لماذا لم يحصل “ليوناردو دي كابريو” على جائزة الأوسكار حتى الآن؟
منة الله فهيد – التقرير
هذا السؤال يتسارع إلى ذهني كلما شاهدت أحد أفلام الممثل الموهوب.
“ليوناردو”، يعد من الممثلين الأكثر موهبة واحترافية بين أبناء جيله
وأحرصهم -أيضًا- على انتقاء أدواره، فلا عجب أن تعلم أن 7 من الأفلام التي
شارك فيها رُشحت لجائزة أوسكار أفضل فيلم، وهو شيء لم ينافسه عليه سوى
النجم “توم هانكس” الذي على عكس “ديكابريو” حصل على الجائزة مرتين حتى
الآن. لذا يبقى السؤال: لماذا لم يحصل “ليوناردو” على الجائزة رغم ترشحه
إليها 5 مرات حتى الآن؟
نظرة متفحصة إلى مشواره الفني بإمكانها الرد على هذا السؤال:
1991 – 2000
على عكس الكثيرين من نجوم “هوليوود”، بدأ “ليو” حياته الفنية بأدوار صغيرة
في بعض الإعلانات والبرامج التعليمية ومن ثم بأدوار ثانوية في بعض الحلقات
التليفزيونية والأفلام، ولكن سرعان ما سطع نجمه خلال مشاركته في فيلم “ما
الذي يضايق جيلبرت جريب” عام 1993، عندما لعب دور الابن “المعاق ذهنيًا”
لعائلة فقيرة، وهو الدور الذي أهله لأول ترشح لجائزة الأوسكار “أحسن ممثل
مساعد” في مسيرته الفنية.
انتقل “ليو” بعد ذلك للعب دور البطولة في الأفلام، متخبطًا في أدواره، لمدة
10 سنوات، التي قلما لاقت إشادة النقاد، لاعتباره مجرد “وجه جميل” لا أكثر،
ساهم في ذلك بعض أدواره الرومانسية: كدوره في فيلم “روميو وجولييت”، ووقوع
اختيار المخرج “جيمس كاميرون” عليه عام 1997 للعب دور البطولة في فيلم “تيتانيك”،
الأكثر شهرة وإيرادًا حتى وقت قصير (عبر العصور)، كما ترشح لاحقًا لنيل 14
جائزة أوسكار وحصد 11 منهم، لم يكن بينهم ترشح واحد لـ “ليو”؛ مما جعله
يرفض الذهاب إلى حفلة توزيع الجوائز فيما بعد، لينعته “جيمس كاميرون” بـ”المدلل
الفاسق”.
تحول “ليو” بين ليلة وضحاها إلى نجم جماهيري ذي شعبية هائلة بين المراهقات،
الأمر الذي جعله يرفض بطولة فيلم “المختل الأمريكي” لاحقًا؛ خوفًا من فقدان
تأثيره على الفتيات، ليذهب العمل إلى النجم “كريستيان بيل”.
لعب “ليو” بعدها دورًا ثنائيًا في فيلم “الرجل ذو القناع الحديدي” 1998
بتأديته لدور “لويس الرابع عشر” ملك فرنسا وأخيه التوأم “فيليب”، الفيلم
الذي لاقى مراجعات سلبية من النقاد على الرغم من نجاحه جماهيريًا وتحقيق
180 مليون دولار من شباك التذاكر. كسابقه، تلقى مشروع “ديكابريو” التالي
فيلم “الشاطئ” نقدًا سلبيًا على الرغم من نجاحه جماهيريًا أيضًا، ليودع
“ليو” الألفية الثانية بمزيج من الإخفاقات والنجاحات، ولكن بشهرة ومكانة
لدى الجمهور لا ينافسه عليها أحد من أبناء جيله.
2002 – 2010
جاء اختيار المخرج “ستيفن سبيلبلرج” لـ”ديكابريو” لبطولة فيلمه “أمسكني إذا
استطعت” عام 2002 بمشاركة النجم “توم هانكس” بمثابة إعادة “ليو” إلى الطريق
الصحيح مرة أخرى، فالفيلم الذي تم تصويره في 147 موقعًا خلال 52 يومًا فقط
جعل “عملية صنع الفيلم أكثر جرأة، وذات مسؤولية كبيرة” لم يسبق لـ “ليو”
تجربة مثلها. تلقى الفيلم مراجعات إيجابية وحقق إيرادات هي الأعلى دخلًا في
قائمة أفلامه بعد “تيتانيك” وقتها.
