كأننا في مهرجانات نخبوية خارج هوليوود
إبراهيم العريس
لا يمكن أن يعتبر الأمر جديداً هذا العام أو مفاجئاً، من ناحية
المبدأ على الأقل. فأهل السينما وحتى المراقبون من غير أهلها باتوا
يلاحظون، في السنوات الأخيرة على الأقل، ميلاً هوليوودياً/
أوسكاريّاً متزايداً، نحو الأفلام الفنية وربما أيضاً الاجتماعية
وصولاً إلى ما تمكن تسميته «أفلام المؤلفين». وعلى هذا النحو، رُصد
عاماً بعد عام تزايد الأفلام التي يمكن أن تعتبر نخبوية أو حتى
مخصصة لصالات الفن والتجربة، بين تلك التي باتت تنال ترشيحات
أوسكارية. صحيح أن عدد هذه الأفلام، التي قد لا تكون لها حظوة
كبيرة في الصالات التجارية، بدا متواضعاً أول الأمر إلى جانب
الأفلام الضخمة التجارية لكي لا نقول، الجماهيرية المبتذلة، والتي
لا بد من الاعتراف بأنها باتت تغيب كلياً عن الأوسكارات في السنوات
العشرين الأخيرة. وراح هذا الأمر يبدو معتاداً، ويحمل رضا داخلياً
لمحبي السينما الكبيرة التي تعيش في تواريخ السينما ونظرياتها. أي
بالتحديد تلك التي باتت مرتبطة بالمهرجانات ولا سيما بمهرجان
صاندانس الأميركي، الذي يشكل منافساً حقيقياً لمهرجانات أوروبية
وأميركية ذات شأن في مجال عرض وتثمين سينما المؤلفين الحقيقيين، من
«كان» إلى «تورنتو» ومن «البندقية» إلى «برلين». كل هذا بدأ يصبح
اعتيادياً وسبق الحديث عنه. غير أن ما يبدو مدهشاً في الترشيحات
النهائية الهوليوودية لأوسكارات هذا العام، فهو «تفاقم» الظاهرة
إلى درجة باتت محصلة تلك الترشيحات وكأنها تنتمي إلى «صاندانس»
أكثر كثيراً من انتمائها إلى هوليوود بصورتها المعهودة.
السينما ومؤلفوها
طبعاً، نحن لا نشير هنا إلى أفلام متقشفة أو تجريبية، بل إلى أفلام
كبيرة بمعنيي الكلمة: كبيرة من ناحية إنتاجها وتعامل الجمهور
العريض معها، وكبيرة من ناحية قوتها التعبيرية وفاعليتها
الاجتماعية وتجديديتها في الأشكال السينمائية، كما في جرأة
مضامينها. وكأننا نتحدث هنا عن «سينما المؤلفين» كما حلم بها يوماً
أهل الموجة الفرنسية الجديدة، وانغلقت على أفهام مؤلفين هوليووديين
كبار فوجئوا حينها بذلك التصنيف «المهرجانيّ» لأفلامهم يأتيهم من
أوروبا ليثمّنهم في مستويات ما كان من شأنها أن ترضي الأستديوات
المنتجة والتي كانت كلمات مثل «مهرجان» و «فن» ترعبها. والحال أن
استعراضاً للائحة الأفلام المرشحة هذا العام، وعلى الأقل للجوائز
الرئيسة، سيقول لنا الكثير.
