فيلم مصري قصير يفاجىء ويتصدَّر
أمل الجمل
كانت مصر حاضرة بقوة في مهرجان دبي، ليس فقط من خلال نجومها
ونجماتها كضيوف، أو بحصول الفنان عزت العلايلي على جائزة تكريم
إنجازات الفنانين، لكن أيضاً ضمن المسابقات المتنوعة وعروض ليالي
عربية وحتى ضمن مسابقة تظاهرة «المهر الخليجي» بالفيلم الروائي
القصير «ألف اختراع واختراع وعالم ابن الهيثم» للمخرج أحمد سليم.
فرغم أنه إنتاج إماراتي بريطاني لكنه آخر أعمال الفنان الراحل عمر
الشريف، وكان مهرجان القاهرة قد حاول التفاوض مع صناع العمل لعرضه
لكن مهرجان دبي السينمائي في دورته الثانية عشرة نجح في ضمه إلى
قائمة عروضه المميزة.
إلى جانب فيلم «يلا أندرغراوند» للمخرج فريد إسلام، والذي يتابع
مجموعة من فناني الأندرغراوند من بلدان عربية بعضهم أصبح يعيش في
بلدان أجنبية، تاركاً لهم مساحة للحكي عن مخاوفهم، وهواجسهم،
ومشاكلهم، وأسلوب حياتهم، وأفكارهم التقدمية في ظل مجتمعات رجعية
تكبلها القيود السياسية والاجتماعية. هذا الفيلم الذي صور بين 2009
و2013، يكشف عن تبدل وجهات نظر هؤلاء الفنانين إزاء الثورة، لدرجة
أن البعض اعتبر أن الإيمان بمستقبل أفضل أصبح وهماً أو ضرباً من
الخيال. عرض الشريط الوثائقي ضمن ليالي عربية، وهو تحقق من طريق
الإنتاج المشترك بين مصر وألمانيا والتشيك وبريطانيا وكندا
والولايات المتحدة.
4 سنوات مصرية
على صعيد مسابقة المهر الطويل، شاركت أربعة أفلام مصرية، منها شريط
«المنعطف» للمخرج الأردني رفقي عساف والذي شارك محمد حفظي في
إنتاجه ضمن التعاون المشترك بين أربعة دول، الإمارات ومصر وفرنسا
والأردن، أما الفيلم الوثائقي «أبداً لم نكن أطفالاً» فجاء من
توقيع المخرج المصري محمود سليمان في أولى تجاربه الطويلة بعد
سلسلة من الأعمال القصيرة المميزة. والفيلم إنتاج مصري إماراتي
قطري لبناني، ويبدأ حكيه عن مصر قبيل الثورة ثم يتتبع حالها
وأوضاعها على مدار تلك السنوات الأربع من خلال الحكي عن سيدة من
أحد الأحياء الشعبية أصرت على الانفصال عن زوجها المدمن والذي
يعاملها معاملة سيئة وكان يسرق أموالها وأخرج أطفالها من التعليم،
فقامت هي بتربية أولادها الأربعة وتحملت مسؤوليتهم، لكن أوضاع
البلد التي أخذت في التدهور من سيئ إلى أسوأ لم تمنحها الفرصة
للنجاة، وكانت سبباً في اختفاء أحد أبنائها، بينما الأكبر يعترف
بأنه لو جاءته فرصة للعمل مع «داعش» فسيوافق، «سيوافق على ذبح
الناس لأنه في جميع الأحوال مذبوح».
ذكاء محمود سليمان قاده لاختيار امرأة تمثل نموذج رمزي لاغتصاب مصر
وانتهاكها، وإن كان الفيلم يشوبه التطويل وترهل الإيقاع في بعض
المناطق، خصوصاً في ظل التكرار وإلحاح المخرج على الأولاد حتى
يحكوا تفاصيل زائدة عن شخصية الأب، لكنها لم تضف جديداً للصورة
التي رسمها المتلقي له.
