ملفات خاصة

 
 
 

مكتبة نبيل الحلفاوى

عادل السنهورى

عن رحيل القبطان

نبيل الحلفاوي

   
 
 
 
 
 
 

في عام 1992 انشغل الوسط الفني والصحفي بالإعداد لمسلسل تليفزيوني عن رواية "دموع صاحبة الجلالة" للكاتب الصحفي موسى صبري والتي سبق وتقديمها في مسلسل إذاعي عام 1990 أدى بطولته أحمد زكي ويسرا ويحيى شاهين وعفاف شعيب وأخرجه على عيسى، ثم تحولت لفيلم سينمائي عرضعام 1992 وكان من إخراج عاطف سالم وبطولة سمير صبري وسهير رمزي فريد شوقي وأحمد بدير و يحيى شاهين و أحمد مظهر.

ورغم اهتمام الجمهور بالمسلسل الإذاعي والفيلم التليفزيوني والجدل الذي دار هو الشخصية الرئيسية في الرواية وهو الصحفي الانتهازي والوصولي والمنافق "محفوظ عجب"، إلا أن الاهتمام والشغف بالمسلسل التليفزيوني الذي يحمل اسم الرواية وانتظار عرضه المقرر في شهر رمضان (مارس) 1993 كان لافتا ومدهشا لسبب آخر لا يتعلق بأبطال المسلسل فاروق الفيشاوي وميرفت أمين وعمر الحريري ودلال عبد العزيز وصلاح ذو الفقار وحسني حسني وإخراج يحيى العلمي وإنما للظهور والإطلالة الأولى دراميا لشخصية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر على الشاشة الصغيرة، فالمخرج يحيى العلمي والسيناريست عاطف بشاي قررا أن يكون من بين الشخصيات الدرامية في المسلسل حسب السياق التاريخي والدرامي شخصية جمال عبد الناصر!.

في ذلك الوقت كان الاهتمام الأكبر ليس بالمسلسل وانما بظهور الزعيم عبد الناصر في أول عمل درامي والممثل والفنان الذي سيؤدي دوره على الشاشة.. فمن يجرؤ للظهور الأول لأداء شخصية ناصر بعد مرور 23 عاما على وفاته وسنوات قليلة للغاية على الافراج عن شرائطه وخطبه وأغاني مرحلته التاريخية؟!.
وقع الاختيار على واحد من جيل طلبة الستينات وخريج المعهد العالي للفنون المسرحية عام 70 وهو الفنان نبيل الحلفاوي- الذي رحل عن دنيانا منذ عدة أيام عن عمر 77 عاما- وكان الاختيار المناسب واتفق النقاد والكتاب على أن الحلفاوي هو الأقدر على أداء دور عبد الناصر في المسلسل
.

وانتظر الجميع عاما كاملا لعرض المسلسل في شهر رمضان عام 1993 والذي وافق شهر مارس. وقتها كنت أعمل محررا صحفيا في صحيفة " مصر الفتاة" ومع بداية الإعلان عن بروفات المسلسل والكشف عن اسم الفنان نبيل الحلفاوي لأداء دور ناصر سارعت للاتصال به وتحديد موعد لإجراء حوار صحفي عن دوره وكيفية الاستعداد له ومدى تخوفه من الظهور الدرامي الأول لشخصية ليست عادية وسينتظرها جمهور المشاهدين في العالم العربي. فالمسلسل الإذاعي والفيلم السينمائي تجاهلا ظهور شخصية عبد الناصر والمسلسل التليفزيوني قرر خوض المغامرة والمجازفة .

حددنا الموعد مساء اليوم التالي وذهبت للقائه في شقته بعمارة الأورمان في شارع مراد بالجيزة بالقرب من فندق شيراتون الجيزة.

ما أعرفه وأكونه في ذهني عن صورته وشخصيته أنه ذلك الفنان المثقف الواعي صاحب الأداء المميز والجاد والمقنع والمهتم بقضايا وطنه والمعبر عنها في أدواره المسرحية والتليفزيونية

فقد عرفه الجمهور من خلال  السهرات تليفزيونية مثل: «الشاهد وكل فى طريق» ثم ظهر فى مسلسلات كثيرة في فترتى السبعينيات والثمانينيات مثل: «الجريمة" و"القضية ٥١٢" و"وراء الحقيقة" و"محمد رسول الله." ثم المسلسل والدور الأشهر له في منتصف الثمانينات في مسلس " غوايش" في دور " المعلا جانون" ثم زاد توهجه في مسلسل رأفت الهجان: الجزء الثاني والثالث عام 90-91 في دور نديم هاشم (قلب الأسد) ثم توهج بعد ذلك في " الزيني بركات وزيزينيا وغيرها. أكثر من 50 مسلسل تليفزيوني واذاعي وسهرات تليفزيونية . بالإضافة الى 18 فيلما سينمائيا تقريبا و6 مسرحيات

سنوات التسعينات كانت فترة التجلي للفنان نبيل الحلفاوي حيث قدم أهم أدواره في رأفت الهجان وزيزينيا وأوراق من المجهول، دمي ودموعي وابتسامتي، حكاية بلا بداية ولا نهاية قصة مدينة، الزيني بركات ودموع صاحبة الجلالة وسور مجرى العيون، طقوس الإشارات ومسرحية التحولات ثم قدم واحد من أهم أدواره طوال مسيرته الفنية عندما قدم شخصية العقيد محمود في فيلم «الطريق إلى إيلات» عام 94  وهى مأخوذة عن شخصية حقيقية للقبطان مصطفى طاهر. وبسببه أطلق عليه لقب القبطان نبيل الحلفاوي حتى وفاته.

استقبلني في شقته بابتسامته التي لا تفارق ملامح وجهه وبضحكته التي اختزلت كل عبارات المقدمات والتعارف في بداية اللقاء و تأبطني  على الفور الى حجرة مكتبته. أخذتني الدهشة والذهول من أعداد الكتب المرصوصة فوق أرفف مكتبته وتغطى جدران الحجرة الأربعة تقريبا. لم أخف عليه دهشتي من اهتمام فنان بهذا القدر الكبير من الكتب والمجلدات والدوريات :" بصراحة يا فنان كنت أعرف أنك مثقف لكن ليس بهذه الدرجة التي تحتفظ فيها بآلاف الكتب والمجلات في مكتبتك".. ضحك وسرد لي حكايته مع القراءة منذ نشأته في حي السيدة زينب بالقاهرة(مواليد)1947وأثناء دراسته في كلية التجارة ثم  التحاقه  بالمعهد العالي للفنون المسرحية.

