(المستقلين
في برلين (1
فيلم ” اخر أيام المدينة” : يتلصص “بشويش” على قلب القاهرة
علي حسين العدوي يكتب من برلين :
تامر السعيد :- أطمح من خلال هذا الفيلم الى تجاوز الحدود
حكاية ” اخر أيام المدينة”
في تمام السادسة و النصف من مساء الأحد 14/2/2016 في قاعة سينما ”
سيني ستار 8″ بمركز “سوني” في القلب من ميدان “البوتسدامر” – معقل
مهرجان برلين، كان موعدنا مع الحدث الكبير .. عرض الفيلم الذي طال
انتظاره ” اخر أيام المدينة” لتامر السعيد ضمن برنامج ( منتدي
مهرجان برلين للعام 2016).
وكعادة معظم العروض في مهرجان برلين، كانت القاعة كاملة العدد.
قدّمت شتيفاني شولتة شتراتهاوس – احدي اعضاء لجنة اختيار الأفلام
في المنتدي – الفيلم مع تامر السعيد واستغرق عرض الفيلم 118 دقيقة.
بعد العرض و قبل النقاش مع الجمهور، دعا تامر فريق عمل الفيلم و”
الأرواح الطيبة” التى عملت و دعمت الفيلم لتحية الجمهور بصحبته. و
من خلال ندوة الفيلم و عبر لقاءنا مع تامر، سنحاول أن نحكي حكاية
فيلم “اخر أيام المدينة” حيث استغرقت كتابة الفيلم مدة عام بين
عامي 2006 و 2007، كتب تامر فيها بمشاركة الكاتبة و المنسقة الفنية
رشا السلطي ما أسماه ب”الماكيت الأساسي” للفيلم متبنيا منهج أنه
سيعمل على تطوير هذا الماكيت الى سيناريو بمساعدة الممثلين الذين
سيعمل معهم كلا حسب شخصيته.
بعد الكتابة، بدأ التفكير في التمثيل و طرح اسم الممثل المصري
البريطاني ” خالد عبداللة” الذي كان قد انتهى لتوه من دوره في فيلم
” عداء الطائرة الورقية ” عام 2007 و نال عنه شهرة كبيرة. ارسل
تامر الى خالد رسالة على البريد الألكتروني يدعوه فيها للتمثيل معه
في الفيلم وانتظره اسبوعا كاملا حتى اجاب و طلب السيناريو، الذي
أرسله تامر على الفور و كان رد خالد بالقبول لكنه لن يستطيع بدء
التصوير في وقت قريب فأجاب تامر بأنه سيبحث عن بدائل و ان لم يجد
سيعود اليه مرة أخري.
لم يجد تامر بدائل و سافر الى لندن لكي يلتقي ” خالد” و الذي بدوره
تصفح على الأنترنت عن معلومات وصور لتامر السعيد لكي تعرف عليه
عندما يقابله لأول مرة.
وجد خالد صورة لأحد الممثلين مع تامر في احدي الأفلام و تصوّر انه
هو. التقي الاثنان لأول مرة في لندن في محطة “ووتر لو” كما يتذكر
تامر و تعارفا و من هنا بدأت علاقتها و صداقتهما وشراكتهما.
تلقي تامر 45 رفض لطلبات لتمويل الفيلم، بعضها من منح استطاعت ان
تموّل الفيلم في مراحل أخري متقدمة، بعد البداية.
كانت دائما نصيحة المنتجين و ممثلي المنح لتامر بأن يؤجل الفيلم
على أن يكون فيلمه الطويل الثاني أو الثالث بغرض أن يكون لديه في
رصيده فيلم طويل واحد على الأقل يجعل من فرص تمويل “اخر أيام
المدينة” أعلي و أكثر حظا.
لكنه مع ” خالد” الذي تحمس لمشروع الفيلم و أصبح شريكا في انتاجه
(بداية زيرو برودكشنز) وفريق العمل تناقشوا في الأمر و قرروا أن
يبدأوا تصوير بموارد قليلة و بالفعل بدأ التصوير تحديدا في يوم
30/12/2008 و استمر الى ديسمبر 2010 و حدث ان توقف التصوير أثناء
تلك المدة لفترات قصيرة و متباعدة.
أثناء التصوير و في مرحلة “عمليات ما بعد الانتاج”، تلقي الفيلم
العديد من التمويلات و الدعم لتصل ميزانية انتاج الفيلم اجمالا
بشكل تقديري الى مليون و 100 ألف دولار.
تشتمل (بشكل تقديري) على 400 ألف من شركة
sunny land
و 100 ألف استثمارات و 100 ألف أجور مؤجلة و تتراوح المنح بين 300
الى 350 ألف دولار.
بعد الانتهاء من التصوير، جاءت الثورة .. ثورة يناير .. التى شارك
فيها تامر و خالد و معظم فريق العمل بكل طاقاتهم و جوارحهم و
شغلتهم و ألهمتهم و غيّرت مجري حياتهم.
