«لويز الطاهرة البريئة»: رعت جرحى حرب أكتوبر.. وسجلت مذبحة
صبرا وشاتيلا بكاميرتها
كتب: محمود
عبد الوارث
«لا أرى أننى ملزمة بأن أمثّل باستمرار، فأنا لست موظفة»،
بهذا المنطق تعاملت الفنانة الراحلة نادية لطفي مع الوسط الفنى منذ
اعتزالها عن الساحة قبل أكثر من ربع قرن، فكانت مسيرتها ثرية وغنية بعدد من
المواقف والقضايا التى سعت إلى خدمتها ودعمها.
وعلى مدار السنوات الماضية وحتى وقت قريب وقبل وفاتها كانت
ترددت أنباء تفيد بعودتها مجددًا إلى الساحة، وهو ما نفته قبل 6 أعوام
قائلةً: «أنا أخذت قرار الاعتزال لأننى قدمت من خلال مشوارى الفنى كل ما
أحلم بتقديمه، وليس لدىّ أحلام لم أحققها فى عملى أو أعمال كنت أتمنى
تقديمها، وفضلت أن أترك المجال لزهور جديدة تتفتح».
وفى هذا الصدد، يقول الناقد الفنى طارق الشناوى إنها لم
تعتزل رسميًا حتى وفاتها، لكن المعروض عليها لم يرضها بما فيه الكفاية، حتى
آخر أعمالها لا يعتقد أنها رضيت عنه.
يضيف «الشناوى»، لـ«المصرى لايت»، أن «نادية» ليست من نوع
الفنانين «اللى ممكن يشتغلوا أى حاجة»، حسب تعبيره، لكن عطاءها الاجتماعى
جعلها متواجدة باستمرار رغم توقفها فنيًا، لكنها لم تختف.
يرجح «الشناوى» أن ما كان يعرض على «نادية» فى السنوات
الأخيرة لم يكن به شىء جاذب يدفعها بأن تضيفه إلى رصيدها الفنى الضخم، وهو
ما لا يعنى سوء الحياة الفنية، فمن دون شك كانت هناك أعمال عظيمة فى أعوام
اختفائها الفنىة: «يظل السؤال هل عُرض عليها عمل قوى وهى رفضته؟ أبدًا لم
يحدث، فهى تمتلك قدرة على الانتقاء».
يرى «الشناوى» أن «نادية» كان بإمكانها الاستمرار فى المجال
الفنى وضرب المثل بالأمريكى هنرى فوندا الذى استمر حتى سن 75 عامًا، بجانب
المخرج مارتن سكورسيزى وهو من عمرها على حد قوله، وأخيرًا الزعيم عادل
إمام: «كان بإمكانها أن تكمل لو كانت هناك مساحة جيدة تتواجد فيها».
دخلت «نادية» إلى الفن منذ خمسينيات القرن الماضى، وقتها
كانت أسرتها على علاقة بالسيد جان خورى، وهو مالك أحد أكبر شركتين للإنتاج
السينمائى وقتها، ومن باب الود الدائر كان الأخير يدعوها فى أحيان كثيرة
لمشاهدة أحد الأفلام التى ينتجها، وبعد نهاية العرض يمازحها: «إنتى أجمل
وأحسن من بطلة الفيلم».
ورغم عدم أخذها للجملة على محمل الجد إلا أن القدر غيّر
مسار حياتها، ففى منزل جان خورى التقت بالمنتج رمسيس نجيب، الذى عرض عليها
أن تكون ممثلة سينمائية فى أفلامه، وهنا قالت لنفسها: «ولِمَ لا؟».
بموجب المقابلة الأخيرة أصبحت بطلة لفيلم «سلطان» مع «ملك
الترسو» فريد شوقى فى عام 1958، وهو من إنتاج رمسيس نجيب الذى غير اسمها من
بولا محمد شفيق إلى نادية لطفى، اقتباسًا من شخصية الراحلة فاتن حمامة باسم
«نادية» فى فيلم «لا أنام».