وتخيل أنك تدرس في المعهد ومعك دفعتك محمد صبحي ولطفي لبيب ويسري مصطفى وقبلها زملاء معك مثل نور الشريف وأحمد زكي وينس شلبي وتتلمذ على يد جلال الشرقاوي وفي فترة الستينات ولا تكون قارئا نهما.

تجولنا بين الأرفف...كتب هيكل ومصطفي أمين وزكي نجيب محمود وطه حسين والعقاد ونجيب محفوظ واحسان وتوفيق الحكيم وكتب ومجلدات المسرح ودوريات ومجلدات روزا اليوسف ودار الهلال ومجلات الستينات وغيرها. مكتبة مكتظة بكل أنواع المعرفة.

استغرقنا الحديث عن المكتبة قبل أن أقول له :" دلوقت عرفت ليه اختاروك لدور عبد الناصر وليه وافقت". قال لي :" منذ فترة وأنا متشوق لتقديم شخصية الزعيم على الشاشة فقد قرأت كل شيء عنه وأنا أحد المعجبين به منذ الستينات"

سألته ألست قلقا من الدور رغم أنه ليس بالدور الكبير في المسلسل..؟ بالتأكيد فأنا منتظر ومتشوق لرد فعل الجمهور من أدائي للدور. وسأحاول أن أقدمه كما يعرفه الناس وبطريقتي الخاصة وبشخصيتي العاشقة للزعيم.

الحوار امتدت حتى منتصف الليل دون أن ندري فالحديث مع نبيل الحلفاوي المثقف والبسيط والودود لا حدود له . شخص لديه اهتمام بأشياء كثيرة بالقراءة والفن والحياة والرياضة ويحتفظ بصورته ونجوميته لدى الجمهور. فقد كانت اختياراته بحساب دقيق فلا مانع  لديه أن يظل سنوات لا يشارك في أعمال فنية، لكن عندما يقدم عملا يكون له قيمة أولا وإضافة له. ومازالت أدواره علامات فارقة ومميزة في مسيرة الفن المصري في المسرح والتليفزيون والسينما ويكفي وجود اسمه في تترات أو افيشات أي عمل فني لكي تضمن مشاهدة عمل جيد له قيمة فنية راقية . رحم الله القبطان

 

اليوم السابع المصرية في

19.12.2024

 
 
 
 
 

الله يرحمك يا قبطان

حمدي رزق

لفتنى الصديق «خالد منتصر» إلى بوست حقير كتبه إخوانى أَزْعَر، يسب فيه طيب الذكر المرحوم الفنان الكبير «نبيل الحلفاوى» الشهير بـ«القبطان»!

بوست معتمل بالشماتة، كتبه من ليس فوق مستوى الشبهات، وفضائحه الأخلاقية المنشورة تزكم الأنوف.

وكأنه مكتوب علينا ونحن ننعى بعض، ونعزى بعض، ونشد على إيد بعض، ونربت على ظهر بعض.. ونلتفت حولنا، تفجعنا شماتة إخوان الشيطان، لا يترحمون بل يرجمون موتانا بحجارتهم.

شخصيًا لا آبه بشماتة إخوان الشيطان، ونصيحة لوجه الله، ممكن نبطل نغمة شماتة الإخوان إياها فى المَآتِم والجنازات، نحن نعطيهم هكذا حجمًا أكبر من حجمهم، استحضار الإخوان فى فقدنا ومصابنا لن يقدم ولا يؤخر، الإخوان ماضى، خلصنا منهم ومن حقدهم الدفين.

أتنتظر يا خالد ترحمًا من غلاظ القلوب، موتورين، يستبطنون ثأرًا، يا سيدى عنهم ما ترحموا، وليس مطلوبًا منهم ترحم، هؤلاء ليسوا بشرًا أسوياء، خلينا فى مصابنا الأليم، نعزى أنفسنا.

الإخوان كائنات موتورة، تربت على الحقد والثأر والغيلة، ما لنا بهم، أنت فاكر الإخوان هيعزوك، تبقى واهم، دول شاربين سم هارى فى بطونهم من كل وطنى شريف غيور.

لا تعطوهم وزنًا ولا قيمة، هؤلاء خارج التاريخ، خارج الإنسانية، معدومو الإنسانية، الإخوان بالتوصيف غِرْبَان الشوم، أتعرف يا صديقى الْغُرَاب النُّوحِىّ، الإخوانجى تشبيهًا غراب نوحى، ويتميز بحدة صوته الذى جعل الناس تتشاءم من رؤيته أو سماع صوته، يحوم فى دوائر حول الأحزان وكأنه ينوح على الميت وهو يأكل لحم أخيه ميتًا!

قلوبهم سوداء، أسود من لون صخر البازلت، موتورون من كل الناس، أحياء وأمواتًا، حتى كلمة «الله يرحمه» فى إثر الميت يضنون بها ترحمًا بل يستتبعونها بأذى، فعلًا الأذية طبع.

بالمناسبة (والكلام لهؤلاء وأشباههم) ترحمك على الميت لن يفرق معاه فى الآخرة، ولن يدخله الجنة، ولا تسفلك سيزج به فى النار، فقط كف أذاك، بخلت على الميت بالرحمة، لا تتطوع بطلب الجحيم، ترحموا على الموتى يترحم عليكم الأحياء، تخليص الثارات من الأموات فى القبور خلق ذميم.

فعلًا، ميبقاش على المداود غير شر البشر، والإخوان شر البشر، ربنا رزقنا ببشر ما هم بشر، جلمود صخر، لا تهزهم الفجيعة، ولا يرعوون للموت، الموت مبقاش له جلال يا جدع!!

لا يزعجهم الفقد، ولا يتعظون، يظنون أنهم مخلدون، الناس الطيبة تترحم وتذكر الحسنات، وناس شريرة تتلمظ، الموت فرصة تسنح لاستخراج صديد نفسانى متحوصل فى أعماق نفس مريضة، يبخ فى وجه البشر سخامًا أسود.

