فيلم المخرج المصري محمد دياب الأحدث «أميرة»، الذي
ينافس في المسابقة الرسمية لمهرجان الجونة السينمائي، والذي يعرض اليوم،
سبق أن حصد جوائز مرموقة في مهرجان فينيسيا السينمائي هذا العام؛ جائزة
لانترينا ماجيكا وجائزة المخرج إنريكو فيليجوني وجائزة إنترفيلم، وقالت عنه
لجنة التحكيم «المخرج
خلق قصة تصل للأعماق حيث يكون الضحايا، مرة أخرى، الأصغر سنًا الذين يكبرون
وينضجون في الكراهية كما لو كانت هذه سمة وراثية دون أن ينكر إمكانية
الاختيار المختلف».
يتتبع الفيلم المصري الأردني الذي يقوم ببطولته كل من
المصرية صبا مبارك والفلسطينيان علي سليمان وتارا عبود، البطلة أميرة
المراهقة المفعمة بالحياة، التي كبرت معتقدة أنها جاءت إلى الدنيا بواسطة
تهريب السائل المنوي لأبيها السجين، يتزعزع حسها بالهوية عندما يحاول
والدها تكرار تجربة الإنجاب، فتُظهر التحاليل المعملية عقمه.
يخوض دياب تجربته الإخراجية الثالثة مع فيلم «أميرة»، والتي
سيدخل بعدها إلى عالم مارفل، فبعد فيلمي «678،
واشتباك» اللذين
عمل خلالهما ليس ككاتب فقط مثل أفلامه الأخرى، لكنه قرر أن يكون مخرجهما
أيضًا، جاءت العالمية سريعًا، إذ إتفق دياب على إخراج مسلسل Moon
knight الذي
من المقرر أن يعرض عبر قناة ديزني، وبالطبع ستترك تلك التجربة العالمية
أثرها على المخرج، حاورته «سينماتوغراف» عن
رحلته السينمائية منذ سنوات وتجربة العمل داخل مارفل، ومخاض وميلاد فيلم «أميرة»، وكان
اللقاء التالي.
بالطبع كان بداية الحديث عن العمل داخل اكبر صناعة سينمائية
في العالم، وماذا استفاده من وجوده فيها، وكيف أثرت عليه، وما الفرق بين
عمله هناك ومشوار عمله داخل مصر..
يقول دياب: إن أكبر استفادة حدثت من العمل مع مارفل هي
العمل في منظومة، فقد ظل عدد من المسؤولين هناك يسأل عن عملي السابق أكثر
من مرة بسبب هذه النقطة تحديدًا؛ إمكانية العمل داخل منظومة. العمل
الإخراجي يتطلب بعض الديكتاتورية لا شك، لكن التركيز كان حول إمكانية عملي
كمخرج داخل منظومة مارفل الأكبر من أي فرد داخلها. استفدت كذلك بتجربة ما
سبق تجربته لكن بشكل أكثر ضخامة، ميزانية لم أعمل من خلالها من قبل. على
سبيل المثال، حققتُ تخيُّل صناعة بعض المشاهد بشكل أكبر مما كنت أتخيله قبل
ذلك. والخروج بعيدًا عن قالب الدراما الذي اعتدت العمل من خلاله إلى أنواع
مختلفة من الكوميديا والأكشن والرعب وغيره.
ويواصل: رغم كل مميزات التجربة فهي شديدة الإرهاق، فجدول
التصوير مستمر بشكل يومي على مدار مئة وعشرون يومًا، كلها بمستوى التصوير
السينمائي ليس التلفزيوني بإيقاعه الأخف، أعمل مع نجوم مثل أوسكار أيزيك
وإيثان هوك من نجوم هوليود المحترفين، الذين يخبروني أن الأمر ضاغط جدًا
عليهم أيضًا، حتى أن هوك قال لي “بعد حوالي خمسة عشر عامًا من العمل هنا لم
أصل لليوم المائة المتواصل في التصوير”. يرى دياب أن حياته على هذه الوتيرة
تتحول لتشبه الموظف “نستيقظ كل يوم لنذهب للتصوير، نصور على مدار ستة أشهر
حتى الآن في المجر بشكل متواصل”.
بالتأكيد العمل في مارفل أمر فارق في نظرته للصناعة
السينمائية عمومًا، سواء في داخل مصر أو عالميًا، أصبحت هناك رؤية أكثر
عمقًا حول سرديات الإمكانيات المادية التي تجعل أعمالًا فنية فارقة تمامًا
عن أعمال أخرى، وغير ذلك، يزداد صوته حدة وحماسة قبل أن يحكي أكثر عن ذلك
الموضوع: “الأزمة الحقيقية في الصناعة السينمائية المصرية، وأقول إنها
كليشيه لكنه كليشيه حقيقي: أزمة ورق “الكتابة” في مختلف العناصر الأخرى
لدينا من المواهب ما يمكنه العمل عالميًا، على سبيل المثال، يعمل معي
المونتير أحمد حافظ لا يختلف مستواه التقني عن أي مونتير داخل مارفل إن لم
يكن أفضل دون مبالغة، يصنع موسيقى الفيلم هشام نزيه الذي لاقت موسيقاه
إعجابًا لافتًا هناك، وفوق كل ذلك أن تصبح لدينا “صناعة” أي أن يكون هناك
إنتاج مستمر طوال الوقت لأنه حتى الآن أي عمل سينمائي في مصر يمكن اعتباره
سينما مستقلة مهما كبر أو صغر في مقابل ديزني التي تعتبر بمثابة دولة، شركة
كبيرة”.
