السينما في العالم خلال 2021.. لمحات من هنا وهناك
وائل سعيد
في بداية السبعينيات، أجرت المجلة البريطانية
"Sight & Sound"
حوارًا مع المخرج العالمي ستانلي كوبريك حول السينما والفن. وفيه، أكد
كوبريك على أن "العمل الفني يجب أن يجعل الحياة أكثر إمتاعًا وتحملًا، وقبل
كل شيء أن يكون مُبهجًا". هذه البهجة تحديدًا هي ما افتقدناه على مدار
العامين السابقين. وبرغم التخوفات من المتحورات المُستحدثة، فإن التوقعات
الجديدة مطمئنة إلى حد كبير على خلفية الانفراجة السينمائية النسبية التي
شهدها عام 2021، وعودة الحياة بشكل تدريجي إلى صالات العرض والفعاليات
السينمائية، حيث أظهرت بعض التقارير تحسنًا ملحوظًا في نسب الأرباح مقارنة
بالعام السابق.
جيمس بوند يُحال للتقاعد وعالم مارفل مستمر
ابتكر الروائي البريطاني، إيان فلمنغ، شخصية العميل السري
جيمس بوند أوائل حقبة الخمسينيات، في سلسلة تحكي مغامرات العميل البريطاني
الذي يرمز له بالرقم "007"، وبعد عقد تقريبًا من هذا التاريخ تستحوذ
السينما على القصة، وتقوم بتحويلها لسلسلة أفلام شهيرة بدأها الممثل
الأسكتلندي شون كونري بفيلم "دكتور نو" (1962). على مدار أربعة عقود، وعبر
25 فيلما تقريبًا، قدمت الشركة المنتجة "إيون" مغامرات بوند بأكثر من ممثل،
وأكثر من مخرج، فيما عدا فيلمين كانا من إنتاج شركات أخرى، استطاعت هذه
السلسلة تحقيق شهرة عالمية، وجني إيرادات طائلة، وكانت الضيف المُرحب به في
دور العرض والموزعين.
"على
مدار أربعة عقود، وعبر 25 فيلما تقريبًا، قدمت الشركة المنتجة "إيون"
مغامرات بوند بأكثر من ممثل، وأكثر من مخرج، فيما عدا فيلمين كانا من إنتاج
شركات أخرى"
آخر الممثلين الذين قاموا بدور العميل السري هو دانيال
كريَغ بداية من "كازينو رويال 2006"، وحتى "لا وقت للموت/
No Time to Die"
هذا العام، وفيه يُحال بوند إلى التقاعد بعد رصيد طويل حافل بالمغامرات.
وبينما ينشد الراحة برفقة حبيبته على أحد الشواطئ في إيطاليا، يتورط من
جديد في مغامرة محدودة نلمح فيها لأول مرة انكسارات بوند النفسية، ومشاعره
المختلطة بين الإحباط والتقدم في العمر، الذي ظهر بوضوح على أداء كريغ
نفسه، سواء على المستوى الحركي، أو التمثيلي.
على جانب آخر، وسط أجواء من الخيال العلمي، يستمر عالم
مارفل في تقديم مغامرات الأبطال الخارقين، وهي سلسلة أفلام ومسلسلات من
إنتاج أستوديوهات مارفل في أميركا انطلقت منذ عام 2008، يتمتع أبطالها
بقدرات غير عادية يستخدمونها في محاربة قوى الشر. بالإضافة إلى ذلك، انتشرت
هذه المغامرات في صورة قصص مصورة وألعاب رقمية.
في منتصف هذا العام، قدمت الممثلة الأميركية سكارليت
جوهانسون جزءًا جديد من عالم مارفل بعنوان "الأرملة السوداء/
Black Widow"،
وفيه تُجبر نتاشا، العميلة السابقة للمخابرات السوفييتية، على مواجهة
ماضيها الشخصي، مُستدعية أحداثًا من طفولتها بمصاحبة الأب والعائلة،
وبمعاونة من أختها يستطيعون التغلب على دريكوف؛ خاطف النساء الذي يُجبرهن
على احتراف القتل لتنفيذ مخططاته.
