك الأفلام، بمحض الصدفة، في تصوير مخاوف الناس وأحلامهم ورغباتهم في ذلك الوقت. لذا أردت أن نكون نحن أيضًا على صلة وثيقة بعصرنا الحالي، وأن نجسد رغبات جيل اليوم».

واختتم لاكس حديثه بالقول: «أعتقد أن فيلمي بمثابة احتفال. إنه احتفال سينمائي بامتياز. نحن ندعو المشاهد إلى تطور حقيقي، أو إلى تحفيز جميع مستويات الإدراك لديه. وأعتقد أن «Sirat» هو أكثر أفلامي معاصرة».

 

####

 

مخرج «Case 137»: لا أحب الأفلام الصادمة..

أفضّل تفكيك آليات عمل المؤسسات

هيثم مفيد

تحدّث دومينيك مول، المخرج الفرنسي الحائز على جائزة سيزار، والذي عُرض فيلمه «Case 137» لأول مرة عالميًا في المسابقة الرسمية بمهرجان كان مساء الخميس، عن توقيت فيلمه الذي يتناول سوء سلوك الشرطة من خلال منظور تحقيق دقيق.

تدور أحداث فيلم «Case 137» خلال احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا، ويتمحور حول شاب يُصاب بمقذوف ناري خلال مظاهرة متوترة وفوضوية في باريس. تلعب ليا دراكر دور ضابطة شرطة تعمل في وزارة الداخلية، تُكلَّف بالتحقيق في القضية، وبينما لا تجد أي دليل على عنف الشرطة غير المشروع، تأخذ القضية منعطفًا شخصيًا عندما تكتشف أن الضحية من مسقط رأسها.

بدأ مول العمل على المشروع منذ سنوات، خلال احتجاجات السترات الصفراء العنيفة التي هزّت البلاد عامي 2018 و2019، كوسيلة لسبر أغوار الانقسامات في المجتمع الفرنسي. ومع ذلك، لم يكن من المفترض أن يكون الفيلم إثارة سياسية ضخمة، كما كان الحال مع فيلمَي «Les Misérables» للمخرج لادج لي، و«Athena» للمخرج رومان غافراس، اللذين يتناولان وحشية الشرطة.

قال مول خلال المؤتمر الصحفي: «لا أحبذ فكرة فيلم «coup de poing». ما أحب فعله هو محاولة شرح آلية عمل المؤسسات». وفي حديثه عن خلفية أعمال شغب السترات الصفراء، أشار مول: «لقد كانت فترةً تآكلت فيها السلطة السياسية وأدّت إلى ردود فعل وردود فعل مبالغ فيها فيما يتعلق بنشر قوات إنفاذ القانون. إنها حركةٌ كشفت بوضوح الانقسامات الموجودة في المجتمع الفرنسي، لا سيما بين المدن الكبرى وباريس، والبلدات الصغيرة أو المناطق الريفية حيث يشعر الكثيرون بالتهميش والتجاهل، أو حيث تتدهور الخدمات العامة. لقد كانت هذه الحركة دليلًا واضحًا على ذلك».

وتابع مول: «الآن، يبدو الأمر بعيدًا جدًا، لكن هذه الانقسامات لا تزال قائمة، وبدا الحديث عنها طريقةً جيدة، خاصةً وأن حركة السترات الصفراء أصبحت الآن جزءًا لا يتجزأ من التاريخ الفرنسي. أعتقد أنه من المهم معالجة قضايا كهذه».

يُعدّ هذا الفيلم الجزء الثاني من فيلم مول «The Night of the 12th»، الذي يروي تحقيقًا للشرطة في جريمة قتل مروعة لامرأة شابة. وقد لاقى الفيلم صدىً واسعًا في فرنسا، وحصد ست جوائز مرموقة في حفل توزيع جوائز سيزار.

وفي مقارنة بين الفيلمين، قال مول إن فيلم «The Night of the 12th» جعله يرغب في مواصلة اهتمامه بمؤسسات الشرطة وكيفية عملها.

