«هو
فيلم يبحث في هوية أمي التي اعتزلت والتي لم أكن أعرف عنها الكثير من قبل».
تقول المنتجة والمخرجة المصرية ماريان خوري عن فيلمها الأخير «إحكليلي».
فيلم تسجيلي طويل (نحو ساعتين) سبق تقديمه في مهرجان القاهرة في نوفمبر
(تشرين الثاني) الماضي وسط استقبال جيد.
هي ليست في المهرجان الألماني الممتد حتى الأول من مارس
(آذار) لعرض الفيلم بل لكونها عضوة لجنة تحكيم جائزة «بوش» الموازية. تضيف
على فطور صباح يوم أول من أمس: «جدتي كانت على عكس والدتي. كانت منفتحة
ومنطلقة ولديها آراء قوية في كل شيء. فيلمي هو محاولتي لجمع العائلة كلها
في إطار صورة حقيقية واحدة تنطلق من رغبتي في فهم والدتي الراحلة، لكنّها
تتضمن كذلك موقف ابنتي وعلاقتي بها».
هنا أشير لها أن تصوير المقابلة التي تجريها ابنتها معها
والمصوّرة من فتحة باب نصف مغلق بدا تكراراً فتجيب:
«ربما
معك حق، لكن المقابلة لم تكن مدرجة. لم أضعها في السكريبت. كنا في باريس
واقترحت ابنتي أن تجري معي مقابلة. في الحقيقة ارتبكت ولم أدر كيف أبرر لها
الفيلم الذي أريد تحقيقه».
في السينما منذ نحو ثلاثين سنة هي وشقيقها غبريال خوري الذي
أدار شركة خالهما يوسف شاهين وهو يظهر في الفيلم مرات عدة دافعاً بمن عرفوه
للشعور بفداحة غيابه. لكنها تضيف:
«الواقع
اليوم مختلف عن الواقع أيام المرحوم. هناك عدد كبير من المخرجين الشبّان
الذين ليست لديهم أي قدرة على مواصلة العمل. ينجز الواحد منهم فيلماً
واحداً كل عدة سنوات». من ثمّ تنهي: «طيب واحد زي ده حيعيش منين؟».
-
مهرجان البحر الأحمر
فيلم ماريان خوري مدعو، كما فهمت منها، للمشاركة في مهرجان
البحر الأحمر الذي سينطلق في 12 من مارس إلى 21 منه. إدارة المهرجان نشرت
إعلاناً على غلاف مجلة
Variety
اليومية هنا، والعديد من المشتركين في سوق المهرجان بات يطرح أسئلته
الفضولية ومعظمها إيجابي النبرة.
ذلك لأنّ الجميع يعلم أنّ الانفتاح الحاصل يعكس تجاوباً
كبيراً مع القرارات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تمر بها المملكة
ويتابعها العالم باهتمام.
السؤال بالتالي، ليس عن إمكانية نجاح دورته الأولى فهذا أمر
متوقع، بل كيف سيتجنب مصير مهرجاني أبوظبي ودبي اللذين توقفا وهما في أوج
نجاحهما. طبعاً الظروف تختلف ولكل مهرجان أسبابه الخاصة، على الأرجح، لكنّ
مهرجان البحر الأحمر يبلور كإضافة لامعة على المستويين المحلي والدولي
وهناك جمع كبير من الإعلاميين والسينمائيين يرغب في التوجه إليه.
يصل «مهرجان البحر الأحمر» في موعد صحيح ودقيق من حيث إن
السينما العربية عموماً ما زالت تحتاج إلى ذلك المهرجان الكبير الذي يحويها
والذي شهدته سابقاً خلال السنوات 13 من حياة مهرجان دبي.
فهي ما زالت تعيش على هوامش المهرجانات الكبرى غالباً.
