جيانفرنكو روزي الفائز بـ"دبّ" برلين:
أحياناً كنت أقول إنّ هذا آخر فيلم لي!
برلين - هوفيك حبشيان
نادر جداً فوز سينمائي بجائزتين مهمتين لفيلمين متتاليين. لكن
الايطالي جيانفرنكو روزي فعلها. فبعد نيله "أسد" البندقية عن فيلمه
السابق "ساكرو غرا"، اسندت لجنة تحكيم مهرجان برلين برئاسة ميريل
ستريب، مساء السبت الفائت، "الدبّ الذهب" الى رائعته الجديدة "فوكاماريه"
("حريق في عرض البحر"). بالنسبة لمتابعي الـ"برليناله" ومشاهديه،
لم يشكّل إعلان اسم روزي مفاجأة كبيرة، فالوثائقي الذي يرصد أزمة
الهجرة التي تعصف بجزيرة لمبيدوزا وحياة ناسها الرتيبة ويومياتهم
المتشابهة، كان المفضّل لدى العديد من النقّاد والصحافيين. من خلال
ردّ الاعتبار الى روزي وجهوده، أكّد مهرجان برلين إلتزامه قضية
المهاجرين التي رفعها الى الآخر. على الرغم من خطورة موضوع يترجّح
بين السياسي والانساني، لم يصطدم روزي بمطبّات ولم يقع في أي من
الفخاخ. ظل سينمائياً حتى اللقطة الأخيرة من الفيلم. اعتناؤه بكلّ
عناصر تشكيل اللوحة التي لم تخبُ ولم تبهت، يشير الى مكانته في
السينما الوثائقية المعاصرة، هو الذي في الـ52 من العمر، وصاحب ستة
أفلام تطرح رؤية نقدية للعالم.
يمكن القول ان روزي صنع تاريخ مهرجانين: فهذا أول وثائقي في تاريخ
برلين يتوّج بـ"دبّ"، مثلما كان "ساكرو غرا" أول وثائقي ينال
"أسداً" يوم فاز في البندقية. يقوم فيلم روزي على محاور عدة، أهمها
فرق الانقاذ التي تهرع الى عرض البحر لانتشال الجثث وإسعاف
الناجين. من الناحية الأخرى، يصوّر روزي سكان الجزيرة ومعظمهم من
صيادي السمك، وفي مقدمة هؤلاء الصبي سامويله الذي يغدو خيطاً
أساسياً من خيوط الفيلم. لا يستعين روزي بالتعليق الصوتي وينبذ
المقابلات المباشرة ويتمسك بمناقبية عالية في كيفية التعامل مع صور
الضحايا. الفيلم يُعدّ درساً في كيفية توظيف الصورة لرسم بورتريه
عن الألم الحديث واللامبالاة التي تتأكل المجتمعات الأوروبية. هذا
كله، من دون أن يتحوّل آلة دعائية أو أداة للضغط على النقاط
الحساسة لاستدرار العواطف. من التضارب بين قسوة مَشاهد "الانزال"
على شاطئ "الحلم الأوروبي" والطراوة التي يقارب بها روزي مجمل
القضية، يولد فيلم كبير يمسك بك ولا يتركك. هناك ما نرى وما نشعر
به، وهما متكاملان في معظم الأحيان.
·
متى بدأتَ تهتم بجزيرة لمبيدوزا؟
-
سمعت عنها بداية في وسائل الاعلام. لمبيدوزا أصبحت في الواجهة منذ
أكثر من ٢٠ عاماً مع قضية اللاجئين المتوافدين اليها. المفارقة
التي تجعلني أبتسم اليوم هي ان أوروبا بدأت تكتشف الهجرة منذ ٣ أو
٤ أشهر. ايطاليا تتعامل مع هذه المسألة منذ عقدين. ملايين مروا بها
ولم تكن يوماً قضية كبيرة، في حين أوروبا كانت دائماً تقول: "هذه
مشكلتكم!". والآن، أوروبا تكتشف ان هناك عالما يتحرك، هناك بشر
يهربون من المآسي، وتراهم يتعاطون مع القضية بأبشع الطرق، عبر
اقامة جدران، سواء الحقيقية منها أو المعنوية. ولكن، دعك من
السياسة، لا أريد السقوط في فخّها الآن (ضحك). لنتكلم عن الفيلم.
