أعمال قد تصل إلى خط النهاية لأنها فنية...
وأخرى قد تحقق الفوز لكونها سياسية
هناك احتمالات كثيرة فنسبة الأفلام الجيدة التي سيتم
التحليق فوقها لمعاينتها والنقاش حولها متعددة وتبادل وجهات النظر حولها كث
هناك أعمال قد تصل إلى خط النهاية لأنها فنية وأخرى قد تحقق
الفوز لأنها سياسية أو ذات قضايا تعتبر مهمة لكن الثابت هو أن هذه الدورة
هي أفضل من دورتي مهرجاني كان وبرلين وأفضل من دورة مهرجان فينيسيا ذاته في
العام الماضي.
أميركية وإيرانية
تقود الممثلة الأميركية جوليين مور (صاحبة أكثر من 70
فيلماً) لجنة تحكيم تتألف أيضاً من المخرجين الإيطالي ليوناردو دي كوستانزا
والأرجنتيني ماريانو كون والفرنسية أودري ديوان والإسبانية كولكست وكاتبا
السيناريو البريطاني (من أصل ياباني) كازو إيشيغورو والإسباني ردريغو
سوروغوين كما الممثلة الإيرانية ليلى حاتمي التي ربحت جائزة أفضل ممثلة من
مهرجان كارلوفي فاري عن «آخر خطوة»
(The Last Step)
سنة 2014.
سيكون مثيراً تخيل الموقف بين أميركية تقود لجنة التحكيم
وإيرانية لديها فيلمان في المسابقة جاء من وطنها الأم، مما يُثير السؤال
عما إذا كان أي من هذين الفيلمين الإيرانيين، وهما «خلف الجدار» و«لا
أعباء»، سيكون نقطة جدال بينهما (والآخرين) كون أولهما جيد الصنعة والثاني
يستند إلى حقيقة أن مخرجه، جعفر بناهي، موجود في أحد السجون الإيرانية
بتهمة معارضة النظام. هل فوز فيلم إيراني سيثير غضب السلطات هناك على
الممثلة كونها «سمحت» بذلك؟ أم أنها ستُلام إذا ما أخفق أي من هذين
الفيلمين في استحواذ جائزة؟
في اتجاه تقييم أفلام المسابقة يأمل الناقد أن يتم تجاوز
الأفلام التي عانى منها المشاهدون كونها لم تشهد ميزات نراها كافية للفوز
وذلك بدءاً بفيلم الافتتاح «ضجة بيضاء»
(White Nose)
والفيلم الفرنسي
Saint Omer
لأليس ديوب والإيطالي
Bones and All
للوكا غوادانينو. ويمكن التوقع هنا أنه من المحتمل جداً أن تتجاوز قرارات
لجنة التحكيم هذه الأفلام كما فيلم رومين غافراس «أثينا» لأسباب مختلفة،
خصوصاً أن أغلب ما عداها يحمل نقاطاً فنية أعلى ويطرح مسائل أهم.
أحدها هو
Bardo،
False
Chronicle of a Handful of Truths
(«باردو، وقائع زائفة لحفنة حقائق») المقدم باسم المكسيك والذي حققه
أليهاندرو جونزالِز إيناريتو. «باردو...» فيلم رائع الكتابة من مخرج يعرف
أدوات التعبير الذاتية التي يعمل من خلالها. كان حاز على جائزتي أفضل إخراج
أولها عن فيلم
Birdman
وثانيها عن
The Revenant
وسبق له وأن قدّم «ذا بيردمان» هنا في دورة عام 2014 وكاد أن يفوز بذهبية
المهرجان لولا أنها ذهبت لفيلم ممتاز آخر هو «حمامة جلست على الغصن تفكر في
الوجود»
(A Pigeon Sat on a Branch Reflecting on Existence)
للسويدي روي أندرسن.
يسرد إيناريو في «باردو...» حكاية صحافي وباحث مكسيكي شاب
على وشك الفوز بجائزة في مدينة لوس أنجليس. المناسبة تهيؤه لكي يفكر بماضيه
وإنجازاته ومراجعة ذاته. خلال هذا الاستعراض الوجداني يعود بذاكرته
(وبأسلوب الاستعادة، «فلاشباك») إلى بعض أهم مراحل حياته. لن يمض سوى وقت
قصير قبل أن ندرك أن المخرج يحكي عن نفسه موارباً على طريقة فدريكو فيلليني
في «أماركورد». وهو يذكّرنا بفيلم ألفونسو كوارون «روما» الذي فاز بذهبية
فينيسيا سنة 2018 ومن هناك قفز إلى نتائج الأوسكار ففاز بحفنة منها كما فاز
بغولدن غلوبس أفضل مخرج في العام التالي.
لا بد هنا من ملاحظة أن تقديرا عالياً يكنه المهرجان
الإيطالي للأفلام التي تنتمي إلى مخرجين مكسيكيين. إلى جانب «روما»
و«باردو» سبق للمكسيكي الأميركي الثالث غوليرمو دل تورو أن فاز بذهبية
فينيسيا عن فيلمه «شكل المالـ”(The
Shape of Water)
سنة 2017. فيلم إيناريتو يلتقي مع فيلم كوارون من حيث إنهما يتحدّثان عن
فترات شخصية مرّ بهما كل منهما.
