ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان البندقية السينمائي الـ81..

إبهار وإخفاق في أفلام تئن بأوجاع الإنسان العربي

محمد هاشم عبد السلام

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الحادي والثمانون

   
 
 
 
 
 
 

تفاوت مستوى المشاركة العربية هذا العام في مهرجان البندقية السينمائي الدولي، وهو أحد أعرق المهرجانات العالمية وأكبرها، وقد انتهت فعاليات هذه الدورة الـ81 يوم 7 سبتمبر/ أيلول الجاري.

وليس تفاوت المستوى من العيوب الكارثية قطعا، وإن كان من المؤشرات المستوجبة للتوقف ومراجعة الحسابات، لا سيما أن التفاوت لم يتراوح بين المتوسط والرائع والممتاز، بل بين الرديء والعادي والمقبول والجيد، وخصوصا الأفلام الروائية الطويلة، والمشاركة في الأقسام المختلفة هذا العام، وهي “البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو”، و”ينعاد عليكو”، و”معطر بالنعناع”، و”عائشة”.

المثير للغرابة أن هذا التفاوت مرده لأمور متكررة على مدى سنوات متتالية، ولا بد من مراعاة هذه الأمور، وعلى رأسها السيناريو، وفنيات كتابة الحوار، ناهيك عن انتقاء الممثلين وتدريبات الأداء والحركة والنطق، للخروج من الممثل بأفضل ما لديه، فما تزال هذه المشكلات الفنية تشكل عقبات للسينما العربية، مع أن علاجها يسير ويخرجنا من الدوران في نفس الحلقة المفرغة، وتكرار نفس المشاكل، وإفساد إبداعات كادت تكون جيدة.

ولا يعني هذا أن المشاركات العربية في مهرجان البندقية هذا العام كانت الأسوأ، أو الوحيدة التي احتوت على مشاكل أو تفاوت مستواها، بل إن عددا من الأفلام الكبرى كانت كذلك، ومنها أفلام منتظرة مشاركة في “المسابقة الرئيسية”، وتحمل توقيع كبار المخرجين والمعلمين في كتابة السيناريو والحوار، أو من إنتاج أكبر الأستوديوهات العالمية.

لكن -وهنا مربط الفرس- مهما بلغ المستوى أو المشاكل بالفيلم، فإن التنفيذ النهائي أو الصنعة لا غبار عليها، ويكاد يستحيل أن تجد غلطات أو حتى هفوات هنا أو هناك مرتبطة بالتنفيذ أو جوانب الصناعة المختلفة.

الأمر ليس كذلك في أغلب الأفلام العربية، فهي عامرة بأخطاء عادة ما تصاحب التجارب الأولى، وتترافق مع سرعة التنفيذ، وتبرز مع الطموح غير الموظف جيدا، ويفاقمها التشتت ونقص الخبرة وفقر الخيال، ناهيك عن عقبات التمويل، والدراية بماهية السينما، والجهل بالفنون الأخرى عموما.

أما الأفلام الوثائقية الطويلة المعروضة هذا العام، فلم تصبُ نحو المغاير أو المفارق للمعتاد أو العادي والمألوف، ولم تشتبك كثيرا مع الواقع أو تثر الكثير من الأسئلة المحفزة، ولم تراع أدبيات وفنيات الأفلام الوثائقية ومدارسها المختلفة.

بل كانت تفضل الجنوح موضوعيا وجماليا وفنيا، صوب التقارير الصحفية ذات المسحة الوثائقية، وهو ما يثير تساؤلات كثيرة بخصوص فهم طبيعة الجنس الوثائقي ذاته، وكيفية صناعته، وطرق معالجته والاشتغال عليه، والغرض منه. وقد تجلى هذا في الوثائقيين “سودان، تذكرنا” و”وعاد مارون إلى بيروت”.

جماليات الصورة.. استفاقة السينما العربية بعد طول انتظار

من الأمور المبشرة فيما يخص الأفلام المعروضة بمهرجان البندقية هذا العام، ذلك التنوع المرصود في الأفلام، لا سيما الروائية، ولعل ذلك وليد رغبة أو محاولة مشروعة في التجريب والتجديد، وتجاوز السائد أو المألوف أو النمطي، والابتعاد عن المطروق والمعهود في السينما العربية، سواء فيما يتعلق بالموضوعات وطُرق الطرح والمعالجة، أو بالحبكة وكيفية نسج الخيوط والأحداث، أو فيما يخص رسم الشخصيات.

فالاجتهاد مطلوب ومشروع، ويجب دعمه وتحفيزه ومساندته لتقديم المغاير، لكن ثمة فنيات راسخة يصعب تجاوزها، أو التغاضي عن عدم إتقانها. ومع ذلك فالمحاولات جريئة ومشروعة، ومبشرة أيضا إذا التُفت إليها لتداركها ومعالجتها مستقبلا.

تحاول المخرجة مزج قصص خمسة من شباب الثورة السودانية، وهم أشجان سليمان، وأحمد مزمل، ومها الفكي، وخطّاب أحمد، ورفيدة، وذلك للخروج منها بحكايات عن مكابدات بلد كان يمر بمرحلة ثورة، وبمعركة غير عادلة بين طموح الشباب العزل وجبروت الجيش.

يعد الفيلم بمثابة صورة استعارية لجيل يناضل من أجل الحرية في الخرطوم، مستخدمين كلماتهم وقصائدهم وهتافاتهم وحتى أجسادهم، لتحدي النظام العسكري الفاسد المسؤول عن الفظائع المرتكبة في دارفور وكردفان والنيل الأزرق وغيرها.

ويصور الوثائقي رحلة اعتصامهم الذي استمرت 57 يوما في الخرطوم، مرورا بمجزرة 3 يونيو/ حزيران 2019، والانقلاب العسكري في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وصولا إلى بداية الحرب التي أجبرتهم على اللجوء إلى المنفى، مع الاستعانة بلقطات أرشيفية كثيرة مصورة سرا، مع تعليقات صوتية تسعى لشرح الأحداث والأوضاع.