عجبًا، يغتبط الإخوانى اللئيم (غير الشريف) فى المصاب الأليم، ينتشى فى مواكب الحزن، يسارع بالتويت والتغريد ليحجز مكانًا فى سباق الشامتين، عقور لا يحتمل تعزية طيبة، ولا دعوة بالرحمة، يدخل بفأسه يحفر قبرًا موقدًا، وهات يا تقطيع فى كفن الميت.

من أعراض الوباء الإخوانى ظهور جراد أسود متصحر من جوه، صنف من البشر خلو من المادة الخام للإنسانية، هم وقود الكراهية المشتعلة فى الفضاء الإلكترونى، قست قلوبهم، فصارت كالحجارة أو أشد قسوة، لا يهزهم الموت، ولا يخشعون، ولا يختشون، ولا يهجعون، مثل الغِرْبَان ومنهم الْغُرَاب النُّوحِى..!

 

####

 

«عاجزين عن التعبير»..

أبناء نبيل الحلفاوي يوجهون رسالة جديدة لجمهوره عبر «إكس»

كتب: محمود زكي

وجهت اسرة الفنان الراحل نبيل الحلفاوي، رسالة لجمهوره من خلال صفحته الرسمية بموقع التغريدات «x» والتي كان يطل بها على محبي من خلال تغريداته الكروية والفكرية والفنية، وذلك بعد وافته المنية الأيام الماضية عن عمر ناهز 77 سنة، بعد وعكة صحية توفي على إثرها تاركًا سيرة فنية وأخلاقية عظيمة.

وغردت أسرة الراحل نبيل الحلفاوي صفحته الرسمية بموقع «x»،:«القبطان كان دائما لما بيلاقي منكم الدعم والحب، كان بيقول»يعجز الكلام عن الشكر على المحبة والدعم “ هو اكيد دلوقتي عايز يشكركم على الكم الهائل من الحب والدعوات، واحنا أسرته عاجزين عن التعبير عن الشكر.. القبطان زي ما كان بيكتب off x، نبيل الحلفاوي 1944- 2024

وزير الثقافة ويحيى الفخراني في عزاء القبطان.. لقطات من عزاء نبيل الحلفاوي

شهد عزاء الفنان الراحل نبيل الحلفاوي، الذي اقيم مساء أمس الأول الثلاثاء بمسجد الشرطة في الشيخ زايد، حضور عدد كبير من نجوم الفن والإعلام، حرصًا منهم على تقديم واجب العزاء في «القبطان»، الذي وافته المنية أمس الأول عن عمر ناهز 77 سنة، بعد وعكة صحية توفي على إثرها تاركًا سيرة فنية وأخلاقية عظيمة.

وزير الثقافة يحرص على استقبال المعزيين في نبيل الحلفاوي

حرص وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، في البداية على استقبال المعزيين في الراحل نبيل الحلفاوي، حيث ظهر متاثرا على رحيل قامة فنية كبيرة.

يحيي الفخراني يحرص على حضور عزاء نبيل الحلفاوي

وشهد العزاء حضور صديقه الفنان القدير يحيى الفخراني، لتقديم واجب العزاء لأسرة الفنان الراحل نبيل الحلفاوي، على الرغم من حالته الصحية، حيث ظهر وهو يسير بصعوبة ويسانده شخص لصعوبة حركته.

نجوم الفنان يتقدمون بواجب العزاء في راحيل القبطان نبيل الحلفاوي

وحضر العزاء نقيب المهن التمثيلية أشرف زكي، والفنانة يسرا، والفنان حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، والفنانة فردوس عبدالحميد، ولطفي لبيب، والمخرج محمد فاضل، وحسن الرداد وزوجته إيمي سمير غانم، ورامي وحيد، والإعلامية لميس الحديدي، والمنتج جمال العدل، لقاء سويدان، ميمي جمال.

وحضر الفنان حمدي الوزير، ورشوان توفيق، صابرين، ميمي جمال، حسين فهمي، إلهام شاهين، محمد ممدوح، ومحمد رمضان، السيناريست مدحت العدل، الإعلامي شريف عامر، أنوشكا، والاعلامية لميس الحديدي، إنجي المقدم، روجينا وعدد آخر من الفنانين.

 

المصري اليوم في

19.12.2024

 
 
 
 
 

نبيل الحلفاوي…

نجم من دون مسوغات رسمية في شباك التذاكر!

كمال القاضي

يُجمع الوسط الفني كله بكُتابه ومخرجيه ونجومه ونُقادة على موهبة نبيل الحلفاوي الصادقة وكارزميته القوية المتجاوزة بكثير حدود أدواره الثانوية والبطولات الثانية، التي كانت مُتاحة له في المسرح والسينما والدراما التلفزيونية. لقد أثبت الفنان الراحل جدارته الفنية والإبداعية في مُعظم ما قدم من أدوار بكل نوعياتها ومستوياتها واختلاف أنماطها، فمن محمود القُبطان في فيلم «الطريق» إلى «إيلات» مع عزت العلايلي والمخرجة إنعام محمد علي، إلى نديم قلب الأسد في مسلسل «رأفت الهجان» كان التميز حليفه والتمايز سمته الأساسية في الأداء، فليس لديه من الأعمال ما يتشابه لا في الموضوع ولا في الشكل، ولا في فلسفة الدور الذي يضطلع بتجسيده كمُمثل مُحترف يمتلك قُدرات وطاقات مُتعددة القوى والأبعاد والمزايا. نبيل الحلفاوي هو ابن المدرسة المسرحية، بسماتها وصفاتها وتميزها وتاريخها الفني العريق، فهو المُنضبط المُستقيم الواعي باختياراته وأهدافه ورسالته، لا يوجد في سيرته ومسيرته دوراً عشوائياً ولا شخصية ضعيفة يبعث أداؤها على السخرية، بل اعتمد الجدية في كل ما قدمه وطرحه من نماذج عكست ثقافته الحقيقية ووقوفه عند مسؤولياته بكل وقار واحترام. قدم على المسرح القومي عبر مراحل متوالية عدداً من المسرحيات المهمة في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، كان من بينها مسرحية «أنطونيو وكليوباترا» ومسرحية «الزير سالم» ومسرحية «رجل في القلعة» ومسرحية «طقوس الإشارات والتحولات».

