أيام قرطاج السينمائية..
ما قبل دورة استثنائية
المهرجان العربى والإفريقى الأعرق يحتفل بيوبيله
الذهبى
قرطاج
:أحمد
شوقى
بالتأكيد كان الطاهر الشريعة يعلم وهو يُطلق النسخة
الأولى من أيام قرطاج السينمائية عام 1966 أنه يصنع التاريخ، كيف
لا وهو يُنظم أول مهرجان سينمائى فى القارة الإفريقية والبلاد
العربية؟ مهرجان كان من حسن طالعه أن يتولى شئونه عاشق مثل
الشريعة، وأن تحتضنه عاصمة متوهجة ثقافيا مثل تونس. مزيج ضمن
للأيام البقاء والاستمرار، والتمتع بروح من الشغف يصعب أن تجدها فى
مهرجان آخر بالمنطقة، بما فى ذلك المهرجانات الأكثر ثراء – وتنظيما
ربما.
نصف قرن مضى وأيام قرطاج السينمائية تتواصل، كل
عامين بالتبادل مع المهرجان البان إفريقى فى واجادوجو (فيسباكو)
حسب اتفاق الشريعة مع رفيقه عثمان سمبين، قبل أن ترى إدارة
المهرجان أن هذا التبادل لم يعد ضروريا بمعطيات عصر يقام فيه مئات
المهرجانات السينمائية سنويا، لتصير الأيام سنوية بدءًا من دورة
2014، ويصير وعدنا كل عام مع متعة خاصة اسمها مشاهدة الأفلام وسط
الجمهور التونسي.
فإذا كان لمنظمى المهرجان أن يختاروا شيئا واحدا
يميزهم عن أى فعالية أخرى سيكون هو جمهور قرطاج، الآلاف من محبى
السينما الذين قد يفاجأ من لا يعرف ـ كما حدث لكاتب هذه السطور عند
زيارته الأولى للمهرجان ـ عندما يراهم يتزاحمون لمشاهدة فيلم
تسجيلى كينى يُعرض فى وسط النهار بل وفى أحد أيام العمل الرسمية.
بالنسبة للمشاهد والمثقف وصانع الأفلام التونسى أيام قرطاج
السينمائية هى فخر وطنى يجب أن يُدعم، واحتفال يستحق أن يُشد
الرحال إليه.
دورة اليوبيل الذهبي
التوانسة يحتفلون فى كل عام بتحوّل عاصمتهم قِبلةً
لصُنّاع السينما العرب والأفارقة، لكن الاحتفال يأخذ هذا العام
طابعا مختلفا، فهى دورة الخمسينية من عمر المهرجان الأعرق
(1966-2016) دورة تحكمها رغبة مبكرة جدا فى أن تكون استثنائية، حتى
أنه خلال التحضيرات لدورة العام الماضي، كنا نسمع باستمرار من
القائمين على المهرجان وعلى رأسهم مديره ابراهيم اللطيّف أنها
بروفة لاحتفالية الخمسينية.
بروفة العام الماضى عكّر صفوها الهجوم الإرهابى على
حافلة الأمن الرئاسى وسط أيام المهرجان وعلى بعد أمتار من مركزه،
لكن الإرهاب وما ترتب عليه من حظر تجوال لم يمنع الأيام من
الاستمرار والجمهور من الحضور والضيوف من التواجد والتمتع فى حب
السينما وتونس. أما هذا العام، فالظروف مواتية للاحتفال بالسينما
والفن والحياة والحرية، وكلها قيم كان قرطاج طيلة تاريخه داعما لها.
وقد كانت لفتة بالغة الذكاء من منظمى المهرجان أن
يُقام المؤتمر الصحفى للإعلان عن تفاصيل الدورة الجديدة فى مكان
بُنى خصيصا فى موقع الهجوم الإرهابي، وكأنه إعلان مبكر عن قبول
التحدي، فأنوار نهج الحبيب بورقيبة التى تُضاء بالسينما، لا يطفئها
متطرف أو موتور.
محاور الاحتفالية
كالعادة نترقب البرامج المعتادة لأيام قرطاج
السينمائية، وعلى رأسها التنافس على التانيت الذهبى للأفلام
الطويلة (المسابقة التى تجمع الروائى والتسجيلى معا للمرة الأولى)
والذى تمنحه لجنة تحكيم يرأسها الموريتانى عبد الرحمن سيساكو،
ومسابقة الأفلام القصيرة ويرأس لجنتها الممثلة البوركينية ميمونة
نداي، ومسابقة الطاهر الشريعة للعمل الأول ويرأس تحكيمها مدير
التصوير التونسى سفيان الفاني. بخلاف هذه البرامج أعد المهرجان
احتفالا خاصا بالخمسينية يمكن أن نذكر عددا من محاوره.