اذاً، اهتممتُ بلمبيدوزا بعدما شهدت كارثة لقي فيها أكثر من ٣٥٠
شخصاً مصرعهم. حصل هذا على مقربة من الجزيرة. الطبيب في لمبيدوزا
يقول ان عددهم ٣٥٨، بيد ان العدد الذي تم تناقله هو ٣٥٧. هذه
الحادثة المأسوية أثارت ضجة كبيرة، فطلب اليّ أحدهم التوجه الى
هناك، بعد ستة أشهر من وقوع التراجيديا، لمسح الأحوال في الجزيرة.
عندما وصلتُ الى هناك، كانت لمبيدوزا فارغة من الناس، لم يكن هناك
مهاجرون، لأن وسط المدينة كان قد أقفل، فبدأ المهاجرون يقصدون
صقلية. يجب القول ان النحو الذي يصل به المهاجرون الى لمبيدوزا
تغير في السنوات الثلاث الأخيرة. شهدت الهجرة ثلاث عمليات كبيرة:
"ماريه نوستروم" و"ترايتون" و"فرونتيكس". تم نقل حدود الجزيرة الى
عرض البحر. قبل أن يبلغ المركب الآتي من ليبيا أو تونس شواطئ
لمبيدوزا، يتم ايقافه في عرض البحر. سابقاً، كانوا يصلون الى
الجزيرة ويصبحون جزءاً منها. الآن، أخذت المسألة طابعاً مؤسساتياً؛
فيتم اقتيادهم الى المرفأ ثم تُلتقط لهم الصور ويجرى فحصهم، ثم
تأخدهم الشرطة الى مركز للعناية. لهذا السبب، لا يوجد أي تواصل بين
سكان الجزيرة والمهاجرين، وهذا ما أردتُ اظهاره في هذا الفيلم:
انعدام التواصل بين عالمين، على الرغم من المساحة الضيقة للمكان.
فالفصل يبدأ منذ اللحظة الأولى لوصول المهاجرين.
·
لماذا قررتَ التركيز على سكان لمبيدوزا؟
-
عندما وصلتُ الى الجزيرة، لم يكن هناك أي شيء. وددتُ أن أصوّر
الفراغ ما بعد التراجيديا. ثم، بدأت الأشياء تتغير، مع فتح المركز
من جديد. في البداية، كان هدفي تصوير الجزيرة والحدود التي انتقلت
الى البحر. ولكن، بعد تغير المعطيات، وجدتُ نفسي أمام حقائق ثلاث:
المركز والجزيرة وفرق الانقاذ. عندما تباشر إنجاز وثائقي، لا تعرف
بالضبط أي الأشياء التي تصوّرها ستضعها في الفيلم. صوّرتُ طوال
سنة، وعندما حان وقت تصوير الصبي سامويله، كنت أشعر انه استعارة
لشيء ما كلما صوّرته. عندما يمارس الصيد، يصبح الفعل مثقلاً
بالمعاني. شعرتُ خلال التصوير ان كلّ هذه العناصر تعكس أحد
العالمين الذي أريد نقله الى الشاشة. الصبي سامويله شاهد على شيء
لا يعرف ما هو، ما يولد عنده القلق. لذا، عندما بدأتُ بمنتجة
الفيلم، وجدتُ ان الآتي هو أكثر الأفكار تماسكاً: أن أبني هوية
للجزيرة من خلال صبي. كان هذا أطهر شيء ممكن أن أفعله. كان يمكن
اللجوء الى الطبيب في الجزيرة، لكن كونه يتابع شؤون المهاجرين هو
يجهل كلّ شيء عدا ذلك. كان في ودي كشف هوية الجزيرة الحقيقية من
خلال معاينة الحياة اليومية للبشر.
