مع اقتراب موسم أفلام الصيف من نهايته، حان الوقت للحديث عن
موسم الجوائز الكبرى الذي ينطلق عادة مع فصل الخريف، لعرض الأفلام التي
ستنافس على جوائز الأوسكار في وقت لاحق من العام المقبل. ففي وقت سابق أصدر
مهرجان كان السينمائي قائمته الأولية للعناوين المرشحة بقوة لخوض غمار
السباق. والآن، حان وقت النسخة الـ79 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي
الذي يبدأ عادة ضربة البداية لماراثون الجوائز.
في السنوات الأخيرة، ومع رفض منصة نتفليكس عرض أفلامه في
كان بسبب أزمة العروض المسرحية للأفلام المنافسة، ذهبت حصة عملاق البث
الرقمي كاملة إلى المهرجان السينمائي الأعرق، الذي يحتفل هذا العام بمرور
90 عامًا على انطلاقه، وبالتالي زادت قوة مهرجان فينيسيا أكثر مما كانت
عليه في السابق وأصبح يضم نخبة عريضة من أشهر صناع السينما في العالم، فبات
محط أنظار المهتمين بالسينما في شتى البقاع، كونه يضم جدول عروض زاخرا
بمجموعة من أهم أفلام الموسم المنتظرة. ومع الإعلان عن تشكيلة المهرجان
القوية قبل شهر، والتي تضم أسماء مخضرمة في الصناعة وأصحاب باع طويل في
سابق موسم الجوائز.. ما الذي يمكننا أن نتوقعه من مجموعة المتنافسين لهذا
العام؟
سباق على صفيح ساخن
يبدو أن مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي «31 أغسطس – 10
سبتمبر»، كالعادة، ملىء بالمتنافسين على الجوائز، مع أعمال جديدة من دارين
أرونوفسكي، ولوكا جوادانيينو، ومارتن ماكدونا، ولكنها أيضًا حصلت على نصيب
عادل من الألقاب الدولية البارزة، مثل الحائز على جائزة الأوسكار 4 مرات
أليخاندرو جونزاليز إيناريتو، الذي يتمتع بسجل حافل من جوائز الأفلام
الأجنبية خلال موسم الأوسكار.
سيفتتح فينيسيا فعالياته، التي تضم 23 عملاً في القسم
الرسمي، مع فيلم
«White Noise» أحدث
أعمال المخرج نواه بومباك، الذي ظهر لأول مرة في الليدو بفيلمه الأخير
«Marriage Story»
قبل 3 أعوام، وانتهى به المطاف لـ6 ترشحيات لجوائز الأوسكار حصد منه جائزة
أفضل ممثلة مساعدة للورا ديرن. الفيلم الجديد مقتبس من رواية تحمل نفس
الاسم من تأليف دون ديليلو صدرت عام 1985. وهو الفيلم الروائي الحادي عشر
لبومباك والأول الذي لا يستند إلى قصة أصلية خاصة به.
تدور أحداث الفيلم، الذي تقوم منصة نتفليكس بإنتاجه بعد
تعاونهما الأول الناجح، حول محاولات عائلة أمريكية معاصرة للتعامل مع
الصراعات الدنيوية للحياة اليومية بينما تتصارع مع الألغاز العالمية للحب
والموت وإمكانية السعادة في عالم غير مؤكد. ويبدو أن المشروع الذي يقوم
ببطولته آدم درايفر وجريتا جيرويج، قوي بما يكفي لدرجة أن مهرجان نيويورك
السينمائي سيفتتح فعالياته أيضًا بهذا العمل.
وبعد غياب 5 سنوات عن السينما بفيلمه الأكثر إثارة للجدل
حتى الآن
«Mother»،
يعود المخرج الحائز على الأوسكار دارين أرونوفسكي لفينيسيا مجددًا بمشروع
جديد يحمل اسم
«The Whale» يروي
قصة مدرس اللغة الإنجليزية المنعزل يلعبه «بريندان فريزر» الذي يعاني من
السمنة الشديدة ويحاول إعادة الاتصال بابنته المراهقة المنفصلة.
تشتهر أفلام أرونوفسكي برواياته الاستفزازية والدراما
الثقيلة نفسياً التي تصل إلى مستوى الرعب النفسي، وتميل إلى أن تكون تحديًا
للجلوس طوال مدة تشغيله، ولكن مع مشروعه الجديد يبدو حساسًا وعاطفيًا إلى
حد كبير. وسبق وشارك أرونوفسكي في مهرجان فينيسيا 4 مرات من قبل، وحصد
جائزة الأسد الذهبي مرة وحيدة عام 2008، بفيلمه الشهير
«The Wrestler»
للنجم مايك رورك.