وعاد مارون إلى بيروت”.. قصة المدينة وأشهر سينمائييها

في وثائقيها الطويل الأول “وعاد مارون إلى بيروت”، لا تبتعد المخرجة اللبنانية فيروز سرحال كثيرا عن بيروت، حيث دارت أحداث عوالم فيلمها السابق، وهي تحاول سبر أغوار مدينة ومجتمع وبشر، وأحوال ومصير ومستقبل بلد، وقبل كل شيء أحوال ومشاكل وهموم السينما، المشتبكة والمتأثرة بمختلف الجوانب في بلدها.

وللتعبير عن هذا كله وأكثر، ليس ثمة ما هو أقوى من محاولة استعادة واستنطاق وإعادة إحياء اسم وسينما وعوالم المخرج الراحل مارون بغدادي، وهو أحد أهم المخرجين اللبنانيين العاملين في السينما منذ عام 1973، عشية اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، وأبرز من صنع سينما مغايرة وصادقة وعميقة ومشتبكة مع الواقع السياسي والاجتماعي، والفردي بالتأكيد.

أما أبرز ما لفت الاهتمام أو النظر في هذه الأفلام الروائية الطويلة، فهو ذلك الاهتمام الخاص بفنيات الصورة، وجماليات التكوين، والرؤية البصرية إجمالا، وكان ذلك من الأمور الغائبة أو المهملة في السينما العربية عقودا طويلة، إلا فيما ندر.

ويمكن القول إن الاهتمام بهذا الجانب وإيلاءه أولوية ملحوظة، ربما ينم عن وعي وإدراك أن السينما فن الصورة بالأساس، والتفنن فيها وفي جمالياتها. وباكتساب الخبرة والمهارة والثقافة الفنية والتدريب البصري للعين، ينتقل المبدعون بأفلامهم نقلة نوعية، صوب فن الحكي أو السرد السينمائي بالصورة، وذلك بعد إتقان فنون وجماليات السرد السينمائي الخالص ومفرداته وفنياته.

حضور الشباب.. أجيال واعدة ذات مستقبل مشرق

من بين الجوانب الجيدة في هذا العام، ذلك الحضور القوي للشباب أو الأجيال الجديدة الوافدة إلى جوانب الصناعة السينمائية، فإذا شُحذت مهاراتها وصقلت مواهبها فسيكون مستقبلها باهرا. وهذا فيما يتعلق بالتقنيين أو الممثلين المشاركين في الأفلام الروائية، ومعظمهم هواة غير محترفين، يقفون أول مرة أمام وخلف الكاميرا.

ومع أن أفلام هذا العام كانت متنوعة من حيث تباين الأفكار والموضوعات والمعالجات والأساليب والطرح، فإنها تكاد تتطابق في فكر يعكس كثيرا من العوامل المشتركة؛ مشكلات متعلقة بهموم وخيبات أمل وتطلعات مجهضة ومستقبل غامض لدى الأجيال الجديدة، من السودان ومصر إلى تونس وفلسطين مرورا بلبنان.

والقاسم المشترك هو رفض الماضي، وعدم الرضا التام عن الحاضر، والرغبة الحارقة في استشراف أفق غامض جدا، والخوف الكبير من مستقبل في غاية الضبابية والسوداوية، أو على الأقل غير مشرق أو براق أو واعد.

كما أن ثمة رغبة مسيطرة بالرحيل أو المغادرة أو الفرار، مجازيا أو واقعيا، لكن مع الأسف، كل شيء مجهض أو معطل أو مؤجل، كعادة أغلب الأمور في عالمنا العربي.

سودان، تذكرنا”.. قصص من حكايات الثورة السودانية

في جديدها “سودان، تذكرنا” أو “سودان، يا غالي”، ترسم لنا المخرجة التونسية هند المؤدب صورة للسودان المعاصر، خلال السنوات الماضية التي مزقته فيها الانتفاضات والثورة والحروب والانقلاب والديكتاتورية العسكرية، واختطاف بلد وأناس ومقدرات شعب لوجهة ومصير غير معلومين.

وقد أرادت المخرجة أن يكون فيلمها على هيئة قصيدة ورسالة حب مفتوحة للسودان وأهله، لكن الفيلم لم يسفر عن جديد، ولم يأت بمغاير عن ما عهدناه في وثائقيات أخرى صنعت عن ثورات الربيع العربي في بلدان شتى، أخرجها مخرجون عدة، فقد صنع أغلبها على عجل أو تحت ضغط الموضوع، أو كان أسيرا لرصد اللحظة والإمساك بكل ما يُصوّر، من غير تفكير في إفادة المشاهد أو الخروج بجديد، ناهيك عن جماليات صورة وبناء وتكوين.

تنطلق المخرجة في رحلة ببيروت، متنقلة في أحيائها وفضاءاتها، مستعرضة المدينة المؤثرة في حياة بغدادي، فتلتقي زوجته ومقربين وعاملين معه، مستعرضة محطات عدة ومتنوعة من حياته ومسيرته وشخصيته، على خلفية المشهد الاجتماعي والسياسي، وفي مقدمته الحرب بلا ريب.

كما تستعين بمادة أرشيفية من أعمال مارون الروائية أو الوثائقية، ولقاءات وحوارات قديمة مسجلة، وبعض صوره الفوتوغرافية. وما يثيره الفيلم أكثر من أي شيء هو تأكيده أن تاريخنا العربي عموما واللبناني خصوصا، إنما هو تكرار لنفس المآسي التي ستظل تتوالى، ما لم يحدث تغير جذري ببنية النظم والمجتمعات، وقبلها طرق التفكير.

ترافق اختيار بغدادي بالأساس مع ذكرى مرور 30 عاما على رحليه، والمثير أنه احتفاء بأحد أخلص السينمائيين العالِمين ببواطن المجتمع اللبناني، على اختلاف ثقافاته وأمزجته وطوائفه وبنيته، وهو موغل كثيرا وبعمق في التعبير عن دواخل لبنان أفرادا ومجتمعا.

لكن الفيلم لم يأت بجديد أيضا فيما يتعلق بسينما بغدادي وفكره وكيانه، والاشتباك مع هذا كله على مختلف المستويات، فما تركه بغدادي يستحق فعلا الاشتباك معه على أكثر من مستوى، لكن المخرجة لم تشأ المضي أكثر لتجاوز مجرد إنجاز فيلم تعريفي مهم عن المخرج الراحل، أو وثيقة تسهم في التعريف به وبفنه وهمومه وسينماه.

