“American Sniper”..
دعوة لكراهية الآخر
محمود سمير – التقرير
“كلينت إيستوود” من أهم رموز هوليود. سطر اسمه في التاريخ السينمائي بظهوره
في ثلاثية أفلام الدولار “Dollar
trilogy” للمخرج
الإيطالي سيرجيو ليوني، وكبطل لسلسلة أفلام هاري القذر “Dirty
Harry”.
لمع أيضًا كمخرج للعديد من الأفلام المخضرمة والقوية؛ كفيلم طائر “Bird”
الذي حكى قصة عازف الجاز “تشارلي باركر”، وفيلم الويسترن لا تصالح “Unforgiven”
الذي حاز عنه جوائز الأوسكار كأحسن مخرج وأحسن فيلم.
أخرج أيضًا فيلم الجريمة النهر الغامض “Mystic
River”،
المقتبس عن رواية دينيس ليهان الشهيرة، والذى قام “شون بين” ببطولته.
وأخيرًا وليس آخر فيلم فتاة المليون دولار “Million
Dollar Baby”،
الذي حاز عنه جوائز أوسكار للمرة الثانية كأحسن مخرج وأحسن فيلم، والذى كان
من بطولة الممثلة “هيلاري سوانك” والممثل المخضرم “مورجان فريمان”.
أحدث أفلام “إيستوود” مقتبس عن كتاب القناص الأمريكي لـ “كريس كايل”.
“كايل”، قتل أكثر من 160 هدفًا في الحرب على العراق ودخل التاريخ الحربي
الأمريكي كأحد أكثر القناصين فتكًا على الإطلاق.
أول مشهد في الفيلم يضعنا معه في حرب العراق عام 2003.
أثناء تقدم كتيبة من قوات المارينز في إحدى الأحياء السكنية العراقية: شاهد
“كايل”، عن طريق منظار القنص، أحد الرجال يقوم بمكالمة على هاتفه المحمول
أعلى إحدى العمارات.
بعدها بدقيقة أسفل العمارة، ظهرت سيدة مرتدية الخمار ومعها ابنها تمشي بحذر
متجهة نحو الكتيبة الأمريكية. لاحظ “كايل” أنها تخرج ما يشبه القذيفة
المضادة للدبابات من تحت خمارها.
أبلغ “كايل” غرفة العمليات بما رآه، فأعطته حرية التصرف طبقًا لقواعد
الاشتباك.
يصبح السؤال هنا: هل يقتل “كايل” المرأة من أجل حماية زملائه من هجمة
محتملة؟ أم يتركها تعيش استجابة للضمير الإنساني؟
بلا تردد، يتخذ “كايل” القرار و يقتل المرأة و ابنها أمام أعيننا.
دراما الفيلم تتأرجح بين الانتقال من دراما المعارك الحربية، التي يُظهر
فيها “كايل” كفاءة رهيبة في الفتك بالأعداء، وبين الدراما التي تحدث بينه
وبين زوجته “تايا”؛ نظرًا لإصابته باكتئاب ما بعد الصدمة.
كل مرة، عاد “كايل” إلى أرض الوطن، كان عقله بعيدًا عن أسرته وأسيرًا
لهواجس الحرب.
شخصية “تايا” في الفيلم، التي جسدتها الممثلة “سيينا ميلر”، خرجت سطحية
وذات جانب أحادي. في كل مشهد كانت تظهر باكية ومتوسلة لزوجها أن يعود إليها
ويكون معها.
“أريدك معي، أريد أن تعود إنسانًا. أنت زوجي، أنت أبو أطفالي، حينما لا
تكون معي؛ أحتاجك بجانبي”: تايا كايل.
نفس الشيء ينطبق على دراما الحرب. الأمر أشبه بألعاب الفيديو. كأنك تشاهد
فيلمًا دعائيًا لوزارة الدفاع الأمريكية.
فيلمنا أثار جدلًا كبيراً داخل الولايات المتحدة وخارجها؛ اتهمه معارضوه
بترويج العنصرية تجاه العرب والمسلمين، وهو ما أكده الاتحاد الأمريكي
العربي ضد العنصرية من ارتفاع التغريدات ورسائل التهديد ضد العرب بعد عرض
الفيلم.
بينما رأى المؤيدون أن الفيلم يحكي وجهة نظر “كايل” لحرب العراق، ومعاناته
هو والجنود مع الاكتئاب، بعد العودة لأرض الوطن؛ كتوابع للحرب التي عانوا
فيها.