شغب في إيران
فيلم آخر آيل إلى أن يكوم محور نقاش هو «الابن» لفلوريان
زَلر الذي عهدنا اسمه عندما حقق فيلمه الأول قبل ثلاثة أعوام تحت عنوان
«الأب» بطولة أنطوني هوبكنز. هذه المرّة هوبكنز في دور مساند وهيو جاكمن هو
من يتولى بطولة الفيلم الذي يتحدث عن أب آخر، أصغر سناً، يسعى لمراجعة
حياته في سبيل إيجاد الوسيلة الأفضل لإدارة عائلته التي تتألف من طفل وشاب.
الأول من عشيقته الحالية (فينيسا كيربي) والثاني من زوجته السابقة (لورا
ديرن). هذا ليس الهم الوحيد الذي يعيشه، فهناك فرصة ثمينة يريد اقتناصها
ليكون أخد من سيعتمد عليهم مرشح سياسي. إنها فرصة كان ينتظرها منذ زمن
وتكاد تتحقق لولا أن زوجته السابقة تعود إلى حياته عندما تدق باب منزله
لتخبره أن ابنهما توقف عن استكمال دروسه في الكلية.
يسبر المخرج غور القصص الخلفية التي تزور بطل الفيلم وتعكس
الوضع الذي عاشه حين كان يترعرع بين والدين اتفقا بدورهما على الانفصال.
الفيلم بكليّته نسخة مشابهة في التوضيب والتنفيذ لفيلم زَلر السابق «الأب»
ويتعامل مع موضوع العائلة التي ليس لديها خيارات تعرفها لتحافظ على وحدتها
الذاتية.
مثل «الأب» اقتبس المخرج هذا الفيلم الجديد من مسرحية
قدّمها على منصّات فرنسية من قبل، وكذلك الحال بالنسبة لمسرحية ثالثة
بعنوان «الأم» يُنتظر أن يحوّلها زَلر إلى مشروع فيلم مقبل.
هذه الكتابة تتم قبل مشاهدة فيلم جعفر بناهي «لا أعباء»،
بالتالي ليس بالإمكان معرفة ما إذا كان سيرد كأحد الأفلام الفائزة بجائزة
ما. وماذا سيكون الحال لو أن الفيلم لم يكن متميّزاً على الصعيد الفني، هل
سيتجه أعضاء لجنة التحكيم إلى منحه تقديراً ما لمجرد أن مخرجه من المغضوب
عليهم في بلده؟
إلى هذا الحين لدينا فيلم آخر من إيران عنوانه «خلف الجدار»
(Beyond the Wall)
وهو من أعمال مخرج جديد اسمه وحيد جليلون.
يبدو أن السلطات الإيرانية سمحت لهذا الفيلم بالاشتراك في
فينيسيا على عكس فيلم بناهي الذي تسلل إليه رغم حظرها، لكن «خلف الجدار»
ليس فيلماً مهادناً للنظام بدوره. هو أنه عمل جيد جداً يتميّز بنبض متلاحق
وموضوع آسر وإخراج متمكن غالباً. هناك ثغور في الحكاية وبعض المواقف لكنها
ليست فجوات.
في مطلعه نشهد محاولة رجل (دانيال خيريخاه) الانتحار بخنق
نفسه بقميصه (التي شيرت) بعدما بلله بالماء. يضع القميص فوق رأسه ويربطه
جيداً ثم يضع كيس نايلون فوقه ويربطه ويستعد لأن يفقد روحه. لكنه يخاف
ويتراجع ويكاد يفقد الرمق الأخير وهو يحاول نزغ ما ارتداه.
بطل الفيلم، علي (ناود محمد زاده) رجل شبه أعمى يعيش وحيداً
وأحد زوّاره القلائل طبيب يفحصه دوماً ويجلب له السجائر. ذات مرّة تقتحم
منزله امرأة (دايانا حبيبي) من دون أن يشاهدها. هذه المرأة، كما نرى في خط
أحداث متوازٍ) فقدت طفلها في هيجان شعبي واحتدام قتال بين رجال على جانبي
نزاع تحوّل إلى اقتتال وعندما يصل رجال الأمن للمكان يتحول القتال إلى
مجابهة يدخل فيها البوليس طرفاً. لا تحديد لسبب احتجاجهم بل تصوير يجسّد
عنف ذلك الاحتجاج وينتهي الذي بزج عدد منهم وبينهم نساء في شاحنة الأمن
بينهن تلك المرأة التي كانت تبحث عن ابنها وسط الفوضى. تتضرّع للضابط
إطلاقها لأن لا علاقة لها بما يجري وعليها أن تجد وحيدها. لكن هذا يرفض
والصورة اللاصقة به من الأساس وكلما عدنا إليه هي الغلاظة والجبروت.