ولا شك أن مثل هذه الأفلام الاحتفالية والتعريفية ضرورية جدا، لا سيما مع انتشار حالة الجهل والقطيعة والانعزال السينمائي في عالمنا العربي عن ماضينا القريب، والشخصيات الفارقة فعلا في صناعة السينما. وحبذا لو تتولى قنوات متخصصة أو جهات وصناديق إنتاج مثل هذه الأفلام، وأن لا تقتصر على المخرجين أو الممثلين فحسب، بل تمتد أيضا لتشمل العاملين في مختلف جوانب الصناعة، وبعضهم أساطين يستحقون التعريف والذكر والتذكير بهم أيضا.

البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو

البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو” هو الروائي الأول للمخرج خالد منصور. ومع أنه سهل التلقي يسير الحبكة والخيوط والمواقف والحوارات والشخصيات، فثمة صعوبة في التفاعل مع الفيلم إجمالا، بداية من عنوانه الطويل غير الملائم، ثم التعاطف مع بطله، وتقبل أزمته والتماهي معها.

هناك عدة أسباب لا علاقة لها بتكرار أو نمطية حكاية وسرد، بل هي راجعة لبنية الشخصية نفسها وتطورها، إن حدث تطور حقا، ولكيفية تقديمها على الشاشة، ومحاولة إقناعنا بعوالمها ومشاكلها، ناهيك عن الأداء التمثيلي متفاوت المستوى، فهو غير منضبط ولا مقنع بتاتا.

ربما لو جرى الاشتغال أكثر على السيناريو وإحكامه، وحذفت الخيوط غير الضرورية، وأعيدت صياغة الحوار، ودُرب الممثلون أكثر، لانتقل الفيلم دراميا ونفسيا وفلسفيا نقلةً نوعية كبرى، تكاد توازي أو تفوق الاشتغال أو الجهد المبذول والمتحقق على مستوى الصورة والتصوير الخارجي، وغيرهما من المفردات الفنية والجمالية التي اشتُغل عليها.

ينتمي الفيلم للدراما الاجتماعية، ولم يفلح في أن يكون فيلم مغامرة أو تشويق أو دراما نفسية، وتدور أحداثه حول حسن، وهو شاب ثلاثيني يضطر لمواجهة مخاوفه، والمجازفة في رحلة محفوفة بالخطر، وبالأمور العبثية والخيالية بعض الشيء، لإنقاذ كلبه وصديقه الوحيد المخلص “رامبو” من موت مؤكد، وذلك بعدما هبّ ذات ليلة لنجدة صاحبه حسن.

لكن هل اضطر حسن لمواجهة مخاوفه، أم أجبرته الظروف ودفعته دفعا؟ تتوالد من ذلك أسئلة معلقة كثيرة.

معطر بالنعناع”.. إسقاطات غامضة وتصوير مبهر

نافس الفيلم المصري “معطر بالنعناع” للمخرج محمد حمدي في مسابقة “أسبوع النقاد”، وأفلامها ذات سينما فنية ونوعية مختلفة ومغايرة، تستخدم أساليب واقعية ووثائقية وتغريبية وتجريدية أحيانا، وغالبا ما تعمل على توظيف المجاز والخيال ومفارقة الواقع، لنسج عوالمها وتجاربها الخاصة جدا.

ويمكن وصف هذه الأفلام بأنها ليست مخصصة للجمهور العادي، فهي لا تخاطبه أو تستهدفه في المقام الأول، بل يعسر جدا على المتفرج العادي -وحتى المغرم بالسينما- أن يتحمل أو يصبر أمام هذه المشاهد والإيقاعات والحوارات والديكورات، للمتابعة وفهم إحالات وإسقاطات أغلبها غامض ومجهد ومعقد، وربما متحذلق حد الافتعال وانتفاء المصداقية.

هذه العقبات يستطيع المتخصصون والنقاد الصبورون تجاوزها وتحملها، لكن يستعصي الدفاع عن كونها تنطوي على إثارة ومتعة وتشويق للجمهور العادي.

وينطبق أغلب أو بعض ما سبق على “معطر بالنعناع”، وليس مرد الأمر لصعوبة القصة، أو انتفاء خيوط الحبكة، أو استحالة استيعاب الشخصيات ودوافعها وإيقاعاتها، نظرا لأنه في النهاية ثمة حكاية تدور حول علاء، وهو طبيب في مستهل الثلاثين، تزوره في عيادته أصناف شتى من البشر المصابين بأشياء عجيبة، أبرزهم صديقه القديم مهدي، وهو مصاب بظاهرة غريبة، فتراه ينمو النعناع على جسده عندما يتذكر أو يتألم أو يحزن.

شخصيات الفيلم المسكونة بالحزن والحنين والذكريات المؤلمة تطاردها الأخطار والماضي والهموم الحياتية، وهي تحاول الهرب من ذلك بتدخين الحشيش وتغييب وعيها بلا انقطاع. ومن ناحية ثانية، يلاحقها أيضا بضعة أفراد مجهولين، لا نراهم أبدا، في شوارع بلدة خاوية متهالكة.

أثمة خروج من هذا الكابوس؟ هل الصافرة التي ينتظرها الجميع بمثابة إشارة لمرفأ أمان وتوقف عن الركض في الطرقات والارتياح أخيرا؟ ما من إجابات واضحة أبدا، بل يزداد الغموض ويتعمق أكثر فأكثر.

بعيدا عن تناول البنية الدرامية والهيكل السردي ونسج الشخصيات وتطورها، يبرز الفيلم على مستوى الصورة بشكل لافت ومتميز، وربما غير مسبوق منذ وقت طويل في السينما المصرية والعربية. وقد ساعد على هذا بالتأكيد تنفيذ ديكورات رائعة للغاية، سهّلت للمخرج وضع شخصياته داخل الإطارات بمنتهى الأريحية، وتوزيع الإضاءة باحترافية، والاشتغال على الألوان والظلال وتناسقها، وإتقان تنفيذ أغلب مشاهد الفيلم.

