سينما 2021: النساء خلف الكاميرا يصلن أخيرًا للأوسكار
رحمة الحداد
في عام 2018 وأثناء إعلان جائزة أفضل مخرج في حفل توزيع
جوائز الجولدن جلوب تلت الممثلة ناتالي بورتمان أسماء المرشحين قائلة:
«هؤلاء هم الرجال المترشحون للجائزة»، احتجاجًا منها على انتفاء وجود
النساء من القائمة، وفي العام التالي ظهرت في الحفل مرتدية عباءة من تصميم
شركة ديور مطرز على حوافها أسماء مخرجات مؤثرات في تاريخ السينما العالمية
اعتراضاً على تكرار الوضع نفسه، لم يحتفِ الكل باعتراضات بورتمان الظاهرة،
وصفها البعض بالمغالاة والسعي وراء تمييز مضاد، وأشار البعض إلى حقيقة أنها
تترأس شركة إنتاج أنتجت عشرة أفلام، من بينها فيلمان فقط من إخراج امرأة،
وهي تلك المرأة، فهي لا تدعم من يحتاج الدعم بشكل حقيقي، لكنها لا تتأخر في
إظهار الاعتراض بشكل مرئي، بل مفرط ولامع.
أثبت عام 2021 أن الطريقة المثلى لإصلاح الأوضاع ليست في
استعراضات المشاهير الساعين للوصول لعناوين الأخبار، بل في إعطاء الفرص
الإنتاجية والتوزيع الملائم لأفلام تستحق ذلك بعيداً عن جنس صانعها، أو حتى
في السير باتجاه ضغط من يدعمون الأقليات وقليلي التمثيل على الشاشة، وبسبب
المناخ غير المعتاد للعام الماضي والحالي أخذت بعض الأفلام الأصغر حجماً
وشعبية فرصتها في العرض والظهور، خاصة تلك الأفلام التي تولت إخراجها نساء.
بين اكتشاف وإعادة اكتشاف المواهب النسائية
هذا العام وفي حفل قاتم ومربك أشبه بحلقة من حكاية ديستوبية
يستلم فيها الفائزون ألقابهم عن بُعد في غرف منازلهم أو فنادقهم عبر بث
الإنترنت المباشر تفوز المخرجة كلوي شاو الصينية الأمريكية بالجولدن جلوب
الأولى لها والثانية في تاريخ الجائزة لمخرجة، بعدما حصد فيلمها أرض الرحل
nomadland
الجائزة الكبرى في مهرجان فينسيا، متفوقة على أربعة مرشحين من بينهم
مخرجتان، هما اميرلد فينيل عن فيلمها شابة واعدة
promising young woman
وريجينا كينج عن فيلم ليلة في ميامي
one night in miami،
وهما عملاهما الإخراجيان الأولان، ومع إعلان ترشيحات جوائز الأوسكار تلقت
كل من شاو وفينيل ترشيحات في فئتي الإخراج والتأليف.
تنتمي كل مخرجة من هؤلاء إلى ما يطلق عليه سينما المؤلف،
تستمد من خبرتها ورؤيتها الخاصة قصصاً وتصورات بصرية وسمعية تخلق بها
أسلوبية فردية تميز إخراجها، بدأت هوليوود في استغلال نجاحهن بالفعل وضمت
كلاً من كلوي شاو واميرلد فينيل لأفلام ذات إنتاج ضخم، ربما ستبتلع
مسيرتهما الذاتية، أو على أفضل الأحوال ستنجحان في استغلال الأرباح
المضمونة في تحقيق رؤى خاصة بهما فيما بعد.
لا تتوقف أفلام المخرجات التي تستحق الاحتفاء هذا العام عند
الترشيحات الكبرى، بل إن من أبرز إنتاجات 2020 و2021 أفلاماً لنساء رسخن
أنفسهن كأصوات متفردة في صناعة السينما الأمريكية منذ أعوام عدة، مثل
البقرة الأولى
first cow
لكيلي رايكارت، وأبداً، نادراً، أحياناً، دائماً
never, rarely, sometimes, always
لإليزا هيتمان.
