الكثير من التخمينات تسبق حفل الأوسكار في كل سنة. وهذه السنة لا تختلف عن
سواها. ومثل كل عام أيضا تختلط التخمينات بالتوقّعات وهذه بالتمنيّات فإذا
المواقع والصحف المعنية تبذل الكثير في محاولة فهم ما يدور وكيف يمكن من
خلاله القيام بنشر الاحتمالات الأكثر توقعا. من هذه الناحية لا خلاف بين ما
يقع حولنا وبين ما نقوم به هنا، لكن الاختلاف هو أن الغاية ليست أن نكسب
معركة التخمينات ونتباهى، ولو أن معظم توقعاتنا تحققت سابقا، ما يعكسه ذلك
معنويا من حسن القراءة الفنية، بل أن نمنح أنفسنا والقارئ المتابع رصدا
واقعيا لما قد تأتي به النتائج، كما مرّ معنا حين الحديث عن مسابقتي
التصوير والسيناريو. هذه المرّة نتوقّف عند التمثيل الرجالي والنسائي حيث
المنافسة أصعب كون كل مشتركة ومشترك تقريبا يستحق أن يفوز..
أوسكار أفضل ممثل للعام
*
المرشّحون:
ستيف كاريل عن «فوكسكاتشر»
برادلي كوبر عن «قناص أميركي»
بندكت كمبرباتش عن «لعبة المحاكاة»
مايكل كيتون عن «بيردمان»
إيدي ردماين عن «نظرية كل شيء».
حتى الأمس القريب كان مايكل كيتون يستطيع أن يشعر بأمان نسبي. الجمهور
والنقاد في صفّه. دوره في «بيردمان» من النوع الذي يكسب ود الاثنين معا.
بين ما كُتب من أدوار فإن دوره هو الوحيد الذي يمكن التعاطف معه بلا شروط.
ستيف كارل شرير، برادلي كوبر قاتل أولاد ونساء ولو دفاعا عن الوطن، بندتكت
كمبرباتش محتار في فهم نفسه ومن حوله وإيدي ردماين مُعاق يستحق الإشفاق
أكثر مما يستوجب التعاطف.
لكن مع إعلان جوائز التمثيل من قِبل جمعية الممثلين التي تشكل نحو 19 في
المائة من أصوات المقترعين، فإن الترجيح السريع من نصيب إيدي ردماين عن
دوره في «نظرية كل شيء» ما يجعل مسألة فوز كيتون، أو أي ممثل آخر، مسألة
فيها احتمالات أوسع مما كانت عليه قبل إعلان هذه الجوائز.
على ذلك هناك نسبة غالبة من أصوات المقترعين داخل أكاديمية العلوم والفنون
السينمائية صاحبة الأوسكار قد تخالف الرأي. أداء ردماين يكتسب حظوظه من
أداء بدني معقّد كذلك الذي قام به سابقا دانيال داي لويس في «قدمي اليسرى»
ونال عنه الأوسكار (والمصوّتون عادة ما يكافئون الممثلين الذين يلعبون
أدوار المعاقين أو أصحاب المشاكل البدنية أو المرضية بجوائزهم). لكن
دراميا، ردماين لم يقم بالكثير. العبء الأول في هذا المجال من نصيب اثنين
هما ستيف كارل ومايكل كيتون، وبين هذين الاثنين فإن كيتون أكثر بذلا في فن
تمثيل الشخصية وفن حركتها لجانب أنها تكتسب تعاطف المشاهدين لما تعبّر عنه.
هذا يبقي كلا من برادلي كوبر وبندكت كمبرباتش خارج الحلبة ولو عن قرب.
