جائزة فاتن لـ محمد خان تتسلّمها عائلته من مهرجان
القاهرة
بقلم محمد حجازي
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي كان بادر منذ
أسابيع إلى الإعلان عن منح جائزة فاتن حمامة التقديرية إلى المخرج
محمد خان، يومها ردَّ خان المعروف بدماثته وطيبته وقال: إن منحي
جائزة تقديرية تحمل اسم الفنانة الكبيرة فاتن حمامة شرف كبير لي في
حد ذاته. أضاف: إن تكريمي من مهرجان عريق بقيمة وقدر مهرجان
القاهرة السينمائي شرف آخر.
منذ أيام أعلن المهرجان ان الجائزة ستمنح إلى عائلة
المخرج خان بعد مفاجأة وفاته التي صدمت الجميع، وكانت ردود فعل
رائعة سجلت في حقّه من قبل سينمائيين عديدين عرفوه أو عملوا معه
فقالت يسرا: انه يوم حزين للفن المصري، ووصفه الكاتب مدحت العدل
بأنه أعظم من قدّموا مصر في أفلامهم، والعبارة الأخيرة رائعة لأنها
تعبّر تماماً عن حقيقة أفلام خان التي قدّمت مصر كأروع ما تكون.
هذا الوفاء في التعاطي مع خان ليس جديداً. فللرجل
في وجدان الفنانين المصريين كل التقدير، حتى الراحل أحمد زكي الذي
اختلف معه مرة بقوة قال عنه: «ما فيش مخرج زيو بيعمل أفلام محبوبة
وقريبة من القلب وصادقة. الراجل مصري حتى النخاع، وما هواش عايز حد
يعترف بمصريته» (منح الجنسية قبل عامين).
والواقع أن النقّاد المصريين هم الذين قادوا حملة
لإعادة الاعتبار إلى خان ويعود إليهم الفضل في إقناع السلطات
بالتعجيل في منحه هذا الشرف، وهو الذي لم يتوقف عن ضخ الساحة
السينمائية بالأفلام لأنه يحب السينما، ويحب الجمهور ويحب البلد
الذي انتمى إليه متحمّلاً توصيفه: بالمخرج الباكستاني.
أيضاً كلامنا عنه نوع من الوفاء لشخصية متينة صادقة
مبدعة، وعندما إلتقيناه مؤخراً في مهرجان دبي السينمائي الدولي
كانت بيننا جلسة طويلة حول سينماه وحال السينما العربية، وكان
واضحاً في موقفه:
«والله
لو إنتبه العرب إلى هذا الفن ودعموه لتغيّرت صورتهم عند كل شعوب
الأرض، لكنهم يتحدثون عن السينما كثيراً، ويدعمونها بالفتات».
تحدثنا عن علاقته بـ أحمد زكي فوصفه بأنه ممثل
خطير، ولن يجود التاريخ بمثله في المدى المنظور، لأن الكبار لا
يولدون كل يوم، كما قال، وعن خلافه معه أفاد بأنهما إثنان من
المجانين، وواجب أن يتواجها لأن أفكارنا تختلف لكن بروحية واحدة.
هذا هو المهم.
خان لحق بزميله عاطف الطيب الثاني في مجموعة الموجة
الجديدة في السينما المصرية المعاصرة، عاطف الذي ردّد دائماً بأنه
حاسس بأنه لن يعيش طويلاً وهو ما حصل فعلاً وقتله قلبه البريء
والراقي والمحب والقادر على فعل كل شيء بالطريقة الرائعة تماماً
كما هي الحال مع خان.
ببساطة عقد الموجة الجديدة إنفرط تماماً. لأن حبّات
العقد الباقية ليست ضمن النشاط السينمائي الحالي في القاهرة، فأين
صاحب «إعدام ميت» علي عبد الخالق؟ وأين من وثقت به الراحلة فاتن
حمامة وصوّرت بإدارته «يوم حلو يوم مر»: خيري بشارة الذي ما عدنا
سمعنا بأنه يعمل في السينما؟ فهل انطوت الصورة الإيجابية لهذه
الظاهرة المتميّزة في تاريخ السينما الحديث مع كل تأثيراتها
الإيجابية؟
مع غياب خان الذي لم يستكن لظروف اقتصادية، أو
لواقع فني، أو لرغبة حتى عند المنتجين للتعاطي مع مخرجين شباب،
وتابع من دون توقف، وبقي في الساحة إثنان: داود عبد السيد، وشريف
عرفة، وكان على اللائحة الحديثة اسم خالد يوسف، الذي إنسحب تماماً
من السينما إلى السياسة، إلى مجلس الشعب، وترك مناخ السينما وهو
صاحب «هي فوضى» الذي أكمله بعد رحيل المخرج الكبير يوسف شاهين،
و«العاصفة» الذي كان باباً على سينما جديدة سرعان ما توقفت عن
النفس.
رحيل خان يوضع في خانة الخسارة الجسيمة للسينما
المصرية الحديثة.
رحيل ثقيل، ولن تنطوي فترة قصيرة حتى تبيّن مدى
الضرر الذي أصاب السينما من بعده، وهو الذي لم يقنط، ولم يتكاسل،
ولم يتوقف، حتى أنه عمل في سينما الڤيديو الرخيصة الإنتاج فقط
ليستمر. رحمه الله. |