وقبل عرضه عبر منصة نتفليكس في 23 سبتمبر المقبل، سيكون
جمهور فينيسيا على موعد مع الفيلم المنتظر
«Blonde» للنجمة
آنا دي أرماس، والذي يستند إلى رواية جويس كارول أواتى التي تحمل الاسم
عينه، وتتناول قصة حياة «مونرو» من وجهة نظر نورما جاين بيكر، الاسم
الحقيقي لمارلين، مرورًا بالعديد من المواقف التي صنعت منها أيقونة في
الجمال والفن. ومن المتوقع أن يتطرق الفيلم الذي يقوم بإخراجه أندرو
دومينيك، موضوعات حساسة، مثل الإساءة والعلاقات المثيرة للجدل للممثلة، وهو
ما يتضح من التنصيف العمري للفيلم.
وبعد غياب دام 8 سنوات عن مهرجان فينيسيا منذ فيلم
«Birdman»،
يطل المخرج المكسيكي المخضرم أليخاندرو جونزاليز إيناريتو، هذا العام
بمشروع جديد شهد تحضيرات وتوقفات عدة منذ أزمة كورونا ويحمل اسم
«Bardo False Chronicles Of A Handful Of Truths»،
يعود من خلاله إلى جذوره في المكسيك، مثلما ظهر أول مرة بفيلم
«Amores Perros» قبل
22 عامًا، وحاز عنه جائزة الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي.
تتمحور أفلام إيناريتو حول تصوير الشخصيات وهى في أقصى
حدودها، سواء كانت أقصى درجات الشهرة كما هو الحال مع
«Birdman»،
أو أقصى درجات البقاء على قيد الحياة كما في
«The Revenant». في
«Bardo» ينوي
أن يفعل شيئًا مختلفًا خاصة بعد اعترافه باتخاذ عدة خيارات مستحيلة في موقع
التصوير وتعريض طاقمه لخطر غير مرغوب فيه في الإنتاجات السابقة.
سيروي
«Bardo» قصة
صحفي ومخرج أفلام مكسيكي شهير يعود إلى وطنه في محاولة للتصالح مع أزمته
الوجودية ونفسية المحطمة، يستكشف الحداثة السياسية والاجتماعية للمكسيك.
ومن المحتمل أن يكون أحد تلك الأفلام حيث يصعب تمييز حدود المكان الذي يرسم
الخط الفاصل بين الخيال والواقع.
وبعد تواجده الأخير في فينيسيا قبل 4 سنوات، يعود المخرج
الإيطالي لوكا جوادينينو بفيلم جديد يحمل اسم
«Bones and All»،
الذي يمزج ما بين الرومانسية كما في
«Call Me By Your Name»،
والرعب مثلما تابعنا
«Suspiria». يتبع
الفيلم قصة حب مليئة بالدماء، حول زوجين غامضين في رحلة برية، لكن كلاهما
منزعج من معضلة مرعبة؛ لأنهم يقرون بأنهم لا يستطيعون تجاوز ماضيهم. ويقوم
ببطولته تايلور راسل وتيموثي شالاميت، اللذان سبق لهما العمل مع جوادينينو
في
«Call Me By Your Name»
وقدم ما يُعتقد أنه أفضل أداء له حتى الآن.
ويجمع المخرج مارتن ماكدونه، بين النجمين كولين فاريل
وبريندين جليسون مرة أخرى في مشروعه الجديد الذي يحمل اسم
«The Banshees Of Inisherin»،
وهو الظهور السينمائي الأول لماكدونه منذ فيلمه الأخير
«Three Billboards Outside Ebbing, Missouri»،
والذي شارك في المسابقة الرسمية لفينيسيا قبل 5 أعوام وحصد جائزة أفضل
سيناريو.
في فيلمه الجديد، يروي ماكدونه قصة شخصين تربطهما علاقة
صداقة طويلة، يجدان نفسهما في طريق مسدود ومأزوم عندما ينهي أحدهما علاقته
العاطفية فجأة، مع عواقب مقلقة لكليهما.
ومن بين الأفلام الأخرى المشاركة في المسابقة الرسمية، فيلم
«The Son» للمخرج
فلوريان زيلر، وهو استكمال لأحداث فيلم
«The Father» للنجم
أنتونى هوبكينز، الصادر قبل عامين، ويشارك في بطولة الجزء الجديد إلى جانب
هوبكينز، كل من فانيسا كيربي وهيو جاكمان.