على عكس النهاية المقبضة المأسوية المُوحية بمستقبل أسود ينتظر
المصريين المطحونين والفقراء المهمشين التي يُبشر بها فيلم «أبداً
لم نكن أطفالاً»، تأتي نهاية فيلم «حار جاف صيفاً» للمخرج شريف
البنداري عن سيناريو للواعدة نورا الشيخ، والذي يشارك ضمن مسابقة
المهر القصير إلى جانب فيلم «العجلة» للمخرجة منة إكرام، لكن
الأخير متوسط القيمة. في حين يعتبر شريط البنداري أهم الأفلام
المصرية المشاركة بالدورة الثانية عشرة من مهرجان دبي، سواء على
المستوى الفني والمضمون، وذلك رغم قصره وبساطته الشديدة، إذ تفوق
على تجربتي محمد خان وهالة خليل، جاء العمل مثل الطلقة القوية التي
تكشف عن إرادة الإنسان المصري في ظل كل ما يحاصره من مآس.
ينتهي الفيلم بثلاث لقطات: الأولى تنتمي زمنياً لليوم نفسه، إذ
نسمع الطبيب الأجنبي يقول لنظيره المصري بعد أن رأى أشعة الرجل
المسن: «لا أصدق أن هذا الرجل لا يزال على قيد الحياة ويعمل، إنه
يعيش في جسد رجل ميت، فالورم السرطاني الذي يهاجمه عنيف جداً، إنه
يحتضر وليس أمامه سوى أيام أو أسابيع، إنه حالة ميؤوس منها، دعنا
لا نضيع وقتنا ونرى الحالة التالية». أما اللقطتان التاليتان
فيصاحبهما على شريط الصوت أغنية محمد عبدالوهاب «لأ مش أنا للي
أبكي ولاَّ أنا للي أشكي». وفي إحداهما نرى البطلة وصورة زفافها
بعد الفوتوشوب بينما طفلها يلهو على الأرض، وهي تعد الطعام وتتحدث
مع صديقتها على الهاتف عن مشاكلها مع زوجها والخصام والمصالحة
بينما بطنها منتفخة تكاد تقترب من الولادة، ما يعني أنه مر على
الزفاف نحو عامين تقريباً، ثم تنتقل الكاميرا إلى شهاب عبدالحميد
الذي لا يزال حياً يرزق وهو يأكل الآيس كريم في البلكونة وتتحرك
الكاميرا حركة عرضية لنرى صورته مع العروس في ذلك اليوم البعيد.
تتمثل قيمة الفيلم في تقديم ثلاث مواهب، أولاها كاتبة السيناريو
نورا الشيخ بكل التفاصيل والكلمات المدروسة، والمخرج شريف البنداري
الذي نجح هنا في خلق روح وإحساس قوي للعمل والشخصيات والذي كانت
تفتقده أعماله السابقة، ثم التأكيد على موهبة الممثلة الغول ناهد
السباعي التي يمكنها أن تنال جوائز عالمية، فهي قادرة على تجسيد
ابنة البلد من طبقة شعبية وتتنقل بمهارة وتلقائية وسلاسة بين ملامح
الضيق والألم، والارتياح، والغضب، والطيبة، والقسوة، والرقة
والرجاء، والإحساس بالذنب، والتوتر أو التردد،، والإحساس بالإنهاك
من الحر والعطش الشديد.
أصابع الاتهام
أما الفيلمان «قبل زحمة الصيف» لمحمد خان، و «نوارة» لهالة خليل،
فجاءا من الإنتاج المصري الخالص، وكان الفيلمان قد أثيرت بسببهما
ضجة في القاهرة –خصوصاً «نوارة»- لرفضهما المشاركة في المسابقة
الرسمية لمهرجان بلدهما، واعتبر البعض أن المخرجين المصريين فضلا
مهرجان دبي لقيمة الجوائز ولأهمية المهرجان أيضاً، وهو ما أعلنه
صراحة المنتج السبكي على الملأ في المسرح الكبير أمام الجمهور،
موجهاً حديثه إلى محمد خان. البعض وقتها أكد أن فيلم «نوارة» كان
جاهزاً للعرض وأن صناعه تحججوا بأن أعمال المونتاج والمكساج لم
تنته بعد لئلا يضيعوا فرصة العرض في مهرجان دبي، بينما الحقيقة كما
يُؤكدها كثيرون أن «نوارة» حتى قبل عرضه بيوم واحد كان لا يزال يتم
العمل عليه، كما أكد أحد المقربين من كواليس العمل.
