أزمة بين الفنانة يسرا ومدير المهرجان تمهد لتغييرات واسعة
في إدارته الفنية.
رغم أنه لم يمر سوى خمسة أعوام على ولادته بات مهرجان
الجونة السينمائي المصري واحدا
من المهرجانات الرائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يستمر في
كل سنة في استقطاب أهم السينمائيين العرب والعالميين، فيما يؤمن القائمون
عليه بتجديد فعالياته دوريا وهو ما يبقى محل نقاشات دائمة.
القاهرة– أثارت
الأزمة التي نشبت بين الفنانة المصرية يسرا المستشارة الفنية لمهرجان
الجونة السينمائي وبين انتشال التميمي مدير المهرجان على خلفية معايير
جائزة “التكريم الإبداعي” التي يمنحها المهرجان جدلاً واسعًا في الأوساط
الفنية في مصر قبل ساعات من انطلاق الدورة الخامسة للمهرجان الخميس الذي
يستمر حتى الثاني والعشرين من أكتوبر الجاري.
وأسهمت إدارة المهرجان التي وضعت معايير فضفاضة لمنح
الجائرة التي قالت إنها مخصصة لـ”السينمائيين الذين تركت أعمالهم علامة لا
تُمحى خلال مسيرتهم الإبداعية” في إشعال الأزمة بعد أن اضطر مدير المهرجان
إلى تبرير اختيار الفنان أحمد السقا لنيل الجائزة في دورة هذا العام
بتأكيده على مساعي المهرجان للاحتفاء بأشكال سينمائية مختلفة، واستعان بعدم
تكريم المهرجان للفنانة يسرا في محاولة لتأكيد وجهة نظره بعدم وجود شبهة
مجاملات في الاختيار.
وأشار التميمي في تعميم إعلامي للصحافيين المشاركين في
تغطية المهرجان إلى أن “وجود يسرا ضمن اللجنة الاستشارية العليا لمهرجان
الجونة يمنعنا من الاحتفاء بها رغم أنها الأكثر استحقاقًا للتكريم
باعتبارها واحدة من أبرز الفنانات المؤثرات على أجيال وليس على جيل واحد”.
الجدل حول التكريم
جاء رد يسرا قويًا ومباشراً ومعبراً عن وجود أزمات بين
القائمين على إدارة المهرجان، قائلة “أرفض الزج باسمي في سياق خاطئ وغير
ضروري بالمرة، علماً بأنه تكررت الكثير من المواقف السلبية معي ومع آخرين
في اللجنة، وهو ما كنت لا أتوقف عنده، ضمن سياق اعتزازي بمهرجان الجونة
ودعمي له من اليوم الأول، لكن خطأكم الأخير لا يمكن السكوت عنه وهو مرفوض
جملة وتفصيلاً، وأنا واثقة من قدرة المسؤولين عن المهرجان على إدراك حجم
الخطأ فيه”.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تتسبب فيها جائرة “التكريم
الإبداعي” في كل هذا الجدل، وواجهت إدارة المهرجان انتقادات حينما اختارت
تكريم الفنان المصري محمد هنيدي في دورته الثالثة بعد تكريم عادل إمام
وداوود عبدالسيد في أول دورتين، الأمر الذي دافع عنه التميمي بتأكيده أن
تكريم هيندي “جاء تقديراً في مجمله للكوميديا وفنانيها”، وهو تبرير لم يقنع
أحدا لأنه جرى منح الجائزة قبله بعامين إلى أستاذه عادل إمام.
وطالب العديد من النقاد إدارة المهرجان بضرورة وضع إطار
محدد للجائزة سواء أكان ذلك من خلال تخصيصها للفنانين الذين تركوا بصمتهم
الفنية على مدار تاريخهم الفني مثلما هو الحال بالنسبة إلى عادل إمام أو
داوود عبدالسلام أو أنسي أبوسيف أو للفنانين الذين مازالوا في ذروة سنوات
العطاء مثلما هو الحال بالنسبة إلى محمد هنيدي وأحمد السقا أو آخرين قد
يكونون ضمن القائمة خلال السنوات المقبلة.