ويضم الفيلم إطارات يمكن للمبتدئين -بلا مبالغة- دراستها والتعلم من جمالياتها، وذلك أمر يرجع بالأساس لكون المخرج يعمل بالتصوير، وعمل من قبل مدير تصوير لأكثر من فيلم، لذا تجلت في فيلمه الأول جماليات التصوير، والاشتغال على الإطار بمختلف مفرداته. لكن من دروس السينما أنه يصعب على الجماليات الفنية مهما بلغت ذروتها وألقها، أن تحمل على عاتقها مهمة نجاح أي فيلم، إلا فيما ندر جدا.

عائشة”.. دراما اجتماعية وسياسية ذات نقد لاذع

من الأفلام الجيدة التي نافست في مسابقة “آفاق” فيلم “عائشة”، وهو دراما اجتماعية ونفسية، لكن سياسية في المقام الأول، وقد أخرجه التونسي مهدي البرصاوي، وكان قد شارك في المسابقة عام 2019. وقد نال بطل فيلمه “بيك نعيش” سامي بوعجيلة جائزة أحسن ممثل.

وفي هذا الصدد، كانت بطلة فيلمه الصاعدة فاطمة صفر تستحق عن دور “آية” جائزة أحسن ممثلة، نظرا لصدق الأداء واستيعاب الشخصية وموهبتها اللافتة.

تدور أحداث الفيلم حول شابة تنجو بمعجزة من حادث سيارة كاد يودي بحياتها، فيدفعها ذلك لترك حياتها السابقة والشروع في رحلة تعيد معها كل شيء إلى نقطة الصفر، ثم البدء من جديد، باسم وهوية وكيان مختلفين، فهل تنجح هذه الولادة القيصرية، أو يلاحقها حظها العاثر؟

المثير في الأمر أنه كان من الممكن جدا أن ينتزع الفيلم جائزة أفضل سيناريو، نظرا لحسن صياغة القصة وتماسك الحوار، وتقديم شخصيات ذات أبعاد صادقة وعميقة، من لحم ودم إلى حد بعيد، وكونه الفيلم الأكثر جرأة بين الأفلام المعروضة في نقده وإدانته للمجتمع والسلطة والدولة والفساد، مع أنه تقليدي من حيث الحكاية والمعالجة، لكن ربما لتقليدية المعالجة والطرح، ذهبت جائزة السيناريو للفيلم الفلسطيني “إجازة سعيدة”.

ينعاد عليكو”.. قصة من حيفا تخطف جائزة أفضل سيناريو

هناك كثير مما هو مميز فعلا في فيلم “ينعاد عليكو” للفلسطيني إسكندر قبطي، لا سيما فيما يخص معالجة وتقديم الحبكة، وظروف ومصائر ودواخل الشخصيات، وربط هذا كله بخلفيات اجتماعية وثقافية ودينية، وتحديدا ذات صبغة وإحالات وإسقاطات سياسية وعنصرية الطابع على ما يحدث في الداخل الفلسطيني، وتحديدا في مدينة حيفا مسرح الأحداث.

صحيح أن إسكندر يضفر السيناريو والأحداث والشخصيات، ويربطها جيدا بواقعها وخلفياتها المعقدة والإشكالية، سواء على الجانب الفلسطيني أو الإسرائيلي، وينتقد البنية القمعية الذكورية الاستبدادية وضحيتها المرأة، بقوة وعمق أكثر من فيلم “عائشة”، لكن السيناريو لم يكن الأكثر قوة وإثارة وتشويقا وإقناعا وحبكا، مع أنه هو من خطف الجائزة.

وسبب الإعجاب ربما يكمن في تقديم الموضوعات الشائكة بطريقة سردية غير خطية، عبر أربع حكايات منفصلة متصلة، تروى أو نراها من وجهات نظر مختلفة.

وما يجعلنا نقف على ما حدث لأفراد تلك العائلة الفلسطينية التي يواجه ابنها الأكبر مشكلة مع حبيبته الإسرائيلية، في حين تعاني أخته من مشكلة تعصف بحبها مع الطبيب صديق أخيها، والتخطيط لزواجها المرتقب منه والمعقود عليه آمال عائلتها الثرية التي انحدرت أحوالها فجأة، وباتت على وشك انهيار وإفلاس وشيكين.

ومع الانتقال إلى الجهة المقابلة، نعاين الشخصيات الإسرائيلية والوجه الآخر للحكاية، مما يسهم في انجلاء الكثير من الأمور.

من يحب الشمس”.. يوميات عامل بسيط في الشمال السوري

من الأمور المثيرة للغاية هذا العام في مسابقة قسم “آفاق للأفلام القصيرة” فوز الوثائقي “من يحب الشمس” للكندي السوري أرشيا شكيبا بجائزة المسابقة.

وفيه يعود المخرج مرة أخرى إلى سوريا، وتحديدا الشمال الذي دمرته الحرب، فيرصد لنا قصة محمود العامل البسيط، خلال يوم عمل شاق في ظروف خطيرة جدا وغير آدمية بتاتا، لكسب قوت يومه باستخلاص وبيع بعض السولار والمازوت والبنزين.

كل ذلك في صورة بالغة الجمال والكابوسية واللامعقولية، ومن غير أي استخدام أو توظيف لمؤثرات خاصة، ودون حوار إلا بضعة كلمات.

 

الجزيرة الوثائقية في

15.09.2024

 
 
 
 
 

الحجرة المجاورة:

جماليات الموت بلغة بيدرو ألمودوفار

فينيسيا/ محمد هاشم عبد السلام

هل حاول بيدرو ألمودوفار إنجاز "بيرسونا" خاصته؟ ففي "الحجرة المجاورة"، الفائز بـ"الأسد الذهبي" في الدورة الـ81 (28 أغسطس/آب ـ 7 سبتمبر/أيلول 2024) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي"، بدا تأثّره به شديداً، بقصدٍ أو من دونه، أو استلهاماً منه لتحفة السويدي إنغمار برغمان (1966). ليس فقط لوجود بطلتين، بل لمشتركات كثيرة تحيل إليه.

صحيحٌ أنّ الشخصيتين لا تندمجان معاً، ولا يوجد تماه أو تطابق بينهما، كما في فيلم برغمان. لكنّ مشاهد كثيرة تتقاطع معه: عناق إنغريد (جوليان مور) لمارتا (تيلدا سوينتن) الجالسة أمام جهاز الكمبيوتر. نوم إنغريد ببطء إلى جوار مارتا، وتعمّد اللقطة إخفاء وجه الأولى ببطء خلف رأس الثانية، بينما تضع إنغريد رأسها على الوسادة.