شهرزاد فلسطينية بواقعية جديدة
استوكهولم – فجر يعقوب
تشاء المخرجة الفلسطينية مي المصري لفيلمها الروائي الطويل الأول
«3000 ليلة» والذي عرض أخيراً في دبي كعرض عربي أول بعد جولة
عالمية أوصلته إلى السويد ولندن والهند وغيرها، أن يكون بعداً
معرفياً وجمالياً موازياً لحكاية أسطورية تجيد فيها البطلة سرد
حكايتها. ليست شهرزاد إلا تلك الراوية المتمسكة بأبعاد جديدة
واقعية. نحن هنا نقف على شهرزاد الفلسطينية التي تتقن القفز عبر
مكونات القص بأدوات جديدة: الحس الواقعي الوثائقي المطعم بنكهة
الرواية وبإضاءة مبهرة وبحركة كاميرا متوثبة وعميقة في شغلها على
أدق التفاصيل في السجن الذي تختاره المصري لتصور فيلمها بالكامل
فيه، وكأنها تريد أن تفسح المجال أكثر للغوص في تقلبات الإنسان
العاصفة على صعيد تبدل وتداول الأمكنة التي يتعاقب عليها الجلادون
في أمكنة وأزمنة مختلفة، وإن ظلت الرموز في الفيلم تتكثف في شكل
مستمر في إشارة على وميض الداخل الذي تتقنه البطلة ليال عصفور
(ربما تكون ميساء عبد الهادي الاكتشاف الكبير في هذا الفيلم
كممثلة) والبطلات الأخريات بطبيعة الحال. ليال في تكثيف روايتها
تطيل في عمر الليالي التي ستقضيها في سجن إسرائيلي بعد أن تحكم من
قبل محكمة عسكرية إسرائيلية ثماني سنوات، يقابل كل ذلك شغل على عمر
الأسطورة نفسها لجهة إمحاء غطرسة الجلاد من الذاكرة التي لا يمر
سرد من دونها.
ليال مدرّسة فلسطينية تعتقل في يوم ماطر. تضعنا المخرجة في أجواء
عاصفة منذ الكادرات الأولى لفيلمها. هذا التوتر تعكسه البطلة
بعينيها وهي تدور في المعتقل بحثاً عن تمكين درامي لسرد القصة. بدت
أنها عين الكاميرا الثانية التي تدور باقتدار في المكان لجهة تحديد
مصادر الضوء والصوت ونحن نتابع صرخاتها في وجه المحققات
الإسرائيليات حين يلقين بها في الليلة الأولى بين سجينات جنائيات
إسرائيليات يعرفن كيف يدرن أيامهن ويطلن من شقاء ليال. لكن مهلاً
ثمة على الضفة الأخرى السجينات الفلسطينيات. هناك سناء وجميلة
وفداء وأم علي وأخريات. بالتأكيد ستحظى ليال بمراقبة متوجسة من
سناء الفدائية الفلسطينية اللبنانية المحكومة بخمسة عشر عاماً
لأنها حظيت بمكالمة زوجها في الخارج من مكتب مديرة السجن، وهذا
يعني في ذهن سجينة سياسية متمرسة مثل سناء أن ثمة صفقة جرت في
الخفاء مقابل «هذا الدلال».
الزوج المتردد
بالمقابل سوف نكتشف بالتدريج خطوط الرواية: هناك الزوج الذي يقف
متردداً في علاقته بزوجته المدرّسة البريئة في سلوكها وفي حياتها
غير المتمرّسة في الأعمال النضالية الملقاة على عاتق النسوة، ويقرر
أن يهاجر إلى كندا حتى لا يخسر الفيزا التي حصل عليها. سوف نسير
على خط مواز مع «الجلاد» التي تقتـــرح على ليال إسقاط الجنين الذي
تحمل به حتى تتمكن من تمضية محكوميتها بأضــــرار أقل، وهو نفس
الطلب الذي يتقدم به زوجـــها منها وهو بذلك يكشف عن جبن يلائم
السرد الذي تفترضه ليال وهي تكتشف عالماً شرساً وقاسياً يمكن أن
يتساوى فيه اضطهاد المرأة مع الاحتلال.