في نفس العام، جاء فيلم “عصابات نيويورك” كأول تعاون بين “ليوناردو
وديكابريو” والمخرج العظيم “مارتن سكورسيزي” الذي نجح تجاريًا ونقديًا،
وترشح لـ 10 جوائز أوسكار لم يكن ضمنها أي ترشح لـ “ليو” الذي نال إعجاب
النقاد عن أدائه بالفيلم.
كان التعاون الثاني بينهما فيلم “الطيار” 2004، وهو فيلم سيرة ذاتية عن
“هوارد هيوز” أحد رواد مجال الطيران. تقمص “ليو” الدور باحترافية شديدة
بلغت حد إصابته بمرض “اضطراب الوسواس القهري”، الذي كان يعاني منه بطل
الفيلم، أثناء التصوير ومصاحبته له بعد الانتهاء منه أيضًا، مما جعله يترشح
للأوسكار مرة أخرى عن دوره في الفيلم كأحسن ممثل رئيس، بعد انقطاع عن
الترشح دام لأكثر من 10 سنوات! ولكنه خسرها لصالح “جيمي فوكس” عن دوره في
فيلم “راي”.
واصل “ليو” انتقاءه لأدواره بعناية فائقة؛ أملًا في إرضاء الأكاديمية ولكن
دون جدوى، فعلى الرغم من ترشحه لجائزة أفضل ممثل عن العمل الثاني على
التوالي عن دوره في فيلم “الماس الدموي” عام 2006، إلا أنه لم يحصل عليها
هذه المرة أيضًا، وذهبت جهود “ديكابريو” في إتقان اللهجة الجنوب إفريقية
(المعروفة بكونها لهجة صعبة التقليد) سدى. عرض في نفس العام فيلم
“المغادرون”، التعاون الـ 3 على التوالي مع المخرج “سكورسيزي”، الذي لاقى
نقدًا إيجابيًا من النقاد وردود فعل عظيمة من الجمهور، وحصد 4 جوائز أوسكار
لم يكن لـ “ليو” نصيب منهم.
عاد الثنائي المفضل لدى الجمهور “جاك/ليو” و”روز/كيت” للتمثيل معًا بعد
أكثر من 10 سنوات، في فيلم “الطريق الثوري” عام 2008، ولكن هذه المرة لم
تجمعهم قصة حب متأججة (كما كان الحال في “تيتانيك”)، بل جمعهما زواج فاشل.
نال الفيلم ردود أفعال متباينة من النقاد، وكان ذلك أيضًا نصيب فيلمه الآخر
لنفس العام “كتلة الأكاذيب” بمشاركة النجم “راسل كرو”.
مرة أخرى، يعود “ليو” للعمل مع “سكورسيزي” في تعاونهم الـ 4 “جزيرة شاتر”
عام 2010، الذي لعب فيه دور شرطي أصابه حادث قتل زوجته لأبنائه ومن ثم قتل
نفسها بالفُصام. أدى “ليو” الدور بحرفية شديدة مقنعًا المشاهد بسلامته
العقلية حتى انقلاب الأحداث في النهاية.
في نفس العام عُرض فيلم “إنسبشان”، وهو أول عمل يجمع بين “ديكابريو”
والمخرج العظيم “كريستوفر نولان”. الفيلم الذي حقق إيرادات هائلة (825
مليون دولار)، وحاز استحسان النقاد والجماهير، وحصد أيضًا العديد من عشرات
الجوائز، لم تكن من بينهم واحدة من أجل “ليو”.
وهنا يتضح لمتابعي مسيرة “ليو” الفنية حقيقة مشاركته في أفضل الأعمال مع
أعظم المخرجين في آخر 10 سنوات، وحقيقة استحسان النقاد لهذه الأعمال بشكل
عام وثناؤهم على أدائه بشكل خاص، ويبقى السؤال: لماذا لم يحصل “ديكابريو”
على جائزة الأوسكار حتى الآن؟!