ثمانية أفلام قصية بعنوان «احكيلى على الأيام»
أعدها مخرجون تونسيون مخضرمون عن ذكرياتهم مع المهرجان. وإذا ذُكرت
علاقة مخرجى تونس بالمهرجان فمن الطبيعى أن تُكرّم الدورة فريد
بوغدير، المؤرخ السينمائى للمهرجان الذى سجل دوراته بالصوت
والصورة، ويعرض المهرجان أفلامه الثلاثة «عصفور السطح» و«صيف حلق
الواد» و«زيد احلم يا زيزو». المهرجان ينظم احتفالية كبرى أيضا
ليوسف شاهين، واحد من الرواد الذين واكبوا قرطاج من بدايته وفاز
فيلمه «الاختيار» بالتانيت الذهبى لعام 1970.
المهرجان يصدر كتابا بعنوان «أيام قرطاج
السينمائية: 50+» أعده وحرره الناقد والمؤرخ خميّس الخياطى وفيه
شهادات خمسين ناقدا من تونس والوطن العربى وإفريقيا والعالم مع
مجموعة من الصور التى توثق للأيام منذ تأسيسها. كما سيتم عرض عدد
من الأفلام التى ارتبطت بالمهرجان تاريخيا، سواء التى نالت جوائز
التانيت أو التى لم تنل الجائزة لكن جمهور الأيام احتفى بها
واعتبرها فائزة، وهو تقليد يعتد به مهرجان وقوده الأساسى هو جمهوره.
أنشطة وتوسع متواصل
التوسع الجغرافى للمهرجان ومحاولة وصول عروضه لكل
مكان فى تونس تتواصل، ففى نشاط بعنوان «مدن الأيام» ينظم المهرجان
عروضا لأفلام فى 14 مكانا داخل الجمهورية التونسية، بخلاف إقامة
عروض للنزلاء داخل ستة سجون، وللطلبة فى خمس جامعات، وللمجندين
داخل الثكنات العسكرية.
أيام قرطاج السينمائية لم تكن أبدا حدثا اعتياديا،
لذلك فمن الطبيعى عندما تعلن الأيام عن دورة استثنائية أن ننتظر
الكثير، أن نتجه الجمعة المقبل لحضور حفل الافتتاح ثم العرض
العالمى الأول لفيلم «زهرة حلب» للمخرج الكبير رضا الباهي، وكلنا
آمال فى حضور نسخة لا تُنسى من المهرجان الأعرق فى إفريقيا والعالم
العربي.
####
“قرطاج”..
50 عاما فى الاتجاه الذى ينقصنا
6
أفلام مصرية فى المسابقات الرسمية..
و4 مصريين فى لجان التحكيم.. وتكريم اسم يوسف شاهين
قرطاج :أسامة
عبد الفتاح
لا شك أن الدورة 27 من “أيام قرطاج السينمائية”،
والتى تنطلق الجمعة المقبلة بقصر المؤتمرات بشارع محمد الخامس
بالعاصمة التونسية وتُختتم 5 نوفمبر المقبل، من أهم دورات هذا
المهرجان العريق وأكثرها إثارة لاهتمام المراقبين، ليس فقط لأنها
تشهد الاحتفال بمرور 50 عاما على تأسيس “الأيام”، ولكن أيضا لأنها
ترسخ وضع المهرجان كحدث “سنوي”، بعد أن ظل يُعقد كل عامين منذ
تأسيسه وحتى دورة العام الماضي، التى كانت الأولى فى كسر هذه
الدورية، والأولى تحت رئاسة المخرج إبراهيم لطيّف.
وحرصت على إبراز هذا الجانب لأن التحول إلى
الانعقاد السنوى لا يتعلق فقط بالترتيبات الإدارية والحسابات
المالية، بل له علاقة مباشرة بالاختيارات والقرارات الفنية لإدارة
المهرجان، لأن المواكبة المستمرة لتطورات صناعة الأفلام فى الدول
محل اهتمام المهرجان، أى الافريقية بالأساس والعربية، تختلف تماما
عن الانتظار عامين ثم عرض ما تم إنتاجه بهذه الدول خلالهما، حتى لو
بدا بعضه قديما ومعروضا من قبل فى العديد من المناسبات.