·
هل غيّر إنجاز هذا الفيلم نظرتك الى البحر الأبيض المتوسط؟
-
البحر قبر. قبرٌ عميق. طبعاً، كلّ ما يحصل يجعلني في حال من الغضب
الشديد. يجب ألا نسمح بحدوث أشياء مماثلة. قلتها وأكرّر: هذه واحدة
من أكبر المآسي التي تواجهها أوروبا منذ المحرقة. لا أريد أن أقارن
بين الحدثين، كلاهما تراجيدي. يموت خمسون ألف شخص هكذا، ولا نفعل
أي شيء من أجلهم. المأساة التي ألتقطها تحدث على بعد ٢٠ كم من
ليبيا حيث يعاني الناس من اضطهاد الارهابيين لهم. هم يجدون أنفسهم
أمام خيارين: إما أن يموتوا هناك وإما أن يعبروا البحر مع أن
احتمال الموت في البحر أقوى من احتمال النجاة. لذا، سألتُ نفسي:
كيف نقبل حدوث هذا؟ الشيء الوحيد الذي كان يستطيعه فيلمي هو خلق
الوعي. لهذا السبب، عندما صوّرتُ الميت - وهذا موضوع سجالي جداً -،
كنت أسأل نفسي: هل أصوّره أم أتظاهر انه ليس موجوداً؟ مَن يصوّر
ليس هو المسؤول. المسؤول هو الذي يسمح بحدوث هذا. لديّ صور لموتى
أستطيع أن أنجز منها فيلماً كاملاً. لديّ أكثر من ساعة منها، لكن
أخترتُ أن أستعمل صورة واحدة فقط. عندما جلس الطبيب أمام
المونيتور، استطعتُ أن التقط صوراً قاسية جداً لما يريه لي: جثة
طفل متحرق أو لقطات تحت المياه خلال انتشال الجثث. رفضتُ أن أدرج
هذا كله في الفيلم، ولكن استعملتُ لحظة فقط...!
·
لماذا تلك اللحظة تحديداً؟
-
كان في حوزتي ٨٠ ساعة من الـ"راشز". بدت لي اللقطة التي استعملتها
كأنها صُوّرت في احدى غرف الغاز النازية. كنت أصوّر إحدى عمليات
الانقاذ الروتينية التي صوّرتُ مثلها ربما خمسين أو ستين. كلّ شيء
كان يجري بشكل طبيعي. ولكن، فجأة في ذلك اليوم، شعرتُ بحجم
التراجيديا، رأيتُ الناس يموتون أمامي. وعندما تمسّكتُ بالشجاعة
وذهبتُ لتصوير عملية استخراج الجثث، جاء القبطان وقال لي: "جيانفرنكو،
هلّ صورتَ أسفل القارب؟ أرأيت ماذا يحصل هناك؟". فقلت له انني لا
أريد أن أذهب الى هناك، ولا أريد أن أصوّر الجثث عن كثب. لكنه أصرّ
ان من واجبي أن أصوّر هذا لنقله الى العالم. قال لي: "لا يمكنك أن
تتغاضى عن هذا، عليك الذهاب الى هناك والتصوير". وهذا ما فعلتُه.
ولكن هذا خلق عندي أزمة، لأنني لم أكن أعرف أين أضعه في المونتاج.
وضعتُ نفسي محلّ المتفرج ورحتُ أسأل نفسي ماذا سيقول المُشاهد. هل
سيبقى يتفرّج ويتواطأ، أم سيقول لي: "تباً لك، لا أريد أن أكون
جزءاً من هذا". كان خياراً صعباً. أخذتُ في الإعتبار كلّ التعليقات
التي قد تطالني، وقلتُ في سري: على العالم أن يشاهد هذا، والا
سنبقى في منأى من الحقيقة. هذه المرة، نحن ازاء تراجيديا لا يمكن
لأحد أن يقول فيها انه لم يكن يعلم.
·
ماذا عن التصوير؟ قلتَ لنا قبل العرض إنك كنت لا تزال في مرحلة
إلتقاط المَشاهد قبل نحو شهر من الآن...
-
نعم، كنت أصوّر وأشتغل على المونتاج في وقت واحد، وأنا على
الجزيرة. آخر مشهد صوّرته كان مع الطبيب وهو يجلس أمام المونيتور.
وأيضاً مشهد الجدّة والصبي الذي كان ساحراً لأنه أتاح لي أن أستمد
منه العنوان. اختار "برلين" الفيلم وكنت في حاجة الى عنوان. وفجأة،
خلال تصوير الجدّة، أسمعها تقول للصبي: "الأمر أشبه بحريق في عرض
البحر". وهكذا عنونتُ الفيلم "حريق في عرض البحر".