عندما تتعرض السيارة لحادثة تهرب وفي إثرها رجال البوليس
وتدخل بيت الرجل الأعمى لتختبئ فيه. المنزل في دور علوي ولديه بابان أحدهما
رئيسي والثاني للطوارئ ورجال الأمن يطرقونهما معاً للبحث عنها ولاستجواب
علي. هذا قبل أن يتأكد من وجودها وبعده.
تمتد الحكاية على بعض التكرار لكن بقوّة إقناع وحسن إخراج
لصراع يتمحور حول ضحايا القوّة الأمنية التي لن تمتنع (كما في أحد المشاهد)
عن القتل إذا ما ووجهت بأي معارضة. علي الأعمى (وهناك مفاجأة في نهاية
الفيلم تكشف عن سر آخر له) ضد السُلطة والمرأة ضحية لها أما السلطة فتقتحم
المنازل وتقوّض الواقع وتبعث على اليأس.
لا علم لهذا الناقد بالظروف التي أدت لوصول فيلم كهذا إلى
المهرجان. هناك تليين موقف من نواحٍ جانبية، لكن هل كانت كافية لاستصدار
إذن بتصدير الفيلم؟ أم أن التصوير تم خارج البلاد أصلاً؟ نقرأ في تقرير
المخرج عن فيلمه التالي: «في عام 2018 سمعت باستعادة أمل الناس عبر كلمات
شاعر إيراني يقول: بلا أمل لن نجد القوّة للتصدي. (لن نجد) هواءً لنتنفسه.
لا حياة لكي نعيش».
أفلام أخرى
إذا ما تم اختيار فيلم إيطالي للفوز بإحدى الجوائز الأولى
فهناك فيلم لجياني أميليو بعنوان «سيد النمل»
(The Lord of the Ants)
الذي يتناول وضعاً استخلصه المخرج من الواقع، مضيفاً إليه ما يلزم من
الخيال لأحداث فعلية وقعت في النصف الثاني من الستينات عندما تم تقديم
الشاعر والصحافي إلدو رامبرانتي إلى القضاء بتهمة «المثلية».
إلدو برايلبانتي (لويجي لو كاشيو) مدرّس وكاتب وصحافي مثلي
منذ أن يعود الفيلم بنا إلى سنة 1959. عندما يتم تقديمه إلى المحاكمة بسبب
علاقاته الشاذّة يكون المخرج أميليو قد رصف الوضع بحيث سيميل المشاهد
تلقائياً للدفاع عن حرية العلاقات الجنسية. لكن إذ يذهب الفيلم في وجهته
لتصوير الوضع على أن المثليين كانوا مضطهدين اجتماعياً في ذلك الحين (وهذا
قد يكون صحيحاً) يتولى التأكيد على أن القانون آنذاك كان يعاقب المثليين
كفعل محظور.
الواقع أن القانون لم ينص على ذلك حينها. وحسب ما يفصح
الناقد الأميركي ديفيد روني في كتابته عن الفيلم، وضع موسوليني بذور
للتفرقة منذ أيام حكمه لكنه لم يصدر قانوناً بتجريم كامل. في كل الأحوال
استرعت محاكمة ألدو برايليابنتي اهتماماً كبيراً بين المثقفين الذين وقفوا
معه ومن بينهم الروائي ألبرتو مورايا والمخرج ماركو بيلوكيو و- بالطبع -
المخرج والشاعر بيير باولو بازوليني.
ليس بالفيلم الذي يمكن الدفاع عنه كثيراً كعمل فني، لكنه
يصيب الهدف في زمننا اليوم الذي لا يمكن تصوّر تقديم أحد فيه إلى المحاكمة
بسبب انتماء كهذا في الدول الغربية على الأقل.
هناك أفلام أخرى تتلألأ في الجولة الأخيرة للجنة التحكيم من
بينها «الابنة الخالدة» للبريطانية جوانا هوغ (تؤدي فيه تيلدا سونتون دور
أم وابنتها معاً ولديها حظ بالفوز بجائزة أفضل ممثلة) وفيلم «الحوت»
للأميركي دارن أرونوفسكي (بطله براندان فرايزر قد يخرج بجائزة أفضل ممثل)
و«جنيّات أنيشيرين»
(The Banshees of Inisherin)
الذي يوفر أداءً آخر يدعو للتقدير من بطليه براندان غليسن وكولِن فارل.
Argentina،
1985
لسانتياغو ميتلري جيد كوثيقة مروية درامياً حول الوضع السياسي في الأرجنتين
في تلك الفترة لكن يبدو أن حظه الوحيد ضمن كل هذه النخبة من الأفلام هو
الفوز بجائزة أفضل إخراج.
على قائمة الأفلام إلى من المستبعد لها أن يتم لها الفوز
«ثنائي» لفردريك وايزمن (رديء الصنعة لكن اسم مخرجه غالب) و«مونيكا»
للإيطالي أندريا بالاورو الذي لم ينل إعجاب النقاد على نحو شبه مطلق. |