هل استحق «نار في البحر» ذهبية برلين؟
حكاية فيلمين في فيلم واحد
برلين: محمد رُضا
في منتصف المسافة بين جزيرة مالطا والساحل التونسي تكمن جزيرة
صغيرة اسمها لامبيدوسا تابعة لمقاطعة صقلية الإيطالية، ولو أن
المسافة بين هذه الجزيرة وبين مدينة المهدية على سواحل تونس
(البلدة التي تقع فيها أحداث الفيلم التونسي «بنحبك هادي») هي أقل
من تلك التي بين الجزيرة والساحل الإيطالي.
الجزيرة، وبعض الجزر الصغيرة الأخرى في الجوار المتوسطي، هي ما
أراد الإيطاليون الحفاظ عليه من مواقع قدم في عرض البحر وفي مقابل
بلدين عربيين هما تونس وليبيا. وعدد سكانها اليوم لا يزيدون على
ستة آلاف مقيم فوقها.
لا أحد يعلم ماذا كان الحال لو أن هذه الجزيرة عادت إلى السلطات
العربية في العصور الخالية، هذا لأن قوافل البحر التي تحمل
اللاجئين الهاربين من جحيم الأوضاع في الشرق الأوسط وأفريقيا
اعتبرتها ملاذًا لها. الإيطاليون استقبلوا لاجئي القوارب المكتظة
برصيد متحضر من المعاملة وبمسؤولية فائقة. الغالب هو أنه لو أتيح
لتلك الجزيرة أن تنتمي لكيان غير أوروبي، لما تم استقبالهم، في مثل
هذه الظروف، ولهلك اللاجئون في عرض البحر وهم يحاولون الوصول إلى
الساحل الإيطالي الأبعد والأعمق.
*
القول السهل
فيلم «نار في البحر» لجيانفرانكو روزي الذي خرج بذهبية مهرجان
برلين الذي انتهى يوم الأحد الماضي، لا يتحدث عن هذا الافتراض.
لكنه يصوّر حال هؤلاء اللاجئين الذين أبحروا سرًا من شواطئ عربية
حاملين معهم السعي للبقاء أحياء. بعضهم غرق قبل تحقيق هذه الرغبة
والبعض وصل ومن وصل صوّرهم المخرج في عمله الجديد هذا الذي استحق
الجائزة بجدارة.
القول بأنه فيلم تسجيلي يصوّر وصول اللاجئين إلى الجزيرة وكيف يتم
تعامل السلطات الأمنية والطبية معهم وعن معاناة الوافدين وقد أمضوا
أيامًا من الخطر الداهم هو قول سهل. نعم، الفيلم في هذا الإطار هو
عمل غير روائي. يصوّر المخرج غرفة العمليات العسكرية التي تشرف على
إنقاذ المراكب، نستمع إلى أصوات الاستغاثة بالراديو وهي تنادي
الجانب الإيطالي برجاء مؤلم سرعة انتشالهم من مأساتهم. إنهم في عرض
البحر بلا ماء وبلا طعام والمركب بدأ يغرق. يسأل الإيطالي المرأة
المستغيثة تحديد موقع المركب. لكن الصوت الآتي من بعيد يخفت
وينتهي. المركب، نعلم لاحقًا، غرق. لكن هناك مراكب أخرى. عمليات
إنقاذ متوالية. الواصلون إلى النجاة يحكون ما مروا به. يعاينهم
طبيب الجزيرة. يلتقط لهم رجال البحرية الإيطالية الصور. البعض على
الرمق الأخير. البعض الآخر عاش ليروي بعض وجوه المأساة.
لكن الجيّد في فيلم روزي حقيقة أن كل ما يذكر هنا هو نصف الفيلم.
النصف الثاني هو ما يدور فوق الجزيرة ذاتها.
هناك صبي في الثانية عشرة من عمره اسمه صامويل نتعرف عليه في
البرية وهو يحاول اصطياد العصافير بمنجنيق يد صغير «نُقَّيْفَة»
بصحبة صديق له. لا نراهما ينجحان في صيد العصافير لكنهما يرميان
بأحجارهما أوراق شجر الصبير السميكة ويؤذيانها. لاحقًا ما يتخيلان
أنهما مسلّحان ببنادق ويبدآن تمثيلاً يدويًا وصوتيًا لعملية قنص
وصامويل يؤكد أنه سيدمّرهم.