الاحتفاء بتلك الأصوات الجديدة منها أو القديمة ليس ترسيخاً
لتمييز سينما النساء كعامل منفصل عن السينما بشكلها الأعم، لكن لا يمكن
تجاهل جهود صانعات الأفلام في تكسير الصور النمطية عما يسمى سينما المرأة
أو السينما التي تصنعها النساء، تحدين القيم الذكورية الموضوعية، بل
البصرية، وفرضن أنفسهن كفنانات جديات، وجودهن على الساحة ليس مجرد ملء
خانات القبول المجتمعي لتمثيل الأقليات.
لم تخلُ أي مرحلة في السينما العالمية من إسهامات النساء
المحورية في تكوينها، سواء على مستوى الإنتاج أو الإسهام الفني ربما أكثر
الأمثلة وضوحاً هي الموجة الفرنسية الجديدة، أشهر الحركات السينمائية
العالمية وأكثرها تأثيراً والتي بزغت ونجحت في تغيير التعاطي مع صناعة
الأفلام وتلقيها بمشاركة المخرجة أنييس فاردا ربما حتى قبل أن تنتشر على يد
جان لوك جودار أشهر أعلامها، لم تصنع فاردا أو غيرها من المخرجات الأفلام
النسوية بشكل حصري، بل صنعت أفلاماً تحدت قواعد سينمائية سائدة، منها ذكوري
ومنها محافظ ومعتاد احتاج ذلك الكسر لكي يتحرك إلى الأمام.
لطالما اتسمت السينما بطابع رجولي، خاصة في نظرتها للمرأة
كعنصر فاعل أو مفعول به، ففي الغالب يتم تأطيرها كهدف مرغوب فيه أو جائزة
أو حتى شخصية قوية لكن هدفها الرئيسي الإغواء، ما يحدث عندما تمثل المرأة
نفسها أو حتى تمثل الرجل هو طرح رؤية مغايرة وتحدٍّ للسائد، أن يرى الشخص
ذاته بعينه ويرى الآخرين بتلك العين أيضاً، لا تتوقف الرؤية المغايرة على
تغيير أسلوب تصوير الأجساد كما نظرت لها لورا مولفي في نظريتها الشهيرة
«النظرة الرجولية»، بل وصلت إلى الموضوعات وطبيعة الخطاب الإنساني
والأساليب السينمائية بشكلها التقني المجرد، تبع فاردا وغيرها أجيال متعددة
من صانعات الأفلام لكل منها رؤيتها التي يستحيل قولبتها فقط في اسم «سينما
نسائية».
رؤية أخرى لأرض الأحلام
تتخذ كلوي شاو من الأفلام الغربية «الويسترن» مساحة لتجريب
رؤى مغايرة لتلك التي تعظم من البطولة والعنف الذكوري، تمسك بالجانب الرقيق
من تلك المساحة القاسية وتترك المسمم منها، تحتضن نقاط الضعف والهشاشة
الممنوع منها الرجال في أفلام الويسترن التقليدية خوفاً من تقليلها
لرجولتهم التي تساعدهم في تحدي قسوة عالمهم.
هنا يظهر تحدي شاو لتلك التقاليد، في فيلمها الفارس
the rider 2017
نختبر عوالم رعاة البقر الأمريكيين الحقيقية بعيداً عن استعراضية أفلام
الويسترن الكلاسيكية، عالم معاصر بمفردات معاصرة لكن سكانه يتمسكون بفكرتهم
الكلاسيكية عن الرجولة المتمثلة في القوة والأدائية الظاهرة، فتظهر هشاشة
تلك الفرضيات عندما يصاب رعاة البقر بإصابات تكاد تكون مميتة تمنعهم عن
ممارسة الشيء الوحيد الذي يمثل قيمتهم كرجال في عالم الغرب الأمريكي.