واختتم مول: «ميزة تحقيقات الشرطة هي إمكانية العمل على القضايا من الميدان، مع كل ما يصاحبها من توتر وتشويق، وما إلى ذلك، مع إمكانية إدراج مواضيع أخرى». مؤكّدًا أن الموضوع الأساسي في فيلم «The Night of the 12th» كان يتعلق بالعنف ضد المرأة، أما هنا، فيتعلّق الأمر أكثر بعنف الشرطة أثناء عمليات إنفاذ القانون: «هذا ما أثار اهتمامي. شعرتُ بوجود مادة للخيال في رؤية ضباط شرطة يحققون مع ضباط شرطة آخرين».

 

موقع "فاصلة" السعودي في

16.05.2025

 
 
 
 
 

مهرجان كان السينمائي بين بريق الفن وسلطة السياسة

عبدالرحيم الشافعي

أبرز حدث سينمائي عالمي تحكمه السياسة وتوجهات دول الغرب.

أصبح مهرجان كان السينمائي أحد أكثر المهرجانات إثارة للجدل، حيث تتصاعد الاتهامات الموجهة إليه بأنه تحول إلى قوة ناعمة تروج أيديولوجيات وقيما ثقافية تخدم أجندات سياسية غربية، وبأن الجوائز التي يمنحها فقدت جزءا كبيرا من مصداقيتها كما أنه يسير نحو تهميش السينما العربية الجادة مقابل دعم تلك التي تظهر صورا قاتمة عن الأنظمة والمجتمعات العربية.

يُعتبر مهرجان كان السينمائي واحدًا من أبرز المحافل الثقافية في عالم السينما، لكن هل هو فعلا منصة للإبداع الفني فقط؟ أم أنه بات يخضع لتوجهات سياسية وأيديولوجية تفرض نفسها بشكل متزايد على الجوائز؟ الإجابة عن هذا السؤال تتطلب إعادة النظر في ممارسات المهرجان في السنوات الأخيرة، والتفكير في كيفية تأثير السياسة على الاختيارات الفنية، ولاسيما في قضايا مثل حقوق الإنسان، والجندر، والمثلية الجنسية، والمساواة، والعنصرية.

ويحتل هذا الحفل السنوي مكانة خاصة في عقول صُنّاع السينما وعشاقها، ولكنه لا يُعدّ منصةً محايدة أو غير متأثرة بالسياسات الثقافية الغربية، ففي السنوات الأخيرة أصبح من الواضح أن المعايير التي يتم بها اختيار الفائزين لا تتسم دائمًا بالحيادية، فبينما يتم تصوير المهرجان على أنه مكان للاحتفاء بالسينما ذات الجودة الفنية الاستثنائية، إلا أن ما يعزز هيمنته في الساحة الدولية هو أيضًا فرضه لنسق ثقافي معين، يتماشى مع قيم وأيديولوجيات تهيمن على الخطاب الغربي، تلك الأيديولوجيات تجد طريقها إلى الجوائز من خلال تمكين الأفلام التي تتبنى قضايا سياسية، اجتماعية أو ثقافية قريبة من مواقف أوروبا الغربية، مثل القضايا المرتبطة بالجندر، والمثلية الجنسية، وهو ما يجعل البعض يتساءل إن كان المهرجان فعلا يشجع على الإبداع السينمائي، أم أن هناك لعبة ثقافية تقود إلى تكريس معايير فنية مشروطة سياسيًا.

إن التصعيد في دعم قضايا مثل المثلية والجندر، قد لا يعكس بالضرورة تطورًا إيجابيًا في السينما كفن، بقدر ما يعكس إستراتيجية سياسية محكومة بالصراع بين الثقافات، إذ يُراد فرض نموذج ثقافي يعبّر عن الانفتاح الغربي، وهذه الحركات السينمائية تُحتفى بها لكونها تُمثّل، بشكل أو بآخر، ترجمة فنية لسياسات دولية تسعى لتمكين هذه القيم الثقافية في بقاع مختلفة من العالم، وأصبح من الواضح أن المهرجان، وإن كان لا يعبّر عن موقف حكومي مباشر، إلا أنه يعمل كأداة دبلوماسية ناعمة، فالفيلم الذي يروّج لقيم معينة يرتبط ارتباطًا وثيقًا ببعض القوى الغربية الكبرى، ويُمكن أن يُرى ذلك في الجوائز التي تُمنح لأفلام تحمل رسائل تحاكي قضايا تحظى باهتمام كبير في الساحة السياسية الغربية.