هم هذه ستبقى غير معروفة لكن المرء قد يعتقد أن المهاجرين هم
المقصودون وأنهم سيعترضون سبيل صامويل وصديقه بالخطأ أو بالصدفة
وسينتقل الصبيان إلى العنف المسلح فعلاً ويطلقان النار على بعض
المهاجرين.
لكن الفيلم لا يذهب باتجاه هذا الأمر. لا تسجيليًا وقع ولا روائيًا
مطلب للمخرج. على ذلك، هذا النصف الآخر من الفيلم الذي يتقاطع
والنصف الخاص بالمهاجرين ليس تسجليًا، بل فقط يبدو كما لو كان كذلك
لسببين: الأول أنه يستخدم ممثلين غير محترفين، والثاني لأنه لا
يوفر قصّة فعلية. ما يقوم به المخرج هو الطلب من الصبي صامويل
وصديقه أن يؤدي أمام الكاميرا ما يطلبه منه، بذلك لا يبقى من
التسجيل في هذا الجزء من الفيلم إلا أسلوب ومفهوم المشهد.
*
مسألة ذات جانبين
صامويل هو تعبير عن حياة الناس العاديين جدًا الذين يعيشون فوق هذه
الجزيرة التي لا لون حياة فيها سوى ذلك الطيف الشاحب. أناس لا
يتأثرون بحدث حتى ولو حط على سواحلهم كحال أولئك اللاجئين. وليس
هناك، في الواقع، من رابط فعلي بين النماذج القليلة المقدّمة من
أهل الجزيرة وتلك اللاجئة إلا عبر الطبيب الذي، وفي مشهد مقحم
بوضوح، يعاين الصبي ثم نراه يعاين اللاجئين.
حين يأتي الأمر إلى اللاجئين أنفسهم، فإن المزيد من الملاحظات
المترتبة على الفيلم تبرز إلى السطح من تحت غلافها الرقيق. الحالات
التي يسجلها الفيلم هي للاجئين أفارقة هاربين من نيجيريا عبر
الصحراء الكبرى وصولاً إلى الساحل الليبي (حيث جحيم داعش). قلّة
قليلة فقط آتية من سوريا. ومع أنه لا يهم عمليًا من أين يأتي
اللاجئ الهارب من الموت إلا أن حقيقة غلبة العنصر الأفريقي لا يمنح
الفيلم مادة كاملة.
المسألة تبدو على جانبين: الأول أن الفيلم، قصد أو لم يقصد، يتحدّث
عن نبل وحسن فعل الإيطاليين في إنقاذ اللاجئين والعناية بهم، وهو
حديث صحيح ولو أنه يتبلور هنا قريبًا من البروباغاندا، والثاني أن
اللاجئين القادمين لا صوت لهم. في حين أن صامويل والنماذج الأخرى
من مواطني الجزيرة لديهم الحضور المطلوب كشخصيات فردية، فإن
اللاجئين هم حصيلة شاملة لا سمات لها.
«نار
في الجزيرة» يثبت هويته كفيلم يتعاطى واللاجئين، لكنه ليس عن
اللاجئين. عن وصولهم إلى جزيرة بناء على واقع حاصل، لكنه ليس عن
قضيتهم. وما الفصل بين جانبي الفيلم، ذاك الذي يدور حول حياة
المواطنين المنعزلة والبعيدة، وذاك الذي يقوم فيه المخرج بتصوير
اللاجئين عند وصولهم وبقائهم في موقع ساحلي إلا كناية عن توفير
رسالة مفادها إجراء مقابل بين عالمين. واحد مستقر يعيش خيالاته
الصغيرة وآخر طارئ علينا أن نعالجه في موقع منفصل.
طوال الفيلم لا توجد محاولة للنفاذ بفكرة واضحة لا حول الصبي ولا
حول اللاجئين. تتكون الفكرة لدى المشاهد تبعًا لما يرتسم على
الشاشة لكن ليس مع ما يؤكد فحواها. هذا يمنح الفيلم نقاطًا على
صعيد الرغبة في إيثار الصورة على الحوار، لكنه لا ينفع كثيرًا
للإجابة عن الأسئلة المثارة (أعلاه) حول غايته النهائية من خلال
ذلك العرض المزدوج.