تعود شاو للغرب في أرض الرحل فهي تسميه فيلم ويسترن حتى مع
انتفاء وجود الخيول والمعارك، تستخدم أراضي الغرب الشاسعة التي تميز النوع
الفيلمي كمساحة للتحرر من الرأسمالية وإيجاد الجمال المجرد في تاريخ طويل
من العنف، ومثل فيلمها السابق الفارس تستعين شاو بشخصيات حقيقية تمثل
نسخاً من ذاتها لكنها تضع في المنتصف شخصية فيرن التي تلعب دورها الممثلة
فرانسيس مكدورماند لكي تدور حولها تلك التفاعلات، فيصبح بطل الفيلم هو
الغريب وسط عالم مؤسس بالفعل بمن سكنوه واختبروه.
تهيمن الأفلام الأمريكية على العالم، تظهر فيها أمريكا كقوة
مركزية رومانسية، تمثل الحلم الأسري وحتى حلم العنف والراديكالية، لكن في
أفلام شاو تبدو أمريكا منطقة مهمشة على جانب العالم وليس مركزه، ترسم مناظر
طبيعية حالمة مليئة بالحياة والجمال التقليدي، لكنها لا تخلو أبداً من
قسوة، فتلك الطبيعة هي مصدر سعادة وشقاء ساكنيها. تصنع عوالم يسكنها أناس
أشبه بمستكشفين جدد يختبرون حيوات جديدة بعد خسارات كبيرة، ويكتشفون الأرض
بمعناها العام أكثر من معناها القومي، فطبيعة الحضارة والتقاليد الأمريكية
حاضرة، لكنها ليست ترويجية أو ذات طابع بروباجندي.
الفيلم النسائي ليس إهانة
في تجربتها الإخراجية الأولى تتبنى فينيل وتحتضن تراثاً من
الجماليات المرتبطة بالأنوثة لكي تسرد قصة انتقامية فريدة من نوعها، لا
تسلِّع بطلتها أو معاناتها ولا تجعل منها شخصية نسائية مثالية، تكتب شخصية
رئيسية أشبه بضد بطل، تملك ماضياً قاتماً وأسباباً صادمة للتحول إلى منتقمة
متسلسلة، شابة واعدة هو فيلم عن فتاة تسعى للانتقام من المعتدين على
صديقتها المقربة، تفعل ذلك عن طريق التلاعب النفسي بضحاياها، تبدو فرضية
الفيلم فرصة سانحة لصناعة فيلم خطابي زاعق يرضي الجميع ويفرض أيديولجيته
دون خجل.
تتجنب فينيل تحقيق توقعات المتلقي بسلاسة، تتجنب الاستغلال
الذي يرتبط بأفلام انتقام الاغتصاب والعنف والجنسانية المباشرة التي رسَّخ
لها ذلك النوع الفيلمي، بل تتجنب الاتهامات بالملل والخطابية التي تلتصق
بالأفلام التي تتناول قضايا نسوية عاجلة، تصنع بدلاً من ذلك تجربة سينمائية
غامرة وممتعة، مليئة بالألوان والأصوات، بل الكوميديا، تستخدم فينيل أدوات
أفلام النضوج والمراهقين من أغانٍ شعبية واهتمام بالأزياء والمونتاج السريع
المرح، لكي تسرد قصة ليست مرحة أو ممتعة، تصنع فينيل فيلماً يتأرجح بين
السخرية من الأدوات السينمائية السائدة وبين احتضانها وإعادة امتلاكها،
وتحاول بتجربتها إثبات أن تلقيب الفيلم بالنسائي أو النسوي أو الأنثوي هو
شيء لا يستدعي الخجل، فهي تصنع فيلماً يتسم بتلك الصفات بصرياً وموضوعياً
بدون مواربة أو اعتذار.
في أول أفلامها لا تُلبس فينيل عملها رداءً جدياً أو تتجنب
نزعته الأنثوية المتهمة بالتفاهة، لا تحاول إخفاء جنس صانع الفيلم منعاً
للتمييز أو الاستهزاء، فهو فيلم نسوي يظهر جلياً في كل تفاصيله أن مخرجته
امرأة، لذلك إذا نجت فينيل من تجربتها القادمة كمخرجة لأحد أفلام أبطال دي
سي الخارقين واحتفظت بأسلوبيتها الجريئة، فإنه من المنتظر أن تقدم أفلاماً
تفرض على الجميع أخذ أنثويتها بجدية.