غياب المعايير الواضحة للفنانين الذين يقع الاحتفاء بهم في
المهرجانات المصرية يولّد الفوضى في مسألة التكريم
وقال الناقد الفني محمد علوش إن المهرجان يستهدف إحداث قدر
من التوازن بين تكريم نجوم الجيل القديم وبين أجيال الوسط الذين سطروا
حضورهم بقوة على الساحة الفنية منذ تسعينات القرن الماضي، ودائما ما تؤكد
إدارة المهرجان على أنها تستهدف أن يكون كبار نجوم السينما حصلوا أولاً على
التكريم اللائق بهم من مهرجان القاهرة الدولي باعتباره مهرجان الدولة ولديه
تاريخ طويل مقارنة بالجونة الصاعد.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن المهرجان حاول خلال أكثر من
دورة تكريم الفنانة ميرفت أمين غير أنها لظروف خاصة بها اعتذرت، بالتالي
فإنه ليست هناك مشكلة حول التكريم بقدر أن الأمر يتعلق بالحديث عن الفنانة
يسرا بشكل اعتبرته يسيئ إليها، ووجودها في اللجنة الاستشارية لا يمنع
تكريمها لأن الأمر ليس له علاقة بمسابقة رسمية داخل المهرجان يمكن أن تؤثر
على نتيجتها.
لعل المشكلة الأكبر التي أثارت الجدل حول المهرجان وطرحت
أسئلة عديدة حول معايير الجوائز أن الفنانة التونسية هند صبري التي تشارك
ضمن اللجنة الاستشارية أيضًا سبق وأن حازت على جائزة “التمثيل” عن فيلم
“نورا تحلم” قبل عامين ولا يمنع المهرجان المشاركين في لجانه الاستشارية من
المشاركة في المسابقة الرئيسية.
لا يتوقف الأمر فقط على مهرجان الجونة السينمائي لكن ما
يضاعف من الجدل القائم أن العديد من المهرجانات المصرية تثار حولها علامات
استفهام بشأن اختيارات التكريم، ولا توجد معايير واضحة يمكن أن تُرشّح هذا
الفنان أو ذاك للحصول على الجائرة لأن اختيارات لجان التحكيم دائما ما تكون
محل شكوك ونقاشات حول وجود أسماء بعينها قد لا تكون ذات خبرات فنية تؤهلها
للتواجد في هذه المكانة.
وحسب العديد من النقاد الفنيين فإن غياب المعايير الواضحة
في المهرجانات المصرية للفنانين يجعل هناك فوضى في مسألة التكريم بعد أن
تضاعفت الفعاليات التي تحمل اسم “مهرجان فني” وتستهدف أبعادا تجارية من
خلال جذب الفنانين ومنحهم جوائز لتساهم في تحقيق الغرض منها.
وقالت الناقدة الفنية خيرية البشلاوي إن الموضوعية تغيب عن
بعض المهرجانات الفنية ويكون من الصعب اختيار أشخاص مجردين بعيداً عن
الأهواء، وهو ما يفرز أزمة المعايير المبهمة، ومن نتيجة ذلك استبعاد كل
النقاد الذين لديهم رؤى تخالف توجهات القائمين على تلك المهرجانات لصالح
الاستعانة بآخرين يفتقرون إلى الخبرات الكافية.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن الأزمة ليست قاصرة على مهرجان
الجونة الذي حافظ على قدر كبير من الالتزام في دوراته السابقة، ويبدو أن
العدوى انتقلت إليه، كما أن دخول عوامل سياسية واقتصادية بعيدة عن الفن ضمن
أهداف المهرجان تجعل هناك قابلية لحدوث مثل هذه المشكلات.
واستطاع مهرجان الجونة خلال دوراته السابقة أن يلفت الأنظار
بشدة إليه واتسم بقدر عال من التنظيم والاحتراف ما جعلته يتفوق على
مهرجانات سينمائية أخرى كبيرة تدعمها الحكومة، غير أن التغييرات التي طرأت
على ملكية الشركة المنظمة للمهرجان والتي كانت تقوم على الشراكة بين عدد من
الفنانين والمنتجين وبين رجل الأعمال سميح ساويريس مؤسس منتجع الجونة على
البحر الأحمر وأخيه رجل الأعمال نجيب ساويرس انعكست على المشكلات الإدارية
التي طفت على السطح مؤخراً.
وانتقلت ملكية شركة “ذا فستيفال” التي كانت تتولى تنفيذ
المهرجان منذ انطلاقه عام 2017، بشراكة بين الفنانة بشرى والمنتجين عمرو
منسي وكمال زادة بشكل كامل إلى شركة “أوراسكوم” للتنمية المملوكة لرجل
الأعمال سميح ساويرس، ولعل ذلك أسهم في أن تتخذ بشرى مواقف داعمة للفنانة
يسرا في أزمتها الأخيرة، كما خرج عمرو منسي عن فريق إدارة المهرجان بعد أن
شارك بشكل فاعل في تأسيسه.
