مهرجان ” كان ” 74 :
عن الحفل والضيوف. أوبرا وحشية لمجد السينما الفرنسية
بقلم صلاح هاشم مصطفى
من أجمل المشاهد، التي عشناها في حفل إفتتاح مهرجان ” كان ”
السينمائي، وبحضور عدد كبير، من نجوم السينما في فرنسا والعالم، وقبل عرض
فيلم ” آنيت ” فيلم الإفتتاح، للمخرج الفرنسي الكبير ليو كاراس يوم 6
يوليو..
مشهد المخرج الإسباني الكبير بدرو المودوفار، عندمت دعى
لتسليم “سعفة كان الذهبية” الشرفية، للممثلة الأمريكية جودي
فوستر،تقديراوتكريما لها،من قبل إدارة مهرجان ” كان” ،على مسيرتها
السينمائية الباهرة، في الدورة 74..
فراح المودوفار،يحكي بتأثر شديد،عن مسيرة النجمة
الأمريكية،الممثلة ،والمنتجة والمخرجة جودي فوستر، التي سحرته- ونحن أيضا
معه- بحضورها- وليس فقط كطفلة، في بعض أفلام “والت ديزني” للصغار، بل و
أيضا – في مجموعة من أبرز روائع السينما الأمريكية، وشموخها فيها، بأداء
رائع أخاذ، لاينسى، كما في فيلم ” سائق التاكسي ” للأمريكي مارتين
سكورسيزي، الحاصل على سعفة ” كان ” الذهبية عام 1976، وفيلم ” صمت الحملان
” عام 1992 أمام الممثل البريطاني الكبير- أوسكار أحسن ممثل عام 2021-
أنطوني هوبكنز..
وغيرهامن أفلام،لم تنجح فيها هوليوود،على مدي نصف قرن، في
“ترويض” جودي فوستر، لتصبح ” سلعة “، أو عروس “ماريونيت” من خشب، تحركها
هوليوود، وتتحكم فيها كما تشاء..
السينما أهم “سلاح” لمقاومة مجتمع الإستعراض
ذلك لأن جودي فوستر، من مواليد لوس انجلوس عام 1962 و
الحاصلة على جائزة أوسكار أحسن ممثلة بفيلمها ” المتهمون ” عام 1989 –
كتجسيد لـ ” الممثل، المفكر، المثقف” INTELLECTUAL–
ومنذ زمن بعيد، فهمت ” اللعبة “، حتى عندما كانت طفلة في هوليوود، فلم تقبل
بأدوار تكرس لتبعية المرأة، وخضوعها للرجل، سيادته وهيمنته..
بل لقد حرصت ومنذ أول فيلم من إخراجها ” الرجل الصغير ”
عام 1991 ،على أن تكون لها شخصيتها، سواء كممثلة أو منتجة أو مخرجة، في صنع
أفلام،تعزز من ” بطولات نسوية ” غير عادية، في مواجهة عنف وقسوة المجتمعات
الرجولية الذكورية، كما في فيلم ” غرفة الرعب ” “PANIC
ROOM من
اخراج الأمريكي ديفيد فنشر..
لذلك أصبحت، وبعد حصولها على أوسكار ثان، بادائها الرائع
في فيلم ” صمت الحملان “، كما ذكر المودوفار في كلمته عنها في حفل
الإفتتاح، ” أيقونة ” من أيقونات السينما ، وحرية المرأة ، لكل النساء، في
عصرنا..
وقد كان يحلو دائما لجودي فوستر أن تردد، في أحاديثها
للصحافة والإعلام، بأن ” ..السينما هي أهم” سلاح” ، لمقاومة مجتمع
الإستعراض “..
وبعد أن تسلمت جودي فوستر سعفتها الذهبية الشرفية عن
إستحقاق وجدارة، وتم تقديم أعضاء لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للدورة 74
برئاسة المخرج و الممثل والمنتج الأمريكي الأسود سبايك لي، وعرض فيلم قصير
جميل عن أعماله السينمائية البارزة مثل فيلمه ” إفعل الشييء الصحيح “DO
THE RIGHT THING ،وموقعه
المهم في السينما الأمريكية..
أعلنت جودي فوستر، مع المخرج الكوري بونج جوون هو، الحاصل
على سعفة كان الذهبية ،في آخر دورة 72 طبيعية للمهرجان عام 2019 بفيلمه ”
طفيليات “، و مع رئيس لجنة التحكيم سبايك لي، والمخرج الأسباني الكبير بدرو
المودوفار..
أعلنوا أربعتهم، عن إفتتاح الدورة 74 لمهرجان ” كان”
السينمائي العالمي..