سينما لا تخشى الملل
على عكس فينيل التي لا تخجل من المرح والمغالاة فإن أفلام
كيلي رايكارت تتسم بإيقاع بطيء وهادئ، بل يمكن وصفه بالممل في بعض الأحيان،
تنغمس رايكارت في الحكايات العادية، لا تفرض أسلوبية سينمائية فارهة على
شخصياتها أو أحداثها، تلتقط ما تريد إظهاره بهدوء كمن يصنع أفلاماً تسجيلية
عن عناصر يخشى هروبها فجأة، تصنع سينما نسوية حقيقية دون خطاب نسوي ظاهر،
خطابها مضمن داخل حيوات النساء التي تلتقطها.
في فيلمها السابق نساء محددات
certain women،
والذي يمكن ترجمة اسمه من الإنجليزية: نساء محددات أو نساء واثقات، تلك
التفاصيل الصغيرة هي ما يهم حقاً، تتنقل رايكارت بين ثلاث حكايات لنساء لسن
متميزات أو ذوات قيمة تاريخية محددة، ما يربطهن هو محاولة البقاء في عالم
صُنع لكي يقيد وجودهن المجرد.
لا تملك أفلام رايكارت حلاً لما تمر به تلك الشخصيات، لكنها
تدعنا نعيش حيواتهم كما هي، كما تراها دون إضافة تجعلها أسهل في الاستهلاك،
آخر أفلامها البقرة الأولى لا يُستثنَى من ذلك الوصف، فيلم يحكي قصة صديقين
يحاولان الاستمرار في الحياة وكسب العيش في مطلع القرن العشرين في أمريكا
الدولة الفتية الحديثة.
تتناول رايكارت قصة رجلين لكنها تترك العنف الرجولي جانباً،
تأخذ الجانب الأكثر إنسانية من القصة وتجعله يتوسط المسرح، في عدة مشاهد
يحدث العنف خارج الكاميرا، نعرف أنه هناك لكنه ليس هو محرك الحكاية، المحرك
الحقيقي هو العمل والحب، هو اللحظات الدقيقة بالغة الصغر بين صديقين، يمكن
وصف خيارات رايكارت الإخراجية بالاختزال، موسيقى بسيطة تتكون من آلتين أو
أكثر وكاميرا قليلة الحركة، تفضل أيضاً أن تأخذ وقتها فيما يخص قطع
المشاهد، لا تتسرع ولا تخشى الملل، تكمن جرأة رايكارت في التمهل بينما
يتسارع العالم خارجها، فهي تملك أسلوباً إخراجياً لا يلفت النظر لنفسه،
وهذا تحديداً ما يجعله لافتاً للنظر.
صوت جديد في الدراما المسرحية
يملك الموسم الحالي أكثر من فيلم مأخوذ عن مسرحية، خلفية ما
ريني السوداء
ma rainey’s black bottom
هو أشهرها، ثم هنالك ليلة في ميامي، كلاهما يعتمد على الحوارات المطولة
وتصاعد الخلاف إلى ذروة تسمح للممثلين بممارسة تمثيل مسرحي غير اعتذاري،
صاخب ومغالٍ، لكنه مبهر، بل يسهل أن يجتذب الجوائز الكبيرة والزخم
الجماهيري فقط لأنه يملك كثيراً من “التمثيل” داخله.
في تجربتها الإخراجية الأولى تتناول ريجينا كينج الممثلة
ذات المسيرة الحافلة والحائزة مؤخراً على جائزة أوسكار دراما مسرحية من ذلك
النوع.
عادة ما تتسم تلك الأفلام بالاقتصاد في مواقع التصوير
والشخصيات، مكان محدود مغلق تتحرك فيه شخصيات قليلة، تتفاعل معاً في أجواء
محتقنة على خلفية تاريخية حقيقية بتفاصيل متخيلة، تصنع كينج فيلماً ليس
ثورياً في الجانب التقني أو السردي، لكنه يمثل عناصره بشكل يسهل تصديقه
بسبب أصالته وسلاسته.