فقرر خالد أن ينقل حياته الى مصر و أن يساعد في تجارب توثيق الثورة
بصريا (مثل تعاونية مصرين و فيلم الميدان) و بمبادرة من تامر و منه
بعد العمل على الفيلم و بعد الثورة، جاء التفكير لتأسيس ” السيماتك
– مركز الفيلم البديل” لكي يكون مساحة للسينما و فنونها به قاعة
عرض أفلام و قسم للأرشيف و مساحة للورش و تم افتتاحه في يونيو
الماضي.
استغرق العمل على “عمليات ما بعد الانتاج” من مونتاج و تصحيح ألوان
و تحرير نسخة الفيلم وقت طويل حتى استطاع تامر بناء الفيلم في
تقريبا 1000 لقطة من خلال العمل على مادة مصورة تصل الى حوالي 250
ساعة تصوير.
يقول تامر أنه عنما يفكر في صناعة الأفلام فأنه لا يفكر في ان
يخترع شئ جديدا و أنه يكره الأفلام التى تتعمد التجريب و الاختراع.
فهو يحلم بأن يكتب بالسينما .. بالصوت و الصورة .. و الصوت بالنسبة
له في علاقته بالصورة أشبه بضروة وضع نقاط على الحروف العربية لكي
يكون لها معنى و تستطيع تكوين كلمات وجمل.
يسعي من خلال ” اخر أيام المدينة” الى تقديم فيلم يطرح أسئلة ولا
يلقن اجابات، فيلم يحاول تجاوز الحدود التقليدية لعالم السينما بين
الروائي و الوثائقي و بين الصانع و المتلقي بحيث يصبح الجمهور
شريكا متورطا في الفيلم الذي يريد له أن يكون فضاء حر يمكّن كل
متلقي من الجمهور من أن يبني فيلمه بداخله.
يقول تامر أنه كان الأكثر حظا لأنه كان يعمل مع فريق شديد الأحتراف
و الجدية و التحمل لقرارته المجنونة احيانا و التى أستطاع ان
يقنعهم بها و استطاع أن يتعرف اكثر على قدراته مقارنة بطموحه و
أحلامه و ما الذي يجب عليه أن يفعله و يتعلمه لكي يخرج الفيلم
بالصورة التى يريد مما جعل الفترة الطويلة المتقطعة و التى عمل من
خلاله على الفيلم كانت في ان واحد أفضل و أسوء فترات حياته.
كذلك يري خالد ان الفيلم دليل دامغ لأثبات محاولاتنا للمعافرة لصنع
ما نريد بالشكل و الطريقة التى نريد.
حينما تري أسماء المشاركين في عمل الفيلم و جعله يري النور و التى
نعرف معظمها، تشعر فورا أن هذا الفيلم منتج خالص للسينما المستقلة/
البديلة في مصر، حيث أن اجيال مختلفة من صانعي الأفلام المستقلة
شاركوا في العمل على هذا الفيلم من القاهرة و الاسكندرية وبمشاركة
بعض فناني و صناع الأفلام من بيروت.
الفيلم من افلام اتجاه سينما المؤلف .. افلام السينما عن السينما
مثل في الأدب فكرة الكتابة عن الكتابة.
الفيلم عن صانع أفلام يحاول أن يصنع فيلمه .. ” خالد” .. صورة
الأنا لتامر على حد تعبير شتيفاني شولتة شتراتهاوس في ملخص الفيلم
ضمن كتيب ” منتدي مهرجان برلين 2016″
يحاول أن يصنع فيلم عن وسط مدينة القاهرة ( في 2010 قبيل ثورة
يناير) و التى يبحث عن شقة للسكن بها و يصوّر عماراتها و ممراتها و
أزقتها و اسانسيراتها و فتارينها و عن حبيبته ” ليلي” التى تركته و
ستسافر و عن ” حنان” مدربة الحكي و الممثلة التى تهرب من الحنين
الى بيتها في الاسكندرية و تنهمك في زحمة القاهرة و العمل و
المشاريع المستقبلية و عن “مريم” التى فقدت ابوها في حادث بني سويف
و تطاردها ذكراه التى تعيش في رحابها و عن الأصدقاء صناع الأفلام
..
باسم من بيروت التى يكره زيفها و لا يستطيع أن يصوّر فيها و عن حسن
الذي يبحث عن الشعر و الجمال في خراب بغداد و عن طارق الذي هرب من
الموت في بغداد الى برلين، و عن أمه المريضة التى تصر على أن تغطي
شعرها أثناء التصوير لأن ذلك أمر من الله.
و على مدي ساعتين(هي مدة عرض الفيلم) تأخذ تلك الخيوط مساراتها و
تتركنا لكثير من التساؤلات و الأشكاليات تستحق مقالا منفصلا حول
الذاتية و الأختيارات الجمالية ( لفيلم انتهى تصويره في 2010 و تم
الانتهاء من عمليات ما بعد الانتاج و عرضه في 2016) و عن المدن و
أسطرتها و صور المدن في مراة مدينة أخري.
فيلم يستحق المشاهدة و النقاش و اتمنى أن يعرض قريبا جدا في مصر
عبر شركة توزيعه (زاوية للتوزيع). |