في الملصق، يتّحد وجهاهما معاً، وإنْ بطريقة متعاكسة. هذا يُحيل إلى لقطات مُقرّبة التقطها برغمان لوجهي بيبي أندرسن وليف أولمان. لدى ألمودوفار لقطات مقرّبة لوجهي مور وسوينتن معاً، أو لكلّ منهما على حدة. أمّا اختلاف الحبكة فليس كبيراً، رغم تباين الموضوعين: في الحبكتين، هناك امرأتان إحداهما تعاني، والأخرى تقف إلى جانبها.

تعاني مارتا سرطان الرحم، في مرحلة متقدّمة. لم يعد لديها الكثير. تعاني آلام الموت، وصعوبة مفارقة الحياة. لم تتوقّف يوماً عن رغبة العيش والعمل والاستمتاع بالحياة. لكنها سئمت من محاربة خوف أنّها ستموت قريباً. تكتشف ما ستفعله حيال ذلك. فجأة، تعلم صديقتها القديمة إنغريد بالأمر. تهرع إليها في المستشفى. تتجدّد الصداقة وتتعمّق أكثر، مع تكرّر الزيارات، وتدهور الحالة. أخيراً، توافق إنغريد على أنْ تكون رفيقة مارتا في الحجرة المجاورة لحجرتها، في بيتٍ بعيد تودع فيه مارتا الحياة بكامل إرادتها.

ينضح الفيلم، الشيّق والجذّاب والممتع، بإنسانية وعمق ورقّة، رغم المرض والموت. ينسج ألمودوفار أحداثه من دون استطراد وتكرار وملل وإطالة، من لا شيء تقريباً. هذا يؤكّد براعته كاتب سيناريو ماهرا، يعرف كيفية معالجة موضوعه برهافة، وطرح وجهة النظر بسهولة وسلاسة. يُصرّ على ألا يكون "فيلمَ قضية"، رغم طرحه قضية خطرة تُثير نقاشاً، وغير محسومة، ومجرمة في أماكن كثيرة في العالم، يُمرّر "القضية" بسلاسة وهدوء وعقلانية، ومن دون انحياز وإقرار بأنّ ما فعلته مارتا صواب أو خطأ، أو دعوة إلى تأييد أو تقييد حرية فعل كهذا.

لم يُظهر ألمودوفار أن ما فعلته إنغريد (مرافقة مارتا في إنهائها حياتها) جريمة أو مساعدة على اقتراف جريمة، أو تصرّف يستوجب عقاباً، بل فعل شجاعة وقوة داخلية وإيمان بالحرية، ودعم وتعاضد وعدم تخلّ عن صديقة في محنة. رغم ما ينطوي عليه الأمر من خطورة، نظراً للتبعات القانونية المترتبة على ذلك حال انكشافه وثبات علمها به مسبقاً.

أكثر ما يلفت في الفيلم، بعيداً عن السيناريو والحوار الدقيق المحسوب وبراعة الأداء، التصوير الحيوي لإدوارد غْرَاو، وجهد سبعة فنّيين صنعوا هندسة المناظر والديكور والأزياء والمكياج بهذا الجمال والثراء والألق والتنوّع، مع توزيع متناسق للألوان الحارة والدافئة، وحضور لوحات تشكيلية وفوتوغرافية على الجدران، وتصميم الملابس وتناسقها مع الأثاث، ونعومة الإضاءة المقبلة من الخارج أو من المصابيح الخافتة.

تجلّى جمال الديكور في حجرة المستشفى، شديدة البساطة والتأنّق، وفي المنزل خارج المدينة، بالغ الفخامة والرقّة والرومانسية، حيث تقضي مارتا أيامها الأخيرة. هذا يجعل التكوين البصري النهائي شديد الجاذبية والجمال، ولا يُمَلّ من النظر إلى الإطارات، بتفاصيلها الجميلة والمبهجة، رغم الموت المُطلّ عبر الشخصية، والمُهيمن على الفيلم.

المُثير أنّ الأحداث في نيويورك، لكنّها لا تظهر أبداً، بل فقط انعكاس ناطحات سحاب عبر الزجاج، أو أفق مفتوح وبنايات وثلج يتساقط. الخروج غير مطروح كثيراً، واللقطات الخارجية قليلة. لم يجازف ألمودوفار كثيراً في أرض ليست أرضه.

الأبرز والأجمل، والأكثر إسهاماً في نجاح "الحجرة المجاورة" وعمقه ماثلٌ في الـ"كاستنغ". للمخرج قول فصل فيه، وهو بارع دائماً في اختيار بطلات أفلامه. حسن اختياره تيلدا سوينتن في دور مارتا المريضة، وجوليان مور صديقتها، له أثرٌ بالغٌ في مصداقية فيلمه وجماله وسلاسته، وفي تقبّل الموضوع، والتقاط مشاهد عادية وصعبة، وحضور الممثلتين في معظم المشاهد. هذا يبرز أهمية المهنة وفنّيتها، وضرورة الالتفات إليها لإنجاح أي فيلم. لا مبالغة في القول إنّه لولا وجود سوينتن ومور لما نجح الفيلم، إذْ استطاعتا، ببراعة وحِرفية وبنبرة صوت وأداء جسد وصدق انفعالات صُنع الفيلم. هذا غير معقود على فرادة كل منهما وتمكّنهما، بل على كيمياء خاصة بينهما، أوجدت انسجاماً ملحوظاً يُصدَّق.

رغم البياض الشديد لوجه سوينتن، الموحي بشحوب وشفافية وصدق، وبالمرض أيضاً، برع ألمودوفار في توظيفه لإبراز مراحل مرض مارتا. استعان بمكياج دقيق وبارع ومحترف طبعاً: وجهٌ شاحب بسبب الموت الوشيك يتزيّن بأحمر شفاه قان، خالقاً من وجهها بورتريه يشعّ قوة وجمالاً وخوفاً، وموتاً. في الجزء الأخير، تجلّى استخدام المكياج بشدة، فبعد وفاتها، تحضر ابنتها (سوينتن) للقاء إنغريد، لكنّ الممثلة مغايرة كلّياً: صغيرة ونضرة وجميلة، وقَصّة شعر مختلفة، تصلح لأن تكون ابنة مارتا. لكنّ هذا الجزء زائدٌ وغير مقنع، بل الأضعف، كما ظهور سوينتن في هيئة جديدة.