في الفيلم الجديد، يرصد زيلر الذي يقوم بالإخراج وكتابة
القصة أيضًا، حياة بيتر «جاكمان» الذي يرى حياته تنقلب رأسًا على عقب بعد
أن تظهر زوجته السابقة مع ابنهما المراهق المنفصل.
وفي فيلمه السابق
«The Father»،
من بطولة أنتوني هوبكينز وأوليفيا كولمان، غاص زيلر داخل أعماق وحش يهز
أركان العقل البشري وهو «الخرف» مستكشفا جوانبه المظلمة والقاسية، ليس فقط
في الجوانب المادية لهذا المرض الذي يجهل الكثيرون التعامل معه، بل أعطي
الجمهور لمحة عن الطريقة التي قد يفكر بها أو يعمل بها عقل الشخص المصاب
بالخرف. وفاز الفيلم وقتها بجائزة أفضل سيناريو وأفضل ممثل رئيسي لهوبكينز،
الأمر الذي يجعلنا على موعد مع نسخة مميزة أخرى تضاهي نسخة هوبكينز وكولمان
وبعد غياب دام 16 عاما عن صناعة السينما، يطل مجددًا المخرج
الأمريكي الشهير تود فيلد للمرة الأولى في فينيسيا بفيلم
«Tár» من
بطولة النجمة كيت بلانشيت، والممثلة الفرنسية ناعومي ميرلانت. وتدور أحداث
الفيلم في عالم الموسيقى الكلاسيكية الدولية، ويركز على شخصية ليديا تا
والتي تُعتبر على نطاق واسع أحد أعظم الملحنين الأحياء وأول قائدة رئيسة
لأوركسترا ألمانية كبرى على الإطلاق.
ومن بين الأعمال المنتظرة أيضًا، فيلم
«The Eternal Daughter» للنجمة
تيلدا سوينتون، في ثالث تعاون لها مع المخرجة الإنجليزية جوانا هوج، بعد
فيلم
«The Souvenir» بجزأيه،
والذي حقق صدى نقديا واسعا. في الفيلم، تقدم هوج دراما غامضة، حيث تواجه
فنانة وامرأة مسنة أسرارًا دفينة منذ فترة طويلة عند عودتهما إلى منزل
عائلي سابق فيطاردها ماضيها الغامض.
ويعتبر فيلم
«Argentina, 1985»
للمخرج الأرجنتيني سانتياجو ميتر، الفائز السابق بجائزة أسبوع النقاد
بمهرجان كان عام 2015 عن فيلم
«Paulina»،
من بين الأفلام المنتظر صدورها هذا العام. وينتمي الفيلم لدراما المحاكم
وتدور أحداثه حول فريق من المحامين يخوض قضية صعبة ضد قادة الدكتاتورية
العسكرية الدموية في الأرجنتين خلال الثمانينيات، في معركة ضد الصعاب وسباق
الزمن.
تمثيل عربي ضعيف
أما في القسم الرسمي «خارج المسابقة الرسمية»، تعرض 10
أفلام، أبرزها: فيلم
«Don't Worry Darling» للنجمة
فلورانس بو والمغني هاري ستايلز، في ثانِ مشروع روائي طويل للمخرجة أوليفيا
وايلد. ففي إطار من الرعب والتشويق والإثارة، يركز العمل على قصة ربة منزل
تعيسة تعيش في الخمسينيات من القرن الماضي، وحياتها الزوجية التي تؤدي
للعديد من الأحداث المروعة.
ويشارك أيضًا في نفس القسم، المخرج الكوري الجنوبي كيم كي
دوك بفيلم
«Call of God»،
والذي رحل عن عالمنا قبل عامين، والمخرج الأمريكي بول شريدر بفيلم
«Master Gardener»،
وفيلم
«When the waves are gone» للمخرج
الفلبيني لاف دياز.
أما عن المشاركات العربية في المهرجان، تنافس المخرجة
المصرية كوثر يونس، بشريطها الروائي القصير «صحبتي»، في قسم آفاق، ثانى
أكبر أقسام المهرجان بعد المسابقة الرسمية. وفي قسم «آفاق إكسترا»، تشارك
المخرجة السورية سؤدد كعدان بفيلم «نزوح» وتشارك في بطولته كندة علوش وسامر
المصري، ويصور صراع عائلة سورية بين البقاء أو الرحيل بعد قصف المدينة. وفي
ذات القسم، ينافس المخرج العراقي أحمد ياسين الدراجي بفيلم «جنائن معلقة».