كان نبوغ الحلفاوي مُبكراً في تلك المراحل الخصبة من عمر الإبداع المسرحي المصري، لكن شيئاً ما عطل نجوميته، ربما تدقيقه الزائد عن الحد في ما كان يُعرض عليه من أعمال وأدوار، ما جعل المُنتجين والمخرجين في حينه يهابونه ويخشون ملاحظاته الدقيقة، التي لا تُناسب أفكارهم واتجاهاتهم في بعض الأحيان كونها تكشف ميلهم للتجارية البحتة والرغبة في اتباع أهواء شريحة معينة من الجمهور، الذي يبحث فقط عن التسلية. ورغم التسليم بموهبة الفنان الكبير، إلا أن قُدراته لم تُستثمر كما ينبغي ولم يوضع الرجل المُبدع في المكانة اللائقة به فنياً، إلا في مرات قليلة وفي أدوار معينة، فعلى سبيل المثال لم تُمنح فرصة البطولة المُطلقة لنبيل الحلفاوي في السينما أو المسرح أو التلفزيون، إلا بالمُشاركة مع فنان آخر، فقد قدم على سبيل المثال دوراً سينمائياً بارزاً في فيلم «العميل رقم 13» مع محمد صبحي. ورغم سطحية المُعالجة الدرامية الكوميدية ونمطية أداء البطل الرئيسي، استطاع نبيل الحلفاوي وهو البطل الثاني أن يتفوق تفوقاً ملحوظاً على منافسه، ويُحدد للشخصية التي جسدها مساراً جاداً قوياً للغاية بعيداً عن المسار الكوميدي الخفيف المُثير للضحك والسخرية معاً.

وفي مُعظم الأفلام التي جسد فيها المُمثل الكبير دور الضابط كان مُتغلباً في أدائه على البطل الرئيسي، لتمكنه من الإمساك بتفاصيل الشخصية ووعيه بأبعادها المُختلفة، فليس كل الضُباط ينتمون إلى نمط واحد في التفكير والسلوك وهذا ما كان يعيه الفنان الراحل جيداً، لذا حرص على تسجيل الفروق الفردية والشخصية والثقافية والمهنية، بين نوعيات الضُباط، فضابط المباحث يختلف تماماً عن ضابط المخابرات وضابط المخابرات يختلف بكل تأكيد عن ضابط الجيش، حيث لكل منهم سمات وصفات وخصائص أوضحها صاحب الموهبة الفذة بكل بساطة، وبتمكن منقطع النظير.

في فيلم «الهروب إلى القمة» مع نور الشريف وإلهام شاهين والمخرج عادل الأعصر، قدم الحلفاوي دور ضابط مباحث بشكل وطبيعة مختلفة، فقد كان يبحث عن المجرم لأسباب شخصية، لهذا اختلفت طريقة الأداء ودرجات الانفعال، ومن ثم النظرات والإيماءات والحركات، وهو ما يمكن اعتباره درساً من دروس الأداء التمثيلي النوعي أعطاه الفنان القدير لمن يأتي بعده ليُجسد الدور نفسه. في الأدوار التلفزيونية برع نبيل الحلفاوي في تجسيد شخصية الرجل الجنوبي، صعب المراس، المُتمسك بالعادات والتقاليد، كما كان دوره في مسلسل «غوايش» مع صفاء أبو السعود وفاروق الفيشاوي وأحمد راتب، وهو الدور الأكثر شعبية وجماهيرية، وسر ارتباط الفنان بهذه النوعية الدرامية «معلى قانون» العُمدة الحاسم الحازم القوي صاحب السطوة والنفوذ والحاد في طباعه وقراراته المُنفردة والقاسية.

كان في ذلك الدور المهم إشارة بليغة إلى عيوب الحُكم الشمولي وعواقب الاستبداد بالرأي، ولم يخل الدور نفسه من التوصية بضرورة تطبيق الديمقراطية كمبدأ أصيل من مبادئ التقدم والاستقرار المُجتمعي، وإقرار العدالة كقاسم مُشترك بين كل الفئات والطبقات. هذا ما تضمنه المسلسل وأنبأت به شخصية البطل الدرامي «معلى قانون» الذي تحكم في قرارات أبيه عبد البديع العربي، العُمدة الأكبر وتحدى مشاعر أمه (زوزو نبيل) وعواطفها، واضطهد شقيقة الأصغر «حسنين» (فاروق الفيشاوي) عندما تزوج من الغازية «غوايش» (صفاء أبو السعود) التي كانت سبباً مباشراً في هدم الأسرة وإحداث شقاق بين الأخوين. لقد أشار المضمون الدرامي أيضاً إلى المساوئ المُترتبة على عملية الانفراد بالحكم والاستبداد بالرأي وغياب الديمقراطية، وتأثير كل ذلك على مسير الشعوب ومستقبلها، وكان المسلسل الذي أنتج عام 1986 بمثابة جرس إنذار مُبكر للتحذير من مغبة القمع والتسلط وعدم إعمال القانون وتطبيقه بشكل كامل، كشرط أساسي من شروط النمو والتقدم والاستقرار.

لقد طغت ثقافة الفنان الراحل نبيل الحلفاوي الذي توفي عن عمر ناهز 77 عاماً على مُعظم أدواره، فبدت شديدة التميز وكأنها من بنات أفكاره ومن صنع خياله، إذ صادف أغلبها هواه الشخصي ورؤيته العامة لما يدور حوله من صراعات ومُشكلات وقضايا تبحث جميعها عن حلول.

كاتب مصري

 

القدس العربي اللندنية في

20.12.2024

 
 
 
 
 

وداعـًا.. «نبيل» الفن: نبيل الحلفاوى .. القبطان يرسو على بـَرّ الخالدين

كتب آية رفعت

عينان تتحدثان بتحدٍ وملامح مصرية أصيلة وموهبة استثنائية تعتمد على التلقائية والسلاسة.. هو الأب يدعم ويشد ظهر ابنته فى (لأعلى سعر) وأصل الشهامة فى (زيزينيا) والقائد الشجاع فى (الطريق إلى إيلات) و(رأفت الهجان).. هو القبطان النبيل «نبيل الحلفاوى».

رحل «الحلفاوى» عن عالمنا منذ أيام قليلة فى هدوء كما كان يتمنى.. رحل ورحلت معه حقبة تاريخية مهمة من تاريخ الفن كتب فيها روائعه بحروف من ذهب.. تاركا بصمته الواضحة بين جيل فنى من العمالقة.. قدم معهم عددًا كبيرًا من الأعمال التى تعد من علامات الفن المصرى سواء بالمسرح أو السينما أو الدراما التليفزيونية.