يظل دور الفارسة الصليبية لويز في فيلم الناصر صلاح الدين
من أشهر أدوار الفنانة الراحلة نادية لطفي، إذ أكدت من خلاله أهمية إعلاء
العدل في القضايا المصيرية بين البشر بعيدا عن استخدام الدين للوصول إلى
أهداف سياسية، كما تظل جملة “لويز الطاهرة البريئة” من أشهر العبارات التي
التصقت بها بعد عرض هذا الفيلم، وهي جملة داخل سياق الأحداث استخدمتها
الفنانة ليلى فوزي للسخرية منها لمناصرتها فارس عربي (صلاح ذو الفقار) الذي
جسد شخصية عيسى العوام.
ولم تكتفِ الفنانة الكبيرة الراحلة بالمشاركة فى الأعمال
الفنية فحسب، فعرف عنها مساندتها لعدد من القضايا الوطنية، وهو ما ظهر
جليًا فى فترة بناء السد العالى، وقتها سعت للسفر إلى أسوان لمشاهدة هذا
الإنجاز العظيم، إلا أن جهودها باءت بالفشل، حتى جاءتها الفرصة بالمشاركة
فى فيلم يرصد هذا الأمر، ولحسن حظها شهدت تغيير مجرى النهر: «احتكيت
بالعمال وبالبيئة المحيطة بيهم، وشعرت بقوة الإنسان، ورأيت فى تدفق المياه
إرادة وعزما وعملا».
ورغم دعمها للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذى كرمها عن
دورها فى فيلم «الناصر صلاح الدين»، إلا أنها شاركت فى فيلم «وراء الشمس»،
الذى حملت أحداثه إدانة لمرحلة الستينيات، وعن هذه المفارقة قالت: «أنا لست
مع حقبة معينة ولست ضد حقبة بعينها، لكنى مع الإنسان فى كل زمان ومكان،
وأنا ضد أى انتهاكات لحقوق الإنسان فى الماضى أو الحاضر أو المستقبل، لذلك
عندما جاءنى هذا الفيلم قبلت العمل فيه رغم وقوعه فى مأزق إلقاء الأحداث
على فترة بعينها».
مواقفها المعلنة لم تقتصر على مجرد الإدلاء بالتصريحات، بل
امتدت لمشاركة فعلية على أرض الواقع، فنجد إقامتها بمستشقى قصر العينى
لرعاية الجرحى خلال حرب أكتوبر 1973، وهو كذلك ما انطبق على القضية
الفلسطينية، فكانت الفنانة الوحيدة التى زارت الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر
عرفات أثناء حصار بيروت فى 1982، كما سجلت بكاميرتها مذبحة صبرا وشاتيلا.
جهودها تجاه القضية الفلسطينية دفعت الرئيس الفلسطينى محمود
عباس أبومازن لزيارتها قبل عام داخل مستشفى القوات المسلحة بالمعادى،
مهديًا إياها درع «النجمة الكبرى لوسام القدس» تقديرًا لدورها ومواقفها
الوطنية التى عُرفت بها.
تقول الناقدة ماجدة موريس إن الفنان إذا لم يتفاعل مع قضايا
شعبه العادلة، التى تمس الأغلبية، ستكون عليه علامة استفهام، فهو من
المفترض أن يعبر عن هؤلاء، وعن وجهة نظرهم من خلال أكثر السبل قبولًا
وجاذبيةً وهو التمثيل.
وتوضح «موريس»، لـ«المصرى لايت»، أن ما قدمته «نادية» رفع
رصيدها لدى أشخاص مهتمين بالسياسة أكثر من الفن: «وهنا نسأل لماذا كرمها
أبومازن قبل عام؟ فهى منذ ثمانينيات القرن الماضى أنتجت فيلمين وجلست فى
المخيمات ورافقتهم فى الباخرة حينما طُرد الفلسطينيون من لبنان، هى أمور
تبقى فى الذاكرة».
وتردف «موريس»: «حينما نرجع إلى التاريخ الفنى المصرى نجد
هذه المواقف قليلة، فمثلًا تحية كاريوكا تصدرت القضايا الوطنية خاصة فى
قطار الرحمة على سبيل المثال، هذا الموقف يؤثر على ناس محبين للفن فيضيف
للنجم، وآخرون مهتمون بالسياسة بشكل أكثر». |