تقول مي المصري في لقائها مع الجمهور السويدي والعربي الذي تابع
الفيلم في عروض مهرجان استوكهولم السينمائي الدولي: «لكل حكاية
فلسطينية شهرزاد خاصة بها. ليس ممكناً القبول بأقل من ذلك. وهي إذ
تتيح سرد قصتها على الملأ فإنها تكتشف بالتدريج أدواتها. تماماً
مثل اكتشاف لذة السرد في حكايا شهرزاد الأسطورية».
ليال لن تكتفي بتربية وليدها الجديد في سجـــن جهنمي محاط بقسوة
السجينات الجنائيات وعدم تقبل سناء لها في بادئ الأمر، بل ستعمل
بخلق مشاعر جديدة متوائمة مع حكايتها حتى تحسن من فرادتها، وهذا ما
نجحت به ميساء عبد الهــادي كممــثلة تعمل بإدارة مخرجة مرهفة عرفت
كيف تقدم من قبل نماذج أنـــثوية مبـهـــرة في أفلام وثائقية لا
تزال تحتل الذاكرة السينمائية بطزاجتها وألقهـــا، وها هي ليال
تدخل كممثلة علـــى خط السرد الأنثوي الذي تتيحه لنا المصـــري
فــــي أول فيلم روائي طويل لها.
لا تكتفي المخرجة الفلسطينية بولوج منطقة خطرة في حسابات هذا
السرد. صارت تدرك من بعد طول معاينة وتدقيق وتأمل أنها تملك الطاقم
الملائم لتصوير «3000 ليلة». البطلة محكومة بثماني سنوات، وهي
تعادل حسابياً هذه الليالي الطويلة، وإن أضفنا لها ليال، فإن
المعادلة تتقلص لحساب البطلة التي تدخل في الفيلم من جهة العتمة
لتبدأ بتحليل مكونات الضوء، ليس بوصفه فاتح شهية وحسب على الحرية
التي تفتقدها في الزنزانة، بل وكفعل فيزيائي مكثف، حيث تتلاعب
كاميرا المصري بمكونات الظل والنور في حسابات دقيقة تدفع هذه
المعادلة المعقدة إلى الارتجاف على وقع العالم الداخلي للبطلة
ميساء عبد الهادي، لتشكل مفاجأة الفيلم كما أسلفنا. من المؤكد أن
مي المصري تظل أمينة لحوارات سابقة أجريتها معها في أوقات مختلفة.
أرادت للعنوان أن يكون مفتوحاً على تفسيرات شتى تجمع من خلال فكرة
الزمن الطويل مع فكرة الليل أو العتمة التي تبهر السجان وتخذل
المسجون، ولكنها ها هنا تتحول تدريجياً إلى طريقة أنثوية في السرد
والصمود يصبح في السجن عبر الخيال وعبر ممكنات هذا السرد، فما من
أدوات أخرى تعيل المعتقلة ليال على التحرر من لياليها إلا بالخيال،
وهو أعلى سلطة هنا، تفوق سلطة السجان والسجينات الجنائيات وفكرة
السجن نفسه. سوف نكتشف عن طريق موازاة السرد أن ليال بعد أن تضع
مولودها (نور) سيكون هنا هو لعبة الضوء التي تقف على نقيض كل شيء.
حتى أنها تحميه باسمها.
نور وليال لعبة ذكية في السرد يتيح للأم المعتقلة أن تدرك قوتها من
خلال موازاة جسم الوليد الصغير مع مكونات الضوء الشحيح الذي يتسلل
إلى الزنازين الرطبة. في بعض أجمل مشاهد الفيلم سنقع على ذلك
العصفور الحجري الذي ينام في يد نور. وعندما يغرق في نومه يتحول
الحجر إلى عصفور حي يتحرك ويغير من قتامة الروح التي تغزوها العتمة
ويطير على وقع خطوط موسيقية نغمية في الخلف لا يمكن الشعور بها إلا
حين الإحساس بلحظة إفلات العصفور وتحليقه بعيداً. كل تلك الظلال
التي تتحرك في ساحة السجن وعند الجدران ستكون مقدمة لإضراب شديد
تقوم به السجينات الفلسطينيات على وقع الأخبار المتواترة عن اجتياح
لبنان ومجازر صبرا وشاتيلا وحلقات عمليات تبادل الأسرى بين فصائل
فلسطينية وإسرائيل، وربما تبدو مهمة قيمة ذلك التحول الذي تبديه
شولاميت، السجينة الإسرائيلية الشرسة التي تتكفل بليال في يومها
الأول حين تقع جراء جرعة زائدة من المخدرات وتقوم ليال بإنقاذها.