فيلمان أو ثلاثة كل سنتين أو ثلاثة يعرضان داخل هذه المسابقة أو تلك هو حجم
أصغر بكثير مما تفيض به السينما العربية من مواهب مستحقة. ومع أنّ السنوات
العشر الأخيرة شهدت حركة دؤوبة لها في المهرجانات العالمية عبر مجموعة من
المخرجين الساعين جدياً (هيفاء المنصور، ونادين لبكي، وهاني أبو أسعد،
ومحمود الصباغ الذي آلت إليه إدارة مهرجان البحر الأحمر) إلّا أنّ التواصل
متباعد والوتيرة متقطعة والخطة الشاملة لسينما عربية معززة برأسمال من
القطاعين الخاص والعام مفقودة، مما يجعل وجود أفلام العربية مثل القفز
عمودياً من قعر البحر لاستنشاق الهواء ثم الغوص من جديد.
لكن أترك مسألة الاهتمام بالجانب الإعلامي لمركز السينما
العربية الذي يديره علاء كركوتي والذي كان له أكثر من عشرين نشاطاً ملحوظاً
في العام الماضي من بينها توزيع جوائز للأفلام العربية في «كان» وتوزيع
جوائز للفيلم الأوروبي في القاهرة لجانب احتفالات ونشاطات وسلسلة من الجهود
الإنتاجية وتوزيع الأفلام المنتمية إلى العالم العربي بأسره كل ذلك تحت
مظلة هذه المؤسسة النشطة.
-
الفيلم الذي ضاع
يوم أمس كان يوم الأفلام التي لا تعني شيئاً يذكر، رغم كل
السعي لإحداث تغيير في مستوى عروض ما زال يفتقر إلى الدهشة والإجادة.
فيلم الأميركي آبل فيرارا «سايبيريا» المنتج بتمويل إيطالي
غالباً عبارة عن تسعين دقيقة من الشطحات الخيالية التي لا تترك تأثيراً في
بال معظم المشاهدين. في نهاية الفيلم لا تصفيق ولا كلمات استحسان مسموعة،
بل خروج سريع لاستنشاق بعض هواء الليل البارد. إنه عن رجل يعيش باختياره،
وحيداً في بعض براري الصقيع مع ستة كلاب لجر عربته عندما يقرر الرحيل للبحث
في ماضيه. العنوان يقول «سايبيريا» لكن بعض المواطنين الذين يتحدث عنهم
التعليق في مطلع الفيلم أو نراهم فيما بعد يبدو كما لو كانوا منغوليين.
حسناً، هذه نقطة يمكن إغفالها لكن بطلنا (ويلم دافو) يترك
هذا المكان المحاط بجبال ووديان ثلجية والقائم في اللا - مكان ويرحل بحثاً
والده وشقيقه وزوجته وابنه ووالدته… كل في ربوع بعيدة. فجأة نحن في صحراء
ثم في أدغال وكل ذلك على مقربة جغرافية غير مفهومة.
إذا ما كانت الرحلة في البال، فإنّ ذلك كان يحتاج إلى حلول
أخرى، لكن على ما يبدو مهماً لدى المخرج هو تجميع هذه التناقضات لسرد ماضي
حياة رجل لم يجد مستقراً نفسياً بعد رغم السنوات العشرين التي قضاها لحين
بداية الفيلم، في هذا المنعزل البعيد.
يعمد فيرارا إلى الهواجس هنا والمشاهد التي تبدو كما لو
كانت تحدث طبيعياً هناك، لكن كل شيء يتلاطم كما لو أن بطلنا (أو المخرج
أساساً) تحت تأثير مادة ممنوعة.
-
حورية قاتلة
النقيض لهذا الفيلم لا يصنع فيلماً أفضل كما يبرهن «أوندين»
(Undine
أو «أوندينا» كما تُلفظ بالألمانية).
هذه هي المرّة الخامسة التي يشترك فيها المخرج كريستيان بتزولد في مسابقة
برلين. أوندين، في كل الأحوال، هو اسم حورية ماء حسب حكاية تنتمي إلى أنّ
أوندين لا تقر بهزيمتها العاطفية إذا ما خانها من تحب بل ستسعى لقتله
انتقاماً.