يحكي الفيلم ليلة متخيلة وفاصلة في حيوات أربع شخصيات
تاريخية أيقونية: مالكوم اكس، محمد علي كلاي، جيم براون، وسام كوك. تتناول
ريجينا تجربة سمراء بالكامل بكل تناقضاتها وخلافاتها، لا تحاول دفع
أيديولوجيا معينة أو تأليه إحدى الشخصيات، سواء بالتأطير البصري أو
الموضوعي، تهبط تلك الشخصيات الأيقونية بعيدة المنال من حيز خطاباتها
التاريخية وأغنياتها الخالدة ومبارياتها الشهيرة لتصبح شخصيات طبيعية
موجودة داخل غرفة فندق مغلقة في ليلة ما، نتلصص نحن عليهم في لحظات خاصة
وشخصية، حتى إن كانت تسبق أحداثاً كبرى، يدحض إخراج كينج تقاليد أفلام
السيرة الذاتية والدراما التاريخية لصالح سردية ذات نطاق أصغر وأكثر ذاتية.
أن تمتلك جسدك مرة أخرى
في أول أفلامها يبدو كالحب
It felt like love 2013
تقص إليزا هيتمان قصة فتاة في بداية مراهقتها، تستكشف علاقتها بجسدها لأول
مرة، وبالتالي بأجساد الآخرين، صحوة جنسية تلتبس مع التوق للشعور بالحب
والرغبة في الاستكشاف، ما يميز فيلم هيتمان عن أفلام عدة تناولت الحب الأول
أو بداية المراهقة هو كيف تختار أن تصور الأجساد، في استرجاع ذلك الحق
المسلوب من النساء في رؤية أنفسهن كما يتصورن وليس كما يتصور الرجال، لكنها
تنقلب بشكل أكثر تطرفاً فهي تستكشف بعيون بطلتها مع مدير تصويرها شون بورتر
الأجساد الرجولية، وهو غير المعتاد رؤيته في الأفلام، لا تسلِّع هيتمان تلك
الأجساد أو تجعلها عرضة للاستغلال لكنها تطرحها للعرض، مقتطفات عابرة كما
تراها الفتاة وتشعر بالانجذاب للمرة الأولى تجاهها.
في فيلمها الأخير أبداً، نادراً، أحياناً، دائماً، تتناول
هيتمان تلك السطوة الذاتية على الجسد بشكل أكثر عمقاً وفي قضية أكثر إثارة
للجدل، شخصيتها الرئيسية مراهقة حملت عن طريق الخطأ، تحاول أن تسترجع جسدها
المهدد بخطر لم تختره، وبالتالي تسترجع حياتها الطبيعية.
في قصة عن الصداقة والاغتراب تغزل هيتمان فيلم طريق، رحلة
لتملك الذات والاختيار، وفي أثنائها تلقي بدقة وبدون خطابية تلميحات للضغط
الذي تتعرض له الفتيات خاصة المراهقات في عالم يبدون غريبات فيه، لا تحمل
هيتمان شخصيتها أيديولوجيات معينة أو تحكم على خياراتها، اختارت للدور فتاة
لم يسبق لها التمثيل، أعطتها فرصة في السطوع وامتلاك الشاشة والتعبير عن
ذاتها، لم تسعَ إلى صناعة فيلم سهل الانتشار، بل اختارت قضية شائكة دون
اللجوء لنجمات مراهقات ذوات شهرة، وصورت تلك الرحلة المؤلمة برقة وبعين
تعرف ما تمر به النساء يومياً غير مرئيات حول العالم.
لم يكن عام 2020 عاماً رحيماً على الأفلام الكبيرة، تأجل
عرضها وخسرت شركاتها ملايين مما استثمرت فيها، لكنه كان ألطف مع من تُبتَلع
أفلامهم عادة في غمرة من القصص المكررة واستعراض القوة والعنف، فأصبح لدينا
الفرصة لتوقع أن تسيطر أفلام هادئة إنسانية بسيطة في إنتاجها وليس في
أفكارها على موسم الجوائز، وأن تسلب الإطراء والمجد وتجد مكاناً في منافسات
لا ترحم ونادراً ما تجدد نفسها. |