·
هل كان عندك سيناريو تتبعه بالتفصيل؟
-
هناك مشهد واحد كان ممسرحاً. حدث ذلك بمحض المصادفة. كنت أراقب
الأولاد يلعبون، ثم جاء صيّاد السمك، وصار يتكلم معهم. رأيتُ فرصة
لتعريف الصياد من خلال الأولاد، فطلبتُ اليه اعادة ما فعله في
المرة الأولى عندما ظهر. هذا المشهد هو الوحيد الذي يتضمن اخراجاً
- اذا صحّ التعبير.
·
ولكن، كيف تقارب الشخصيات، كيف تجعلها تبوح بما في داخلها؟ هل تطرح
الكثير من الأسئلة؟
-
استاذي كان يقول: "لا تطرح أي سؤال". اذا طرحتَ سؤالاً، فستحصل على
جواب. واذا طرحتَ ٢٠ سؤالاً فستحصل على ٢٠ جوابا. لا يهمني هذا.
يجب أن تكون قادراً على استخراج شيء باطني من الشخصية تتخطى السؤال
- الجواب. هذا ما حاولتُ دوماً أن أفعله في أفلامي. مهمتي كمخرج
أفلام وثائقية هي أن أبحث عن حقيقة الشخص الذي يقف قبالة كاميراتي،
كي أكون أقرب مسافة ممكنة من الطبيب أو الصبي أو ماريا التي ترتّب
السرير بدقة لامتناهية. هناك ثلاث كلمات مفاتيح في "فوكاماريه":
شغف ورأفة وحبّ. الصبي يرمز الى الشغف والطبيب الى الرأفة. أما
الحبّ فيحلّ على مائدة ماريا وزوجها. هذا المشهد حرّك فيّ الكثير
من الأحاسيس. تدمع عيون المشاهدين عادة عندما يرون الموتى، أنا
أبكي عندما أراه يشرب قهوته ثم ينظر اليها. بعد ٦٠ سنة من الحياة
المشتركة، لا يزال هناك الكثير من الحبّ بينهما.
·
ما الاثر الذي يتركه فيك تصوير فيلم كهذا؟ كيف تتعايش مع ما
اختبرته؟
-
أحياناً كنت أقول ان هذا آخر فيلم لي. هناك مشهد صوّرته لامس في
داخلي شيئاً عميقاً جداً. لا أعرف اذا كنت قادراً أن أتعايش بسلام
مع ما عشته. بعد تصويري ذلك المشهد، لم يعد في امكاني أن أصوّر أي
شيء آخر. الفيلم بالنسبة لي اختُتم هناك ثم بدأتُ بالمونتاج.
صوّرتُ المشهد في الخامس عشر من آب، ثم عدتُ الى الجزيرة بباخرة
حربية في مطلع أيلول. أمضيتُ ثلاثة أسابيع مع ابنتي التي التحقت بي
في لمبيدوزا. ثم، شعرتُ انه ليس في مقدوري أن أمسك الكاميرا
مجدداً، كان عليّ أن أختم الفيلم بالنحو الذي ختمته فيه. كنت أريد
أن أذهب وأصوّر في ليبيا. تراجعتُ عن القرار. الختام حسم كلّ شيء.
·
كيف كان ردّ فعل سامويله عندما شاهد الفيلم أمس؟
- "كرهني"
بشدة لأنني صوّرته وهو يتقيأ (ضحك). يخجل كثيراً من ذلك! أمس،
عندما كان جالساً بالقرب مني في افتتاح الفيلم، بدأ يلحّ عليّ
ليعرف اذا كنت صوّرته وهو يتقيأ أم لا. يزعجه أيضاً مشهد أكل
المعكرونة. كان يستحي منه مصرّاً انه لم يعد يأكلها بتلك الطريقة.
فطمأنته قائلاً له انه كان يأكلها كذلك قبل عام ونصف العام، والآن
تغير. في المقابل، كان يحب أن أبرزه وهو يقوم بأشياء تنم عن رجولية
معينة، كإطعام الكلب أو الذهاب الى الصيد. أخبرني أيضاً انه أحب
جداً المشهد الذي نراه يخاطب فيه الطيور.