تنقاد هذه السجينة إلى عوالم مختلفة. تصبح صديقة لعدوتها ليال.
وهنا يصبح على ليال أن تتقبلها بوصفها إنسانة يمكن التفلت من عداوة
مستحكمة من أجل حوار متقد بعيد عن آباء الصهيونية المؤسسين. أن
تتخلص شولاميت من المخدرات بنداء داخلي حار من ليال يبدو وكأنه
الحل الأمثل أمام هذه السجينة اليهودية لأن تتحرر من عقيدة المكوث
على الضفة الصهيونية والاستجابة لهذا النداء الذي تنجح الممثلة
الفلسطينية ميساء عبد الهادي في تلبسه وتقديمه لنا ببراعة ملحوظة
في فيلم «3000 ليلة». تتغلب هنا على مكونات السرد الذي يحيل إلى
إحالات إنسانية يجب أن تمر بها السجينات على الضفتين. بعض هذه
الإحالات يخفي قوة وبعضها يخفي ضعفاً قاتلاً في هذه المكونات،
ولكنها تلزم لإكمال الحكاية. تقول المصري إنها تريد أنسنة شخصياتها
من خلال التركيز على عالم نسوي مغلق ومبتور وفيه إقصاء عن كل ما هو
آدمي.
كل ذلك سينفع في إكمال السرد الذي تبدأ به ليال. سيعود زوجها
للمطالبة بنور بذريعة أنه لا يجب أن يبقى سجيناً معها وراء
الجدران. ربما تعرف الحب مع سجين فلسطيني يشرف على علاجها في عيادة
السجن.
هذه حقيقة الحياة التي يجب أن تستمر في رفض مضمر للرموز التي تغلف
الحكاية برمتها. عالم السجينات الفلسطينيات قائم على التدرب على
الخيال لمن لا تملكه. جميلة المعتقلة مع شقيقتها فداء ستدفع حياتها
ثمناً لذلك في باحة السجن برصاصة من جندي إسرائيلي. يتبع ذلك إضراب
وغاز مسيل للدموع في الزنازين. لن يتوقفن عن التدرب على الخيال حتى
تلوح الحرية. إنهن كما تقول مي في جمهورية للنساء السجينات وليس
أمامهن للظفر بحريتهن إلا الخيال. هذا ما تعلمه ليال لوليدها نور.
تدربه على الطيران في أرجاء السجن قبل أن يذهب فعلياً لمعانقة
الضوء الذي يحمل اسمه. أما ليال فستخرج للقائه عند البوابة بعد أن
تنهي عقوبتها.
اثنا عشر برجاً لمهرجان دبي السينمائي الدولي
دبي - «الحياة»
نستعير من الروائي الفلسطيني حسن حميد عنوان مجموعته القصصية
الأولى «اثنا عشر برجاً لبرج البراجنة»، ونحن نودّع الدورة الثانية
عشرة من «مهرجان دبي السينمائي الدولي» التي انعقدت في الفترة ما
بين 9 – 16 كانون الأول (ديسمبر) الجاري. نقول: اثنا عشر برجاً لـ
«مهرجان دبي السينمائي الدولي»، بخاصة أن الحملة الإعلامية
والإعلانية أنبنت على فكرة الاثني عشر برجاً فلكياً، ومراتبها،
وميزاتها، في محاولة لإسقاطها على مزاج الجمهور الذي يختلف من برج
لآخر، فتختلف ذائقته السينماية ومتطلباته، ما بين الأنواع الفيلمية
والمدارس السينمائية والاتجاهات... ولكن إذ تجتمع الأبراج الاثنا
عشر كلها، في هذه الدورة من المهرجان، على رأس اثنتي عشرة دورة،
فلكي تقول إن «مهرجان دبي السينمائي الدولي» بات في منزلة تتحقق
معها رغبات الجمهور وصنّاع السينما، بأبراجهم.