لقّبه أحباؤه بـ«القبطان»، ربما لمقدرته على السفر بأحلامه وشخصياته عبر الزمان والمكان.. وربما لأنه استطاع أن يملك دفة فن الأداء التمثيلى والتى يتحكم بها بسلاسة مثل القبطان.. يرسو كل يوم على ميناء لشخصية ما.. يحبها ويتحد معها ويقدمها بإحساسه.. ثم يتركها ويبحر للبحث عن مغامرة جديدة يتحدى بها نفسه.

 ميناء الفن

لم يكن يعلم الطفل «نبيل الحلفاوى» الذى وُلد فى حى السيدة زينب فى إبريل عام 1947 أنه سيصبح من أهم نجوم الفن المصرى وأنه سيقع فى عشق التمثيل؛ وبخاصة المسرح.

فكان «نبيل» كشاب من أسرة متوسطة يتخبط بين أحلامه.. فتارة يعشق رياضة الملاكمة ويحاول احترافها مثل العالمى «محمد على كلاى».. وتارة يقرر دراسة الهندسة.. بينما كان من الصعب عليه تحديد شغفه الحقيقى فى الحياة فخضع لطلب عائلته بترك كلية الهندسة ودرس قليلاً فى كلية الصيدلة.

بدأ الأمر يزداد صعوبة وتعقيدًا مما جعله يترك كل ذلك خلفه ويحوّل أوراقه للدراسة بكلية التجارة لعله يجد هدفه واتجاهه فى الحياة.. وبالفعل وجد «نبيل» ضالته فى مسرح الجامعة ففتح عينيه على عالم آخر، عالم ملىء بالبهجة والدموع، بالأداء والإبهار.. عالم جعله يكتشف موهبته التى كان يحملها فى أعماقه.. فاتبع شغفه ووجهته الجديدة وقام بالانتقال لمعهد الفنون المسرحية ليتخرج فيه عام 1966.

منذ مشاركته الأولى فى المسرح الجامعى لفت «الحلفاوى» الأنظار بأداء يجمع ما بين التلقائية والاحترافية.. فاستطاع أن يطوع ملامحه ونظراته ولغة الجسد فى تجسيد الشخصيات التى كان يقدمها ببراعة.. مما جعله خلال سنوات قليلة يدخل لبوابة المسلسلات الدرامية من خلال مسلسل (العصابة) عام 1970 ليقدم بعدها عددًا كبيرًا من الأعمال الدرامية المميزة والتى تعتبر من علامات الدراما المصرية حتى الآن، ومنها (لا إله إلا الله، غوايش، رأفت الهجان، زيزينيا، ونوس، لأعلى سعر، القاهرة كابول) وغيرها.

وقدّم «الحلفاوى» أول أعماله فى السينما بعد 10 سنوات تقريبًا من دخوله للتليفزيون؛ حيث كان مقتصرًا عمله على المسلسلات الإذاعية والتليفزيونية والسهرات الخاصة والمسرحيات.. ثم قدم أولى تجاربه السينمائية من خلال فيلم (The death of a princess) وهو فيلم عالمى تم عرضه بالمملكة المتحدة عام 1980.. ثم قدم بعده دور «شهدى حسين» فى فيلم (وقيدت ضد مجهول) عام 1981 وقدم بعدها عددًا كبيرًا من الأفلام، منها (فقراء لا يدخلون الجنة، اغتيال مُدرسة، العميل رقم 13، الطريق إلى إيلات، الهروب إلى القمة) وغيرها.

ووصل عدد أعمال الراحل «نبيل الحلفاوى» إلى 89 عملاً ما بين الدراما والسينما والمسرح بينما اختتم أعماله المسرحية عام 2018 وكانت (اضحك لما تموت) مع صديقه الراحل «محمود الجندى»، وكانت المسرحية من تأليف «لينين الرملى» وإخراج «عصام السيد».

 مراسى تركت بصمة

ظل القبطان «نبيل الحلفاوى» يبحر فى بحر الفن على مدار 54 عامًا استطاع من خلالها أن يضع بصمته الاستثنائية بأدوار حفرت فى ذاكرة الفن بأداء يُدَرّس لكل الأجيال القادمة ومنها دوره فى مسلسل (رأفت الهجان)؛ حيث شارك «الحلفاوى» بدور «نديم هاشم» الملقب بـ«قلب الأسد».. وقد كانت لـ«الحلفاوى» حكاية بكواليس هذا الدور؛ حيث إن المخرج الكبير «يحيى العلمى» تحدّث معه ليرشحه للقيام بدور آخر مع بداية تحضيراته للمسلسل ولكن «الحلفاوى» كان قد قرأ القصة المبنى عليها العمل بالفعل وكان معجبًا بشخصية «نديم» جدًا، فطلب من «العلمى» أن يجعله يقدم شخصية «نديم» واعتذر الأخير له مؤكدًا أن الشخصية لن تظهر سوى بالجزء الثانى للمسلسل. ومع بداية التحضيرات للجزء الثانى فوجئ «الحلفاوى» بترشيح «العلمى» للفنان الراحل «كرم مطاوع» لتقديم شخصية «قلب الأسد» والذى اعتذر بدوره بسبب انشغاله ببعض الأعمال فعاد «العلمى» مرة أخرى لـ«الحلفاوى» والذى رحّب بقبولها لأنه أحبها، مما جعله يتوحد معها ويقدمها بشكل أعجب به عشاق الدراما.

أمّا فيلم (الطريق إلى إيلات) الذى قدم من خلاله دور «العقيد محمود» فقد كشفت المخرجة «إنعام محمد على» أن «الحلفاوى» على العكس تمامًا لم يتحمس لدوره فى البداية؛ خصوصًا أنه كان منشغلا بتقديم عمل آخر فى نفس فترة تصوير الفيلم.. ولكنها ألحت عليه لأنها رأته فى هذا الدور تحديدًا وأكدت له أنه سيكون دورًا مُهمًا فى تاريخه وقد كان.. وبعد مرور 27 عامًا على الفيلم غرّد «الحلفاوى» عبر حسابه على موقع إكس مدافعًا عن فيلمه (الطريق إلى إيلات) الذى تعرّض للهجوم من بعض المتابعين الذين اتهموه بأنه لم يتم تصويره تحت إشراف القوات البحرية من الأساس؛ حيث كتب قائلاً: «الفيلم مش بس كان بإشراف من القوات البحرية.. لأ وكانوا الأبطال بييجوا يزورونا.. والمفاجأة أن البطل مصطفى طاهر الذى عالج مشكلة اللغم فى المشهد المعروف كان هو المستشار العسكرى للفيلم»..