ونبدأ بالأفلام التسعة التي حملتها ترشيحات أوسكار أفضل فيلم، وهو
الأوسكار الأكبر أهمية بالطبع... هنا سنلاحظ أن عدداً من هذه
الأفلام كانت عروضه الأولى في «صاندانس» النخبوي والذي أعاد
للسينما المستقلة كرامتها ومكانتها منذ زمن بعيد. بل أعاد إلى
هوليوود مكانة كان قد جعلها لها في السبعينات كبار مخرجي تلك
المرحلة ممن يسمّون «أصحاب اللحى»: فمن «اخرج من هنا» لجوردان بيلي
إلى «إدعني باسمك» للوكا غوادانيينو، مروراً بـ «ليدي بيرد» لغريتا
غروينغ و «ثلاث لوحات إعلانية خارج ايبنغ ميسوري» لمارتن ماكدونا،
وصولاً إلى الأفلام الأكثر ضخامة وإنتاجاً، مثل «دانكرك» لكريستوفر
نولان، و «ذا بوست» لستيفن سبيلبرغ و «الساعات المعتمة» لجون رايت
و «فانتوم ثريد» تحفة بول توماس إندرسون الجديدة وعمله الكبير
الثاني مع دانيال- داي لويس (راجع بصدد هذا الفيلم مكاناً آخر في
هذه الصفحة)، وصولاً طبعاً إلى جديد غييرمو ديل تورو «حافة الماء»،
سنجدنا بالتأكيد أمام أفضل ما حُقّق خلال العام الفائت من أفلام
حملت مواضيع إنسانية وتاريخية وقضايا اجتماعية تصل أحياناً إلى
حدود الاستفزاز الصريح لـ «الإستابلشمنت» الأميركي، في نهلها من
الواقع سواء أكان واقع اليوم أو واقع عقود وحروب وأزمات سبق
تداولها في الحياة العامة، غير متوانية عن تصوير السياسات في أردأ
تجلياتها مدافعة عن حرية التعبير أو ضد التمييز العنصري، أو معيدة
إلى الأذهان قضايا مثل الهجرة أو شخصيات تاريخية كبيرة لترينا كم
أن أيامنا هذه تفتقر إلى ذلك المستوى من السياسيين والبشر عموماً.
تطابق مريح
ولئن كنا، كما غيرنا، قد تحدثنا عن معظم هذه الأفلام في مناسبات
سابقة، وحتى من قبل أن يختارها أهل السينما الأميركية لجوائزهم،
متمنين مثل هذا الاختيار، وتحديداً انطلاقاً من فهمنا الخاص لكيف
يجب أن تكون «السينما الشعبية» الحقيقية، فإن اللافت حقاً هنا، هو
أن توقعات معظم النقاد، وحتى المتفرجين الأكثر جدية، من الذين بدأت
أعدادهم تتضاعف على مستوى العالم كله على أي حال ما يؤكد أن
السينما لا يزال لها جمهور كبير وقضايا كثيرة تقولها لهذا الجمهور،
هذه التوقعات تطابقت وتتطابق أكثر وأكثر مع الاختيارات الأوسكارية
الهوليوودية. وليس فقط على مستوى الأفلام الأساسية هذه، بل حتى
بالنسبة إلى ترشيحات المخرجين الأفضل، فمن كريستوفر نولان إلى
غييرمو ديل تورو، ومن غريتا غيرويغ إلى جوردان بيلي، وصولاً طبعاً
إلى بول توماس إندرسون، نجدنا هنا أمام حفنة من كبار صانعي السينما
يتنافسون مع جدد لم يكونوا في الحسبان لسنوات قليلة خلت، يجمعهم
معاً حب للسينما ورغبة في تجديدها ولكن أيضاً إصرارهم على ضخّها
بمواضيع كبيرة بل تجنيدها لخدمة أنبل القضايا الإنسانية.
ولنذكر أن في مقدورنا هنا أيضاً التوقف مطولاً عند ترشيحات
الممثلين سواء أكانوا من أصحاب القامة التي لا تضاهى أو جدداً
يقفزون قفزتهم العالمية الأولى، نقول هذا ونفكر في أمثال دنزيل
واشنطن أو داي- لويس وبخاصة غاري أولدمان (في دور ونستون تشرشل)،
أو بفرانسيس ماكدورماند المألوفة في سينما الأخوين كوين (في دور
معلقة «اللوحات الإعلانية...» في الفيلم الرائع الحامل العنوان
ذاته)، أو، طبعاً بميريل ستريب التي قد تفعل هذه المرة (من خلال
دورها في «ذا بوست») فعل داي - لويس المتوقّع فتفوز بأوسكار إضافية
تضاعف ما لديها مسبقاً! ولم ليس بالإيرلندية التي لا تزال شبه
مراهقة وأثبتت حضوراً رائعاً في «التكفير» قبل سنوات لتبدع هذه
المرة في «ليدي بيرد»، سوريش رونان؟
طبعاً لا يمكننا في هذه العجالة التمهيدية أن نستعرض تلك اللائحة
التي تضم أسماء عدد كبير من الأفلام المرشحة لجوائز موزعة على أربع
وعشرين فئة، فإعلان النتائج النهائية في الرابع من آذار (مارس)
المقبل في ذلك الحفل الصاخب المنتظر والذي لا شك سيشهد من جديد على
مقدار عدم الحب الذي تحمله هوليوود بأبرز مبدعيها وأجرأ نجومها،
وبدءا من ميريل ستريب، لساكن البيت الأبيض، سيكون مناسبة للعودة
الى تفاصيل هذا الحصاد البديع لعام سينمائي تظهره لنا الأفلام
المرشحة للجوائز الأساسية، استثنائياً.