وأخذت أضواء المسرح تخفت تدريجيا، قبل أن تطفآ تماما،
ونستعد لمشاهدة فيلم الإفتتاح، من نوع الكوميديا الموسيقية ” أنيت ”
المشارك أيضا في المسابقة الرسمية للدورة 74، والتي تضم 24 فيلما -الذي
أكدت الدعايةالصريحة- عيني عينك- أو المستترة، والمصاحبة للفيلم، وحتى على
لسان تيري فريمو المندوب العام للمهرجان، والمسئول عن إختيار كل أفلام
المهرجان – أكثر من 80 فيلما -، بأننا سنشاهد ” تحفة ” سينمائية موسيقية
فرنسية، قلما يجود الزمان بمثلها، ومن صنع مخرج عبقري..
آنيت: أوبرا وحشية لمجد السينما الفرنسية
وكانت مفاجأة، و”صدمة” كبيرة لنا في المهرجان ، عندما عرض
فيلم ” آنيت ” وهلكنا بصخبه،وخطبه، وزعيقه ،وقرفه وسوداويته، وطوله وملله،
ولم يكن الاختيار – وهذا في رأينا ،أقل مايقال عن هذا الفيلم – موفقا
بالمرة، لعرضه في حفل الإفتتاح..
يحكي فيلم ” ANNETTE ”
عن علاقة حب بين مغنية أوبرا جميلة وحالمة، مثل ملاك ، وتلعب دورها في
الفيلم الممثلة الفرنسية الجميلة ماريون كوتيار ،وبين ممثل من ممثلي عروض
“الممثل الواحد” ONE
MAN SHOW يطلق
على نفسه إسم ” ” قرد الله ” THE
APE OF GOD “-
يلعب دوره في الفيلم الممثل الأمريكي آدم درايفر، وهو من أسوأ وأبشع
أدواره في السينما – ولاننسي دوره الجميل كشاعر وسائق اوتوبيس نقل عام في
فيلم جيم جامروش – ويقدم نمر مسرحية فكاهية لإضحاك الجمهور، لكنه ينتقدهم
ويسبهم ويلعنهم، فيضحكون ،ويصفقون طلبا للمزيد، ونفهم من خلال علاقة “الحب-
الكراهية”هذه بين ” الحسناء ” من جانب، و “الوحش” من جانب آخر، مع
الإعتذار لفيلم جان كوكتو ” الحسناء والوحش ” الجميل،وتطورها في الفيلم،
بأنها ستنتهي لاشك، بكارثة أو جريمة..
حيث ينغمس الممثل، في نوع من “الإستبطان الذاتي” النرجسي
المدمر،ويبدو وكأنه يسقط من حالق، في هوة سحيقة، ولايجد من ينتشله،وأنه
يستعذب الألم وجلد الذات، ولذلك عندما يجتمع بحبيبته، في مشاهد جنسية نارية
، تلد له قردا مثله ويشبهه، في شخص طفلة، تلعب دورها في الفيلم عروسة من
خشب..
وعندما تموت حبيبته مغنية الأوبرا الحالمة، في عرض البحر،
وتغرق أثناء عاصفة ، يكتشف ” الوحش ” أن الطفلة ورثت عن أمها موهبتها في
الغناء، فيطوف بها في صحبة قائد أوركسترا -من المعجبين بأمها- العالم،
ليتفرج على الطفلة المغنية الأوبرالية المعجزة، كما كان يفعل والد موتزارت
بإبنه الطفل الموسيقار العبقري، وحتى ترفض “أنيت” عندما تكبر وتبلغ السابعة
أو الثامنة من عمرها في حفل عالمي، ترفض أن تغني، وتشير الى والدها،وتفضحه
كمجرم و قاتل..
يبدأ فيلم ” آنيت ” بداية عبقرية،حيث تنطلق فرقة موسيقية –
في لقطة مشهدية َPLAN
SEQUENCE رائعة،
تنطلق بأمر من مخرج الفيلم ليو كاراس، وهي تغني الى عرض الطريق في لوس
انجلوس، ونستمع في شريط الصوت المصاحب تعليقا – وهو مسجل على لسان المخرج
ليو كاراس – إن إنتبهوا ، ممنوع الحكي والكلام ، ممنوع الضحك، كل شييء
ممنوع،لأننا سنقص هاهنا عليكم قصة حب رائعة، وحين تخرج الفرقة الى الشارع
يلتحق بها الممثلون أبطال الفيلم، وينتهي المشهد بإنفصال بطل الفيلم عن
المجموعة، وتوجهه لركوب دراجته النارية، ثم الانطلاق بها في جوف الليل
البهيم..