مشكلة الفيلم الكبرى هي تبني وجهة نظر “كريس كايل” فقط، وإظهاره الأهداف
العراقية في صورة همجية وبربرية.
ناقش “إيستوود” حرب العراق في صورة سطحية للغاية، كما ناقش أغلب المخرجين
من قبله حرب فيتنام بنفس السطحية.
حيث يظهر العدو في صورة شخص همجي، لا يعرف الرحمة أو الإنسانية، بينما
الضحية هي الجندي الأمريكي الذي إما يقتل دفاعًا عن الحرية أو يعود مصابًا
باضطراب ما بعد الصدمة.
وكأن “إيستوود” لا يدرك أنه تم ارتكاب العديد من جرائم الحرب ضد العراقيين
المدنيين، مثل ما حدث في سجن أبي غريب وحادثة اغتصاب الفتاة “عبير” في
المحمودية، نظرًا لأن الجنود الأمريكيين رؤوا العراقيين مجموعة من الهمج
والأوغاد.
الفيلم شبيه بفيلم صندوق الآلام “The
Hurt Locker”،
الذي ناقش كيف تحولت الحرب لدوبامين للجندي الأمريكي، وكيف أن بعض الجنود
أصبحوا غير مؤهلين للعمل في الحياة المدنية بسبب ذلك.
الفارق أن “صندوق الآلام” جسد العراقيين كبشر من لحم ودم، بينما فيلمنا قام
بالعكس.
تقريبًا كل العراقيين أعداء في هذا الفيلم؛ كلهم مصادر تهديد محتملة، سواء
كانوا شبابًا أم نساءً أم أطفالًا.
حتى المتعاونين مع القوات الأمريكية ما هم إلا أذرع للإرهابيين الأوغاد.
“شر حقير بربري. هذا ما كنا نواجه في العراق”: كريس كايل.
حسنة الفيلم الوحيدة تكمن في أداء “برادلي كوبر” لشخصية “كايل”. قام “كوبر”
بزيادة 40 رطلًا من وزنه كي يكون في حجم “كايل” وتقمص لهجته الأمريكية
الجنوبية.
الشخصية الحقيقية أكثر عنفًا وأكثر عنصرية تجاه المسلمين بشكل عام
والعراقيين بشكل خاص.
جسد كوبر الصراع النفسي الذي يعاني منه “كايل” في الحرب وفي المنزل بصدق
وقوة شديدة.
رغم أني كرهت الشخصية التي لعبها، إلا أن أداء كوبر جعلني على الأقل أتفهم
دوافعها وجعلها تبدو بالنسبة لي أكثر إنسانية.
قدم “إيستوود” أفلامًا إنسانية عن توابع العنف، مثل الفيلم الحربي رسائل من
يوجيما “Letters
from Iwo Jima”،
وفيلم لا تصالح “Unforgiven”.
هذه الأفلام كانت تثمن الحياة البشرية وكانت تسأل المشاهد أسئلة صعبة عن
أخلاقية العنف والحرب.
المحزن أن إيستوود عامل حرب العراق كفيلم ويسترن وطبق عليها قوانين الأبيض
والأسود. لا توجد أسئلة صعبة، هناك أخيار وأشرار فقط.
على المستوى التقني: تفوق إيستوود في تصوير المعارك ومونتاجها وخلق إيقاعًا
سريعًا لاهثًا لها. أداء الممثلين بشكل عام كان جيدًا بالنسبة لنص سطحي
ومتوسط.
المشكلة التقنية الوحيدة كانت في المؤثرات البصرية التي كانت تبدو في بعض
المشاهد مزيفة وكرتونية.
نال الفيلم نجاحًا كبيرًا على مستوى الإيرادات، نظرًا لموضوعه المناسب في
الوقت الذي أطلت الهجمات الإرهابية برأسها، مطلع هذا العام، وظهور تنظيم
الدولة الإسلامية كأحد العناصر المسؤولة عن تدبير تلك الهجمات.
رشح الفيلم لجوائز الأوسكار في فئات: أفضل فيلم، وممثل، ومونتاج، وسيناريو
مقتبس، وأحسن صوت.
حقيقة، لا أستطيع أن أفهم كيف ترشح هذا الفيلم على حساب أفلام أكثر قوة
مثل: سيلما “Selma”
وفتاة ضائعة “Gone
Girl”.
تقييم الفيلم: 5 /10
هاشتاق #AmericanSniper على
تويتر -
الفيلم على
imdb |