تترأس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية الممثلة الفرنسية الشهيرة جولييت بينوش، لتقود مجموعة من الأسماء المتميزة في تقييم الأفلام المتنافسة

ورغم محاولات مهرجان كان تقديم نفسه كمهرجان مفتوح للتنوع الثقافي والفني، فإن هناك ميولا واضحة لرفض الأفلام التي تتعارض مع بعض القيم الغربية المهيمنة، فالفيلم العربي الأصيل الذي يُسلّط الضوء على قوة الثقافة العربية وهيمنة الثقافة الدخيلة، يجد صعوبة في الحصول على التقدير نفسه الذي يحصل عليه فيلم يتناول قضايا تسيء للعرب والعروبة، رغم أن العالم يُطالب بإنصاف القضية الفلسطينية مثلا أو سوريا أو العراق أو أفغانستان أو لبنان، إلا أن مهرجان كان لا يبدو حريصًا على منح هذه القضايا الصوت الأوسع في مسابقاته الرئيسية، فغالبًا ما يتم تقديم هذه الأفلام في أطر ثانوية أو هامشية أو لا تقبل أساسا، أو يُكتفى بإشارات رمزية لها، من دون أن تكون في بؤرة الاهتمام.

ويضع مهرجان كان سينما المؤلف في قلب رؤيته، حينما يُمنح المخرجون سلطة كبيرة على أعمالهم، ويُعتبرون كالمبدعين الرئيسيين في العملية السينمائية، بينما يمكننا أن نرى أن هذا التوجه يتحول أحيانًا إلى فخ يتسلط فيه بعض المخرجين الغربيين على توجهات سينمائية مهيمنة تُبرز موضوعات تخدم أجندات ثقافية معينة، فالأفلام التي تتناول قضايا الهوية والهويات الجندرية تصبح محط اهتمام أكبر، بينما يُنظر إلى الأفلام التي تتناول موضوعات أخرى، مثل السياسة أو الاقتصاد بطريقة مباشرة، على أنها أقل أهمية من الناحية الفنية.

ويعمد المهرجان إلى تكريس صورة الآخر ضمن سياق ثقافي محدد، فتصبح الأفلام التي تُظهر معاناة الإنسان في الجنوب العالمي، خاصة في أفريقيا، أميركا اللاتينية، أو العالم العربي، مشهدًا عاطفيًا يُعزز من صورة مأساة الضحية، ولكن هذا التقديم يأتي بشكل غير موازٍ مع ما يُمكن أن يُعتبر خطابًا ثقافيًا حقيقيًا وجادًا، إذ كثيرًا ما يتم تجريد هذه الأفلام من عمقها السياسي أو الاجتماعي، لتحويلها إلى مجرد صور رمزية عن المعاناة، التي تُستهلَك في سياق غربي، وفي هذه الحالة يضع المهرجان نفسه في موقع حكم عالمي على فنون السينما، ويتبنى في الكثير من الأحيان قيما تنسجم مع الغرب ولا تأخذ في الاعتبار السياقات الثقافية الأصيلة لهذه الأفلام.

ولنكن صريحين فأفلام السينما العربية التي تسيء لحكام الدول العربية تقبل والتي تحتفي بحكامها وسياستهم غالبًا ما تُستبعد من جوائز كان أو تُمنح في إطارات هامشية، والسبب لأن بعض المواضيع السياسية لا تنسجم مع المناخ الفني والسياسي الذي يُروّج له في المهرجان، فالموقف الصريح ضد الاحتلال الإسرائيلي مثلا، والذي يُعبّر عن معاناة الشعب الفلسطيني، غالبًا ما يتعرّض للحجب أو التخفيف، في حين يتم منح الجوائز لأفلام تحمل رسائل غامضة لا تشخص المسؤولية بشكل مباشر. ويُنظر إلى هذه الممارسات باعتبارها خضوعًا للضغوطات السياسية التي تسعى إلى تجنب المساءلة الفعلية بشأن قضايا الشرق الأوسط، بما في ذلك قضية فلسطين.