أمّا وجه جوليان مور فجميل وحيوي ونابض بالحياة والصحّة، رغم تقدّم العمر. هذا أوجد تناقضاً، مقارنة بالوجه المريض لسوينتن. هذا يبرزه اللون الأخضر الحيوي، المُشعّ بدرجاته المختلفة، الذي ترتديه مارتا. وجه مور ليس مُحبّباً فقط بما هو إطلالة مشرقة في فيلم قاتم، بل إنّه، لرقّته وصدقه وتفاعله وحيويته المؤثّرة، يُثير شعوراً بأنّه صالح لصديق حميم ومخلص وكاتم أسرار. كما أنّه يحضّ على الدردشة والبوح والثرثرة، من دون أنْ يُمَلّ من رؤيته.

"الحجرة المجاورة" ليس أقوى أفلام ألمودوفار، ولن يُذكر كثيراً بين أفلامه إلاّ عند ذكر جوائز حاصل عليها، أو من تلك التي يحضر الموت فيها، وهذه ليست قليلة، أو ذات جماليات بصرية لافتة، ليست قليلة أيضاً. ليس أفضل الأفلام التي ناقشت قضية الموت الرحيم، والرغبة في مفارقة الحياة، وتجنب الألم والعذاب، ومعاناة الاحتضار وآلام السرطان. مع ذلك، إنّه أكثر الأفلام المتناولة للموضوع رقة ودفئاً وسهولة متابعة وتفاعل وتأثر، وإثارة للتفكير. وأقلّها حزناً وابتزازاً للمشاعر. الأهمّ أنّه الأقلّ ميلودرامية وابتعاداً عن كليشيهات معتادة ومبتذلة، وحوارات مُكرّرة، وأداء مفتعل. أحياناً، يُستَمْتَع بفنّية الموت، مع موسيقى ألبرتو إيغليسياس، المكتوبة للتشيلو والكونترباص وغيرهما.

 

العربي الجديد اللندنية في

15.09.2024

 
 
 
 
 

مهدي برصاوي: «عايشة» تبحث عن الحق في الحياة والحرية

منى شديد

بينما يعود التونسيون إلى الشوارع للاحتجاج من جديد دفاعًا عن الحقوق والحريات التي قامت من أجلها ثورتهم في عام 2011، يحتفي العالم بفيلم «عايشة» Aicha ثاني الأفلام الروائية الطويلة للمخرج التونسي مهدي البرصاوي، والذي يدافع عن حق الشباب في الحياة والبحث عن الحرية ورفض السلطة الأبوية أو الأمنية، والذي عرض عالميًا للمرة الأولى في  الدورة الحادية والثمانين لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي ضمن مسابقة أوريزونتي.

واعتبر مهدي العرض في فينيسيا «شرفًا كبيرًا لأنه نافذة مهمة على العالم»، مضيفًا أن الأهم بالنسبة له أن «يمس الفيلم المشاهدين ويدفعهم لطرح التساؤلات»، معربًا عن سعادته بردود الأفعال التي تلقاها من جمهور عالمي ينتمي لثقافات ومجتمعات مختلفة، وأنه في انتظار عرض الفيلم في الدول العربية وخاصة في تونس، ويتمنى أن يؤثر في الناس.

في نهاية عام 2019، انقلبت حافلة سياحية في منطقة جبلية بالشمال الغربي التونسي، ووصل عدد ضحايا الحادث إلى 26 شخص إضافة إلى عديد من المصابين وكان أغلبهم شباب تتراوح أعمارهم بين الـ 20 والـ 30 عامًا، ويشير مهدي إلى أن هذا الحادث ارتبط بواقعة شهيرة أثارت ضجة كبيرة في تونس آنذاك، حيث قررت فتاة شابة استغلال الحادث لاختبار حب والديها لها، وطلبت من صديقتها إخبارهما بأنها ماتت!

ويضيف «لم أتوقع وقتها أن تكون هذه فكرة فيلمي الثاني، ولكن بعد عدة أشهر حملت زوجتي في ابنتنا، وبشكل أتوماتيكي تخيلت لو أن ابنتي فعلت الشيء نفسه معي كيف سيكون موقفي، ومن هنا بدأت الفكرة تتطور ودفعتني للتساؤل، لماذا في وطننا العربي يجب أن يموت الإنسان حتى يشعر بالحرية والتقدير؟ إذا مات أحدهم يصبح مقدسًا بسبب ما يعرف بحرمة الميت، والقاعدة التي تقول إنه لا يجب أن نتحدث عن الميت بالسوء».

الحياة عبر الموت، هي الفكرة الأولى التي دفعت مهدي للعمل على الفيلم، والذي يصر على تسميته بـ «عايشة» بالعامية وليس الاسم العربي «عائشة»، لأنه فيلم عن الحياة و«عايشة» معناها أنها حية، ويقول إن الفيلم محاولة لفهم ما يحدث في مجتمعاتنا العربية وفي تونس بشكل خاص، فـ «الضغط الواقع على الشباب والنساء تحديدًا في مجتمعاتنا العربية كبير جدًا، نحن لا نعيش وإنما على قيد الحياة فقط، الفيلم يحكي عن مواضيع مختلفة، عن أزمة الهوية ومعناها، عن الحياة بمعناها الشامل، أن تكون حيًا لا يعني دخول النفس وخروجه فقط، وإنما الإحساس بالحياة والاستمتاع بها، أن تمتلك قرارك لتصنع ما تحب، في إطار احترام الحريات الشخصية للآخرين».