في حوار لجوهانسون مع شبكة
CNN،
قارنت بين ما قدمته في الفيلم، وبين ما تعانيه النساء في الحياة الواقعية
الآن، مُشيرة الي الحركة النسوية العالمية
Me-too: "كان
علينا المشاركة في هذه الحركة المُذهلة للنساء اللاتي يدعمن نساءً أُخريات،
شعرت وقتها برغبة في عدم تفويت هذه الفرصة..".
"في
فيلم "الأرملة السوداء"، تُجبر نتاشا، العميلة السابقة للمخابرات
السوفييتية، على مواجهة ماضيها الشخصي، مُستدعية أحداثًا من طفولتها
بمصاحبة الأب والعائلة، وبمعاونة من أختها يستطيعون التغلب على دريكوف"
أما الجزء الأحدث في سلسلة أفلام سبايدرمان، فقد صنع
السيناريو الجديد توليفة عصرية تدمج جميع شخصيات الأجزاء السابقة في شخصية
واحدة، الأمر الذي خلق حالة من النوستالجيا لدى الجماهير؛ فبرغم المخاوف
الحالية من متحور كورونا إلا أن الفيلم جذب أعدادًا كبيرة من المُشاهدين
فور طرحه في دور العرض. وفي مصر، احتشدت الطوابير أمام شباك التذاكر، لا
سيما أن بعض السينمات أتاحت تجربة تفاعلية للمشاهدة؛ من خلال كرسي متحرك،
ونظارة ثلاثية الأبعاد.
ألمودوفار.. المُنتمي لعالم الخطايا
في حوار سابق مع المخرج الأسباني، بيدرو ألمودوفار، حول
الأفلام التي شكلت وعيه في سن مُبكر، تذكر عدة عناوين، من بينها الفيلم
الأميركي "قطة فوق صفيح ساخن" لريتشارد بروكس 1958" قائلًا: "قلت في نفسي
بعد مشاهدة الفيلم، أنا أنتمي لهذا العالم من الخطايا.. عالم المسوخ، وكنت
وقتها لم أتجاوز العاشرة من عمري".
"الأحدث
في سلسلة أفلام "سبايدرمان" سيناريو جديد فيه توليفة عصرية تدمج جميع
شخصيات الأجزاء السابقة في شخصية واحدة"
بدأ ألمودوفار مشواره الفني منتصف السبعينيات ببعض الأفلام
القصيرة التي صورها عن طريق كاميرا 8 ملم كان قد ادخر ثمنها من العمل بشركة
هواتف، وكانت الانطلاقة بفيلمه الروائي الطويل "بيبي ولوسي وبوم وفتيات
أخريات مثل أمي" (1980). للأنثى مكانة بارزة داخل عوالم سينما المخرج
السبعيني الذي قدم عشرات الأفلام خلال ما يقارب نصف قرن، "نساء على حافة
انهيار عصبي ـ الجلد الذي أعيش فيه ـ كيكا ـ الصوت المعدني"، ومن آن لآخر
ثمة شبح للأمومة "كل شيء عن أمي" (1999)، وأخيرًا، أحدث أفلامه "أمهات
متوازيات/
Parallel Mothers (2021)،
من بطولة النجمة بينيلوبي كروز.
تمتلك كروز عددًا لا بأس به من مجمل أفلام ألمودوفار، فهي
من الوجوه التي تستهوي المخرج. في "أمهات متوازيات"، تفوقت كروز على نفسها
بأداء بسيط لا يحمل كثيرًا من الانفعال، لكنه يُجسد الحالة النفسية لسيدة
أربعينية تخوض تجربتها الأخيرة في الحصول على طفل قبل ضياع الفرصة. تجمعها
الصدفة مع فتاة في مقتبل العمر تواجه وطأة الإنجاب لأول مرة في حياتها.