اللافت أن مهرجان «كان» في العام الماضي منح ذهبيّته أيضًا إلى
فيلم عن المهاجرين، وهو «ديبان» للفرنسي جاك أوديار ما يعكس أهمية
القضية بالطبع، لكن فيلم أوديار أنقى وأوضح هدفًا من الفيلم الجديد.
نبيل المالح: أغنية السينما العربية الحزينة
لم يتوقف المخرج السوري الراحل نبيل المالح عن الحلم. مثله في ذلك
مثل مبدعين كثيرين يحققون في عالم السينما أقل مما يهدفون إليه
وعلى رقعة كبيرة من السنوات ما يجعلهم يشعرون دومًا بأن الحياة
وظروفها لم تساعدهم مطلقًا على إنجاز أكثر من نطاق ضيق مما حلموا
بتحقيقه.
مرّات عدة من خلال لقاءاتنا خلال الأشهر القريبة الماضية، ذكر
مشاريع تطوف في البال. إذ يتحدّث عن أي منها يجعلك تتصوّر الفيلم
كما سيريد إنجازه. تسمعه يعد نفسه ويعدك بأنه سيطرق بداية جديدة.
أفكاره لا تنتهي. فكرة عن الوضع في سوريا اليوم وأخرى عن مهاجرين
في أوروبا، وثالثة عن حكاية تاريخية مستمدة من ملفات لأحداث واقعة
ورغبة في تحقيق ملحمة طويلة «قد تصلح للتلفزيون أكثر من السينما
لكني سأصوّرها كما لو كانت فيلمًا بعناصر السينما وليس بعناصر
التلفزيون».
الحلم ليس عيبًا، لكن المالح لم يكن يحلم فقط، بل كان يسعى. ما
افتقر إليه المخرج هو آليات التنفيذ.
ولد في مدينة دمشق سنة 1936 ورحل عنها أكثر من مرّة. مرّة ليدرس
السينما في براغ، ومرّة لمحاولة شق طريقه في السينما الغربية في
الثمانينات، ثم عاد لينجز أحد أهم أفلام السينما السورية والعربية
في حينه على الأقل وهو «الكومبارس»، وبقي فيها هذه المرّة، لكنه
غادرها مرّة ثانية عندما تكونت لديه القناعة من أن العيش في بلد
يديره نظام ما زال يشتغل على المحسوبيات والتفرقة والتدخل في شؤون
الإبداع ليراقب ما في البال ويسيطر على المكتوب والمعلن والمنتج من
الأفكار ليس ما يريده لنفسه. هذه المرّة اختار دبي وجاءها واعدًا
نفسه بمرحلة جديدة.
*
زوار النهار
«كومبارس»
هو فيلم عن ذلك الهم المتآكل الذي اشتغلت عليه الدولة السورية
لمراقبة ما قد تفضي به إبداعات الآخرين. عن الحريّة المنتقصة في
حدودها الطبيعية وما ترمز إليه من سيطرة الرقابة على كل أشكال
الحريات الأخرى.
هناك شاب (بسام كوسا) يمني النفس بملاقاة حبيبته الشابة (سمر سامي)
في مكان مغلق يجمع بينهما لأول مرّة. يوافق صديق له على إعارته
شقّته. يهرع وإياه إليها ويبتهل لصديقه أن يتركه بعدما أخذ ذلك
يتباطأ في المغادرة. بعد قليل تصل الفتاة. وديعة. جميلة وعاشقة.
يأخذهما الكلام في أمور عدّة تفضي أحيانا إلى ما يشعران به من حب
كل للآخر وأحيانا لما يخشيانه على هذا الحب. هناك طرق على باب
الشقة ومحاولة رجل أمن استنطاق الشاب وما يعرفه عن سلوك جاره. لكن
الشاب لا يعرف ومن حسن حظه أنه لا يعرف. بعض قليل ها هم رجال الأمن
والمخابرات يقتحمون بيت الجار ويقودونه بعيدًا. أعين المخابرات في
كل مكان.