وكان قد أعلن مهرجان فينيسيا السينمائي اختيار الممثلة
الأمريكية جوليان مور، كرئيس للجنة المسابقة الدولية، والتي تضم في عضويتها
المخرج والكاتب والمنتج الأرجنتيني ماريانو كوهن، مخرج فيلم «Official
Competition»،
والمخرج الإيطالي ليوناردو دي كوستانزو، والمخرجة الفرنسية أودري ديوان،
الفائزة بالأسد الذهبي العام الماضي عن فيلمها
«Happening»،
والممثلة الإيرانية ليلى حاتمي، والروائي الياباني كازو إيشيجورو، والمخرج
الإسباني رودريجو سوروجوين. وتأتي مور، الفائزة بجائزة أفضل ممثلة بمهرجان
فينيسيا السينمائى عام 2002 عن فيلم
«Far From Heaven»،
خلفًا للمخرج الكوري الجنوبي بونج جون هو، المتوج بأربع جوائز أوسكار العام
قبل الماضي، عن فيلمه
«Parasite».
لمسيرتهما
السينمائية..
دينوف
وشريدر يتسلمان جائزة الإنجاز الإبداعى
ولا يقل برنامج التكريمات في فينيسيا السينمائي، أهمية عن
برامج عروض الأفلام؛ إذ أعلن المهرجان قبل وقت سابق عن تكريم عدد من
الأسماء الهامة في مسيرة صناعة السينما العالمية، بجائزة الإنجاز الإبداعي
مدى الحياة تكريمًا لمشوارهم الفني المميز.
فبعد أكثر من أربعين عامًا على عمله في السينما، يكرم
فينيسيا السينمائي الكاتب والمخرج الأمريكي بول شريدر بمنحه جائزة الأسد
الذهبي للإنجاز مدى الحياة. شريدر الذي حصل على بكالوريوس الآداب من كلية
كالفن للفنون الجميلة، مع دورة في اللاهوت. ثم حصل على درجة الماجستير في
الدراسات السينمائية من جامعة كاليفورنيا، شارك في تأليف أبرز أعمال المخرج
مارتن سكورسيزي مثل
«Taxi Driver» عام
1976، و«Raging
Bull» عام
1980، و«the
last temptation of Christ» عام
1988. إلى جانب عمله ككاتب سيناريو، أخرج شريدر عدد من الأفلام، من بينها:
«Blue Collar» عام
1978، و«First
Reformed» وترشح
عنه لجائزة الأوسكار الوحيدة كأفضل سيناريو أصلي.
وبعد مسيرة تمثيلية استمرت 6 عقود، يُكرم فينيسيا الممثلة
الفرنسية المخضرمة كاترين دينوف، بجائزة عن مجمل أعمالها الفنية. وحازت
دينوف شهرة واسعة عن دورها في فيلم المخرج لويس بونويل
«Belle de Jour» عام
1967، وفيلم
"Repulsion" للمخرج
رومان بولونسكي، وفيلم الدراما الحربية
«Indochine»
وترشحت عنه لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة رئيسية.
وسيتم تكريم المخرج الأمريكي الشهير والتر هيل، بجائزة
كارتييه جلوري لصانعي الأفلام المميزين. وسيعرض هيل فيلمه الجديد «Dead
for a Dollar» من
بطولة كريستوف فالتز وويليم دافو وراشيل بروسناهان وبنجامين برات، خارج
المسابقة الدولية. ويلعب فالتز، الحائز على جائزة الأوسكار مرتين، دور صائد
الجوائز ماكس بورلوند، الذي يتواجد في عمق المكسيك حيث يواجه مقامرًا
محترفًا وخارجًا عن القانون جو كريبينز «دافو»، الذي أرسله ماكس إلى السجن
قبل سنوات. بورلوند في مهمة للعثور على راشيل كيد «بروسناهان» وإعادتها،
وهى زوجة رجل أعمال ثري من سانتا في. عندما يكتشف ماكس أن كيد قد فر بالفعل
من زواج مسيء، فعليه الاختيار بين إنهاء الوظيفة أو التنحي جانباً بينما
يقترب مرتزقة لا يرحمون من الخارج ومنافسه القديم.
بالإضافة إلى عمله كمخرج لأفلام «48 Hrs»
و«Red
Heat»،
شارك هيل في إنتاج فيلم الخيال العلمي الرائد لريدلي سكوت
«Alien».
ويُعرف هيل على نطاق واسع بأنه أحد صانعي أفلام الحركة الأول في
الثمانينيات. |