احتمال من عندنا
غير أن هذا التفوق الهوليوودي ينبغي ألا ينسينا أن الأوسكارات
السنوية الموسمية هذه، تتيح لنا، إضافة إلى التعرّف على الذوق
السينمائي الهوليوودي السائد اليوم في مجال تقييم ما تنتجه هوليوود
أو ينتج على هوامشها، وهذا الأخير، تزداد اليوم أهميته عما كان
عليه الأمر في أي زمن مضى، تتيح لنا التعرف إلى تفضيلات هوليوود في
مضمار السينمات العالمية. وهذا سهل: فمن بين الفئات الأربع
والعشرين ثمة فئة تهمّ الحياة السينمائية العالمية إلى درجة أن أهل
هذه الأخيرة أرسلوا هذا العام مئات الشرائط لكي يصار إلى اختيار
خمسة من بينها لجائزة «أفضل فيلم أجنبي».
ونعرف الآن أن تلك التي وصلت الى التصفية النهائية من بينها تحف
سينمائية كبيرة، كما أن من بينها كذلك، الفيلم اللبناني «الإهانة»
الذي تمكن مخرجه زياد دويري من أن يوصل إلى هذه المكانة سينما بلد
من الواضح أن السينما تختفي فيه، تماماً كما تختفي السياسة
والأخلاق، والحسّ السليم. وفي هذا السياق، ولكي تكتمل الصورة سيكون
على «الإهانة» أن ينافس تحفاً كبيرة وصغيرة ماثلة في الفئة ذاتها،
هي السويدي «المربّع»، والشيلي «إمرأة رائعة» والروسي «بلا حبّ»،
والهنغاري «عن الجسد والروح». وننبهكم منذ الآن إلى أن مهمة مخرجنا
اللبناني لن تكون سهلة... مهما يكن، في موسم أوسكاري مميّز كموسم
هذا العام لن تكون أي مهمة لأيّ مرشح سهلة!
####
«الخيط الوهمي» ... غرام الخيّاط بين الثوب
والملهمة
القاهرة - شريف صالح
في العام 2007 كان فيلم «سيكون هناك دم» للثنائي دانيال دي لويس
الذي حاز عنه على أوسكار أفضل ممثل، والمخرج بول توماس أندرسون
الذي رشح لأوسكار أفضل مخرج آنذاك.
وبعد عشر سنوات ترقب الجمهور عودة الثنائي في فيلم «الخيط الوهمي»،
خصوصاً مع إعلان دي لويس أنه سيكون فيلمه الأخير، مقرراً اعتزال
التمثيل من بعده. ومثل المرة السابقة ترشح الاثنان للأوسكار، إضافة
إلى أربعة ترشيحات أخرى منها أفضل فيلم.
في الشريط الجديد هيمن أندرسون مخرجاً وكاتباً ومصوراً أيضاً،
وحافظ على إيقاع بصري بالغ الهدوء، مكتفياً بتهيئة الأجواء لأدق
انفعالات الشخصيات.