لذة الماضي البعيد
يستطيع المخرج الإيطالي، باولو سورينتينو، إدهاش المُتفرج
بعادية يُحسد عليها؛ بل وإصابته بالصدمة أيضًا، كما حدث مع شخصية الأب في
"الجمال العظيم/
The Great Beauty" (2013)،
على سبيل المثال. في فيلمه الأحدث "يد الله/
The Hand of God"،
يعود المُخرج إلى قريته الأم، مُستدعيًا نوستالجيا الطفولة والمراهقة فترة
الثمانينيات أثناء زيارة تاريخية للاعب كرة القدم الأسطورة مارادونا.
"في
أفلام بيدرو ألمودوفار، ثمة شبح للأمومة "كل شيء عن أمي" (1999)، وأخيرًا،
أحدث أفلامه "أمهات متوازيات/
Parallel Mothers (2021)،
من بطولة النجمة بينيلوبي كروز"
تقوم معظم عوالم المخرج الأميركي، ويس أندرسون، على البناء
الكاتدرائي؛ حيث صخب الحياة وتفصيلاتها الكثيرة تجتمع جنبًا إلى جنب لتكوين
الصرح الكبير. في فيلمه "الوفد الفرنسي/
the French dispatch"،
يُضيف أندرسون لهذا البناء أسلوب الفيتشر الصحافي؛ لا سيما أن موضوع الفيلم
يتتبع حياة إحدى الصحف الخيالية من القرن العشرين. ولهذا جاءت فصول الفيلم
المختلفة في قالب يمكننا من تسميته بالفيتشر السينمائي، الذي يقدم قصة
صحافية سينمائية لكل حكاية، وهي حكايات منفصلة باستثناء مقدمة وختام الفيلم.
"أفلام
سيئة السمعة"!
"السياسة
ـ الجنس ـ الدين" ثلاثة محظورات تعارفت عليها البشرية، وتختلف أهميتها
باختلاف الثقافة والعادات والتقاليد للشعوب، غير أن الثلاثة يستحوذون على
الأهمية نفسها في مجتمعاتنا العربية على خلاف المجتمعات الغربية. لقد أثارت
بعض الأعمال الأجنبية المعروضة عربيًا العديد من التحفظات وصل بعضها لحد
المنع، ووصمت هذه الأعمال بأنها "أفلام سيئة السمعة". ربما يأتي في مقدمتها
فيلم التحريك الدنماركي "اهرب/
Flee"
للمُخرج جوناس راسموسن، وفيه نتعرف على حكاية لشاب مثلي الجنسية "أمين" منذ
طفولته في كابول مرورًا بفراره بصحبة عائلته عقب عمليات المجاهدين الأفغان،
وحتى حياته الحالية بالدنمارك كلاجئ يستعد للزواج من صديقه.
في سياق مُشابه، يأتي فيلم "بينيديتا/
Benedetta"
للمخرج الهولندي المُثير للجدل بول فيرهويفن، صاحب الفيلم الجريء "غريزة
أساسية" (1992)، يتناول الفيلم قصة حقيقية من داخل أحد الأديرة، ويتعرض
لأسرار الكنيسة وما تُخفيه جدرانها من ممارسات مدنسة، من خلال أحداث
السيناريو القائمة على كتاب "الأخت بينيديتا بين قديسة وسحاقية" للمؤرخة
الأميركية جوديث براون.
أما فيلم "تيتانيوم/
Titane"،
فبالرغم من أنه يندرج ضمن السينما الخيالية، فقد أثارت مشاهده الحسية
كثيرًا من الانتقادات، ولم يشفع له حصوله على السعفة الذهبية في تجنب ذلك.
الفيلم هو الرابع في مسيرة المخرجة الفرنسية الشابة، جوليا دوكورناو، ويتبع
الغرائز الجنسية للجسد البشري في تنويعاته المختلفة من غير حدود. في فيلمها
الجديد، تخلق علاقة جنسية خيالية بين البطلة وسيارتها المحبوبة، وهو ما
ينتج عنه في النهاية إنجاب طفل.
