مخرجة «نومادلاند» تفوز بجائزة رابطة المخرجين الأمريكيين
كلوي تشاو لـ«القدس العربي»: هذه حياة الأمريكيين الذين
يعيشون في مقطورات
حسام عاصي/ لوس أنجليس – «القدس العربي»:
حققت المخرجة الصينية كلوي تشاو انجازا بارزا بفوزها مساء
السبت بجائزة أفضل مخرجة من رابطة المخرجين الأمريكيين عن الفيلم الروائي
الطويل «نومادلاند».
وتجسد الممثلة الأمريكية فرانسيس ماكدورماند في الفيلم
شخصية أرملة في العقد السابع من عمرها تحول عربتها الفان إلى منزل متنقل
وتعمل بوظائف موسمية على امتداد ترحالها على الطريق في الغرب الأمريكي.
وتعتبر تشاو أول امرأة ذات بشرة ملونة تفوز بالجائزة وثاني امرأة على
الإطلاق، بعد كاثرين بيجلو، التي فازت بالجائزة في عام 2010 عن فيلمها «ذا
هيرت لوكر».
وتعتبر الجائزة المرموقة الأحدث في موسم الجوائز لتشاو
وفيلم «نومادلاند». ويرجح النقاد فوز الفيلم بجائزة أفضل مخرجة في حفل
توزيع جوائز الأوسكار نهاية الشهر الجاري .
الجوائز
ومنذ عرضه الأول في مهرجان البندقية السينمائي في
أيلول/سبتمبر الماضي، حيث فاز بجائزة الأسد الذهبي، حصد «نومادلاند»
ومخرجته كلوي تشاو أبرز الجوائز السينمائية، من ضمنها جائزة اختيار جمهور
مهرجان «تورنتو» التي تعتبر مؤشراً مهماً لجوائز الأوسكار، وجميع جوائز
جمعيات النقاد في الولايات المتحدة وخارجها، بالإضافة إلى «غولدن غلوب»
أفضل فيلم درامي وأفضل إخراج، وجائزة نقابة المنتجين الأمريكيين ليصبح فوزه
في الأوسكار، التي نال ستة ترشيحات لها، حتمياً نهاية هذا الشهر.
فضلاً عن إخراج الفيلم، قامت تشاو أيضاً بكتابة نصه وإنتاجه
وتوليفه. وقد اقتبسته من كتاب جيسيكا برودر «نومادلاند: النجاة في أمريكا
في القرن الواحد والعشرين» الذي يطرح مجتمع رحل أمريكيين مكون من أناس في
الستينيات والسبعينيات من العمر خسروا بيوتهم وأموال تقاعدهم بعد الأزمة
الاقتصادية عام 2008، وصاروا يجوبون أراضي بلادهم الشاسعة بمقطوراتهم، التي
حولوها إلى بيوت يقطنون فيها، ويعيشون من أعمال موسمية بسيطة في المصانع أو
المطاعم أو حتى في حقول الفلاحة
تبدأ أحداث الفيلم عام 2011 في مدينة امباير، حيث تخسر
بطلته الأرملة، فيرن، وظيفتها بعد إغلاق مكان عملها، فتبيع ممتلكاتها
وتشتري مقطورة لتعيش فيها وتجوب البلاد بحثاً عن عمل. وسرعان ما تلتقي
رحلاً متضررين أمثالها في مواقف مقطورات أو أماكن عملها فتنضم إليهم،
وتشاركهم صراعهم الوجودي في ظل ظروف مناخية واجتماعية وصحية ومادية قاسية.
لكن رغم الصعوبات والتحديات والمخاطر التي تواجهها فيرن في
حياة البر والتنقل القاسية إلا أنها تنسجم مع تلك البيئة الطبيعية التي
تحررها من عبء وقيود وماديات ومسؤوليات والتزامات الحياة في الحضر. لذلك
ترفض عرض أختها لها للعيش معها في بيتها أو عرض راحل آخر، يدعى ديفيد،
الزواج منها والاستقرار معاً.
وعندما يدعوها ديفيد إلى بيت ابنه بمناسبة عيد الشكر، ترفض
أن تقضي الليلة هناك لأن السرير ناعم للغاية وهي لم تعد متعودة على تلك
الرفاهية، فتختار أن تقضي الليلة في مقطورتها وتنام في سريرها الخشن.