بنجاح لافت يولج المخرج ظروف البلد ومنوال نظامه الأحادي على الشاب
وفتاته. الفكرة ذاتها تقوم على الرغبة في الهرب من واقع يحد من
حريّتهما، حتى إذا ما طرق المجهول ذلك الباب أحس العاشقان أنهما في
خطر محدق. انتقل خوف المدينة إلى داخل الشقّة التي ليست المكان
الأمن كما اعتقداه.
بعد عشرات الأفلام القصيرة وحفنة من الأفلام الروائية (بدأت بفيلم
«الفهد» سنة 1972) جاء «كومبارس» ليتوّج أفلام المالح الروائية
وليوحد بين خطوطها إذ طالما تحدّثت عن الكرامة التي أهانها القمع
في مراحل وعصور مختلفة. الفيلم بحد ذاته رائع لناحية قدرة المخرج
التشكيلية والسردية على تجسيد ساعة ونصف من الحدث بين شخصين في بيت
واحد من دون هوان. كما من حيث تداعياته.
على صعيد عملي، وعلى الرغم من أن عددًا من أعماله تم إنتاجها عبر
«المؤسسة العامة للسينما» في سوريا، فإن العلاقات لم تكن على خير
ما يرام. فهو لم ينتم تمامًا للمؤسسة. رفض التطويع وحافظ على
استقلاليته داخلها وخارجها على عكس ما فعلت المجموعة التي انخرطت
فيما وفرته المؤسسة من أفلام. بالنسبة إليهم، كان الانخراط فرص عمل
ثمينة بغياب القطاع الخاص (الذي تم تقويضه بالتدرج السريع).
بالنسبة إليها كانت المؤسسة ترى أنها تقوم بواجبها كقطاع عام منتج
للأفلام لأجل تعزيز الصناعة المحلية. أما بالنسبة إليه، فإن
المؤسسة بقيت الذراع القوية للسلطة التي لا تستطيع أن تمنح المخرج
حرّية القول لئلا يقول ما لا تود سماعه.
*
تحت السيطرة
بعد «كومبارس» بثماني سنوات قدّم المالح فيلمًا روائيًا آخر لا يقل
قيمة عن ذاك ويحمل التنوّع الشديد الذي اعتادت عليه أفلامه. إنه
«بقايا صور» (1980) الذي جاب المخرج فيه الريف السوري بأسره. تعددت
طقوسه وأجواؤه بتعدد أحداثه وانتقالها من مكان لآخر تبعًا لرحلة
فلاح فقير (أديب قدورة) يبحث عن ملجأ داخل هذا الزمن لنفسه
ولعائلته. على عكس «الفهد» مثلاً، والحكايات الشبيهة به القائمة
على فرد يقود ثورة، سوف لن يتحول بطل «بقايا صور» إلى بطل مغوار
يحارب النظام الذي يريد أن ينساه، بل يبقى ضحية كل تلك الظروف
المناوئة التي يعايشها. بطله ساذج إذ يعتقد أن البركة والنجاح في
السفر بين الأقطار وأنه إذا ما انتقل من مكان إلى آخر سيصيب تغييرا
ملموسًا في حياته. لكن الرجل سيكتشف في النهاية أن الأماكن هي
واحدة لأن المسيطر عليها (فوق أصحاب المزارع والمسؤولين وذوي
السلطات المحلية) هو أيضًا حكم واحد.
قامت المؤسسة العامة للسينما بإنتاج هذا الفيلم محتفية آنذاك بعودة
المخرج إلى العمل معها. القصّة لحنا مينا، والسيناريو لنبيل المالح
وسمير ذكرى والتصوير لحنا ورد (الذي صوّر «كومبارس» أيضًا)
والمونتاج لمروان عكاوي والجميع ذوي مكانة كبيرة في تاريخ السينما
السورية.
حين سألته ذات مرّة عن السبب في قراره تحويل قصّة حنا مينا إلى
فيلم لم يذكر سوى تلك العناصر التي تجذب الفنان مثله: «غناها
بالتفاصيل والمناح وعمق البحث الإنساني عن مقومات الحد الأدنى
لكرامة العيش».
قيمة كل من «كومبارس» و«بقايا صور» تتأكد بمرور الزمن عوض أن تنضوي
في غياب رغم أن كليهما على نقيض من الآخر: الأول من بطولة شخصين مع
ظهور محدود العدد لشخصيات أخرى، والثاني فيه 80 دورا ما بين رئيسي
ومساند ومشاهد لمجاميع كبيرة. «الكومبارس» يدور داخل شقّة بينما
يغطي «بقايا صور» 120 مكان تصوير. في الفيلمين جهد فني خلاق
سنفتقده افتقادنا لمخرجهما النادر نبيل المالح.
