مع إغلاق دور العرض، وتوقف إنتاج الأفلام في جميع أنحاء
العالم، بات من المتوقع أن يلقي هذا المشهد بظلاله على ترشيحات الأوسكار
لعام 2021، سيما وأن الترشح لجوائز الأكاديمية الأميركية للفنون وعلوم
السينما يتطلب أن يتم عرض الأفلام في السنة السابقة، في سينما واحدة على
الأقل لمدة سبعة أيام، كحد أدنى، مع ثلاثة عروض يومية، حتى تصبح مؤهلة
للمشاركة.
في ظل هذه الظروف الاستثنائية، لم تجد الأكاديمية بُدًا من
التكيف مع الوضع الراهن، على مراحل، أولها كان في 15 يونيو/ حزيران 2020،
حين أعلنت في بيان رسمي عن تمديد فترة ترشح الأفلام الروائية حتى 28
فبراير/ شباط 2021، وتأجيل حفل توزيع الجوائز شهرين من 28 فبراير/ شباط
2021 إلى 25 أبريل/ نيسان 2021. وبذلك أصبح من حق أفلام، مثل "يهوذا
والمسيح الأسود"، و"ميناري"، و"نومادلاند"، التي ظهرت جميعها لأول مرة خلال
شهر فبراير/ شباط، الدخول في حلبة المنافسة على الأوسكار 2021.
هذه هي المرة الرابعة في تاريخ الجائزة التي يتم فيها تأجيل
الحفل، والمرة الأولى منذ حفل توزيع جوائز الأوسكار السادس التي تكون فيها
الأفلام الصادرة في عامين تقويميين مختلفين مؤهلة للحصول على جائزة في
العام نفسه. يوضح ذلك رئيس الأكاديمية، ديفيد روبن، والرئيس التنفيذي، داون
هدسون، في بيان مشترك أنه "لأكثر من قرن من الزمان، لعبت الأفلام دورًا
مهمًا في إسعادنا وإلهامنا وترفيهنا في أحلك الأوقات. ولا شك في أنها قامت
بذلك في هذا العام. إننا نأمل من تمديد فترة الترشح، وموعد منح الجوائز،
توفير المرونة التي يحتاجها صانعو الأفلام لإنهاء أفلامهم وإصدارها من دون
مؤاخذتهم على شيء خارج إرادة أي إنسان".
وفي 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أصدرت الأكاديمية بيانًا
آخر تبين فيه معايير الترشح للجوائز في ظل كوفيد 19، مشيرة إلى أن أسبوعًا
من العروض الليلية في قاعات السيارات من شأنه أن يؤهل الأفلام للمشاركة،
وكذلك الأفلام التي كان من المفترض أن تعرض أصلًا في قاعات السينما، وعرضت
في النهاية على الفيديو مباشرة.
قنوات البث تتصدر المشهد
بعد أن خففت الأكاديمية من شروطها، قانعة بما هو متاح من
طرق العرض والمشاهدة، أصبح في وسع منصات عرض الأفلام الاستفادة من الوضع
الراهن وبجدارة، وعلى رأسها شبكة "نتفليكس"، التي تصدرت القائمة القصيرة
لترشيحات الأوسكار في 10 فبراير/ شباط بأربعة أفلام وحدها، "قاع ما ريني
الأسود"، و"مانك"، و"الإخوة الخمسة"، و"محاكمة 7 من شيكاغو".
ويبدو أن فيلم "محاكمة 7 من شيكاغو" أنتج خصيصًا للترشح
للأوسكار، بغض النظر عن تحقيق أكبر قدر من المشاهدة؛ الهدف الرئيسي لتلك
القنوات. الفيلم عن محاكمة 7 أشخاص جراء تظاهرهم ضد حرب فيتنام، وما نجم
عنها من كثير من القتلى، وآلاف الأطفال اليتامى.
"بعد
أن خففت الأكاديمية من شروطها، قانعة بما هو متاح من طرق العرض والمشاهدة،
أصبح في وسع منصات عرض الأفلام الاستفادة من الوضع الراهن وبجدارة، وعلى
رأسها شبكة "نتفليكس""
هؤلاء السبعة تم توجيه الاتهام إليهم بإثارة الشغب خلال
المؤتمر الوطني الديمقراطي عام 1968 في شيكاغو، وتدور معظم أحداث الفيلم
داخل ساحة محكمة تبدو متعنتة إزاء كل دليل براءة، واضعة الاتهام والإدانة
نصب عينيها بشكل مسبق. من المتوقع أن يرشح فيلم بهذا المستوى الفني لجملة
من الجوائز في أوسكار، فعلاوة على قصته المكتوبة بعناية شديدة، وتفرده في
توزيع الأدوار التي قد تؤهل ممثلًا، مثل ساشا بارون كوهين، البريطاني من
أصل يهودي لجائزة أفضل ممثل مساعد، أو الأميركي من أصل أفريقي يحي عبد
المتين الثاني، قد يفوز آرون سوركين بجائزة في الإخراج لأول مرة، وهو
الحائز على جائزة الأوسكار من قبل عن أفضل سيناريو مقتبس "الشبكة
الإجتماعية".