يجلب المخرج بتزولد الحكاية من أصولها الفانتازية ويضعها في
إطار حكاية حاضرة لامرأة اسمها أوندين (بولا بير) التي نتعرف عليها في مطلع
الفيلم مرتبكة وهي جالسة في مواجهة صديقها (جاكوب ماتشنز) بعدما علمت بأنّه
يخونها ويريد الانفصال عنها. بعد أن تجف دموعها تخبره: «سأتوجه لعملي الآن
ثم أعود إليك فلا تغادر المكان. إذا غادرته سأقتلك». في البداية يؤثر هذا
الكلام بيوهانس فيبقى، لكن ما إن تنتهي من عملها (هي مرشدة لمشاريع عقارية
تتحدث لمستمعيها عن تاريخ المنطقة المنوي استثمارها وحاضرها اليوم) حتى
تكتشف أنّه غادر المكان.
لا يهم، هي دقائق وجيزة وتتعرّف على سواه. في المقهى ذاته
هناك شاب تجذبه أودين من المرّة الأولى. يرجع إلى الوراء فيكسر ألواحاً
زجاجية وحوض أسماك. تقفز إليه لتبعده عن الخطر الماثل ومن هنا تبدأ علاقة
عاطفية جديدة. لكن ماذا سيحدث لو أدرك يوهانس، في مطلع النصف الثاني من
الفيلم، بأنّه كان على خطأ ويود العودة إلى أودين. الذي يحدث هو فيلم عاطفي
فيه أفكار جيدة والكثير من تلك المشاهد التي تموّه الموضوع وتستطرد فيه من
دون نتيجة مبهرة.
ينشد المخرج في عبارة عن تلك المحاضرات التي تلقيها أودين
على آذان مستمعيها في ميدان العمل. مثلاً في حديثها عن دمار ومحاولة إحياء
أحد القصور من القرن الثامن عشر، موازاة لحياتها الخاصة حول دمار وعودة
حياة علاقة عاطفية. لاحقاً، يدفع المخرج فيلمه صوب حكاية شبحية الجوهر
غارقة في القديم ضمن عصرنة الحدث ذاته.
جيد التنفيذ من لقطة لأخرى لكن طموحات فكرته وبطانة المضمون
لا تترك سوى تأثير محدود.
كيلي
ريتشارد لـ«الشرق الأوسط»: معظم أفلامنا عرضت الغرب الأميركي بطريقة
رومانسية أو إثارية
ربما لم تصب المخرجة الأميركية
كيلي
ريتشارد غايتها كاملة في فيلمها الذي عرض قبل ثلاثة أيام «بقرة أولى»،
اهتمامها برسم صورة مغايرة للغرب الأميركي يتطرّف صوب تشكيل مجرد من
الأحاسيس وبارد الأوصال. لكنّ المخرجة لديها، في هذا اللقاء، ما توضحه بشأن
قراراتها، خصوصاً أنّ الرواية التي استمدت منها الفيلم احتوت على أحداث
معاصرة أكبر مما سمحت المخرجة لفيلمها به
الحكاية كما وردت في الرسالة الثانية من هذا المهرجان، تدور
حول مهاجر من الشرق الأميركي اسمه كوكي يعمل طبّاخاً لحساب رحالة يتجهون
صوب ولاية أوريغون، وحول مهاجر من الصين (اسمه كينغ) يحاول أن يبحث لنفسه
عن موقع قدم في البلاد الجديدة.
·
«بقرة
أولى» ثاني فيلم وسترن لك يتعامل مع التاريخ البكر للغرب الأميركي. ما الذي
يدفعك بهذا الاتجاه؟
-
يدفعني أنني أشعر بأنّ السينما الأميركية خصوصاً لم تسعَ كافياً لرسم صورة
واقعية عن الغرب الأميركي والسنوات الأولى من الاستيطان. معظم أفلامنا عرضت
الغرب بطريقة رومانسية أو بطريقة إثارية. قليل منها حاول وضع الكاميرا في
الواقع الذي قامت عليه. فيلمي السابق «اختصار ميك»
(Meek’s
Cut Off)
وفيلمي الجديد هذا يؤديان للغاية ذاتها التي في بالي.
·
لكن هل لديك حب لنوع «الوسترن» ولو كان ضمن نظرة مغايرة؟
-
ليس حباً بقدر ما هو اهتمام وكما قلت اهتمام بالصورة الحقيقية التي تغاضت
عنها معظم أفلام الغرب.