شاشة الناقد
(3*)
Triple 9
*
إخراج:
جون
هيلكوت
*
بوليسي - الولايات المتحدة (2016)
حكاية أخرى من حكايات الشرطي الشريف وسط زملائه الفاسدين على غرار،
ولو نسبيًا، ما كان المخرج الراحل سيدني لوميت يحققه من حين لآخر
(كما في «سربيكو» و«أمير المدينة» مثلاً). تحت إدارة المخرج
الأسترالي جون هيلكوت (الطريق) يشق الفيلم طريقه بقوّة بين المشاهد
المختلفة. هناك مقدّمة مبهرة في الدقائق العشر الأولى لعملية سطو
مسلح من قبل أن يخلد الفيلم قليلاً للتعرف بالشخصيات المختلفة ومن
بينها شخصية رئيسة منظمة إسرائيلية - روسية تقودها كيت وينسلت التي
تخطط لعملية أخرى.
يواجهها في ذلك تحريان منبوذان بسبب تمسكهما بالقيم (وودي هارلسون
وكايسي أفلك)، لكنهما يواجهان عمليًا شبكة من رجال القانون الذين
لا يقلون فسادًا.
الأكشن جيد والمعالجة مثيرة، لكن الفيلم لا يلبّي رغبة المشاهد في
شخصيات لها مبررات كافية لكي تقوم بما تقوم به من أفعال.
(2*)
Forsaken
*
إخراج: جون كسّار
*
وسترن - الولايات المتحدة (2016)
فيلم وسترن آخر من تلك المتكاثرة منذ عامين، لكنه ليس من بين
أفضلها للأسف. الفيلم الأول الذي يجمع بين دونالد سذرلاند وابنه
كيفر سذرلاند ليلعبا دور الأب وابنه في الفيلم أيضًا.
كيفر يعود إلى مزرعة أبيه المتدين ويبدأ بالعمل في المزرعة. الحدّة
الناتجة عن تباعد كل عن الآخر ستنتهي بعد حين، لكن أشرار الإقطاعي
مكرودي (برايان كوكس) تتمادى مستندًا إلى حفنة من الرجال الأشرار
(بينهم مايكل ونيكوت ولاندور ليبورين). هناك إيحاءات من أفلام
وسترن كلاسيكية كثيرة تبدأ من «شاين» وتلف على «جوال السفوح
العالية» وصولاً إلى «غير المسامَح» تتبلور من خلال مشاهد معينة،
عدا عن أن القصّة كلها في تداول أفلام النوع من الأربعينات. يحتاج
الفيلم لتلقائية أفضل عوض محاولة صنع فيلم كامل من كل مشهد فيه.
(3*)
The Big Sleep
*
إخراج: هوارد هوكس
*
فيلم نوار - الولايات المتحدة (1946)
فيلمان عن رواية رايموند تشاندلر تم تحقيقهما وهذا الفيلم (الذي
ينطلق هذا الأسبوع على أسطوانات) أفضلهما بالتأكيد.
التحري فيليب مارلو (كما يؤديه همفري بوغارت) يسعى لمعرفة ما يدور
في خفايا عائلة بالغة الثراء تستأجر خدماته لوضع حد لرسائل ابتزاز
مادي.
ككل حكايات تشاندلر هناك أكثر من حدث في الحكاية الواحدة، لكن
الخيوط تجتمع في النهاية، وهذا ما يحدث الآن. إخراج هوارد هوكس
متين في التفاصيل وفي رسم العلاقات بين الشخصيات. الحبكة معقدة
وللبعض مبهمة، لكن ذلك لا يزيد الفيلم إلا تشويقًا.
(1*)
لا يستحق -
(2*)
وسط -
(3*)
جيد -
(4*)
ممتاز -
(5*)
تحفة
المشهد:
حلول صحيحة لسينما عربية أفضل
*
اجتاز الفيلم السعودي «بركة يقابل بركة» لمخرجه محمود الصباغ
الامتحان الأول بنجاح عندما تلقفه الجمهور البرليني، بغالبيّته
الألمانية، بقبول فاق التوقعات خلال عرضه العالمي الأول في إطار
الدورة الأخيرة من مهرجان برلين.. ما بقي عليه الآن هو دخول
الامتحان الثاني وهو توزيع الفيلم شرقًا وغربًا.
