جائزتان صائبتان لكايت بلانشت وكولِن فارل
من بين 23 فيلماً في المسابقة الرئيسية، اختارت لجنة
التحكيم التي تولت قيادتها الممثلة جوليين مور، فيلماً متوسط القيمة عنوانه
«كل الجمال وهدر الدم»
(All the Beauty and the Bloodshed)،
يتناول الدعوى القضائية التي رفعتها نان غولدِن ضد عائلة سكلر التي تملك
مصنعاً شهيراً للأدوية باسمها. كانت نان ابتاعت دواءً باسم
Oxycontin
حولها إلى مدمنة.
الفيلم تسجيلي عن الموضوع وعن نان غولدن ونشاطها في حقل
عملها مصورة فوتوغرافية، كما حول نشاطاتها المؤيدة للجمعيات المثلية.
أخرجته لورا بويتراس التي سبق لها أن أنجزت فيلماً أهم من هذا عنوانه
«Citizenfour»
سنة 2014 تداول الوضع الحرج لإدوارد سنودن قبل أن يفر من الولايات المتحدة
إلى هونغ كونغ ومن هناك إلى روسيا، بعدما أفشى أسراراً تخص وكالة الأمن
القومي
(NSA).
ذلك الفيلم كان مهماً أكثر منه جيداً، لكن المواقف النقدية
بالنسبة لفيلم بويتراس الجديد متضاربة. بالتأكيد ليس أفضل فيلم عُرض في
المسابقة، لكن البارز في شأنه هو أنه ثاني فيلم تسجيلي أو وثائقي يفوز
بذهبية هذا المهرجان العتيد في تاريخه بعد
«Sacro Gra»
للإيطالي جيانفرانكو روزي سنة 2013.
هناك أربع مسابقات في إطار مهرجان «فينيسيا» أكثرها إثارة
للاهتمام الإعلامي بالطبع هي المسابقة الرئيسية أو الكبرى. المسابقات
الثلاث الأخرى هي واحدة لقسم «آفاق» وأخرى للمسابقة المستحدثة السنة
الحالية باسم «آفاق إكسترا» والرابعة هي «فينيسيا المؤثرة»
(Venice Immersive).
في نطاق «آفاق إكسترا» انتخب للجنة تحكيمها (المنفصلة عن لجنة تحكيم
المسابقة الرئيسية) انتخاب الفيلم السوري «نزوح» للمخرجة سؤدد كعدان الذي
كنا تناولناه هنا في مقال سابق. فيلم جيد الفكرة يعاني من مشاكل كتابية،
لكنه في الإجمال يستوحي من الواقع المر الذي تعيشه سوريا حكاية عائلة بين
النزوح من مدينتها وعدمه.
طبعاً هي الجائزة العربية الوحيدة بين ما عرض من أفلام
عربية (موضوع نتطرق إليه منفصلاً). أما الفيلم الفائز بجائزة مسابقة «آفاق»
(من بين 18 فيلما متسابقا). فهو الفيلم الإندونيسي «الحرب العالمية
الثالثة» لهومان سعيدي الذي يدور حول عامل بناء يجد نفسه أمام فرصة للعمل
ممثلاً في فيلم يدور حول الهولوكوست. يقبل به ويتوقع لنفسه بداية منهج جديد
في الحياة لولا أن صديقته تصل إلى مكان التصوير وتكاد تطيح بأحلامه. بطل
الفيلم، محسن محسن تانابانده فاز بدوره بجائزة أفضل ممثل.
كاميرا في محكمة
بالعودة إلى جوائز المسابقة الرئيسية نجد جوائز مُنحت
لسينمائيين وأفلام، من زاوية نقدية صرفة، تستحق ما فازت به.
