الفاضل الجزيري يعود إلى المنافسة على قرطاج
السينمائي بعد 31 عاما
صابر بن عامر
ثلاثة مخرجين يسعون إلى الحصول على التانيت الذهبي
التاسع لتونس بأفلام عن الحب والحرب.
تنافس تونس بثلاثة أفلام روائية طويلة على جائزة
التانيت الذهبي في الدورة الـ30 لمهرجان أيام قرطاج السينمائية
التي انطلقت في السادس والعشرين من أكتوبر الجاري وتتواصل حتى
الثاني من نوفمبر القادم، في سعي من البلد المنظم للحصول على
التانيت الذهبي التاسع له منذ تأسيس الأيام في العام 1966 على يد
السينمائي التونسي الراحل الطاهر شريعة.
تونس
– يعدّ فيلم “السفراء” للمخرج محمد الناصر القطاري أول فيلم يهدي
تونس التانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية في العام 1976، أي بعد
عشرية من انطلاق المهرجان الذي تأسّس في العام 1966، وتطرّق الفيلم
عصرئذ إلى ظاهرة الميز العنصري التي كان يتعرّض إليها العمّال
الأفارقة والعرب في أوروبا.
وحصدت تونس بعد أول تتويج لها بالتانيت الذهبي على
سبع أُخر، وهي تباعا: “عزيزة” لعبداللطيف بن عمار في العام 1980،
و“ريح السد” للنوري بوزيد في العام 1986، وهو الوحيد من التونسيين
الذي تحصّل على التانيت الذهبي في مناسبتين، وكان الثاني له في
العام 2006 عن فيلمه “آخر فيلم”، كما تحصل فريد بوغدير على أرفع
جوائز المهرجان في العام 1990 عن فيلمه “عصفور سطح”.
وفي العام 1994 تمكنّت المخرجة التونسية مفيدة
التلاتلي من أن تكون أول مخرجة في العالم العربي وأفريقيا تتوج
بالتانيت الذهبي لقرطاج السينمائي، عبر فيلمها “صمت القصور” لتلتحق
بها بعد أزيد من عقدين كوثر بن هنية التي تحصلت في العام 2016 على
التانيت الذهبي للأيام، وذلك عن فيلمها الوثائقي الطويل “زينب تكره
الثلج”.
وكان آخر تتويج للسينما التونسية بتانيتها الذهبي
الثامن، في العام 2018 المنقضي، عبر فيلم “فتوى” لمحمود بن محمود،
وذلك بعد أن أصبحت الأيام تقام بشكل سنوي منذ العام 2014، وهي التي
كانت تقام مرة كل سنتين، بالتداول مع أيام قرطاج المسرحية.
ثورة تتجدد
تراهن تونس في دورة هذا العام المهداة إلى روح نجيب
عياد، فقيد السينما التونسية ومدير الأيام في الدورات الثلاث
الأخيرة: 2017 و2018 و2019، بأفلام “قيرة” (الحرب) للفاضل الجزيري
و“بيك نعيش” لمهدي برصاوي و“نورا تحلم” لهند بوجمعة، من أجل الظفر
بتاسع تانيت للبلد المنظّم، وهي أفلام عن الحب والحرب.
بفيلم “قيرة” (الحرب) يعود المخرج التونسي المخضرم
الفاضل الجزيري، للمنافسة على إحدى جوائز أيام قرطاج السينمائية
التي سبق وأن فاز بتانيتها البرنزي بمعية المخرج الفاضل الجعايبي،
شريكه في إخراج فيلم “عرب” في العام 1988.
وبعد 31 عاما بالتمام والكمال، يعود الفاضل
الجزيري، وحيدا هذه المرة، للمنافسة على إحدى جوائز المهرجان وهو
الذي سبق له أن افتتح دورة 2008 بفيلم “ثلاثون”، كما شارك في دورة
2016 بفيلم “خسوف” خارج المسابقة الرسمية.
ويبدو طموح الجزيري كبيرا هذه المرة للظفر بالتانيت
الذهبي للأيام بفيلم استوحاه من مسرحية “صاحب الحمار” لعز الدين
المدني والتي سبق له أن عرضها في العام 2012 ضمن فعاليات أيام
قرطاج المسرحية.
والمسرحية التي كتبها المدني ما بين 1967 و1968
وقدّمها للمسرح لأول مرة الراحل علي بن عياد سنة 1969، أتت في فيلم
الجزيري انعكاسا لقصة أبي يزيد بن خويلد الكدادي المعروف باسم
“بوزيد صاحب الحمار”، لكن بعيدا عن القراءة الخطية للتاريخ، بل هي
إعادة اشتغال عليه، حيث حفل الفيلم بمشاهد تشبه كثيرا واقع تونس
الحالي الذي مهّد لثورة 14 يناير 2011 بتونس، مثل انطلاقها من
الجنوب زيادة عن تقاطع الثورتين في عدة جوانب مثل البعد الثوري
والاجتماعي والفكري وتدهور الوضع الاقتصادي والقدرة الشرائية.. إلخ.