يُذكر أن فيلم (الطريق إلى إيلات) هو السبب فى منحه لقب «القبطان»؛ وذلك نظرًا لمَحبة الجمهور له فى الفيلم.

 بَرّ النهاية

كشف الإعلامى «محمود سعد» عن معاناة الراحل «نبيل الحلفاوى» مع مرض السرطان من الدرجة الرابعة فى أيامه الأخيرة؛ حيث كان «الحلفاوى» نبيلاً بأخلاقه فلم يُرد إزعاج جمهوره، رغم أنه كان من أكثر فنانى جيله تفاعلاً مع جمهوره عبر منصات التواصل الاجتماعى.. وكانوا يلقبونه بعمدة الأهلاوية نظرًا لحماسه الشديد بتشجيع ناديه المفضل.. بينما كان يكتب آراءً متزنة وموزونة عن مختلف المشكلات والأحداث الاجتماعية والسياسية، لم يتغير رأسه يومًا وفقًا للموجة أو التيار السائد.

تمنى «الحلفاوى» أن يرحل فى صمت وبهدوء وهذا ما دفع أبناءه المخرجين «وليد وخالد» أن يتكتما تفاصيل حالته الصحية واسم المستشفى الذى قضى به آخر ساعاته.

وكما اتسمت حياته بهدوء ورحيله بهدوء، كان القبطان قد رثى نفسه بكلمات مؤثرة تم نشرها عام 2002 فى مجلة «الكواكب»؛ حيث كتب:

ف نعيى ما تكتبوش

أسامى القرايب

ف نعيى لازم تنكتب

أسامى الصحاب

وصيغة الكلام

بدون النظام

وحسب الميزان

مش حسب المحبة

حتبقى كده:

صديق كل من

السعدنى والصحن ولينين

فرغلى والدكتور أمين

سامى ومرعى وأحمد ياسين

يحيى وحمدى وعبدالله غيث

سامح وشامخ وعلوة وأديب

سيدهم وكيمو وسناء

والطاهر بهاء

أحمد وحودة وعِماد

محمد ودوحة ورِياض

أشرف وشاكر وطلعت

عزت ومدحت وبهجت

حسين وسمرة وجلجل غنيم

شريف وعادل وعز وكريم

هشام وخضر وجمال

أحمد كمال

منه حمايا ومنه صديق

محمد وفيق

وعبده كمان

قبل ما أناسبه بزمان

أسامة عكاشة ومحسن وحفـظ

هادى وصبحى ولطفى وشعب

روقة ورستم وزيـزو ودفـر

عوض وزيكا ونور الشريف

عمر وأردش وهانى مطاوع

حجازى اللى سابنا ف عز الشباب

سيد خميس وسيد حجاب

حتى ابنى وأبويا

وخالى وأخويـا

ييجوا ف نعيى ضمن الصحاب

ولجل المناسبة ولجل العادات

ماقـلتش ف نعيى

صحـابى البنـات

وبعد 77 عامًا من التجوال رسى القبطان على بَرّ الخالدين.. الذين لا يُمحوا من الذاكرة مَهما مرّت السنين.. رحل تاركا سفينته التى تركت بصمة فى كل مرسَى.. ترك الدفة ورحل مخلفًا أعمالاً تخلد اسمه إلى أبد الآبدين.

 

مجلة روز اليوسف المصرية في

22.12.2024

 
 
 
 
 

نبيل الحلفاوى «الذى لم أكن أعرفه»!!

طارق الشناوي

وأنا فى مهرجان (قرطاج) السينمائى، فوجئت بخبر رحيل الفنان الكبير نبيل الحلفاوى، لم نكن مع الأسف أصدقاء، وعدد المرات التى تبادلنا فيها الاتصال التليفونى تعد على أصابع اليدين، ولقاءاتنا لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، إلا أنه كان يشكل جزءا لا يستهان به من حياتى الافتراضية، فأنا أتابع كل تدويناته على (تويتر) قبل أن يصبح (إكس)، واستمرت علاقتى به فى هذا العالم الذى لا يمنح عادة النجومية إلا فقط للشباب، الحلفاوى، كان هو الاستثناء، نجم متوج عن جدارة بالملايين من (لايكات) الإعجاب.

بنسبة كبيرة كان الحلفاوى يعبر عن صوت الأغلبية، آراؤه لها صدى جماهيرى ضخم، كما أن انحيازه لنادى الأغلبية (الأهلى)، له مفعول السحر فى زيادة دائرة شعبيته، ولأننى مثله أهلاوى الهوى والهوية، وجدت نفسى حتى فى آرائه عن (الساحرة المستديرة) منحازا إليه.

لا أتذكر أننى حتى عبرت له عن إعجابى به تليفونيا، إلا أننى كثيرا ما أشدت بأدائه الفنى. قبل بضع سنوات، كنت بصدد إعداد كتاب (يحيا يحيى) عن الفخرانى، فقررت أن أضيف فى النهاية فصلا عن الزوج والصديق، كيف ترى زوجة الفخرانى الدكتورة لميس جابر الفخرانى؟، وكيف يرى الصديق الفخرانى؟، وبين العشرات من تلك الدائرة وجدت أن الحلفاوى يحتل مكانة استثنائية فى قلب الفخرانى، فهو أول من قدمه كمحترف على المسرح، والحكاية بدأت عندما كان الحلفاوى بطلا لإحدى المسرحيات وجاءه سفر خارج الحدود، وحتى يوافقوا على الرحلة، كان ينبغى أن يعثر على البديل، قال لهم «شاهدت ممثلا موهوبا يؤدى دورا على مسرح الجامعة فى (كلية الطب)»، وبتلك الخطوة بدأ الفخرانى مشوار الاحتراف، وظلت بينهما الصداقة عقودا من الزمان، وشاركه الحلفاوى فى بطولة مسلسلى (دهشة) و(ونوس)، وكان الفخرانى حريصا على تأكيد أن تلك كانت ترشيحات المخرج شادى الفخرانى، وأنه أبدا لم يتدخل لترشيح صديقه الحلفاوى.

