فاروق الفيشاوي.. "الحاوي" يرحل وسحره خالد في قلوب
الجماهير
العين الإخبارية -
صفوت دسوقى
كان الفنان فاروق الفيشاوي يحب الوقوف على عتبة التفاؤل،
يضحك وكأن الابتسامة جزء من ملامحه، يعافر مع الحياة وكأن العناد متأصل
بداخله، هو "الحاوي" الذي استعمر قلوب الناس، و"علي الزيبق" المهموم بحال
الصعاليك والمهمشين، و"راقص التنورة" الباحث عن السعادة في "ألوان السما
السبعة".
اسمه الحقيقي محمد فاروق فهيم الفيشاوي، ولد في 5 فبراير
عام 1952 بمدينة سرس الليان بمحافظة المنوفية في شمال مصر (الدلتا)، وسط
أسرة ثرية مكونة من أبوين و5 أشقاء؛ بنتين و3 أولاد.
عاش فاروق الفيشاوي طفولة رائعة، فهو الأصغر سنا والأكثر
حضورا، عرف طعم البكاء في الـ11 من عمره عندما فارق والده الحياة، شعر بأن
الأيام تآمرت عليه وحرمته من أقرب الناس لنفسه، بكى وتألم كثيرا، لكن وجود
شقيقه الأكبر بجانبه جعله يتخطى الأزمة وشجعه على القفز فوق جدران الحزن.
مرت الأيام كأنها في سباق، وغدا الطفل الصغير شابا لديه حلم
وهدف، التحق بكلية الآداب بجامعة عين شمس، ثم دفعه حب التمثيل إلى الالتحاق
بمعهد الفنون المسرحية بعد ذلك، حيث تشكلت شخصيته الفنية وراح يحلم بالشهرة
والنجومية.
أثناء الدراسة بالمعهد وقعت عين الفنان الكبير عبدالرحيم
الزرقاني على فاروق الفيشاوي، وشعر بأنه يمتلك موهبة فنية شديدة الخصوصية،
فراهن عليه بقوة ورشحه لبطولة مسرحية بعنوان "طائر البحر"، عرضت على خشبة
المسرح القومي عام 1979، وابتسم له الحظ عندما تحمس له المخرج الكبير محمد
فاضل في العام نفسه ورشحه للوقوف أمام الفنان الكبير عبدالمنعم مدبولي في
مسلسل بعنوان "أبنائي الأعزاء شكرا". وتوالت بعد ذلك التجارب الدرامية،
التي أسهمت في تدعيم روابط الود والحب بينه وبين الجمهور.
الجميل أن الفيشاوي قطع وعدا على نفسه بأن يضع صورة للراحل
عبدالرحيم الزرقاني في أي بيت يسكنه اعترافا بفضله وتقديرا لدوره في حياته.
السطوع على شاشة السينما
اكتسب الفيشاوي الثقة ونمت لأحلامه البسيطة أجنحة، فراح
يحوم حول شاشة السينما، فهي التي تكتب التاريخ الحقيقي للفنان، وجاءته
الفرصة على طبق من ذهب عندما رشحه المخرج سمير سيف للوقوف أمام الزعيم عادل
أمام في فيلم "المشبوه"، إنتاج عام 1981.
جسّد الفيشاوي في هذا الفيلم دور الضابط بشكل مميز، وأشاد
بأدائه الجمهور والنقاد، ومن هنا بدأت علاقته بالسينما وتحمست له شركات
الإنتاج وراحت تراهن عليه، إلى جانب الموهبة في فن التشخيص، منحه القدر
ذكاء الاختيار، فاعتمد التنويع في اختياراته الفنية وحرص على أن يبتعد عن
التكرار.
ومن أبرز أعماله في السينما أفلام: درب الهوى، والطوفان،
والأوغاد، والحب في طريق مسدود، وديك البرابر، وملف سامية شعراوي، وحكمت
فهمي، وسوق المتعة، وأخيرا "ليلة هنا وسرور".
التلفزيون والمسرح
رغم التوهج على شاشة السينما لم ينس فاروق الفيشاوي
التلفزيون، فقد كان يدرك أهمية هذا الجهاز، فظل طوال حياته حريصا على
الدراما التلفزيونية.
ومن يتأمل أرشيفه الفني سوف يجد أنه يضم 73 مسلسلا، من
أبرزها: الحاوي، وعلي الزيبق، وطيور بلا أجنحة، وألف ليلة وليلة، وأهل
الهوى، وشمس الأنصاري، وغوايش، وعوالم خفية، ولدينا أقوال أخرى، والبر
الغربي، والأصدقاء، وخيال الظل.
كما قدّم أعمالا مسرحية مهمة جدا، منها: "الناس اللي في
التالت"، التي حققت نجاحا كبيرا وقت عرضها عام 2001، و"أنا والحكومة"،
و"البرنسيسة"، و"أولاد ريا وسكينة"، و"الأيدي الناعمة" عام 2010.
عاشق النساء
في عدد كبير من حواراته الصحفية، أكد فاروق الفيشاوي أنه
يعشق النساء، لكنه لا يصلح للزواج. وبرر هذا الكلام بقوله إنه شخصية صعبة
جدا ولا يحب القيود التي تجبره على اتباع نظام ثابت، فهو يريد أن يعيش
بحرية تامة دون أي قيود.
ورغم كراهيته للقيود فإنه تطوع بارتدائها عبر الزواج 3
مرات، كانت الأولى هي الفنانة سمية الألفي، وأنجب منها ولدين؛ الفنان أحمد
الفيشاوي و"عمر"، ثم تزوج بالفنانة سهير رمزي وحدث الانفصال سريعا، وكانت
زوجته الثالثة من خارج الوسط الفني وتدعى "نوران".
الشجاعة في مواجهة المرض
في العام الماضي، فجّر الفنان فاروق الفيشاوي مفاجأة من
العيار الثقيل أثناء تكريمه في حفل افتتاح مهرجان الإسكندرية السينمائي،
حيث اعترف والابتسامة تعلو وجهه بأن طبيبه أخبره بأنه أصيب بالسرطان. وقال
للجمهور إنه لا يخاف هذا المرض، وسوف يتعامل معه وكأنه صداع.
وجاء هذا الاعتراف ليصيب الجمهور بالذهول، ودفعهم للسؤال
عنه والدعاء له، وراح يعمل ويمارس حياته بشكل طبيعي، بل إنه شارك الفنان
يحيى الفخراني بطولة مسرحية "الملك لير"، التي حققت نجاحا كبيرا.
ومنذ أيام ساءت الحالة الصحية للفنان فاروق الفيشاوي، حتى
فقد القدرة على النطق، فسارع الأطباء إلى حجزه في غرفة العناية المركزة
بأحد مستشفيات القاهرة، حتى صعدت روحه إلى بارئها فجر الخميس 25 يوليو
2019، تاركا وراءه رصيدا كبيرا في تاريخ السينما وقلوب الناس على حد سواء. |