تجربة البداية
في أحد مشاهد فيلم 678 يحكي أحد الأبطال عن قصة انزعاجه من
عمله في البنك، ورغبته في العمل كستاند أب كوميديان في مجال الفن عمومًا،
على ما يبدو كانت تلك القصة هي ما حاول دياب أن يسرد قصته الشخصية من
خلالها، وألفت نظره لذلك، يضحك قليلًا قبل أن يُجيب، قائلاً: “بدأت قصتي
كالعديد من القصص التي تشبه الشباب المصري لم أكن أعرف من الأساس إذا كانت
لديّ موهبة أم لا، لأنه لا يوجد ثمة طريقة داخل تعليمنا يمكنها أن تخبرنا
إذا كانت لدينا موهبة أم لا، اكتشفت أن لدي موهبة الرسم مثلًا في الجامعة.
عشت فترة طويلة من عمري لم أكن أفهم ماذا أريد، لكني على كل حال لم أفكر
يومًا أن أصبح مؤلفًا، تخرجت في كلية التجارة، ثم عملت في أحد البنوك
المصرية لكني لم أكن سعيداً آنذاك، كنت أفهم أن طبيعتي لا تحب القيود، كانت
لديّ فكرة فيلم، واستغليت عملي في البنك بعرض أفكاري على بعض العملاء الذين
يكون منهم ممثلون ومنتجون وعاملون في الصناعة السينمائية بشكلٍ عام، حتى
قابلت ذلت مره المنتج معز مسعود الذي رشحني للفنان أحمد الفيشاوي، ثم قررت
كتابة فيلم بعدما انتهيت من أول كتاب قرأته عن كتابة السيناريو”.
وبعدها قرر دياب أن يصقل موهبة الكتابة لديّه أكثر، فسافر
إلى أمريكا للدراسة لمدة عام، وبعد العودة كتب حوالي أربعة أفلام قرر أن
تكون هناك بعض الأعمال التي يريد إخراجها بنفسه، وبدأها بقصة فيلمه الأول
“678“.
ويتابع: “كيف تعيش البنت في مصر؟، هذا التساؤل مهما تحاكى
عنه البعض أمامي لم أكن لأفهمه قدر معايشتي له خلال صناعة فيلم 678،
أتذكر أن أحد أصدقائي أخبرني أنه هناك شخص ترك خطاب اعتذار لفتاة كان يتسبب
في مضايقتها بعد مشاهدة 678،
كانت تلك أكثر الأشياء التي أثرت فيّ، كيف يمكن أن تعبر عن مشاعر الآخرين”،
ذلك كان أكثر ما يشغل دياب أثناء صناعة فيلمه الذي أصبح فيما بعد حصانه
الرابح والأهم.
حركة مفرطة
ثمة ملاحظة مؤسسة يمكن أن تراها دائمًا في سينما محمد دياب،
منذ أول أفلامه “أحلام حقيقية” وحتى “أميرة”، يمكننا تلمّس حركة مفرطة في
كل القصص، إيقاع سريع عمومًا، سألته هل تفرض هذا الإيقاع أم هو نابع من
شخصيتك؟
يقول فورًا قبل أن ينتهي السؤال: “ملاحظة جيدة جدًا، بالفعل
أفلامي كلها داخلها حركة مفرطة، ربما جاء هذا من شخصيتي ذاتها، أنا أتحرك
كثيرًا، أتحدث بسرعة، حاولت في فيلم “أميرة” أن أقلل إيقاع الفيلم لكنني
بطبيعتي إنسان سريع، وإيقاع العمل يأتي من شخصية صانعه، حتى كتابة
المسلسلات لديّ تأخذ طابع السرعة، لأني عندما أشاهد بعض المسلسلات وأجد
إيقاعها البطيء لا يمكنني احتمالها، أنا شخص يفكر في السطر التالي أثناء
الكتابة قبل كتابة السطر الذي عليّ كتابته”.