ويمكن الحديث هنا أيضا عن دبلوماسية الجوائز، أي أن الجوائز تُمنح استنادًا إلى الاعتبارات السياسية والثقافية، فمن غير المستغرب أن الأفلام التي تتناول قضايا مثل المساواة والنسوية، وحقوق المثليين، أو التغيرات الاجتماعية المُتسارعة في الغرب، تتلقى تقديرًا أكبر مقارنة بالأفلام التي تطرح قضايا اجتماعية أو سياسية في الجنوب العالمي، كل هذا يثير تساؤلًا مهما: هل تظل السينما وفية لجوهرها كفن، أم أنها تحولت إلى مجرد أداة دعاية تعكس مصالح ثقافية وسياسية معينة؟

الفيلم الذي يُسلّط الضوء على قوة الثقافة العربية لا يحصل على التقدير الذي يحصل عليه فيلم يسيء للعرب

لا يمكننا أن ننكر أن مهرجان كان يبقى واحدًا من أكثر المهرجانات السينمائية تأثيرًا في العالم، ولكن هل هو مهرجان فن بحت، أم أن السياسة والأيديولوجيا أصبحتا تتحكمان في اختياراته؟ حقيقة الأمر أن الكثير من الأفلام التي فازت بالجوائز في السنوات الأخيرة قد لا تكون هي الأفضل فنيًا، لكنها تجسد بعض القيم السائدة في الغرب وتروّج لها، وهذا يعد تحولًا في مفهوم الجوائز السينمائية، فإذا كان مهرجان كان يسعى إلى الحفاظ على مصداقيته كأهم مهرجان سينمائي في العالم، عليه أن يتعامل مع هذه القضايا بموضوعية، دون الانحياز إلى طرف على حساب آخر، وأن يحافظ على جوهره كمنصة سينمائية بحتة دون التورط في معركة الأيديولوجيات.

وهذا العام، ينعقد المهرجان في نسخته الثامنة والسبعين بمدينة كان الفرنسية خلال الفترة من 13 إلى 24 مايو، مستقطبا أبرز نجوم وصنّاع السينما من مختلف أنحاء العالم. وتترأس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية الممثلة الفرنسية الشهيرة جولييت بينوش، لتقود مجموعة من الأسماء المتميزة في تقييم الأفلام المتنافسة، من بينهم هالي بيري، هونغ سانغ سو، كارلوس ريغاداس، ألبا رورفاكر، جيرمي سترونغ، ليلى السليماني، ديودو حمادي، وبايال كاباديا، كما شهد المهرجان لحظة مؤثرة بتكريم الممثل الأميركي روبرت دي نيرو عبر منحه السعفة الذهبية الفخرية، في تقدير لمسيرته الطويلة في عالم التمثيل.

وتنافس مجموعة كبيرة من الأفلام ضمن المسابقة الرسمية لهذا العام على جائزة “السعفة الذهبية”، وتشمل القائمة أعمالًا سينمائية من بلدان متعددة تتنوع بين أوروبا، آسيا، وأميركا الشمالية. من أبرز هذه الأعمال: “ألفا” لجوليا دوكورناو (فرنسا، بلجيكا)، “الملف 137” لدومينيك ماريا (فرنسا)، “مت يا حبي” للين رامزي (الولايات المتحدة)، “نسور الجمهورية” لطارق صالح (السويد، فرنسا…)، و”إدينغتون” لآري أستر (الولايات المتحدة)، كما يشهد قسم “نظرة ما” تنافسًا قويًا بين أفلام تحمل رؤى إبداعية مختلفة، مثل “عائشة لا تستطيع الطيران” لمراد مصطفى (تونس، قطر، مصر)، “التسلسل الزمني للمياه” لكريستين ستيوارت، و”أنا لا أرتاح إلا في العاصفة” لبيدرو بينهو. ويتميز هذا القسم بتنوع المواضيع التي تناولتها الأفلام وبمشاركة عدد من المخرجين الجدد المؤهلين لجائزة “الكاميرا الذهبية”.

وأدرج المهرجان ضمن فقراته الرسمية عددًا من الأفلام خارج المنافسة، إضافة إلى أقسام خاصة مثل العرض الأول في كان، والعروض الخاصة، وكلاسيكيات كان، وفي قسم العروض الأولى، هناك أفلام مثل “أمروم” ل‍فاتح آكين (ألمانيا)، “الحب في المحاكمة” لكوجي فوكادا (اليابان، فرنسا)، و”أورويل: 2+2=5″ لراؤول بيك، بينما في قسم العروض الخاصة يستعرض أعمالًا بارزة منها “أميلي الصغيرة أو شخصية المطر”، و”الرجل الذي رأى الدب”.