بينى والحلفاوى حكاية لها وجهان؛ فى البداية كنت أرى وجها واحدا سطحيا، ومع الزمن استوعبت الوجه الثانى الأعمق.

الحكاية أنه قبل نحو ٣٠ عاما عندما رشح المخرج يحيى العلمى كلا من نبيل الحلفاوى وأحمد بدير لبطولة مسلسل (الزينى بركات) عن قصة جمال الغيطانى، بعد اعتذار عدد كبير من نجوم الصف الأول، وبعد عرض المسلسل تحقق لهما النجاح الجماهيرى، وأشرت فى مقال نشرته على صفحات روز اليوسف (المجلة)، إلى أن البطلين برغم افتقادهما وهج النجومية فقد نجح المسلسل.

كعادتى فى ذلك الزمن، ووجهت الدعوة لكل فريق العمل لإقامة ندوة داخل نقابة الصحفيين التى تحتفى بالأعمال الناجحة فى رمضان، وحضر نبيل وبدير والعلمى وجمال الغيطانى وآخرون، وفى البداية طلب الحلفاوى الكلمة فقال «كتب الناقد طارق الشناوى أننى لست نجما والآن يدعونى باعتبارى نجما، ولهذا فأنا أعتذر عن استكمال الندوة»، ولم تفلح محاولات العلمى والغيطانى وكاتب هذه السطور فى إعادته للمنصة، مفاجأة بكل المقاييس، واستكملنا الندوة والاحتفاء بفريق العمل وافتقدنا جميعا حضور الحلفاوى.

مع الزمن بدأت أتفهم موقف الحلفاوى، الرجل لا يريد سوى أن يكون نفسه، أغضبته الكلمة برغم توافر حسن النية؛ لأننى أشدت به فى المقال، إلا أنه كان بداخله شىء من الغضب، ولأنه صادق فى مشاعره فلم يشارك الجميع فى الاحتفاء بالمسلسل وهو يشعر بجرح.

ولم يحدث بيننا بعدها أى عتاب، وبدأت مع الزمن أتفهم أن موقفه فى الحياة هو بالضبط موقفه فى الندوة، ولن يكون إنسانا آخر سوى نفسه، كان غاضبا، وأراد التعبير العلنى عن هذا الغضب.

 

المصري اليوم في

24.12.2024

 
 
 
 
 

سيرة القبطان النبيل

كتب طارق مرسى

قبل أن تنقل الصحف والمجلات الورقية   والمواقع الإلكترونية خبر  رحيل الممثل العملاق «نبيل الحلفاوى» فى 15 ديسمبر الحالى، انفجرت صفحات التواصل الاجتماعى وتصدّر اسمه محرك البحث الشهير «جوجل»  ببرقيات العزاء فى حسابات زملائه وأحبائه ومتابعيه، وتعددت رسائل الحب المحقونة بالحزن على رحيله بعد رحلة قصيرة مع المرض وتحول إلى «تريند» غطى على كل الأحداث مما يعكس قيمته الفنية وتأثير الأعمال التى شارك فيها والشخصيات التى جسّدها عبر مشواره الفنى .

المخرجان «خالد ووليد الحلفاوى» نجلا الراحل الكبير، نشرا خبر وفاته فى صفحته على «منصة X» التى كانت بمثابة وكالة أنباء وتحشد 7 ملايين متابع، كتبا فيها:

«مش القبطان اللى كاتب التويتة ديه للأسف.. إحنا ولاده وليد وخالد الحلفاوى.. الوالد ربنا استجاب لدعاه ولم يمر بعذاب طويل مع مرض وألم طويل، كان دائمًا بيدعى بكده وربنا ما خذلوش. شكرًا على كل الحب والدعاء».

من أبرز برقيات العزاء التى تلت إعلان وفاته خرجت من صفحة النجم المصرى العالمى «محمد صلاح» فيسبوك ذات الـ 16 مليون متابع ومحب، وقال: «البقاء لله فى وفاة الفنان المحترم نبيل الحلفاوى.. هتوحشنا يا قبطان»، وتفاعل معها 140 ألف متابع .

«قلب الأسد»

لقبُ «القبطان» ارتبط بالفنان الراحل فنيًا وإنسانيًا بعد دوره فى فيلم «الطريق إلى إيلات» وقياسًا على مواقفه وآرائه وتغريداته التى لا تعد ولا تحصى رغم قيامه بأدوار مؤثرة ولا تنسى أبرزها دور «نديم هاشم» أو «قلب الأسد» فى مسلسل «رأفت الهجان» الذى تولى تدريب «رأفت» فى الجزء الثانى من المسلسل، ومن قبل دوره «المعلا قانون» فى المسلسل الشهير «غوايش» والأدوار الثلاثة لا ترسم شهرته فقط بل تنوعه وتأثيره.

راجعوا شخصيات «ملك سدوم» فى المسلسل الدينى «محمد رسول الله» الجزء الأول و«عبدالله النديم» فى مسلسل «أمير الشعراء أحمد شوقى»، ووكيل النيابة فى فيلم «اغتيال مدرسة» وربيع رئيس المباحث فى فيلم «شبكة الموت»، والزعيم جمال عبدالناصر فى مسلسل «دموع صاحبة الجلالة»، ورفاعى فى مسلسل «زيزينيا» وعلى باشا ماهر فى مسلسل «الملك فاروق»، وياقوت فى مسلسل «ونوس» وحسن فى مسلسل «القاهرة كابول» وغيرها من الأدوار المتنوعة التى ترسم قوة شخصيته على الشاشة.

فنبيل الحلفاوى كان يختار الأدوار التى يجسدها بعناية، ولعل رواية اختياره لدور نديم هاشم فى مسلسل «رأفت الهجان» تؤكد ذلك، فعندما رشحه المخرج يحيى العلمى للمشاركة فى المسلسل طلب تجسيد هذا الدور تحديدًا بناء على قراءة الدور من الرواية الأصلية التى كتبها صالح مرسى، ولكنه صدم بعد تأكيد «العلمى» بأن الشخصية لن تظهر فى الجزء الأول، وقبل بداية تصوير الجزء الثانى قرأ نبيل الحلفاوى خبرًا عن مشاركة الفنان الراحل كرم مطاوع فى تقديم شخصية «نديم» وحينها اعتقد الحلفاوى أن الفرصة قد ضاعت عليه، لكنه بالتواصل مع المخرج يحيى العلمى، أخبره الأخير بأن الدور سيذهب إليه بعد اعتذار كرم مطاوع لانشغاله بأعمال أخرى، ليعود الدور الذى تمناه ليصبح «نديم هاشم» أحد أبرز الأدوار التى قدمها فى مسيرته الفنية.