حبكة استقصائية
ربما لن يروق للكثيرين الذين أعجبوا بتحولات «سيكون هناك دم»، أن
الشريط الجديد بلا قفزات أو تحولات دراماتيكية. فالصراع هنا ساكن،
والكاميرا متمركزة لمراقبة خلجات خياط المشاهير «رينولدز وودكوك»
أو دانيال داي- لويس.
رينولدز شخصية ليست سوية، لذلك ظل السيناريو بحبكته الاستقصائية
يُعمق وعي المتلقي به، حيث متابعة روتينه اليومي، وإيقاعه البطيء،
وعذابه المتواري خلف الصمت والهدوء. فهي حبكة لتعميق الوعي
بالشخصية، وليس بالأحداث التي تكاد تكون شحيحة.
ولأنه متوحد مع نفسه، تصدرت «الطاولة» معظم المشاهد والكادرات، في
حيز ضيق غلبت عليه اللقطات المتوسطة، سواء طاولة العمل حيث يقوم
بقص وحياكة الثياب، أو طاولة الطعام.
وعلى عكس ما تطلّبه دوره في «سيكون هناك دم» من حيوية وحركة عنيفة،
فإن دور «الخيّاط» تطلب من دي لويس سيطرة هائلة على جسده، كأنه صنم
شحيح الحركة، يعتني بارتداء ثيابه كما يليق بمصمم أزياء.
رغم هذا السكون، نجح الفنان في إيهام المتفرج بأن ثمة غلياناً يمر
في داخله، كأي مبدع ينظر إلى «الثوب» كعمل فني، ويطمح إلى الكمال
طموحاً مرضياً لا يقبل بأي خطأ.
علاقة مضطربة مع المرأة
ثمة جانب آخر يتمثل في علاقته المضطربة بالمرأة، وهو ما يتكشف عبر
حواراته القليلة واستدعاءات لحظات من حياته، سواء في علاقته بأمه
التي علمته مهنة الحياكة، أو أخته «سيرل» (ليزلي مانفيل المرشحة
لأوسكار أفضل ممثلة دور ثانٍ)، أو بالنساء اللواتي يحطن به على
الدوام. رينولدز «تزوج» عمله حرفياً، وأصبح «الثوب» موضوعه
الجمالي، ومصدر إلهامه وسعادته.. ولأن أخته تعرفه تماماً، فهي توفر
له بيئة شديدة الهدوء كي يعمل بلا انقطاع.
لا يبدو مشغولاً بالشهرة، ولا إطراء الزبائن، ولا كونهن من طبقة
الملوك والنبلاء، كما لا يبدو المال هماً أو نهماً بالنسبة إليه..
كل ما يشغله سحر «الثوب» الذي اعتاد منذ طفولته أن يُخفي في بطانته
كلمة أو اسماً أو سراً يخصه. حيلة لا يدركها من يرتديه، لكنها
كاشفة عن هوسه بأن يبقى تاريخاً مشتركاً بينه وبين إبداعه.
ولأن الثوب بمثابة روحه، طموحه وعذابه، فإنه لا يتساهل كثيراً إذا
رآه يُهان، أو شعر أن من ارتدته لا تستحقه. فجسد المرأة أو العارضة
بمثابة «حامل» يجب أن يكون لائقاً بإبداعه.
شرارة الحب
يحدث التحول الأساسي في شخصية البطل بظهور النادلة «آلما» أو فيكي
كريبس، عندما رآها في مطعم. كانت بشوشة، خجول، لكنها لا تخلو من
جرأة واندفاع أحياناً. رأى فيها ملهمته التي يبحث عنها، و «الحامل»
المثالي لأزيائه، فسرعان ما ضمها إلى حياته الصارمة، أو لعبته
القاسية- كما قالت هي- «ثمة شرارة حب لكن لا أمل في الزواج».
تفتقر شخصية رينولدز إلى الإثارة والديناميكية، فهي بلا مفاجآت،
وتحولاتها لا تكاد تُلحظ، ولا تعلن عن أهداف تسعى إلى تحقيقها،
لذلك ارتبطت حيوية الفيلم دائماً بمشاهد «آلما»، فالمرأة منبع خطر
للإبداع، أو لتدميره أيضاً. ففي أحد المشاهد يعترف لأخته بخوفه من
تأثيرها على عمله.