ولم ينس المهرجان تثمين السينما الكلاسيكية من خلال عرض نسخ مرممة من أفلام قديمة مثل “باري ليندون” لستانلي كوبريك، “حمى الذهب” لتشارلي شابلن، و”حب الكلاب” لأليخاندرو إيناريتو. وقد “رسّخ” هذا التنوع مكانة مهرجان كان كأحد أبرز الفعاليات السينمائية عالميًا، جامعًا بين الماضي والحاضر، وبين النجوم الكبار والمواهب الصاعدة.

ناقد سينمائي مغربي

 

العرب اللندنية في

16.05.2025

 
 
 
 
 

مهرجان كان.. "سماء بلا أرض" بين مطاردة المهاجرين بتونس وقوارب الموت

يعتمد الفيلم على أحداث حقيقية شهدتها تونس في حقبة سابقة

باريس/ كان

استقبل نقاد وصناع السينما المشاركون في مهرجان كان السينمائي الفيلم التونسي "سماء بلا أرض" للمخرجة التونسية "أريج السحيري" بالتصفيق لوقت طويل إعجابا بمحتوى الفيلم الإنساني وجمالياته السينمائية.. وقد امتلأت قاعة "دبوسي" بالجمهور من كل الجنسيات المشاركة في المهرجان وهو العرض الأول دوليا له.

فيلم إنساني

يتناول الفيلم ومدته "92" دقيقة مشكلة المهاجرين من الجانب الإنساني من خلال ثلاث شابات من "الكوت ديفوار" يعشن في تونس تتحول حياتهن بعد استقبالهن الطفلة "إيما" البالغة من العمر أربع سنوات، وهي ناجية من رحلة مأساوية لقوارب الموت في البحر الأبيض المتوسط.

ويعتمد الفيلم على أحداث حقيقية شهدتها تونس في حقبة سابقة حين اندلعت أعمال عنف بين المهاجرين وأفراد الشرطة التونسية أثناء التصدي لموجة من المهاجرين الأفارقة الذين قدموا إلى تونس، وسط أجواء معادية لتواجدهم على أرض تونس واستخدامها منطلقا للهجرة إلى الضفة الأخرى من المتوسط.

وتركز المخرجة "السحيري" على "اكتشاف الجوانب الإنسانية لدى بعض الأشخاص الذين تلقي بهم الأقدار في طريقنا، وأهمية تجاوز النظرة النمطية السلبية، سابقة التجهيز، تجاههم"، إذ يرفض الفيلم أي مشاعر عدوانية تجاه الآخر، لا سيما إذا كان قادما من بلاد فقيرة ويحمل ثقافة مختلفة من حيث اللغة والعادات، فضلا عن اختلاف لون البشرة فيما يتعلق بشعب أفريقيا تحديدا.

ومن خلال هذه القصة، يطرح الفيلم تساؤلات حول معنى الأسرة والانتماء والمسؤولية في سياق اجتماعي مضطرب.

وتقول المخرجة السحيري عن فيلمها الذي يعالج مشاكل الهجرة السرية "إنها أرادت معالجة موضوع الهجرة بعيدا عن الصورة النمطية المرتبطة بالعبور نحو أوروبا وغالبا ما يتم اختزال الهجرة في مفهومها الأوروبي، بينما الحقيقة أن نحو 80% من حركات التنقل تجري داخل القارة الأفريقية".

التجربة الثانية للمخرجة

ويعد فيلم "سماء بلا أرض" التجربة الثانية للمخرجة التونسية أريج السحيري في هذا السياق، إذ سبق لها المشاركة في مهرجان كان عام 2022 عبر فيلمها الروائي الأول "تحت الشجرة" الذي قدّم الوجه الآخر للعاملات الريفيات اللاتي يعانين الشقاء، لكنهن يبحثن عن قصص الحب.

الفيلم بطولة جماعية

فيلم "سماء بلا أرض" هو من بطولة آيسا مايغا، وليتيسيا كي، وديبورا ناني، والممثل التونسي محمد جرايا، وتصوير فريدا مرزوق، والمصورة السينمائية الفرنسية التونسية، التي سبق لها التعاون مع المخرجة أريج السحيري في فيلمها الروائي الأول "تحت الشجرة".

 

العربية نت السعودية في

16.05.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004