ويضيف مهدي «لا أفهم لماذا نشعر في مجتمعاتنا العربية أنه ليس لنا الحق في حياة جميلة وجيدة، ولا أقصد هنا سوى الأشياء البسيطة مثل الشوارع النظيفة والأرصفة، الفيلم يحكى عن كل هذه الأِشياء، النفس لا يعنى أننا نعيش حقا، نريد أن نعيش، لهذا السبب تحديدا ثارت مجتمعاتنا في 2011، ولا نعرف الآن ما الذي تبقى من الثورات، ولكن ما يظهر لي هو أن الناس لا يزال لديهم الرغبة في حياة أفضل وهذا لم يتحقق بعد».

الفيلم يطرح العديد من القضايا، لكنها تسير في اتجاه واحد وهو رحلة الشخصية الرئيسية (آية أو أميرة أو عايشة) التي تمر بالعديد من العقبات والمراحل خلال الرحلة، تؤثر فيها وتغير شخصيتها، وتجعلها تدرك المعنى الحقيقي للحياة والحرية. يشير مهدي إلى أنها في البداية شخصية مسكينة تقع تحت ضغط كبير وتتحكم فيها السلطة العائلية، ولا تستطع اتخاذ قراراتها بنفسها، تتخيل أن الحياة في تونس العاصمة هي حياة الحرية التي تحلم بها، بلا قيود أو التزامات، لكنها تتعرض للقهر وتصطدم بضغط أخر وسلطة أكبر متمثلة في جهاز الشرطة، الذي يعد في عالمنا العربي المؤسسة الأمنية صاحبة اليد العليا، ويمارس السلطة الأبوية والعائلية أيضا على الشعب، وعليها أن تجد طريقها للحياة والتحرر من الذنب وامتلاك ارادتها.

النجاح الذي حققه الفيلم الروائي الطويل الأول لمهدي «بيك نعيش» في عام 2019، وضعه أمام تحدي كبير في فيلمه الثاني «عايشة» لأنه تجربة مختلفة، يتمنى لها أن تحظى بالقدر نفسه من التأثير والنجاح.

يوضح مهدي أن العمل على «عايشة» استغرق نحو ثلاث سنوات ونصف، وأن الصعوبة الأكبر كانت في مرحلة الكتابة نفسها، لأن «السيناريو يمر بمراحل عديدة ويطرح قضايا متعددة، لا بد أن يشعر المتلقي أنها مقبولة وأصيلة دراميًا وليست مقحمة أو مفروضة على رحلة البطلة». وكانت المشكلة الثانية في المونتاج الذي يعتبره مهدي الكتابة الأخيرة للفيلم ومن خلاله تصل رؤية المخرج والصوت النهائي للفيلم، لذلك حرص على العمل عليه فترة معقولة مع المونتيرة كاميل توبكيس «دون أدنى استعجال».

منذ عام 2011 طرأت العديد من التغييرات على العالم العربي، ويرى مهدي أن أفلام صناع السينما العرب أصبحت تحكي أكثر عن القضايا الاجتماعية، في محاولة لفهم مجتمعاتهم ومناقشة القضايا حتى تساعدنا على فهم بعضنا وطرح التساؤلات والبحث عن طرق لتحسين العلاقة بين الشعب والسياسة والسياسيين، ويقول «أنا من مواليد عام 1984، وعندما كان عمري 3 سنوات في عام 1987 جاء بن على بعد بورقيبة، وعشت حياتي كلها تحت نظام بن علي، وكنت بعيد تمامًا عن السياسة ولم يكن لدي ثقافة سياسية، ولكن في 2011 شعرت أني امتلكت جمهوريتي من جديد، وأصبحنا ننظر إلى المستقبل بإيجابية. صحيح أن هذه الحالة الإيجابية لم تعد موجودة مع الأسف، ولكن لا بد أن نحافظ على تفاؤلنا بالمستقبل، لا أعرف إذا كانت السينما قادرة على التغيير أم لا، ولكن رأيي أن الأفلام حتى لو لم تغير؛ فهي تساهم في التغيير، وهذا في حد ذاته شيء مهم جدا».

جسدت الفنانة فاطمة صفر شخصية (آية أو أميرة أو عايشة)، وتقول عنها إنها شخصية مختلفة تمامًا عن كل ما قدمته من قبل سواء في التليفزيون أو في فيلمها الطويل الأول. فالشخصية تمر بمراحل مختلفة تغيرها وكأنها في كل مرة تولد من جديد. وتحمل الشخصية كثير من المشاعر والحوارات الداخلية التي كان عليها اكتشافها خطوة خطوة أثناء العمل على الفيلم وخلال فترة التحضيرات، من فتاة من مجتمع محافظ في مدينة توزر جنوب تونس إلى عاملة بفندق ترى فيه عالم منفتح وأناس من جنسيات مختلفة، وتتمنى أن تحظى بفرصة لتعيش هذا العالم، وتنتهز الفرصة عندما تجدها وتنطلق إلى تونس العاصمة لكنها تصطدم بواقع تجهله».

وتشير فاطمة إلى أن البحث عن الحرية ضرورة في الحياة، فالحرية ليست شيئا ملموسا نحصل عليه، علينا أن نمر بالتجارب حتى نجد ما نريده منها، فرحلة البحث عن الحرية تفتح أفاقًا أخرى وحتى لو كانت النتائج سيئة أو إيجابية، البحث نفسه أفضل من الثبات في المكان وعدم اختبار أي شيء في الحياة والاستسلام لإيقاع رتيب.

يجسد نضال سعدي شخصية (فارس) رجل شرطة يمارس الضغط على آية، لكنه يغير مسار الأحداث في النهاية. يقول نضال عن شخصية فارس إنه اعتبر قضية عايشة فرصة للانتقام لثأر أخيه الضائع منذ سنوات، وتعويض عقدة الذنب التي تملكته منذ أن أصبح جزءًا من نظام فاسد ظالم، يساند مجرمين في الفرار بجريمتهم ويسمح بتكرارها، لذلك يحاول فارس الضغط على آية لتعترف بالحقيقة، مضيفًا «أصعب ما في شخصية فارس أن المتفرج لا يعرف بشكل قاطع في أغلب الأحداث إذا ما كان فارس يرغب في مساعدة آية أم توريطها في فخ، لذلك اعتمد الأداء بشكل كبير على نظرات العين والتصرفات».