أما الاحتفال بـ”خمسينية الأيام”، فقد حولته إدارة
المهرجان إلى احتفاء بمؤسسها الكبير الراحل الطاهر شريعة، وكل من
رافقوه من الرواد التوانسة وكذلك العرب، ومنهم الكبيران المصريان
الراحلان توفيق صالح ويوسف شاهين، والأخير أعلنت إدارة لطيّف رسميا
عن تكريم اسمه ضمن عشرة من كبار صناع السينما فى العالم، ومنهم
الإيرانى عباس كيارستمى والتونسيان فريد بوغدير وكلثوم برناز. كما
سيتم تكريم جميع من حصلوا على “التانيت الذهبي” – جائزة المهرجان
الكبرى – منذ عام الانطلاق وحتى العام الماضي، ومنهم شاهين، الذى
فاز به عام 1971، والمخرج الشاب أحمد عبد الله السيد، الذى ظفر به
عام 2010 عن فيلمه “ميكروفون”.
الأهم: الاحتفال بعراقة حدث سينمائى ظل، منذ أن كان
فكرة فى الأذهان وحتى الآن، محافظا على هويتيه العربية والافريقية،
خاصة الأخيرة، حيث سار لمدة نصف قرن من الزمان فى الاتجاه الصحيح
الذى ينقصنا والذى نصر على عدم السير فيه، وأقصد الاتجاه جنوبا إلى
العمق الاستراتيجى والفناء الخلفى الذى لابد من تأمينه ورعايته فى
قارتنا.. فأكثر ما يميز “أيام قرطاج السينمائية”، وأكثر ما ينقص
مهرجاناتنا، خاصة “القاهرة الدولي”: البعد الافريقي، الاهتمام
بالقارة السمراء التى نعيش فيها، والتى اكتشفنا – خلال أزمة منابع
النيل الأخيرة وخلال المواجهة مع إثيوبيا حول سد النهضة – كم
أهملناها ونسيناها وتركناها لأصابع غريبة تلعب وتعبث فيها.
فى كل دورة، تحرص “الأيام” على تواجد الأسماء
والأعمال السمراء إلى جوار نظيرتها العربية فى المسابقات الرسمية،
والأقسام غير الرسمية، والبرامج الموازية، ولجان التحكيم، وقوائم
التكريم، فيما يشبه العناق العربى – الافريقى الذى لا تخفى دلالاته
على أحد. فى كل عام، تحرص الإدارات المتعاقبة على وضع برنامج يشعر
من يتابعه أنه إزاء مهرجان يقام فى قارة افريقيا، فيما يشعر من
يتابع برامج مهرجاناتنا أنها مقامة فى أمريكا الشمالية أو أوروبا..
دعك من الأفلام والنجوم والسينما كلها، فكر فيما يمكن أن يلاقيه
هذا الاهتمام من امتنان افريقي، وما يمكن أن يسفر عنه من تعاون
مشترك ومن اطمئنان تونس الكامل إلى مصالحها فى القارة السمراء..
فمتى نتحرك نحن الآخرون؟
تشارك ستة أفلام مصرية فى المسابقات الرسمية هذا
العام، وهي: “اشتباك” للمخرج محمد دياب، و”حرام الجسد” لخالد
الحجر، فى مسابقة الأفلام الطويلة، و”أبدا لم نكن أطفالا” لمحمود
سليمان فى مسابقة الأعمال الأولى، و”حار جاف صيفا” لشريف البندارى
فى مسابقة الأفلام القصيرة، و”الغيبوبة” لعمرو على و”عين الحياة”
لوفاء حسين فى مسابقة “السينما الواعدة”، وهى رسمية أيضا، وتتولى
تحكيمها لجنة الأفلام القصيرة.
كما يشارك أربعة مصريين فى لجان التحكيم المختلفة
فى قرطاج 2016، وهم: المخرج خالد يوسف فى لجنة تحكيم الأفلام
الطويلة، والسيناريست مريم نعوم فى لجنة تحكيم الأفلام القصيرة
والسينما الواعدة، والمخرجة فيولا شفيق فى لجنة تحكيم ورشة
“تكميل”، وهى مسابقة لدعم المشروعات السينمائية ومساعدتها على
الخروج للنور، وكاتب هذه السطور فى لجنة تحكيم النقاد الدولية (فيبريسي).
وكانت إدارة “الأيام” وجهت صفعة لقوى التطرف
والإرهاب عندما عقدت المؤتمر الصحفى الخاص بالدورة 27، الخميس
الماضي، فى مخيم أُعد خصيصا فى موقع العملية الإرهابية التى
استهدفت العام الماضى عددا من رجال الأمن الرئاسى بالتزامن مع
الدورة السادسة والعشرين. |