حملة نتفليكس لترشيح بوسمان للأوسكار
في إطار من الدراما والموسيقى، تدور أحداث فيلم "قاع ما
ريني الأسود" في شيكاغو عام 1927، حيث تتصاعد التوترات بين عازفة البوق
الشهيرة ما ريني، وبين الإدارة البيضاء التي تسعى للسيطرة عليها بأي طريقة.
الفيلم محاكاة لمسرحية أغسطس ويلسون عام 1982 عن مغنية البلوز الملحمية
جيرترود ما ريني. وحين توفي بطل الفيلم، شادويك بوسمان، بسرطان القولون في
أغسطس/ آب الماضي، أطلقت نتفليكس حملة مبكرة لترشيح الراحل في فئة أفضل
ممثل عن دوره في الفيلم. بوسمان، أيضًا، بطل فيلم "أخوة الدم الخمسة"، من
إخراج سبايك لي، المرشح في قوائم الأوسكار التسعة. ويتناول عودة 4 جنود
أميركان مخضرمين من أصل أفريقي إلى فييتنام للبحث عن قائدهم في الحرب،
وفريقهم المتقهقر، وذهبٍ كانوا قد أخفوه معًا. نال الفيلم استحسان النقاد،
وحصل عديد الجوائز والترشيحات، واختير من قبل المجلس الوطني كأفضل فيلم
لعام 2020. إذا تم ترشيحه بالفعل، سيكون بوسمان أول مرشح بعد وفاته في هذه
الفئة، منذ الإيطالي ماسيمو ترويسي، وثامن مرشح بعد وفاته في الفئة بشكل
عام.
ظهر فيلم "مانك"، بطولة جاري أولدمان، وأماندا سيفريد،
وإخراج ديفيد فينشر، في عدة فئات، أفضل مكياج وتصفيف شعر، وأفضل موسيقى
تصويرية، وأفضل فيلم أجنبي. وهو من الأفلام التي تتميز بإمكانيات فنية
مبهرة، وقدرة بارعة على استرجاع زمن الفن الجميل، وصراعات هوليوود، آنذاك.
ويطرح صراع المؤلف هيرمان مانك على حقوق ملكية سيناريو فيلم المواطن كيت من
خلال عدسة كلاسيكية بطيئة الإيقاع. ويعتبر من الأفلام التي تنافس بقوة،
سواء على مستوى أداء بطله جاري أولدمان، أو في الأزياء والديكور.
أفضل فيلم أجنبي
تضمنت القائمة القصيرة لأفضل فيلم أجنبي 15 فيلمًا، منها
الفيلم البوسني المعنون باللاتينية "إلى أين تذهبين يا عايدة"، للمخرجة
جاسميلا زبانيتش. وتدور أحداثه في عام 1995، حيث تعمل عايدة مترجمة للأمم
المتحدة في مدينتها الصغيرة سربرنيتشا، التي ما إن يحتلها الصرب حتى يضطر
سكانها للاحتماء بمعسكر المنظمة الدولية. قامت ياسنا دوريسيتش بتأدية دور
عايدة ببراعة منقطعة النظير معمقة من قسوة الحصار المحيط من خلال نظرة
العينين وملامح الوجه، تساعدها في ذلك كاميرا جاسميلا بلقطات مقربة جدًا في
كل مشاهد الفيلم، عدا في المشهد الأخير، حيث يتسع الكادر وهي تبحث عن أشلاء
أسرتها بعد أن انتهى الحصار. حصد الفيلم جائزة نجمة الجونة الذهبية لأفضل
فيلم روائي طويل.
الفيلم العربي الوحيد المرشح هذا العام
بخروج ترشيحات كثيرة من قائمة الأوسكار هذا العام، أصبح
فيلم "الرجل الذي باع جلده"، للمخرجة التونسية، كوثر بن هنية، هو الفيلم
العربي الوحيد المرشح في فئة أفضل فيلم أجنبي في الدورة 93. بطولة يحيى
مهايني، وديا ليان، والإيطالية مونيكا بيلوتشي، والبلجيكي كوين دي بو.
