نجوم فيلم «ذا بوست» لستيفن سبيلبرغ يتحدثون لـ
«القدس العربي» عن إسقاطات الفيلم على واقع أمريكا في عهد ترامب
يتحدث عن تورط حكومات وقادة الولايات المتحدة في
الحروب والتجسس على المواطنين والديكتاتورية في الحكم
حسام عاصي
لوس أنجليس – «القدس العربي» : في فيلمِه الأخير، «ذا بوست»، يعالج
ستيفن سبيلبرغ المعركةَ القضائية، التي اشتعلتْ عامَ الفٍ
وتسعمائةٍ وواحد وسبعين، بين ادارةِ الرئيسِ المحافظ ريتشارد
نيسكون والصحافةِ الأمريكية، بعد تسريبِ تقرير سري عن حرب فيتنام
المعروف أيضا بـ»أوراقِ البنتاغون»، وهي 7 آلاف وثيقة كشفتْ عن
تورطِ الحكوماتِ الأمريكيةِ في فيتنام، منذ الحربِ العالميةِ
الثانية، وعن نيتها توسيع الحرب هناك، بدلا من إنهائها، كما كانت
توعد الشعب الأمريكي.
محلل عسكري يعمل في مركز أبحاث وزارة الدفاع يدعى دانيال آلسبرغ هو
الذي سرب الأوراق بداية لجريدة «نيويورك تايمز»، التي تنشر أول جزء
منها مما يثير غضب الناس تجاه حكومتهم وتنطلق المظاهرات في شوارع
المدن الأمريكية تطالب بوقف الحرب فورا. وترد إدارة نيكسون بشكوى
قضائية تتهم فيها «نيويورك تايمز» بنشر وثائق تمس بأمن الدولة
وتنجح في الحصول على أمر قضائي يمنع الجريدة من الاستمرار في نشر
الوثائق. وهذه كانت أول مرة في تاريخ الولايات المتحدة يتم منع
جريدة من نشر خبر ما وهو مس بأول تعديل للدستور الأمريكي وهو حرية
التعبير والصحافة، الذي يعتبر أهم أسس الديمقراطية الأمريكية.
لهذا قرر محررُ جريدةِ «واشنطن بوسط» بن برادلي (توم هانكس)،
الحصولَ على نسخةٍ من الأوراق ونشرَها، مخاطرا بمستقبل الجريدة
وبحريته. لكن كان عليه أولا، أن ينالَ موافقةَ مالكةِ الجريدة
كاثرين غراهام (ميريل ستريب)، التي كانت صديقةَ وزيرِ الدفاعِ،
روبروت مكناماراه، الذي كان أمر باجراء التقرير، ولكنه لم ينشره
خشية من رد فعل الشعب.
وفي حديث مع سبيلبرغ في فندق «الفور سيزينس» في بيفري هيلز، قال لي
إن الجزء السابق لفيلم «كل رجال الرئيس»، الذي سرد أحداِث فضيحة
«ووترغيت»، الذي كشفت فيه جريدة «واشنطن بوست» عن اخترق رجال
نيكسون مركز الحزب الديمقراطي المنافس إبان الانتخابات الرئاسية
وسرقة وثائق استراتيجية في حملة الانتخابات.
«عندما يفكر الجميع في تلك الحقبة فهم يفكرون في «كل رجال الرئيس»،
هم لا يفكرون كيف بدأ كل ذلك ألا وهي أوراق البنتاغون. وعندما وجدت
ليز هانا (كاتبة السيناريو) القصة اتضح أنها تؤرجح بندولا كبيرا من
إدارة نيكسون الذين كانوا يحاولون دحض الحقيقة من جريدة «نيويورك
تايمز»، ثم «واشنطن بوست» من خلال إجبارهم قانونيا ومحاولة منعهم
من طباعة الحقيقة وهذا البندول قد رجع عبر هذه السنوات إلى اللحظة
التي كنت أقرأ فيها السيناريو، فقلت: يا الهي، البندول الآن في
2017 وأنا أشاهد ما حدث في السابق يحدث مرة أخرى في الوقت الحالي
ولم أصدق ذلك».
ولكن مضمون النص السياسي لوحده لم يكن الدافع الوحيد لسيد السينما،
الذي كان مشغولا بصنع فيلم آخر عندما بعثت له المنتجة آمي باسكال
(رئيسة شركة سوني بكتشرز السابقة) السيناريو، الذي اشترته من كاتبة
غير معروفة وهي ليز هانا: «القصة كانت مثيرة»، يقول سبيلبرغ.