ورغم ذلك التصق لقب القبطان به لمواقفه الإنسانية والفنية، والمفارقة أن اللقب يجمع ما بين الدورين، فهو فى الحالتين قبطان وقائد وقلب الأسد لقوته على الشاشة وآرائه الجريئة خارجها.

الأهلى وبَس

كان نبيل الحلفاوى عاشقًا للكرة ومحبًا ومتابعًا وفخورًا بمعجزات نجم مصر الأول محمد صلاح مع ليفربول كما كان خط الدفاع الأول للأهلى ولم يترك مباراة أو حدثًا للأهلى إلا وترك انطباعه عنه ورأيه فيه، وتميز الحلفاوى برؤية كروية تنحاز كثيرًا للأهلى فائزًا أو مهزومًا «ولا أحسن ناقد أهلاوى رياضى»، وكانت آخر محطاته السعيدة مع الأهلى هى متابعة قرعة جدول بطولة كأس العالم الذى سيقام فى أمريكا العام القادم، واعتبر لقاء فريق الساحر ميسى «إنتر ميامى» مع الأهلى فى افتتاح البطولة حدثًا تاريخيًا، لكن القدر شاء أن يحرم حامل شعار «ولا حد غيره يفرحنى» من هذا الحلم الكروى الكبير.

وحرصت الكاتبة الكبيرة فاطمة المعدول، أرملة الكاتب المسرحى والسيناريست الكبير لينين الرملى، على نعى الفنان الكبير ونشرت رسالة مؤثرة عبر حسابها الرسمى «فيس بوك»، قالت فيها: «ماذا لو كسبت العالم وخسرت نفسك، شعار النبيل منذ أن كنا شباب صغير، كان نوارة دفعتنا على قسم التمثيل، أحب مهنته واحترمها وأخلص لها، وأخلص فى كل ما يقوم به فى حياته، عاش بقناعاته وبمبادئه ولم يهادن أبدًا، توأم روح لينين الرملى وعم أولادى، وصديقى وأخويا الغالى».

دفعة نبيل الحلفاوى فى معهد الفنون المسرحية عام 1970 ضمت أسماء مهمة فى تاريخ الفن منهم: محمد صبحى ويسرى مصطفى وسامى فهمى ولطفى لبيب، وجمعتهم صورة شهيرة مع أستاذهم فى المعهد جلال الشرقاوى، واحتفظ كل هؤلاء بعلاقات متينة ولم يفرق بينهم إلا القدر، بالإضافة إلى علاقاته القوية مع الوسط الإعلامى وفى مقدمتهم الإعلامى محمود سعد.

وصية ونعى

القبطان النبيل «نبيل الحلفاوى» كان متعدد النشاط الابداعى، فقد كان ممثلاً فذًا وناقدًا كرويًا وأيضًا شاعرًا، ففى عام 1987 كتب قصيدة فريدة من نوعها فى ديوان شعرى، أهداه إلى زوجته «نادية»، وابنيه «خالد»، و«وليد»، وضم الديوان 14 قصيدة، منها حادى بادى، وسندريلا، نهاية رحلة الأحزان، اعتذار على شاعر بنى عامر، دموع المسرح، واحتوت وصيته بعد رحيله ضمت أسماء كل زملائه وأحبائه من الرجال ووضع فيها بروتوكول نعيه ويبدو فيها متأثرًا بشخصيته الصعيدية الشهيرة «المعلا قانون» فى مسلسل «غوايش» التى قدمها قبل عام من كتابة القصيدة، وقال فيها:

«فى نعيى ما تكتبوش أسامى القرايب

فى نعيى لازم تنكتب أسامى الصحاب

وصيغة الكلام بدون النظام وحسب الميزان مش حسب المحبة، حتبقى كده:

صديق كل من: السعدنى والصحن ولينين

فرغلى والدكتور أمين.. سامى ومرعى وأحمد ياسين

يحيى وحمدى وعبدالله غيث.. سامح وشامخ وعلوة وأديب

سيدهم وكيمو وسناء والطاهر بهاء

أحمد وحودة وعِماد.. محمد ودوحة ورِياض

رسم: هبة المعداوىرسم: هبة المعداوى

أشرف وشاكر وطلعت.. عزت ومدحت وبهجت

حسين وسمرة وجلجل غنيم.. شريف وعادل وعز وكريم

هشام وخضر وجمال.. أحمد كمال منه حمايا ومنه صديق

محمد وفيق وعبده كمان قبل ما أناسبه بزمان

أسامة عكاشة ومحسن وحفـظ.. هادى وصبحى ولطفى وشعب.. روقه ورستم وزيـزو ودفـر.. عوض وزيكا ونور الشريف

عمر وأردش وهانى مطاوع.. حجازى اللى سابنا ف عز الشباب.. سيد خميس وسيد حجاب حتى ابنى وأبويا وخالى وأخويا ييجوا فى نعيى ضمن الصحاب

ولجل المناسبة ولجل العادات ما قلتش فى نعيىصحـابى البنـات».

وقبل الانتهاء من كتابة هذه الشهادات ورسم كل هذه الدموع فى العيون الجميلة من أصدقائه وصلنى على هاتفى الأشعار الآتية من صفحة نبيل الحلفاوى على x كتبها نجلاه وقالا:

القبطان كان دائمًا لما بيلاقى منكم الدعم والحب، كان بيقول «يعجز الكلام عن الشكر على المحبة والدعم» هو أكيد دلوقتى عايز يشكركم على الكم الهائل من الحب والدعوات، واحنا أسرته عاجزين عن التعبير عن الشكر».. بينما عَلق أحد متابعيه بما يشبه وصية أحبائه كتب فيها: لو لينا طلب من أسرة القبطان أتمنى عدم غلق حسابه.. كلامه يفضل موجود.

‏نتونس بيه من وقت للتانى ونفتكره.. رجاء منى وافتكر ناس كتير عندهم نفس الطلب، ونحن الموقعين أعلاه أضم صوتى لصوتهم.. رحم الله القبطان النبيل «نبيل الحلفاوى».

 

صباح الخير المصرية في

25.12.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004