الحديث الذي قبل عام بدا لدى البعض مبالغة، عندما كان العنوان يفيد
بأن «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، يعيد تنظيم نفسه ويجدد حيويته،
يعود هذه المرة، بعد عام، ليتأكد بالتفاصيل الثرية التي انتهت
عليها الدورة الثانية عشرة، على رغم أن لا جديد على الصعيد المادي،
سوى حالة التكيّف والتلاؤم مع واقع الحال، ذاك الذي انتهى إلى
الاكتفاء بالمسابقة العربية التي تأثثت هذا العام على أربعة أجنحة:
مسابقة المهر الطويل (روائي وغير روائي)، مسابقة المهر القصير،
مسابقة المهر الخليجي للأفلام القصيرة، مسابقة المهر الإماراتي
(للطويل والقصير). بينما ما زالت مسابقة «المهر الآسيوي الأفريقي»
مُؤجلة حتى إشعار آخر، إن لم نقل مُلغاة.
وفي حين عرض المهرجان من خلال مسابقاته الرسمية، والبرامج الموازية
خارج المسابقة مثل برنامج «ليال عربية»، و «سينما العالم»، و
«سينما الأطفال»، 134 فيلماً، جرت استعادة حضور «سوق دبي
السينمائي»، ومنحه المزيد من التألّق عبر التوسع في «منصات
العارضين»، ورفد الـ «سيني تيك» بالمزيد من الأفلام، وجدولة «ملتقى
دبي السينمائي»، ما بين محاضرات وندوات وورش عمل، مع تكثيف
المشاركات المحلية والعربية والعالمية، وتعزيز جوائزه التي بلغت
قرابة 80 ألف دولار أميركي، فضلاً عما يقدمه صندوق «إنجاز» من دعم
في مرحلتي الإنتاج وما بعد الإنتاج، تأكيداً على دور المهرجان في
دعم صناعة السينما العربية.
نظرة على الجوائز
- في مسابقة «المهر الإماراتي» فاز بجائزة «أفضل فيلم طويل» فيلم
«ساير الجنة» للمخرج سعيد سالمين، وبجائزة «أفضل فيلم قصير» فيلم
«أمنية» للمخرجة آمنة النويس، وحصل ناصر الظاهري عن فيلمه «في سيرة
الماء... والنخل... والأهل» على جائزة «أفضل مخرج».
يرصد الفيلم الروائي الطويل «ساير الجنة»، للمخرج سعيد سالمين،
رحلة البحث التي يقوم بها فتى إماراتي من أبو ظبي إلى الفجيرة
بحثاً عن جدته، وقد ضاقت به الحياة، بسبب معاملة زوجة أبيه. «ساير
الجنة» فيلم طريق، ينتقل من أبو ظبي إلى دبي فالشارقة والفجيرة،
يرصد بعين سينمائية مرهفة الواقع الاجتماعي في الإمارات اليوم، من
خلال تفاصيل بسيطة، لكنها ذات دلالة، زادها قوة الأداء المتزن
للممثلين، وفي مقدمهم اليافعان اللذان أديا دور البطولة.
ويمكن اعتبار الفيلم القصير «أمينة»، للمخرجة آمنو النويس، محاولة
جريئة للتماسّ مع موضوع على قدر كبير من الحذر، إذ يتعلق بختان
الإناث، والآثار النفسية السلبية التي يتركها على الفتاة التي
تتعرّض لهذا العنف. بينما يتبدى الجهد الكبير المبذول في فيلم «في
سيرة الماء... والنخل... والأهل»، للمخرج ناصر الظاهري، وقد شاء أن
ينشئ سجلاً بصرياً للهوية الإماراتية، ببعديها المادي والمعنوي،
مصوراً العادات والتقاليد والتراث، راصداً الجغرافيا والتاريخ،
والتحولات على هذه الأرض، التي هي الإمارات.
- في مسابقة «المهر القصير» فاز بجائزة «لجنة التحكيم» فيلم «مريم»
للمخرجة السعودية فايزة أمبا، وحصل على جائزة «أفضل فيلم» فيلم
«السلام عليك يا مريم» للمخرج الفلسطيني باسل خليل.