دراما حقيقية
في المرة الأولى التي تسمع فيها قصة “أميرة” قبل أن ترى
الفيلم، تتساءل ما الذي يجعل مخرج مصري يتحمس لقصة فلسطينية أصيلة مثل
قصة أميرة، في الكلام عن الفيلم الأحدث، يتجدد صوت دياب، تملؤه الحيوية
والترقب المنتظرين من ردود الفعل حوله، ويقول: “بدأت قصة فيلم أميرة من
قراءة الأخبار، معظم أفلامي تكون فيها الأخبار عاملًا مؤثرًا تمامًا؛ في
فيلم 678 كانت
الفتاة التي رفعت أول قضية تحرش في مصر، ذهبتُ وقتها وحضرت هذه القضية
وتحدثت إلى الفتاة، فيلم “اشتباك” جاء من مجموعة من الكُتاب الذين دونوا عن
القصة الحقيقية للأفراد، وكذلك كان فيلمي الأخير “أميرة”؛ كنت أتصفح
المواقع والأخبار عندما قرأت خبرًا غريبًا حول كيفية إنجاب بعض الأسرى
الفلسطينيين من زوجاتهم عن طريق التلقيح الصناعي (النطف) وشعرت أن هذه
القصة تخرج منها دراما إغريقية شكسبيرية تستدعي أسئلة وجودية كبيرة”. هذه
المرة شاركه وإخوته الفكرة زوجته السيناريست سارة جوهر، وظلت لسنوات مجال
للنقاش والتفاعل بينهم جميعًا، قرروا بعدها الذهاب إلى واحد من أبناء
فلسطين المعروفين مثل المخرج هاني أبو أسعد الذي كان بمثابة المرجع لصناعة
الفيلم في كل مراحله، وهو ما يعترف به محمد دياب ولا ينسى أن المخرج
الفلسطيني كان المرشد له في كافة تفاصيل هذاالعمل.
وبشكل مباشر سألته، لماذا يُقدم فنان على كتابة أو خوض
تجربة إخراجية عن شيء غالبًا ليست لديه تجربة أو معايشة كافية معه؟
أجاب: “أكثر ما يشدني للكتابة هو الكتابة عن أمور لا
أعلمها، بالتأكيد أحب الكتابة عن أشياء اختبرتها قبل ذلك، لكن الصنعة
الجيدة تتطلب أن أغوص في عالم لا يخصني تمامًا، التعبير عن أشياء غريبة عني
يجعلني أتعلم خبرات لم أخضها قبل ذلك، على سبيل المثال في هذا المشروع على
مدار ثلاث سنوات عشت روح الإنسان الفلسطيني، كيف يعيش بالفعل ليس عن طريق
الأخبار، تجربة إنسانية تجعلك تنضج وتتعلم أشياء لم تتعلمها من قبل، وهذا
ما تحاول نقله للجمهور؛ عندما يشاهد فيلمك يدخل في تجربة مختلفة عن خبراته
الشخصية المعتاد عليها. يعيش في تجربة من الصعب جدًا خوضها”.
أي الوسائط يفضل في التعبير عما يكتب، سؤال يحمل الكثير من
الدلالات، تأمله محمد دياب، وقال بهدوء: “إذا كان الأمر في يديّ فلن أعمل
على أي مشروع غير سينمائي، سأتفرغ للسينما فقط، حتى الآن لم أُخرج مسلسل،
وليس لديّ أي نية في ذلك، أعتبر مشاريعي الحقيقية هي تلك التي أخرجها فقط،
المشروعات الأخرى تصبح للمخرج في النهاية، أشارك في كتابتها لكنها في
النهاية تخرج بوجهة النظر النهائية لمخرج العمل؛ أقوى سلطة على العمل، بعض
الأوقات تكون الظروف غير ملائمة على العمل في السينما، فأضطر للعمل خارج
الوسيط السينمائي حينها”.
آل دياب
إذا كان محمد دياب هو الأكثر شهرة بين إخوته، لكن أغلب
المهتمون في الصناعة يُعَرفونه وإخوته بـ”آل دياب” هو وإخوته، خالد دياب
وشيرين دياب، الذين يعملون معًا على أعمالهم، كان شيء شديد الأهمية أن نعرف
أكثر حوله فكرته ووجهة نظره للأعمال الفنية المكتوبة داخل الورش، يقول محمد
دياب: “حاولت من قبل العمل داخل الورش الجماعية للكتابة، لكن الموضوع يكاد
يكون صعبًا بدرجة ما؛ لأنه يتطلب معرفة شخصية جدًا مع المشاركين في الورشة،
خصوصًا بالطريقة التي نعمل بها، الاشتراك في كتابة كل حلقة ليس إعطاء كل
مشارك عدد من الحلقات، أعمل أنا وإخوتي (خالد وشيرين) ومعنا زوجتي سارة
جوهر بهذه الطريقة، عندما يكون التعاون بين أخوه يكون الأمر أكثر مرونة على
الجميع، تُمحى الفوارق بين من منا عمل أكثر على هذا المشروع أو غيره، مش
فارقة أنا انهاردة اشتغلت أكتر إنت بكرة اشتغلت أكتر، المشروع دا بتاعك،
الفكرة دي بتاعتي، كلنا واحد تحت مظلة ما نبدعه واحد”.