«آلما» كانت الوحيدة الفاعلة درامياً طيلة الشريط، فهي منذ البداية
تبدي تمرداً على لعبته، تقطع الزبد بالسكين على مائدة الإفطار
بطريقة تزعج صمته، فينهرها متعللاً بأن صوت السكين يشبه قطيعاً من
الخيول يمر في الغرفة. وهنا تتدخل «سيرل» لضبط إيقاع العلاقة
وتقترح عليها أن تأكل وحدها.
صحيح أنها وقعت في حب صانعها، لكنها لا تريد أن تبقى مجرد دمية
تحمل أثوابه وتسير بها أمام الآخرين. ولا أن تظل علاقتها به مجرد
«ملهمة» سيمل منها ويبحث عن غيرها.
خاضت آلما صراعها الأول ضد «سيرل» لإزاحتها وكسر جدارها العازل
الذي تفرضه حول أخيها، لذلك طلبت منها مغادرة البيت كي تبقى وحدها
معه في سهرة رومانسية رغم تحذير سيرل «من النتيجة».
بالفعل انتهت السهرة بالشجار، أحس رينولدز كأنه متورط في فخ رتبته
الفتاة، كي يجاريها كحبيب، وفي أحد أجمل المشاهد على طاولة العشاء،
تبارى الاثنان في مناقشة العلاقة من منظورين مختلفين.
آلما لا تستسلم بسهولة، فهي تدرك أن هذا الرجل الناجح هو في حقيقة
الأمر خائف من التورط فيها، ضعيف يتظاهر بالقوة. هكذا انتقلت
بالصراع إلى مستوى آخر، فبعد تنحية سيرل من الفضاء المشترك، بات
صراعها مع رينولدز نفسه، ووجدت ضالتها في عشبة «الفطر» المسمومة،
إذ دست قليلاً منها في طعامه، ما أدى إلى توعكه.
أخيراً استسلم واعترف بضعفه واحتياجه إليها. ولأول مرة أحست أن
قلبه معلق بها أكثر من أثوابه وتصاميمه.
الباب السحري للحب
كررت آلما فعلتها مرة أخرى، كي تعيد الاستمتاع باحتياجه إليها،
ودفعته للزواج منها رسمياً، وكأنها عثرت على الخيط الوهمي الذي
يربطها به.. أو الباب السحري الغامض الذي يسمح بالتواصل والحب.
ولأنها الشخصية الوحيدة الديناميكية أحدثت الفارق ونجحت في اختراق
قوقعة الخياط العبقري، لذلك منحها أندرسون صوت الراوي، حيث يظهر
وجهها في لقطة مكبرة في أول مشهد وسط إضاءة دافئة وهي تحكي عن
علاقتها بالبطل، على الأرجح لأحد الصحافيين. ثم تكرر ذلك أكثر من
مرة، وإن كان ما ترويه لا يضيف شيئاً ذا أهمية للقصة، ولو تم حذف
تلك المشاهد لن يتأثر البناء الفيلمي. ولعل أندرسون منحها بضعة
مشاهد كـ «راوية»، لكسر الرتابة البصرية للشريط.
لا يكتسب الفيلم قيمته من حكاية معقدة، أو كشف مبهر في نهايته، بل
من ذلك الصراع الساكن بين بطليه.. من انفعالاتهما وحواراتهما..
لحظات اقترابهما وافتراقهما. وكل هذا بمصاحبة موسيقى جوني غرينوود
التي يتصدرها البيانو، والمدعومة في بعض اللحظات الحميمة والشجية
بالكمان. ولعل هيمنة البيانو على الموسيقى التصويرية، لأنه الآلة
الأكثر ارتباطاً بالحياة الأرستقراطية آنذاك، خصوصاً أن الأحداث
تدور في خمسينات القرن الماضي.
ورغم ترشح الفيلم لأوسكار الموسيقي لكنها تبدو أحياناً عالية
النبرة في بعض المشاهد وحاضرة بذاتها، بهدف دعم حوار الشخصيات،
والارتفاع بالإيقاع الساكن للشريط. |