«مريم» فايزة أمبا تعيش في مطالع القرن الحادي والعشرين، و «مريم»
باسل خليل، السيدة العذراء، الباقية فوق نساء العالمين، مانحة
البركة، ممتلئة بالنعمة. والمسافة ما بين الـ «مريمين» لا تبتعد
كثيراً. تذهب فايزة أمبا في فيلمها لترصد حكاية الصبية مريم التي
ترفض قرار المدرسة الفرنسية بمنع من ترتدي الحجاب من الدخول إلى
غرفة الصف. تتواجه مريم مع مدير المدرسة وقرار الحكومة، ومع رغبة
والدها، لكنها مواجهتها الأكبر قد تكون مع ذاتها. بينما يبني باسل
خليل حكاية طريفة، على هيئة حادثة تثـــير الضحك بمقدار ما تثير
الوجع. عائلة يهودية تضــيع طريقها فتصطدم بدير لراهبات منعزل في
الضفة الغربية. كل ما يدور إثر ذلك ليس سوى سخرية من واقع الحال.
من بلاهة المستوطن اليهودي، وتأفف الراهبة، قبل أن ينخرط الجميع في
تعاون غاية أن يتخلص كل طرف من الآخر.
- في مسابقة «المهر الطويل» حصل على جائزة «لجنة التحكيم» فيلم
«حكاية الليالي السود» للمخرج الجزائري سالم الإبراهيمي، وعلى
جائزة «أفضل فيلم روائي» فيلم «على حلّة عيني» للمخرجة التونسية
ليلى بوزيد، وعلى جائزة «أفضل فيلم غير روائي» فيلم «أبداً لم نكن
أطفالاً» للمخرج المصري محمود سليمان، وعلى جائزة «أفضل ممثل»
التونسي لطفي العبدولي عن دوره في فيلم «شبابك الجنة»، فيما حصلت
منّة شلبي على جائزة «أفضل ممثلة» عن دورها في فيلم «نوارة»، وحصل
محمود سليمان عن فيلمه « أبداً لم نكن أطفالاً» على جائزة «أفضل
مخرج».
أربعة من أصل خمسة أفلام متوّجة في مسابقة «المهر الطويل» تتماس مع
الهمّ السياسي وتجلياته في الواقع العربي، من العشرية السوداء في
الجزائر، إلى الثورة في تونس ومصر، وانعكاساتها على البشر
العاديين. وحده فيلم «شبابك الجنة»، للمخرج فراس نعناع، يبدو دراما
عن الفقد. زوجان شابان يفقدان طفلتهما. يعيش الأب مرارة الفقد، وقد
فقدت الحياة لديه معناها، وتساعده زوجته في محاولة التوازن. تنوعات
الحكايات لدى الأفلام الأربعة الفائزة تنويعات على وتر سؤال القدرة
على التعايش مع ما تشهده البلدان العربية من فوران يهدد مصائر
أبنائه، ويخلخل توازنهم.
- في مسابقة «المهر الخليجي القصير» فازت بجائزة «لجنة التحكيم»
فيلم «بسطة» للمخرجة السعودية هند الفهاد، وبجائزة «أفضل فيلم»
«رئيس» للمخرج العراقي رزكار حسين.
يبني الفيلم الروائي القصير «رئيس» حكاية واقعية شكلاً، ولكنها ذات
أبعاد دلالية ورمزية عن ولادة وصعود وسقوط الديكتاتور. الأصدقاء «يطوّبون»
أحدهم زعيماً عليهم، سرعان ما ينقلب عليهم، ويستبدّ بهم. حكاية
الديكتاتور ذاتها.
أما فيلم «بسطة» فيميل إلى حكاية عادية لامرأة تعمل بائعة بسطة في
السوق المحلية، وتتأبّى عن أن تكون الزوجة الإضافية للرجل الوحيد
في السوق. المرأة في عجزها وقلّة حيلتها ومحدودية خياراتها، هي
موضوع المخرجة هند الفهاد، التي قدّمت فيلمها بتوازن على شريطي
الصورة والصوت والأداء، بإنتاج شركة «فراديس» التي يديرها المخرج
عبدالله حسن أحمد الذي خرج فائزاً هو بدوره أيضاً، وعن مشروع
سينمائي روائي طويل مُقبل، بجائزة وزارة الداخلية «أفضل سيناريو
مجتمعي»، و100 ألف دولار أميركي. |