ويرى نضال أن قضية فارس وآية موجودة في العالم كله وليس في الوطن العربي، فتيات مقهورات من السلطة الأبوية ويحلمن بتغيير حياتهن، وشباب لا يرضى عن واقعه، مؤكدا أن حتى ممارسة الشرطة للسلطة الأبوية على أفراد الشعب، أثبتت السنوات الأخيرة أنها لا تقتصر على البلدان العربية فقط وإنما تمارسها الشرطة في أنحاء العالم، وشهد العقد الأخير العديد من الوقائع التي تشير إلى ذلك.

«عايشة» بطولة فاطمة صفر ونضال سعدي وياسمين ديماسي وهالة عايد وسيناريو وإخراج مهدي برصاوي، وإنتاج مشترك من تونس وفرنسا وإيطاليا، والسعودية وقطر ومن المتوقع عرضه في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، لحصوله على جوائز دعم إنتاج من المهرجان.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

15.09.2024

 
 
 
 
 

عصام عمر: "رامبو" فيلم شعبي كسر قاعدة أفلام المهرجانات الموجهة للنخبة

قال لـ"العربية.نت" إنه يتمنى أن يغير فيلم "البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو" وجهة نظر الجمهور

العربية.نت - محمد حسين

بخطى ثابتة يصعد الفنان عصام عمر سلم النجومية وسط فرحة كبيرة من الجمهور، الذي تعلق به في كل أدواره منذ البداية، فلم يكن النجاح سهلا، كان عليه خوض السلم من البداية والمعافرة حتى يلقى النجاح.

وفي حديثه مع موقع "العربية.نت" كشف عصام عن سعادته بعرض فيلمه "البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو" في مهرجان فينسيا بدورته الـ81 ومنافسته على جائزة الأسد الذهبي، وتحدث عن سر حماسه للفيلم، ودوره خلال العمل، وقصة الفيلم التي تدور عن الاغتراب.

وتحدث أيضا عن كواليس العمل مع الفريق، وكيف حضر للشخصية وعلاقته بالكلاب، وكشف أيضا عن أمنياته تجاه أفلامه، وأن تغير نظرة المجتمع تجاه العديد من الأشياء، وكيف يختار أدواره ويحاول التطور والبعد عن الأدوار النمطية أو التي تشبه بعضها وكشف عن أعماله في الفترة المقبلة.

وأعرب الفنان عصام عمر عن سعادته الشديدة بعرض ومشاركة فيلمه "البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو" ضمن فعاليات مهرجان فينيسيا بدورته الـ 81، حيث عبر عن فخره بهذا الحدث لأنه لم يشارك أي عمل فني مصري في المهرجان منذ 12 عام وهذا ما جعله يشعر بهذه السعادة الغامرة وتصفيق الناس له هناك قائلا إن هذا كله من نعمة ربه عليه وفضله.

التدريب للتعايش مع الكلاب

وقال عصام إنه تحمس للغاية منذ عرض الفيلم عليه قبل أكثر من سنتين لقصته غير الاعتيادية وتفاصيله المختلفة، وقد تدرب كثيرا حتى يصل لهذه المرحلة من التعايش مع الكلاب.

وأكد عصام أن الفيلم تدور قصته عن فكرة الاغتراب ومواجهة مخاوف الماضي وليس عن علاقة شخص بالحيوانات، ففيلم البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو، يدور في إطار درامي حول حسن الشاب الثلاثينى الذي يعيد اكتشاف نفسه مرة أخرى ويضطر لمواجهة مخاوف ماضيه خلال رحلته لإنقاذ كلبه وصديقه الوحيد رامبو من مصير مجهول بعدما تورط في حادث خطير من دون ذنب، ليصبح بين ليلة وضحاها مطاردًا من قبل كارم، جار حسن، وجميع أهالي الحي.

وأضاف عصام أنه يحاول طوال الوقت التطور وعمل أفلام تهم الجمهور بأفكار مختلفة ولكن يستطيع الجميع فهمها والتفاعل معها حتى يكسر قاعدة أن أفلام المهرجانات موجهة للنخبة وهذا ليس صحيحا ففيلمه يستطيع عامة الشعب مشاهدته وفهمه لأنه شعبي وتفاصيله تهمهم.

وعن التعامل مع الحيوانات قال عصام إن هناك مفهوما خاطئا بين الناس عن فكرة عدم شعور الحيوانات بأي شيء فهذا شيء غير صحيح بالمرة، والحيوانات تشعر وتنجرح فهي من مخلوقات الله وواجبنا رعايتها والاهتمام بها وهذا من ضمن أهدافه التي يطمح لها أن يغير الفيلم من وجهة نظر الجمهور، فهو يتمنى أن يقدم أشياء تهم المجتمع وتغير من نظرتهم للعديد من الأمور.

وتحدث عصام عن كواليس الفيلم قائلا إنه "تعلم مثير" وسط أساتذة مثل الأستاذ محمد حفظي المنتج والمخرج خالد منصور فلقد وثقوا بقدراته التمثيلية وموهبته وأسندوا له فيلما طويلا وهذا شيء يعزز من فخره، كما تحدث عن صداقته مع الفنانة ركين سعد قائلا إنه تجمعهما صداقة قوية وهي ممثلة شاطرة للغاية وجميلة وأحب العمل معها خلال الفيلم والإعلان في رمضان وسيحب إذا جمعتهما أي من الأعمال مرة أخرى.

الخروج خارج خانة الكوميديا

وأضاف عصام أنه يحاول التنوع في أدواره فيكون كل دور مختلفا عن الآخر فلا يريد أن يضعه الجمهور في خانة الكوميديا مثلما أرادوا بعد مسلسل "بالطو" لذلك حاول التغيير وإبراز مواهبه الدرامية فتنوع مثلما حدث في مسلسل مسار إجباري الذي عُرض في رمضان الماضي وحاز على إعجاب الجمهور بجديته وإتقانه للشخصية، لذلك هو لا يريد أن يكون أي من أدواره يشبه الآخر.

وقال عصام إنه يشارك أيضا في فيلمين حيث يقوم بتصوير دوره في فيلم "فرقة الموت" مع النجوم أحمد عز ومنة شلبي حيث يلعب دور ضابطا وأيضا فيلم "سيكو سيكو" حيث يقوم ببطولته مع الفنان طه الدسوقي.

 

العربية نت السعودية في

15.09.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004