«السيناريو كان مليئا بعناصر مثيرة للاهتمام: حجب الحكومة للحقائق،
السرية، تعتيم الحقيقة والمريض بجنون الارتياب ريتشارد نيكسون».
والتقى على التو بأبرز نجمين في هوليوود، توم هانكس وميريل ستريب
ليعرض عليهما أدوار البطولة: «نظرنا إلى بعضنا البعض وقلنا علينا
أن نغتنم هذه اللحظة ونسرد هذه القصة الآن. هذا هو وقتها المناسب
وآذان الناس مفتوحة لسماعها ولا يمكننا الانتظار سنة أو سنتين».
طبعا، عداءُ الرئيسِ الأمريكي الراهنِ دونالد ترامب للصحافة، كان
المحفزُ الذي دفع سبيلبرغ وميريل ستريب وتوم هانكس إلى إنتاج «ذا
بوسط»، ليذكروا الناسَ بأهميةِ دورِ الصحافةِ في الحفاظِ على
الديمقراطيةِ والدفاعِ عن الحرياتِ المبنيةِ عليها. وهذا ما أكده
لي هانكس وميريل في حديث معهما.
حرية الصحافة
«لا تستطيع تحقيق حكومة حرة وديمقراطية من دون معاينة حرية
الصحافة»، يقول هانكس: «بإمكانك أن تدعوهم بالكاذبين أو أن ما
يقوله غير صحيح، ويمكن تنكر الحدث، كما فعلت إدارة نيكسون خلال
فضيحة «ووترغيت»، حينما قالوا إنها لم تحدث أبدا ولكنهم كانوا
مخطئين».
وتضيف ستريب: «حرية الصحافة تطرح أسألة صعبة ومحاسبة جميع الناس في
السلطة. إذا لم يكن لدينا ذلك فهذا عبء هائل عليك أنت كصحافي. إنها
مكتوبة في دستورنا. يجب علينا أن نملك ذلك لأن الناس تعتمد عليه.
هذه حكومة الناس وليس ملكية ملك ما».
من المفارقات أن محرر جريدة «واشنطن بوست»، بن برادلي، الذي قاد
المعركة القضائية ضد حكومة نيكسون، كان عميل مخابرات مركزية سابقا
يلاحق المسربين، وكان ساهم في تلبيس تهمة التجسس للزوجين روزنبرغ،
اللذين أُعدما في الخمسينيات. كما كان صديقا للرؤساء، الذين كذبوا
على الشعب، وخاصة كينيدي، الذي كان يقضي معه عطلات نهاية الأسبوع.
فهل كان حقا معنيا بالدفاع عن حرية التعبير والصحافة أم أنه أراد
أن يسبق جريدة «نيويورك تايمز» في نشر الأوراق؟
«لا شك في حقيقة الأمر أنه كان منافسا»، يقول هانكس: «هو أراد أيضا
أن يتفوق على «واشنطن ستار»، التي كانت الجريدة رقم واحد في ذك
الوقت في واشنطن العاصمة. هو كان يعتبر واشنطن أهم مدينة في العالم
قبل الكثير من غيره من الناس. ولكنه لم يرغب في اقتناص الأخبار
وحسب، بل أراد أن تكون صحيحة. وفي أحد الأفلام الوثائقية يقول: لا
تريد أن تكون على خطأ لأنك إن كنت على خطأ فيجب أن تأكله في الـ 24
ساعة اللاحقة وسوف يكون طعمه غير جيد ابدا».
لكن برادلي حصلَ على الحقيقةِ من دانيال اليسبرغ، الذي اتهم
بالخيانةِ، وفقاً لقانونِ التجسس وما زال حتى اليوم، يشجعُ موظفي
الحكومةِ الأمريكيةِ، على تسريبِ وثائقَ سرية. وهو من مناصري
إدوارد سنودن، الذي سربَ وثائقَ وكالةِ الأمنِ القومي، عامَ 2013.