وفي حديث مع تشاو عبر خدمة «زوم» أكدّت لي أن تلك التجربة
مرّ بها الكثير من الرحل. «عندما التقيت بالكثير منهم وجدت أنه في البداية
لم يكن ذلك خياراً، خصوصاً إذا كنت في أواخر سن الستينيات أو السبعينيات
وأحياناً في الثمانينيات من عمرك. فالهوية التي حددتك لعقود هي قوية للغاية
وبالتالي الكثير من الناس لا يتغيرون، إلا إذا حدث أمر جذري وأخذ ذلك منهم،
ولذلك الكثيرون منهم لم يشعروا في البداية أنها مأساة. ثم من هناك، تلك
المثابرة التي لديهم وحسن التدبير والرغبة بألا يستسلموا وحسب، وأن يكتبوا
سردية حياتهم الخاصة بهم، ثم استمروا بالمضي قدماً ومن خلال هذه العملية
أصبح الأمر خياراً، لأنهم اكتسبوا هوية جديدة لأنفسهم، حيث يعيدون ببطء
تكوين الشعور بالذات.»
لكن نظرة المجتمع لم تتغير تجاه هؤلاء الرحل، فأصدقاء فيرن
وأقاربها يعتبرونها مشردة ويحاولون إقناعها بالاستقرار، لكن ترفض ذلك مصرة
على أنها ليست مشردة بل شريدة، لأنها تعتبر مقطورتها بيتاً كأي بيت آخر.
«المشرد هو من لا مأوى له، أما الشريد فهو من لا يعيش في
منزل» توضح تشاو. «أعتقد أنه في سياق الفيلم أن تكون مشرداً هو أن تشعر
بأنك لا تنتمي إلى أي مكان لأن البيت هو المكان الذي ننتمي إليه. بينما
الشريد، التي تشير إليه فيرن، ينتمي إلى مكان ما لكنه ليس البيت التقليدي
الذي اعتاده الناس. «
يستحضر نومادلاند تحفة جون فورد «عناقيد الغضب» الذي انطلق
عام 1940، وتناول الآثار الوخيمة للكساد الأمريكي الكبير في ثلاثينيات
القرن الماضي على الطبقات العاملة وشرائح المهمشين في الولايات المتحدة من
خلال طرح قصة عائلة فقيرة من ولاية أوكلاهوما تخسر مزرعتها فتنطلق عبر
الولايات المتحدة غرباً بمركبتها الى كاليفورنيا، سعياً لإيجاد عمل وحياة
نزيهة.
«عناقيد الغضب» أيضاً حصد أهم الجوائز السينمائية ونال سبعة
ترشيحات أوسكار وفاز باثنتين. لكن رغم تشابه موضوعه مع «نومادلاند» إلا أن
طرحه السردي والسينمائي يختلف تماماً؛ فهو ملحمة روائية مبنية من حبكة
درامية تقليدية وشخصيات خيالية يجسدها أبرز نجوم هوليوود الكلاسيكيين على
رأسهم هنري فوندا، الذي يجسد دور بطل الفيلم توم جود. أما نومادلاند فيتسم
بطرح مميز بعيد عن الطرح الهوليوودي التقليدي، يمزج السرد الوثائقي مع
الروائي والشخصيات الواقعية مع الخيالية، ليقدم شريحة من الحياة في فترة
زمنية محددة، خالية من الحبكة الدرامية والمخاطر التشويقية.
جميع ممثلي نومادلاند هم رحل حقيقيون يلعبون أدوار شخصياتهم
الواقعية المذكورة في الكتاب، ما عدا بطلته، النجمة الحائزة على جائزتي
الأوسكار فرانسيس مكادورماند، التي تجسد فيرن، والتي ابتكرتها تشاو لتخلق
خطاً سردياً يربط بين تلك الشخصيات الحقيقية، بالإضافة إلى شخصية ديفيد،
الذي يؤدي دوره الممثل ديفيد ستراثام، لإضفاء جانب رومانسي وإنساني لها.