وما يحسب لفيلم الجزيري الذي قدّمه في عرضه العالمي
الأول، الأحد، بقاعة الأوبرا بمدينة الثقافة بتونس العاصمة،
اشتغاله العميق على الرمز، فالثورة كانت محرّكتها المرأة، خامسة
(آمنة الجزيري) وهي ابنة بوزيد (الطاهر عيسى بالعربي) المتعطّشة
للقتل وسفك الدماء بداع أو دونه، ومن أنهتها أيضا، هي امرأة، عيشة
(سارة الحناشي) التي بشّرت بالثورة المُضادة.
وفي إعلان صريح للراوي (سامي النصري)، في آخر
الفيلم يؤكّد لعمّار (علي الجزيري) أن الثورات تتداول كل ثلاثين أو
أربعين عاما، ما يعني أن كل الثورات مخطّط له مُسبقا ولا شيء يحصل
بالصدفة، وعلينا انتظار عمر جليل جديد لنعيش ثورة أًخرى تنطلق من
الشعب، ليستولي عليها الحكّام من جديد، ما يعني أن الثورات تتشابه
وإن تقاطعت أسبابها. و“قيرة” في النهاية، هي رحلة الداعية، الذي
ادعى محاربة الظلم وتحوّل إلى طاغية متعطش للدماء. وهو من بطولة
الطاهر عيسى بالعربي وسامي نصري وسارة الحناشي وآمنة الجزيري ومعز
بن طالب وعلي الجزيري.
وإن كان الفاضل الجزيري ينافس بفيلمه “قيرة” على
تانيت قرطاج للمرة الثانية له بعد فيلم “عرب”، فإن كلا من مهدي
برصاوي وهند بوجمعة ينافسان للمرة الأولى على أهم جوائز المهرجان
بفيلمي “بيك نعيش” و“نورا تحلم” على الترتيب.
مشاركة أولى
يعدّ “بيك نعيش” الفيلم الروائي الطويل الأول لمهدي
برصاوي تدور أحداثه في العام 2011 بتونس، حيث يعيش فارس رفقة زوجته
مريم وابنه عزيز في انسجام دون منغصّات تُذكر، إلى أن تنقلب حياتهم
فجأة إلى كابوس إثر وقوعهم في كمين في جنوب البلاد. فتجد الأسرة
نفسها فجأة في جحيم حقيقي ليعصف باستقرارها وتنكشف بعض الحقائق
التي ظلت مدفونة زمنا طويلا. والفيلم من بطولة سامي بوعجيلة ونجلاء
بن عبدالله.
وعلى غرار مهدي برصاوي تقدّم هند بوجمعة في فيلمها
الروائي الطويل الأول “نورا تحلم” تجربة إنسانية حول قصة أم لثلاثة
أطفال، نورا، تعمل في محل لتنظيف الملابس والأقمشة، بينما يقضي
زوجها، جمال، مدة عقوبته في السجن.
وتقابل نورا، بالصدفة شخصا، الأسعد، الذي يصبح حب
حياتها، فتتغيّر نظرتها للحياة بشكل كامل. وأثناء فترة انتظارها
استكمال إجراءات الحصول على الطلاق وقبل أيام قليلة من الموافقة
على الطلب، يطلق سراح زوجها السجين، ممّا يزيد الأحداث تعقيدا
عندما يقرّر الحبيبان الهروب بعيدا.
و”نورا تحلم” من بطولة كلا من لطفي العبدلي وحكيم
بومسعودي وهند صبري التي تعود للمنافسة على جوائز المهرجان الكبرى
بعد ربع قرن من أول مشاركة لها في فيلم “صمت القصور” للمخرجة
التونسية مفيدة التلاتلي، حيث فازت صبري حينها بجائزة أفضل ممثلة
وهي في ربيعها الرابع عشر.
هذا، وتتنافس الأفلام التونسية الثلاثة على الجوائز
الكبرى لأيام قرطاج السينمائية في دورتها الثلاثين أمام كل من
الفيلمين الجزائريين “أبو ليلى” لأمين سيدي بومدين و“بابيشا”
لمنيرة مدور، والفيلم المغربي “آدم” لمريم توزاني، والفيلم المصري
“بعلم الوصول” لهشام صقر، والفيلم السوري “نجمة الصبح” لجود سعد،
والفيلم العراقي “شارع حيفا” لمهند حيال، و“سيدة البحر” للمخرجة
السعودية شهد أمين، و“ستموت في العشرين” لمخرجه السوداني أمجد
أبوالعلاء والفيلم السنغالي “أتلانتيك” لماتي ديوب.
صحافي تونسي |