جائزة الأسد الفضي (ويطلق عليها أيضاً جائزة لجنة التحكيم
الكبرى)، ذهبت إلى الفيلم الفرنسي «سانت أومير» لأليس ديوب. هذا يدور حول
محاكمة تحضرها وتتابعها فتاة أفريقية - فرنسية. المتهمة الماثلة أمام
القضاء هي أفريقية - فرنسية أيضاً، تُهمتها أنها تسببت بمقتل طفلتها عندما
تركتها على شاطئ البحر. النقاد الأوروبيون في غالبيتهم، وجدوه فيلماً
مُداراً بأسلوب جديد. عوض أن نتابع ما حدث روائياً، والفيلم يدعي الروائية
بالفعل، فننتقل لمتابعة أحداثه وسبر غور شخصياته، نجده يكتفي - في معظمه
بتصوير المحكمة نفسها على عدة أيام.
ماذا تستطيع أن تفعل الكاميرا في محكمة سوى التقاط صور
المتحدثين؟
سينما المؤلف التي انطلقت في الستينات حُولت إلى سينما بأي
شكل ممكن، وبعض هذه الأشكال، كما الحال هنا، يتفادى التعامل مع السينما
متحولاً إلى جهد فيلمي فقط. الفارق أن لغة السينما تفرض معايير فنية ترميها
مثل هذا الفيلم وراء ظهرها لتؤم أسلوباً مغايراً يبدو أكثر صلة بالفشل في
الانتقال قُدماً في صياغة إبداعية متطورة.
أفضل مخرج، حسب لجنة التحكيم، كان الإيطالي لوكا غوادانينو
عن فيلمه «عظام وكل شيء» حول تلك الفتاة آكلة لحوم البشر التي تبحث عن هوية
بعيدة عن وضعها هذا وتفشل.
الفيلم بلا خصائص متميزة. هناك حكاية تُروى دون مفادات من
أي نوع. ليس لأن الفيلم ينتمي في خلاصته إلى سينما الرعب، فهذه قد تستحق
جوائز بلا شك، بل لأنه عاجز عن الإتيان بعمق فعلي لما يبحث فيه. كذلك
التمثيل فيه رديء وهذا ركن آخر من أركان الإخراج الجيد إذ لا يمكن مكافأة
مخرج إذا ما اختار ممثلين محدودي الموهبة أو غير قادرين على منح أدوارهم،
ما يساعد على جذب المُشاهد لما يعايشونه من مشاعر.
مجرد المقارنة بين إخراج «عظام وكل شيء» بإخراج أليهاندرو
إناريتو لفيلم «باردو: وقائع مزورة لحفنة من الحقائق» الموحية أو بجماليات
المخرج مارتن ماكدوناف في «جنيات إينشيرين» أو بقوة شغل سانتايغو ميتر في
«أرجنتينا، 1985».
الجائزتان الصائبتان هما في إطار التمثيل: كايت بلانشت حصدت
جائزة كان لا بد منها عن «تار»، وفاز كولِن فارل بجائزة (هي الأهم له في
تاريخه المهني حتى الآن) عن «جنيات إينشيرين». مخرج هذا الفيلم مارتن
ماكدوناف نال جائزة أفضل سيناريو.
الجائزة الأخيرة، في القيمة المعنوية، نالها فيلم جعفر
بناهي شلا دبب الذي كان بعض النقاد توقعوا له «الأسد الذهبي». لو نالها
لكانت تعبيراً سياسياً موجهاً ضد إيران، كون المخرج مسجوناً الآن. لكن
الفيلم بدوره أفضل صنعاً من ذلك الذي فاز، وموضوعه أكثر إلحاحاً إذ يكفيه
أنه دعوة لحرية التعبير مصاغة في أسلوب بناهي المفاجئ في تفاصيله العملية.
هذا كان ثاني فيلم في المسابقة الرسمية قُدم باسم إيران
لجانب «خلف الجدار» لوحيد جليليوَند الذي بدوره طرح، وبصياغة إخراجية ذات
حسنات، الوضع الاجتماعي الإيراني المتأزم الذي يتسبب في مآسٍ عديدة بسبب
البطش والهيمنة من قِبل رجال الأمن.
كلا هذين الفيلمين يحتاجان لوقفة أخرى، لكن إلى ذلك الحين
فإن دورة مهرجان «فينيسيا» آلت إلى هذه النتائج التي يمكن الجدال فيها وهو
حال دورات عديدة له أو لسواه. |