تشاو طبقت هذا الأسلوب السينمائي في فيلميها السابقين «أغان
علمني إياها إخوتي» عام 2015 و»ذي رايدر» عام 2017، اللذين تدور أحداثهما
أيضاً في الغرب الأمريكي ويؤدي أدوار شخصياتهما أشخاص ليسوا بممثلين. وقد
عرض الفيلمان في أبرز المهرجانات العالمية ونالا مديح النقاد وجوائز
سينمائية مهمة.
«ذي رايدر» أيضاً يفتتح بمأساة تصيب بطله وهو نجم مسابقات
رعاة البقر، برادي جاندرو، الذي يتعرض لإصابة دماغية شديدة بعد وقوعه عن
حصانه خلال إحدى المسابقات، مما يحول دون ممارسته مهنته. ورغم تحذير الطبيب
له والتحديات المادية التي تواجهها عائلته، إلا أنه يستمر في المحاولة
للعودة إلى المسابقات إلى أن يجد مساراً آخر في حياته ويبلور هوية جديدة له
دون ممارسته مهنته، ويجسد دوره برادي الحقيقي، الذي التقت به تشاو في
المحمية التي صورت فيها فيلمها الأول.
«أعتقد أن العالم من حولنا مغرٍ جداً أحياناً» تعلق تشاو.
«وأحياناً نسلك طريقاً ما ثم يصعب علينا إخراج أنفسنا منه لأن العالم
بأكمله يحاول أن يحدد هويتك، وكذلك كل ما تقوم. به يكاد يكون من الآمن
تصنيفنا. في بعض الأحيان يتطلب الأمر وقوع حدث مروع لكي نشرع في البحث عن
أنفسنا. في الواقع، لا شيء من ذلك يدور حولي.»
تجاربها الخاصة
رغم إصرار تشاو، التي ولدت في بكين عام 1982، على أن
شخصياتها والقضايا التي تطرحها أفلامها لا تعكس تجاربها الخاصة، لكن يبدو
واضحاً أنها مبهورة بالغرب الأمريكي وسيكولوجية الشخصيات التي تتمرد على
مجتمعاتها.
وإذا تمعنا في سيرة حياتها نجد أن ذلك ليس عفوياً؛ فهي أيضاً تمردت على
عائلتها الثرية وخلفيتها الصينية، واصفة إياها بالمليئة بالأكاذيب. ومنذ
جيل المراهقة، اعتنقت الحضارة الغربية، وفي الخامسة عشرة من العمر غادرت
الصين لتلتحق بمدرسة ثانوية في انكلترا، وبعد ثلاثة أعوام انتقلت إلى
الولايات المتحدة، حيث أكملت دراستها الثانوية قبل أن تدرس السينما في
جامعة نيويورك تحت إشراف المخرج سبايك لي. وبعد تخرجها استقرت في الولايات
المتحدة.
وبينما كانت ترّوج لفيلمها «ذي رايدر» انتقدت النظام في
الصين، ما أسفر عن منع عرض الفيلم في دور العرض هناك. ويبدو أن «نومادلاند»
سيواجه مصيراً مشابهاً مع أن رسالة الفيلم تتطابق تماماً مع نظرة الصين
تجاه النظام الرأسمالي الأمريكي، التي تتهمه شخصيات الفيلم باستغلال
الطبقات العاملة التي يكدّ أفرادها طوال حياتهم من أجل خدمة مجتمعهم وسلب
بيوتهم منهم ورميهم الى الشوارع.
بينما كانت تصنع نومادلاند، أخرجت كلوي أيضا فيلم مارفيل
«إيتيرنالز» الذي تشارك في بطولته سلمى حايك وأنجلينا جولي، لتصبح أول
آسيوية تخرج فيلم مارفيل كوميكس.
كما باتت تعتبر أول امرأة آسيوية تفوز بجائزة الـ»غولدن
غلوب» لأفضل إخراج وأفضل إنتاج. ويبدو أنها ستصبح قريباً أول امرأة آسيوية
تفوز بجائزة الأوسكار وثاني امرأة تفوز بأوسكار أفضل إخراج، التي لم تفز
بها حتى الآن إلا المخرجة الأمريكية كاثرين بيغلو عام 2010. |