فهل كان ليقبل معلومات سرية من سنودن؟
«مثير للاهتمام معرفة وجهة نظره تجاه سنودن»، يعلق هانكس، الذي لا
يعتقد بأن ما كشفه سنودن كان في نفس أهمية «أوراق البنتاغون»، رغم
أنه كشف ممارسات تجسس حكومية غير قانونية على الشعب الأمريكي:
«ينبغي علينا أن نعلم أن الحكومة تتبع بالطبع كل شيء ثم يمكن أن
تكون لنا ردة فعل على ذلك. هو أمر من الممكن حدوثه أيضا. لو كان
هناك كمبيوترات رئيسية ضخمة كبيرة في مكان ما وتخزن كل تلك
المعلومات. حسنا، شخص ما سيخترقها. لهذا بصراحة لم أكن متفاجئا أن
الحكومة كانت تفعل نفس الشيء. لأن كما تعلم «فيسبوك» و«غوغل»
يجنيان الكثير من المال استنادا إلى اهتماماتنا، فهل هذا ممنوع؟».
تعليق هانكس يناقض رسالة الفيلم، وهي الدفاع عن حرية وخصوصية الفرد
في تعبيره. كما أنه يرفض أن يصف سنودن بالبطل القومي مثل سبيرغ،
وذلك ربما لأن الأول ظهر في عهد الرئيس الديمقراطي باراك أوباما،
الذي كان صديقا ليس فقط له بل أيضا لسبيلبرغ وستريب. كما شارك
الثلاثة في دعم المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في انتخابات
الرئاسة الأخيرة ضد المرشح الجمهوري دونالد ترامب. سبيلبرغ يوافق
مع هانكس.
«سنودن كان مختلفا بالنسبة لي»، يقول المخرج العريق: «كشف الكثير
من المعلومات عن الحكومة والوكالات التي لديها قدرات اختراق
خصوصياتنا والتمكن من التنصت على المحادثات الهاتفية والاطلاع على
رسائل البريد الإلكتروني وما إلى ذلك. سبيرغ، وأنا هنا أطرح
الحقائق ولا أبرر أيا منها، كان يحاول وقف حرب فيتنام من خلال
الحصول على الحقيقة، وهي أن الحرب كانت نتيجة ثلاثين سنة من الكذب
تحت كل من ترومان، وآيزنهاور وكينيدي وجونسون وثم نيكسون. وعندما
نُشرت «أوراق البنتاغون»، ثارت المظاهرات والاحتجاجات حول عدم
شرعية الحرب المزيفة التي كانت تُخاض وكثير من عشرات الآلاف من
الرجال كانوا يضحون بحياتهم من أجلها عندما لم تكن لدى الحكومة أي
نية للانتصار. أوراق البنتاغون ساعدت على تقصيرها. ولهذا في رأيي
سبيرغ كان بطلا».
ورغم أن تسريب سنودن أجبر أيضا إدارة أوباما على تغيير القانون
حيال التجسس على المواطنين وأدى إلى تعزيز الرقابة على ممارسات
وكالات الأمن غير القانونية، إلا أن سبيلبرغ لا يقر بأنه كان بطلا.
تعليق مناقض
«ليست لدي المعلومات نفسها حول سنودن، لأنني قضيت الكثير من الوقت
في دراسة سبيرغ وليس سنودن، لذلك لن أستطيع الإجابة على ذلك لعدم
وجود معرفة حقيقية عنه»، يوضح سبيلبرغ.
أما ستريب، التي انتقدت ترامب بشدة العام الماضي من على منصة حفل
توزيع جوائز «الغولدن غلوب»، فهي تعترف أنه لا يمكن محاسبة أعدائها
والسكوت عن ممارسات زملائها من السياسيين.
«علينا أن نطالب أصدقاءنا بالالتزام بنفس المعايير التي نطالبها من
الذين يحملون وجهات نظر سياسية عدائية. وأعتقد أن هذه هي رسالة
الفيلم»، تقول الممثلة العريقة.
فهل الفيلمُ هو فعلا عن مناصرةِ حريةِ الصحافة، أم هو جزء من حملة
هوليوود ضد الرئيس المحافظ ترامب وتحذير له؟ إذ إأن الصحافةَ
تنتصرُ على نيكسون وتنشر أوراق البنتاغون ثم تضرِبَه لاحقا ضربةً
حاسمةً بفضيحةِ «ووترغيت»، التي أدت إلى استقالتِه من منصبِ
الرئاسةِ عامَ ألفٍ وتسعِمئةٍ وأربعةٍ وسبعين. فهل يواجهُ ترامب
مصيرا مماثلا؟ |