·
هناك هذا الـ"كونتراست" بين سحر الجزيرة وبشاعة الظرف... هل كنت
متيقناً من هذا الجانب؟
-
لم أقارب المسألة من هذه الزاوية. ولكن، بالنسبة لي، من الضروري
جداً تصوير الأشياء بطريقة سينمائية قوية. التأطير أساسي عندي.
يعتقد الناس ان على الوثائقي أن يكون نقيض الروائي، وانك اذا حرّكت
الكاميرا سيعطي اهتزازها احساساً أقوى بالواقع. أنا أعمل بنقيض
ذلك. أحتاج الى كادر رصين. عندما أمسك الكاميرا، أصوّر وكأنني أنجز
أغلى فيلم وفي حوزتي أكبر موازنة في العالم. كل شيء يجب أن يكون
نموذجياً، وعلى الواقع أن يأتي أمام عدستي. أهتم كثيراً بالضوء.
صوّرتُ هذا الفيلم بمفردي، انه فيلم الرجل الواحد. كانت هذه
الطريقة الوحيدة لخلق حميمية بيني وبين الشخصيات. لولا هذه
الطريقة، لما استطعتُ أن ابقى لأكثر من عام في الجزيرة، ومن دون أن
يتوجب عليّ اعطاء حسابات لأحد. كان سيكلف كثيراً أن يشاركني
التصوير شخصان طوال الوقت، وكان سيجعلني أعاني من ضغط العمل
اليومي. أنا أعمل قليلاً. مع سامويله، ربما عملتُ ٢٠ يوماً من أصل
سنة تصوير.
(يُخرج
من جيبه هاتفه المحمول ويريني صوراً التقطها بنفسه لقارب من قوارب
الموت). انظر الى هذا: ما تراه يفترض انه "ثقب" القارب. ١٥٠ شخصاً
زجّ بهم في الطبقة السفلى للقارب وتم ادخالهم الى هناك من خلال هذا
الثقب الصغير. لا يوجد أي نوع من الاوكسيجين. المكان أشبه بقبر.
يوجد على القارب ٣٠٠ شخص وفي أسفله ١٥٠. لهذا السبب شبّهته بغرف
الغاز. الناس الذين يعبرون البحر بقوارب مثل هذه، لا يعرفون مسبقاً
ماذا ينتظرهم. يدفعون المال لعصابات تجني الملايين على ظهر يائسين
يشترون موتهم. يدفعون ٨٠٠ دولار ليموتوا. بعضهم عندما يكتشف أين
سيضعونه، يعترض، فيتم ضربه وإدخاله بالقوة من خلال الثقب. معظم
الذين تمّ وضعهم "تحت"، تعرضوا للضرب المبرح. التقيتُ أحد الذين
نجوا وكانت عينه مهشمة، وللأسف، خسر نظره. فهل أكشف أشياء هكذا أم
لا؟ طبعاً سأكشفها!
·
ولكن، كيف يتعامل سكّان لمبيدوزا مع هذه الأزمة؟
-
الناس في لمبيدوزا لا يحبون الكلام ويكرهون الصحافيين. الصحافة
تربط دائماً جزيرتهم بالهجرة. في الصيف، ليس غريباً أن تقرأ
عنواناً في صحيفة يحذر القراء من أكل الأسماك لأنها على حدّ قولها
تتغذى من جثث المهاجرين. أو أن تتناقل وسائل الاعلام ان هناك
إرهابيين في لمبيدوزا تسللوا مع المهاجرين. حصل هذا مرة واحدة فقط،
وتم توقيف الإرهابي المذكور في ميلانو اثناء هجمات باريس في تشرين
الثاني الماضي. من بين ٤٠٠ ألف شخص عبروا الى لمبيدوزا، كان هناك
إرهابي واحد فقط، لكن الصحف اقحمت لمبيدوزا في المسألة. وسكانها
يكرهون هذا، لأنه يعطي صورة سيئة جداً عنهم. أحدهم قال لي انه يجب
أن تُسند جائزة نوبل الى سكان لمبيدوزا لمساعدة المهاجرين وإطعامهم
وقبولهم. وعندما سألته لماذا تفعلون ذلك، كان ردّه: "لأننا صيادون،
نرحّب بكل ما يأتينا من البحر".
https://www.youtube.com/watch?v=lvy2rOXWlZE |