فيلم ” آنيت ” لاتعرف بالضبط ماذا أراد أن يقول مخرجنا
الفرنسي العبقري ليو كاراس بفيلمه، حيث أن الفيلم يتطرق الى عدة موضوعات،
لكنه لايتعمق في معالجتها..كما أنه ينحاز أكثر الى جانب الشر، على مستوى
رسم الشخصية ويكرس معظم الفيلم لدور آدم درايفر، الوحش، ولايكون لماريون
كوتيار ذات النصيب.
موضوعات مثل هوس وجنون الفنان المبدع، في مجتمعات
الاستهلاك الرأسمالية الأمريكية الكبرى، وعلاقته بالجمهور المعاصر، الذي
يبدو أنه يستعذب الألم، ولايضحك إلا عندما يجلد علنا، ويسخر منه، ومن
نفاقه، وطلبه للمتعة بأي ثمن، ولو كان ،على حساب عزة نفسه، وكرامته
الشخصية..
وتمكث هذه “الثيمات” لفترة، ثم تنتهي وتتلاشي،وينساها
مخرجنا ليو كاراس( طفل السينما الفرنسية المعجزة) كما أطلقوا عليه، وبخاصة
عندما ظهر فيلمه العبقري ” محركات قدسية ” HOLY
MOTOR آنذاك
كثيرا ..
كما يتطرق الفيلم الى موضوع” إستغلال الأطفال” كما إستغلال
الطفلة أنيت في الفيلم، والتحرش بـ وإغتصاب الممثلات والفنانات في السينما،
وحركة ” أنا أيضا “ ME
TOO،,
وإطلاق “حرية الكلام والبوح”، وتظهر في الفيلم 8 نساء يتهمن الوحش، بأنه
قام باغتصابهن، كما يتم التحقيق معه، بعد أن تسبب في موت قائد الاوركسترا،
وتبدو مشاهد الغناء في قاعات المحاكم وأقسام الشرطة الامريكية في الفيلم
،غريبة جدا وغير مقنعة، وتهلكنا بعبثيتها وسخافتها، ويا ليو كاراس.. الى
أين تذهب بنا رايح بنا، حرام عليك ؟!..
كما يتطرق الفيلم، أو يمكن أن نقول أنه أراد أن يتطرق، الى
مجموعة من المفاهيم CONCEPTS المتعلقة
بتطور فنون الإعلام الموسيقي والمرئي، وسياساته، والى أين تمضي بنا، في ظل
هيمنة ديكتاتورية ” الإستعراض ” SPECTACLE في
عالمنا المعاصر..
فيلم ” بابيت “، بعد مشهد الافتتاح المذهل العبقري، والمؤكد
أن ليو كاراس أراد أن يصنع من فيلمه ” حكاية خرافية ” A
FAIRY TALE وبموسيقى
لفرقة ” إسباركس ” التي كان مغرما بها وبألبوماتها الموسيقية في صغره،
ومشهد” العاصفة”..
يمضي الفيلم، بمشاهد غريبة، تنشب فيك مخالبها، بوحشية، و
تظهر وتختفي وتفتقد “الوحدة العضوية” التي تمنح العمل الفني – ومن منطلق
أن السينما كمايقول المخرج والمفكر السينمائي جان لوك جودار هي ” فن
الإقتصاد وعن جدارة “- ألقه وتألقه، وتجعله مثل ” كأس من الفراولة ”
في صيف ” كان ” الحار ، ونحن نلهث، و نركض هنا، لمتابعة أفلام المسابقة
الرسمية في الدورة 74 في القاعات.
فيلم ” آنيت ” الذي تضع فيه السينما الفرنسية ،بكامل
مؤسساتها الرسمية والخاصة ،جل طموحاتها، في أن يفوز في مسابقة
المهرجان، بجائزة ” السعفة الذهبية “، وأن تحصل بطلته على جائزة أحسن
ممثلة في أفلام المسابقة، وأن يعود معه الجمهور المتعطش بعد 18 شهرا من
الحبس الاضطراري، بسبب وباء الكورونا الى القاعات..
هو فيلم متعثر، متردد، خيب أملنا، و” أوبرا وحشية ” رديئة،
بمبالغات عاطفية و موسيقية عدوانية ،وتكاد تكون ” فاشية”، في بعض مشاهد
الفيلم،التي تعذبنا فيها كثيرا من الإطالة، والدوران، في حلقة مغلقة ،
والتكرار الذي يزهق الروح، “أوبرا ” محبطة، وتخلو للأسف من أي فرح حقيقي،
يطرب الروح..
” أنيت ” فيلم اصطناعي عقيم، قتله طموحه، وغرورمخرجه،لـ
“مجد “.. السينما الفرنسية.. الزائل، |