برادلي كوبر يقوم بدور القنّاص الأميركي الذي يحارب من يعتبرهم إرهابيين
يهددون سلامة وطنه (العراقيين) فيتحوّل إلى آلة قتل أساسا لا تريد أن تعرف
أكثر مما تراه واجبا. بندكت كمبرباتش يلبس شخصية حقيقية (أخرى كشخصيتي
ردماين وكوبر) لكنه لا يلمع كثيرا على الشاشة. أداؤه يبقى من نوع ردّ الفعل
وليس نتيجة حافز معبّر عنه ومُدار دراميا على نحو كامل. وكما تقدّم، يبقى،
حسب السيناريو المكتوب وحسب إدارة مخرج الفيلم جيمس مارش، مجسّدا للحيرة ما
لا يجعل المشاهد (حتى ولو كان سينمائيا) قادرا على تغطيته بقبول يفوق قبوله
لباقي المرشّحين.
كذلك هناك عامل إدارة المخرج للممثل وكيف يصبح الفيلم مناطا بالأخير.
كلينت إيستوود مثلا كان يترك للممثل برادلي كوبر حرية ما سيقوم بتنفيذه في
المشهد الواحد. خذ مثلا المشهد الذي نري فيه كوبر جالسا في الحانة بعدما
عاد من جولة قتال إلى أميركا من دون أن يعلم زوجته. المكان داكن، كداخل كل
الحانات، لكن عدد الجالسين قليل. ليس هناك الكثير من الحركة. كل ما طلبه
إيستوود من بطله، وحسبما صرّح قبل أيام لصحيفة «نيويورك تايمز» أن يجلس
هناك. لم يقل له كيف سيتصرّف حيال وحدته. هذا من فعل الممثل.
مع مايكل كيتون ومخرجه أليخاندرو غونزاليز إيناريتو، كل شيء يقوم به كيتون
من حركة متعوب على تفاصيلها لقطة بلقطة من خلال أيام طويلة من التدريب
والتحضير. هذا كان ضروريا ليس لأن كيتون بحاجة إلى إدارة بقدر ما كان يحتاج
إلى البقاء في وحدة دائمة مع الكاميرا والإدارة التنفيذية العامّة لكل لقطة.
*
التوقّعات العامة: إيدي ردماين
*
قد يفوز: برادلي كوبر
*
تفضيل الناقد: مايكل كيتون
أوسكار أفضل ممثلة للعام
*
المرشّحات:
ماريون كوتيار عن «يومان.. ليلة»
فيليسيتي جونز عن «نظرية كل شيء»
جوليان مور عن «ما زلت أليس»
روزاموند بايك عن «فتاة مختفية»
ريز ويذرسبون عن «وحشي».
لا تقل هذه المسابقة حدّة عن المسابقة السابقة. كل التوقعات تشير إلى أن
جوليان مور هي التي ستحمل الأوسكار الذهب عن دورها في «ما زلت أليس» وهذا
هو توقعنا أيضا، لكن ما الذي سيحدث لو أنها لم تتحقق؟ ماذا لو كانت هناك من
بين الممثلات المنافسات من امتلكت الناصية في مفاجأة غير محسوبة؟ ومن تكون؟
جوليان مور دائما ما توفّر أداءات جيّدة. إنها مطعّمة بموهبة فعلية وبصدق
التقائها مع كل دور تقوم به. بقدرتها على الاختلاف الشديد بين كل شخصية
وأخرى، وسبق لها أن رُشّحت 4 مرّات من قبل من دون أن تفوز آخرها عندما لعبت
سنة 2003 بطولة «بعيدا عن السماء». لا ينفع التأويل كثيرا بصددها. في «ما
زلت أليس» تروي بنفسها، ولو من دون تدخل مباشر، حياة امرأة ميسورة ومثقّفة
تخسر كل شيء حال إصابتها بمرض ألزهايمر. كل خلجاتها حقيقية. تعاملها مع
نفسها ومع محيطها مبني على ذكاء ومقدرة أكثر مما هو مبني على مجرد تنفيذ
الدور كما كُتب. وأخال ألا يكون شغل المخرجين رتشارد غلاتزر وووش
وسترمورلاند هو تركها وشأنها. ليس على طريقة إيستوود النافذة التي يعرف من
خلالها كيف يثق بالممثل، بل على طريقة أن لا أحد يستطيع أن يطلب من ممثل
جيّد أن يترك التفسير الذاتي لدور كهذا مقابل تفسيرا أو توجيها مختلفا.