·
كذلك لم تتحدث بما فيه الكفاية عن مساهمة المرأة في إرساء
الحياة في تلك البلاد ربما إلى أن قمت بذلك في «اختصارات ميك»…
-
هذه ناحية أخرى مهمة وهي أنّ المرأة كان لها دور كبير في ذلك الحين. لم تكن
للحياة ذاتها أن تستمر لولا وجودها. وهو أيضاً أمر غائب عن الذكر كما تقول.
·
لجانب أنّها كانت أفلام إثارة تنظر إلى الغرب الأميركي نظرة
رومانسية، ما هو المأخذ الأساسي عليها؟
-
ما ذكرته لك أساسي أيضاً. الفكرة التي أتحدث عنها هي حقيقة أنّ أفلام الغرب
عموماً قامت على أساس عرض تلك الفترة من خلال وجهة نظر الرجل. هو الذي
افتتح الغرب وهو الذي قاد وهو الذي ركّز دعائم الحياة في تلك المجاهل.
أفلامي تتعاطى الصورة المفقودة لدور المرأة في فيلمي السابق ودور مهاجرين
غير مسلحين بدوافع عدائية كما في فيلمي الحالي.
·
هنا أجد نفسي أتساءل عن كيفية معالجتك لشخصيتين مسالمتين،
ولو في المبدأ، يحاولان تحقيق ما بات معروفاً لاحقاً باسم «الحلم الأميركي».
-
هذا تساؤل طبيعي لكن لفهم كل منهما عليك أن تفصل بينهما لأنّهما شخصيتان
مختلفتان. كوكي، المهاجر الصيني، هو المحرّك الذي يعرف ما يريد من الحياة
مادياً. يعرف أكثر من كوكي الطبّاخ. هذا سقف طموحاته ليست عالية، لكنّه
يكتسب من الصيني المعرفة بأنّ هناك وسيلة لصنع ما وصفته بالحلم الأميركي.
·
لم أقرأ الكتاب الذي اقتبست عنه، لكنّي قرأت عنه وبالمقارنة
هناك من كتب أن الرواية الأصلية تدور في الوقت الحاضر لفترة أطول كثيراً
مما يتبدّى على الشاشة. هل هذا صحيح؟
-
نعم صحيح. لكنّي نظرت إلى ما أريده من هذا الفيلم. هل أريد الحديث عن
الماضي في الحاضر أو عن الماضي في الماضي نفسه؟. لذلك اختصرت المسافة
وانتقلت إلى الزمن الذي أرغب البحث فيه.
·
هل تعانين من حقيقة أن الميزانيات التي تحققين بها أفلامك،
وهناك أفلام عدة لك غير الفيلمين اللذين تحدثنا عنهما، محدودة؟ ماذا يفرض
عليك ذلك من اختيارات؟
-
نعم هي محدودة جداً. إلى الآن لم أجد التمويل الذي يجعلني أتقدم أكثر في
تحقيق فيلم يتمتع بعناصر أفضل على صعيد الإنتاج ذاته. الصورة السلبية لذلك
واضحة من حيث الحاجة لتحديد الحكاية في أطر مختلفة وعدم الاسترسال في سرد
مشاهد مهمة، لكن لا تمويلاً كافياً للإحاطة بها كاملاً. الخيار يبدأ من
كتابة السيناريو. تنتبه إلى ما يمكن لك أن تتوقع تنفيذه وما تتوقع حذفه حتى
من قبل كتابته.
·
بدأت مصوّرة فوتوغرافية، ما هو تأثير ذلك على حرفتك كمخرجة؟
-
أحببت التصوير منذ صغري وأعتقد أن إسهام التصوير في تكويني الفني مهم إذ
جعلني أعتاد النظر من الكاميرا لما أرغب في تصويره. بالنسبة لي الجماليات
ليس ما يشدني إلى ما أصوّره أو إلى ما يصوره فيلمي، بل الواقع الذي ينبض
فيه. حين أقول إنّ أفلام الوسترن صوّرت الغرب بطريقة رومانسية لا أقصد
التصوير الفوتوغرافي بل التصوير الانطباعي وهذا ما أحاول تجنبه قدر
استطاعتي. |