أزمة بشرى
دخلت الفنانة بشرى على خط الهجوم على إدارة المهرجان،
وأشارت إلى أنها من قامت بتأسيسه وليست موظفة قاموا بتعيينها وكانت السبب
في تعيين أغلب العاملين فيه بناء على رؤيتها، ووجودها بهذا المنصب دليل على
خبرتها ونجاحها في السينما والتليفزيون والمسرح والراديو والغناء، فكل هذه
المجالات أجادتها.
وقد يشهد المهرجان تغييرات واسعة على مستوى إدارته الفنية
بعد انتهاء الدورة الخامسة، لأن رجال الأعمال القائمين عليه سيحاولون
تطويره استعداداً لمنافسة لن تكون سهلة مع مهرجان البحر الأحمر الذي من
المقرر أن تنطلق أولى فعالياته العام المقبل، وقد يكون قابلاً للتلاشي إذا
لم يستطع تجاوز المشكلات الداخلية التي ظهرت للعلن مؤخراً.
ويُصنف مهرجان الجونة ضمن أفضل ثلاثة مهرجانات فنية في
المنطقة العربية مع مهرجاني قرطاج والقاهرة الدوليين، وتمكن خلال سنوات
قليلة من عرض مجموعة من الأفلام لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط، وجذب
أسماء فنية عالمية لحضور فعالياته واتسمت برامجه الفنية بالتنوع.
ولعبت “منصة الجونة” دوراً مهمًا في تقديم الدعم لعدد من
المشروعات الفنية التي حققت نجاحاً في وقت لاحق مثل فيلم “سعاد” الذي شارك
في الجائزة الرسمية لمهرجان “كان” وحصد جائزة أفضل ممثل في مهرجان
“تريبيكا” الدولي، وكذلك الفيلم التونسي “الرجل الذي باع ظهره” ونافس بقوة
على جائزة “الأوسكار” هذا العام، إلى جانب الفيلم الوثائقي السوداني
“الحديث عن الأشجار”.
مهرجان الجونة السينمائي استطاع خلال دوراته السابقة أن
يلفت الأنظار بشدة إليه واتسم بقدر عال من
التنظيم والاحتراف
وتواصل منصة الجونة السينمائية دورها في دعم صناع السينما
الشباب وتقدم جوائز بقيمة 250 ألف دولار للمشاريع الفائزة في مرحلة التطوير
والأفلام الفائزة في مرحلة ما بعد الإنتاج.
يتكون برنامج المهرجان من 3 مسابقات رسمية الأولى مسابقة
الأفلام الروائية الطويلة، ومسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، ومسابقة
الأفلام القصيرة، والبرنامج الرسمي خارج المسابقة.
ويعرض المهرجان 80 فيلمًا هذا العام بينها 37 فيلما روائيا
طويلا بكل أقسام الدورة الخامسة، إضافة إلى 16 فيلما روائيا ضمن المسابقة
الرسمية، وفيلمان ضمن أفلام التحريك، ويعرض 15 فيلما وثائقيا من بينها 10
في المسابقة الرسمية، ويعرض 3 أفلام روائية طويلة في عرض عالمي أول.
ويقدم كذلك 23 فيلما قصيرا، وفيلمين ضمن أفلام التحريك،
ويقدم خمسة أفلام قصيرة كعرض عالمى أول، وفيلمين كعرض دولي لأول مرة،
والأفلام المتنافسة فيها تمثل 22 دولة، ويضم البرنامج الخاص ستة أفلام من
ست دول، وبلغ إجمالي عدد البلدان الممثلة في المهرجان 44 دولة، وتمكن
المهرجان من جذب عشرة أفلام كعروض عالمية ودولية أولى في الدورة الحالية.
ويكرّم المهرجان المخرج والمنتج الفلسطيني محمد بكرى وتتضمن
مسيرته السينمائية أكثر من 70 عملًا سينمائيًا بين الإخراج والتمثيل، بينها
“من وراء القضبان” و”درب التبانات” و”حيفا”، إضافة إلى عدد من الأفلام
الوثائقية التي أخرجها من بينها فيلم “جنين جنين”، الذي يصور الجرائم التي
ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في مخيم جنين، وفاز من
قبل بجائزة مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة عام 2002.
ويضيف المهرجان في دورته الجديدة جائزة جديدة تحمل عنوان
نجمة الجونة الخضراء المخصصة للأفلام المعنية بقضايا البيئة، ويعرض
المهرجان عددًا من الأفلام الكلاسيكية الأيقونية التي حازت إعجاب الجماهير
على مدار الزمن.
صحافي مصري |