*
هذه المهمّة بدورها لم تعد مستحيلة.. شركة «ماد سوليوشنز» التي
يُديرها السينمائي علاء كركوتي ما بين القاهرة وأبوظبي، ستقوم
بمهمّة توزيع الفيلم في البلاد العربية بالاشتراك مع شركة «فورترس
فيلم كلينيك» في دبي.. بالتالي، لن ينضم الفيلم إلى القافلة
الطويلة من الأفلام العربية الجيّدة التي تنتج ولا تشاهد بعد
عروضها الأولى في المهرجانات العربية أو الدولية.
*
طالما كانت هذه المشكلة تعرقل وصول الأفلام العربية الجيدة إلى
الجمهور الواسع بحجة أنها موجهة صوب جمهور محدود، ولن تحقق أرباحًا
كبيرة، كما لو أن كل الأفلام المنفّذة تجاريًا في مصر أو في سواها
تحقق أرباحًا.. وفي حين أن بعض شركات التوزيع العربية التقليدية
قامت مؤخرًا بمحاولات توزيع مثل هذه الأفلام النوعية، إلا أن
المحاولة تمّت بنصف قلب ومع الاستعداد للتوقف عنها إذا لم تفلح.
*
وهذا ما ينقلنا إلى الأوسكار مباشرة.. الفيلمان العربيان المرشّحان
في سباق الأوسكار لهذه السنة هما «ذيب» لناجي أبو نوار و«السلام
عليك يا مريم» لباسيل خليل وإريك دوبون.. الأول في سباق أوسكار
الفيلم الأجنبي، والثاني في سباق أوسكار الفيلم الحي القصير
(Live Action).. «ماد
سوليوشنز» تبنّت كلا هذين الفيلمين منذ البداية ووفرت غطاءا
توزيعيًا لفيلم «ذيب» فشهد عرضًا عربيًا متجددًا بمناسبة ترشيحه..
أمر آخر غريب على سوق السينما العربية الذي عادة يلفظ الأفلام بعد
عرضها الأول نجحت أو لم تنجح.
*
في حديث بيننا يؤكد رئيس مجلس الشركة، علاء كركوتي، أن ملحق مجلة «فارايتي»
لم يكن «قاموسًا عن المشاركة العربية عمومًا، ومع ذلك كان هناك
موضوع كامل عن المخرج الإماراتي ماجد الأنصاري، وحوار مع المخرج
الفلسطيني هاني أبو أسعد، وموضوع آخر عن ثلاثة مخرجين مصريين..
وموضوعات متنوعة أخرى». ويضيف: «التنوع في المقالات يسأل فيه مجلة
(فارايتي) وليس شركتنا أو مركز السينما العربية»، مع ذلك «عملت
شركتنا على تأمين ملحق السينما العربية في (فاراياتي) دون أي تدخل
في محتواه التحريري، لأننا نعرف مدى قوّة صنع ملحق كامل عن السينما
العربية بكل الوسائل المتاحة».
*
نقطة أخرى يريد رئيس مجلس الشركة إيضاحها وهي أن «شركة ماد
سوليوشنز ليست المسؤول الإعلامي عن مركز السينما العربية، وإنما
المنظّم له بهدف ترويج السينما العربية».
*
مهما يكن من أمر، فإن الطريق الذي اختطته مؤسسة «ماد سوليوشنز»
وتمارسه بنجاح مضطرد منذ سنوات إنشائها القريبة مهم في الحياة
السينمائية العربية ككل والنتائج المذكورة أعلاه تؤكد ذلك.. فإذا
أضفنا أن للشركة في قريبها العاجل أعمالاً أخرى ستتولى توزيعها مثل
فيلم شريف البنداري الجديد «علي، المعزة وإبراهيم» وفيلم رشيد
مشهراوي الذي دخل مرحلة ما بعد التصوير بعنوان «الكتابة على الثلج»
فإن مستقبل السينما العربية في أيدٍ أمينة. |