حيال ذلك، فإن باقي الممثلات يقفن على بعد من جوليان مور. ليس فقط أنها
ممثلة قوية الحضور والموهبة، بل لنتذكر ما ورد أعلاه: المصوّتون عادة ما
يتعاطفون مع ممثل أو ممثلة يلعبان شخصية تعاني مرضا عضالا والسنوات الغابرة
من الأوسكار خير دليل. بين الباقيات تبرز الفرنسية ماريون كوتيار التي فازت
بسعفة كان كأفضل ممثلة عن الفيلم ذاته في مايو (أيار) الماضي. جهدها
وتمثيلها رائعان لكن حدث أنها في نفس المنافسة مع جوليان مور.
البريطانية فيليسيتي جونز هي أيضا جيّدة في دور زوجة العالم ستيفن هوكينغ.
لديها عدّة مشاهد تكشف عن حسن تقمّصها وتعد بمستقبل جيّد، لكني لا أعتقد
أنه الدور الذي سيجعلها حتميا فائزة بالأوسكار في هذه الدورة. أما مواطنتها
روزاموند بايك فهي تقع في ذلك الشق من الأدوار حيث إن مكافأتها هي مجرد
ترشيحها ولا شيء أبعد من ذلك.
تبقى ريز ويذرسبون عن دورها في فيلم أهدره مخرجه جان - مارك فالي بسبب
أسلوبه المتكلّف. في العام الماضي قام بتحقيق «دالاس بايرز كلوب» الذي فاز
بثلاثة أوسكارات بينها أوسكار أفضل ممثل (ماثيو مأكونوفي) وأوسكار أفضل
ممثل مساند (جارد ليتو). لكن هذا لن يقع مثيله مع الممثلة وذرسبون التي
جلبها لكي تقود حكاية (واقعية الأسس) حول الفتاة الشابة التي تقطع عشرة
آلاف كيلومتر من السير وحيدة في الغابات وفي الصحارى وفوق الثلوج بسبب
حاجتها للحد من مشاكلها مع نفسها ومحيطها العائلي. المشكلة التي تنعكس على
تمثيل ويذرسبون هي أن المخرج أثقل من مشاهد الفلاشباك والتواجد في الأزمنة
الأخرى وأحداثها لدرجة تشتيت الطاقة التي أبدتها الممثلة مؤمنة بأنها تقدّم
دورا صعبا بكفاءة. سيكون من غير المحتمل تقديرها كممثلة ولو سيكون محتملا
تقدير الجهد الذي بذلته جسديا.
*
التوقّعات العامة: جوليان مور
*
قد تفوز: جوليان مور
*
تفضيل الناقد: جوليان مور
أوسكار أفضل ممثلة مساندة
*
المرشّحات:
باتريشا أركيت عن «بويهود»
لورا ديرن عن «وحشي»
كايرا نايتلي عن «لعبة المحاكاة»
إيما ستون عن «بيردمان»
ميريل سريب عن «داخل الغابات»
في السابق كثيرا ما خسرت ميريل ستريب الأوسكار (في فئتي أفضل ممثلة في دور
رئيس وأفضل ممثلة مساندة) وهي كانت تستحق أن تفوز. ليس هذه المرّة. صحيح
أنها تغنّي في «داخل الغابات» لكن لا دراما قويّة في هذا الدور بينما
الدراما هي التي ستدفع بإحدى باقي المرشّحات إلى الأمام.