من هنا وهناك
في كتابه "السينما العالمية من منظور الأنواع السينمائية"
(ترجمة زياد إبراهيم)، يتطرق ويليام كوستانزو، أستاذ اللغة الإنكليزية
والسينما، إلى التأثير الطويل للفن المسرحي على السينما اليابانية من حيث
الأداء والتكنيك، لهذا رأى أن مغايرة ذلك كان "أحد أسباب تعرُّض كوروساوا
في زمنه غالبًا للانتقاد من قبل بني وطنه بأنه أقل المُخرجين يابانية، وأن
هذا سبب ترحيب الجمهور الغربي الفوري به". انضمت لكورواساوا بعض الأسماء
الأخرى، مثل ميزوغوشي، على سبيل المثال، وهم من نقلوا السينما اليابانية من
المحلية إلى العالمية.
مع بدايات الألفية الثالثة، بدأت أجيال أخرى بالظهور، كان
من أبرزها هيروكازو كوريدا، ورائعته "سارقو المتاجر/
Shoplifters"
الحاصل على السعفة الذهبية عام 2018. ويبزغ هذا العام اسم ريوسوك هاماجوكي،
وهو مخرج وكاتب سيناريو ياباني من مواليد 1978، عُرض له في 2021 فيلمان
"عجلة الحظ والخيال"، و"قودي سيارتي"، وفي الفيلمين ينتقل المخرج بين
الخيال والواقع، ليُقدم سحرية جديدة للواقع المُعاش.
في سياق مختلف، يؤكد فيلم "107 أمهات" على أننا أصبحنا نعيش
واقعًا لا تُحتمل واقعيته! الفيلم للمخرج السلوفاكي، بيتر كيريكس، وصدر
عرضه العالمي الأول في الدورة 78 من مهرجان البندقية الدولي، وحصل على
جائزة نجيب محفوظ لأفضل سيناريو من مهرجان القاهرة السينمائي في دورته 43،
ويتبع حكايات واقعية لمجموعة من الحوامل السجينات منتصرًا للضعف الأنثوي،
رغم أن من بين السجينات من اقترفت جريمة القتل للزوج، أو للحبيب؛ إلا أن
ذلك لا يُعدها قاتلة بالمعنى الإجرامي، خاصة حين نكتشف حالات من الهشاشة
والوهن الإنساني أبطالها أمهات مسجونات يُمارسن مظاهر الأمومة وفق جدول
محدد من إدارة السجن، حتى الضابطة المكلفة بالمراقبة والتوجيه تتحول بمرور
الوقت لسجينة هي الأخرى.
لم يقدم المخرج التشيلي بابلو لاراين كثيرًا من الأعمال السينمائية، إلا
أنه يهتم بالسير الذاتية في أعماله منذ فيلمه الأول
"Fuga" (2006)،
وفيلم "جاكي/
Jackie" (2016)
عن مرحلة ما بعد الصدمة للسيدة جاكلين كينيدي عقب حادثة الاغتيال الشهيرة
لزوجها. وأخيرًا في فيلم "سبنسر/
Spencer"
يرصد السنوات الأخيرة من حياة أيقونة الرومانسية في القرن العشرين، الأميرة
ديانا، بطولة الممثلة الشابة كريستين ستيوارت.
"فيلم
"107 أمهات" يتبع حكايات واقعية لمجموعة من الحوامل السجينات منتصرًا للضعف
الأنثوي، رغم أن من بين السجينات من اقترفت جريمة القتل للزوج، أو للحبيب"
أجاد السيناريو في رسم التوترات النفسية التي عانت منها
ديانا في أواخر حياتها، وبرع الديكور والمكياج في خلق أجواء الزمن الغابر،
إلا أن التميز الحقيقي في الفيلم كان من نصيب ستيورات. فبالرغم من أنها
ليست المرة الأولى التي يتم فيها تجسيد شخصية الأميرة، إلا أن الممثلة
الأميركية وضعت لمسات خاصة جدًا تُحسب لها. |