تحاول بن هنية من خلاله رصد معاناة السوريين بعد الحرب
الأهلية، وهروبهم من وطنهم، من أجل البقاء، ومن بينهم بطلها الشاب سام،
الذي يعيش في لبنان، ويرغب في السفر إلى أوروبا ليلتقي حبيبته هناك، لكن كل
الوسائل تفشل في تحقيق غرضه، فيقوم بتحويل جسده إلى لوحة فنية، ليحصل على
تأشيرة السفر. كتبت بن هنية على صفحتها الشخصية "نعم فعلناها.. وصلنا
للقائمة القصيرة للأوسكار 2021. شكرًا لكل من أحب الرجل الذي باع جلده".
بوصول المخرجة التونسية إلى تصفيات الأوسكار، تصبح من
المخرجات العربيات اللائي وصلن لهذه القائمة بعد نادين لبكي، في 2019
بفيلمها "كفر ناحوم". شارك فيلم بن هنية خلال عام 2020 في مهرجانات
سينمائية عديدة، منها مهرجان البندقية في إيطاليا، ومهرجان الجونة في مصر،
وحصل على جائزة أفضل فيلم عربي في الدورة الرابعة لمهرجان الجونة
السينمائي، وجائزتين من مهرجان فينيسيا السينمائي، كما وصل إلى تصفيات
الغولدن غلوب، التي ستُعلن في 28 فبراير/ شباط الجاري.
أزمة منتصف العمر
من الأفلام التي حازت على جوائز من مهرجانات عالمية،
وترشيحات هامة، ووردت في قائمة الأوسكار الفيلم الدنماركي "جولة أخرى"،
لتوماس فينتربيرج، المرشح لجائزة غولدن غلوب عن فئة أفضل فيلم، وحصل على
جائزة أفضل فيلم أوروبي 2020، بالإضافة إلى أربع جوائز أخرى.
"بوصول
المخرجة التونسية إلى تصفيات الأوسكار، تصبح من المخرجات العربيات اللائي
وصلن لهذه القائمة بعد نادين لبكي، في 2019 بفيلمها "كفر ناحوم""
مارتن، وتومي، وبيتر، ونيكولاي، في "جولة أخرى" أصدقاء
يعملون في مدرسة ثانوية، ويجدون صعوبة في إثارة حماسة طلابهم، لأنهم في
الأصل يشعرون بالملل والإحباط، الحياة ببساطة لم تعد تحتمل، وهم يمرون
بأزمة منتصف العمر. فجأة يطرح أحدهم فكرة لطبيب فيزيائي يدعى "فين
سكارديرود" تتلخص في أن نسبة الكحول في الدم عند المستوى 0.050 تجعل
الإنسان أكثر إبداعًا واسترخاء. فيختبرون النظرية بأنفسهم، مجربين مستويات
أعلى فأعلى من الكحول في نوع من الهوس بنتائج التجربة الملموسة في حالتهم
المزاجية.
كان من المقرر عرض الفيلم في مهرجان كان السينمائي 2020، لكنه لم يعرض إلا
في مهرجانين، بسبب جائحة كورونا، تورونتو في كندا، وسان سيباستيان، وتنافس
على جائزة "غولدن شل"، لكنه فاز بجائزة أفضل ممثل (للأبطال الأربعة معًا)
في المهرجان الأخير. كما منحه موقع روتن توميتوز تقدير 90% بناء على آراء
50 ناقدًا، لخصت معادلة الفيلم كالتالي "خذ جزءًا واحدًا من الكوميديا
التراجيدية الموجهة ببراعة، وأضف اندفاعة من بطل الفيلم مادس ميكلسن،
وستفوز بجولة أخرى، إنها نظرة مسكرة على أزمات منتصف العمر".
أما الفيلم الإيراني "أطفال الشمس"، لمجيد مجيدي، الذي توج
بطله روح الله زماني بجائزة مارسيلو ماستروياني كأفضل ممثل، فيدور حول قصة
صبي عمره 12 عامًا يُدعى علي، ينطلق مع أصدقائه الثلاثة في رحلة للبحث عن
كنز يأملون في أن يساعدهم على الهروب من حياتهم الصعبة، في ممارسة أعمال
صغيرة وجرائم بسيطة. وللوصول إلى الكنز، كان عليهم تسجيل أنفسهم أولًا في
(مدرسة الشمس)، وهي منشأة تعليمية لأطفال الشوارع، والأطفال العاملين.
هذه هي المرة السادسة التي تختار فيها إيران فيلمًا من
إخراج مجيدي لتمثيلها في المنافسة على جائزة الأوسكار.
ومن المقرر الإعلان عن الترشيحات النهائية في 15 مارس/ آذار، بينما يقام
الحفل الرسمي لتوزيع الجوائز في 25 أبريل/ نيسان 2021، في مسرح دولبي، الذي
يضم 3400 مقعد في لوس أنجلوس، سيتم تقليصها لا بد، ما دام الحفل لن يكون
افتراضيًا، ولكنه، أيضًا، لن يكون بعدد الحضور السابق والمعتاد. |