نقديا، كايرا نايتلي عن «لعبة المحاكاة» هي أفضل بقليل من بعض أدوارها
الأخيرة السابقة، لكن استبدل مشاهدها في هذا الفيلم مع مشاهدها في «كفارة»
(Atonement)
أو في «آنا كارنينا» تجدها ما زالت محافظة على الانفعالات المسطّحة ذاتها.
مشكلة لورا ديرن مختلفة. المخرج جان مارك فالي منع عنها الحضور الذي
تستحقه. غلّف مشاهدها بلقطات بعيدة (وأحيانا ما اكتفى بنصف وجهها أو بها
ملقاة على السرير أو تتحرك بعيدا عن الكاميرا). هذا غالبا ما هو عائد إلى
أنه مخرج يستطيع فهم الرجل (كما برهن سابقا) أكثر مما يستطيع فهم المرأة أو
يجرؤ على فهمها.
هذا يتركنا لجانب أداءين متميّزين الأول ذكرا لباتريشا أركيت عن «بويهود»
والثاني لإيما ستون عن «بيردمان». إنهما متساويتان في الموهبة وفي نوعية
الدور الذي تؤديه: دراما عن فتاة ملتحقة بالعائلة (زوجة مطلّقة في الفيلم
الأول وابنة هائمة في الفيلم الثاني). من الصعب التنبؤ هنا لأن الاحتمالين
متوازيان.
*
التوقّعات العامة: باتريشا أركيت
*
قد يفوز: إيما ستون.
*
تفضيل الناقد: باتريشا أركيت.
أوسكار أفضل ممثل مساند
*
المرشّحون:
روبرت دوفول عن «القاضي»
إيثان هوك عن «بويهود»
إدوارد نورتون عن «بيردمان»
مارك روفالو عن «فوكسكاتشر»
ج. ك. سيمونز عن «سوط»
لا أدري ما الذي على إيثان هوك أن يفعله لكي يستحق الأوسكار. إنه ممثل
ممتاز الخامة. بديهي. واثق. يتحدّث بعينيه ويتصرّف من دون دعوة أو إدارة
لكن الكثير من أعماله وترشيحاته تصل إلى عنق الزجاجة ثم تنزلق غير قادرة
على الفوز. ولدي شعور بأن هذا ما سيقع هذه المرّة.
إذا ما تحقق هذا الشعور وذهبت الجائزة لإدوارد نورتون فإن ذلك أمر جيّد لأن
نورتون من القالب ذاته بالإضافة إلى أنه متمكن بدنيا من إضفاء حضور يفتقره
إيثان في معظم اختياراته من الأدوار.
لكن الجميع يتوقع فوز ج. ك. سيمونز عن «سوط»، الفيلم الذي نال من المدح فوق
ما يستحقه. مثل الفيلم سيمونز أيضا نال الكثير من المدح المماثل. إنه ممثل
جيّد لكنه يلعب دورا أكثر مما يخلقه. يحاكي ما هو مطلوب (كحال كمبرباتش أو
نايتلي) لكنه لا يبدع في تأليفه من الداخل بل يستند إلى معطيات واضحة عليه
التصرّف علي نحوها.
مارك روفالو يستحق فهو أيضا ممثل جيّد ودوره في «فوكسكاتشر» برهان آخر على
نوعيّته، لكنه دائما ما يمر من تحت الرادار في المرحلة الأخيرة أيضا. حظه
وإيثان هوك أنهما يواجهان سيمونز الحاضر بقوّة بدنية ونورتون الحاضر بقوّة
موهبة فنية وأدائية صلبة.
بالنسبة لروبرت دوفول فإن ما سيحدث معه هو ما حدث مع تومي لي جونز قبل
عامين عندما لعب دورا في «لينكولن» ومع الكثير من الممثلين الآخرين الذين
تجاوزوا منتصف العمر، حيث الخامة والمقدرة ترضخان لعامل السن.
*
التوقّعات العامة: ج. ك. سيمونز
*
قد يفوز: إدوارد نورتون.
*
تفضيل الناقد: إدوارد نورتون. |