2012 – 2013
- جانجو الحر
قام “ديكابريو” بدور نخاس العبيد “كلافين كاندي” صاحب الكاريزما القوية،
الذي يحب الفرنسية ولايتحدثها، في فيلم المخرج اللامع “كوينتن ترانتينو”،
“جانجو الحر”، وتعد هذه أول مرة يقوم فيها “ليو” بدور “الرجل الشرير” منذ
دوره في فيلم “الرجل ذو القناع الحديدي”.
لم يشعر “ليو” بالارتياح للقيام بهذا الدور، ولقي صعوبة بالغة في تقمص
شخصية “كاندي” العنصرية للغاية، وطلب وقف التصوير أثناء مشهد العشاء لعدم
قدرته على التفوه بالكلمات العرقية، لكن “ترانتينو” أقنعه بأداء المشهد كما
ينبغي وإلا سيؤخذ هذا ضده، فخرج مشهد العشاء بكل ما يحمله من عنصرية وحقد
كما ينبغي له أن يكون، حتى إنه أصاب يده أثناء طرقه على الطاولة، ولكنه لم
يتوقف عند ذلك واستكمل المشهد وهو مصاب بالفعل متناسيًا جرحه.
الفيلم من الأفلام الصادمة كما تعودنا من أعمال “ترانتينو”. تدور أحداثه
عام 1858 قبيل الحرب الأهلية، يطرق المخرج باب العنصرية بقوة مسلطًا الضوء
على ما كان يتعرض إليه “الزنوج” من عنصرية واستعباد. يتحدث الفيلم عن صائد
الجوائز الطبيب “شولتز” ألماني الجنسية، يقوم بدوره النجم “كريستوفر وولتز”،
الذي ترك الطب وأصبح يسعى خلف الهاربين من العدالة لقتلهم؛ من أجل الحصول
على المكافآت المنشودة، والعبد “جانجو” الذي حاول الهرب مع زوجته
“برومهيلدا” فأرسلهما سيدههما للبيع منفصلين. أثناء رحلته إلى مزاد العبيد،
يشتريه “شولتز” ويمنحه حريته مقابل إرشاده على 3 من الهاربين، يقوم “جانجو”
بذلك باستمتاع “فهل هناك وظيفة أمتع من قتل “البيض” والحصول على أموال في
المقابل؟”. يمثل الاثنان ثنائيًا رائعًا في اقتناص الأرواح من أجل المال،
وعلى الرغم من تناقضهما الجلي للعيان، إلا أن هناك شيئًا واحدًا يجمعهما،
وهو كره الرجال الأمريكيين ذوي “البشرة البيضاء”.
بعد انتهاء عملهما معًا: يطلب “جانجو” من “شولتز” مساعدته في الوصول إلى
زوجته “برومهيلدا”، ولسبب غير مبرر يوافق الأخير، فيتتبعا صحيفة بيعها
ليكتشفا أنها في مزرعة “كاندي لاند” المملوكة لـ “كلايفين كاندي”، ليظهر
“ديكابريو” بعد انقضاء الساعة الأولى من الفيلم، ويلقى مصرعه بعد ساعة أخرى
برصاص الطبيب الألماني “شولتز” الذي يفسد بدلته!
- جاتسبي العظيم
هذا الفيلم هو اقتباس آخر للرواية الكلاسيكية الشهيرة “جاتسبي العظيم”،
الشاب الفقير الذي وقع في غرام فتاة “دايزي” من عائلة مرموقة لكنه لم يستطع
أن يتزوجها فتزوجت بآخر يخونها مع نساء أخريات.
جعله حبه لها يلجأ لأساليب ملتوية؛ بحثًا عن الثروة من أجل الفوز بها
ثانية، ساعده في الوصول إليها “نيل”، الذي يقوم بدوره “توبي مجواير”، فتى
السندات المالية الذي يسكن في المنزل المجاور له، والذي وللمصادفة قريب
“دايزي” ويعلم بخيانات زوجها كونه صديقه، ليرتب لقاءً بينهما بعد 5 سنوات
من الانفصال.
منذ اللحظة الأولى، ذكرتني الأجواء بفيلمي المفضل “مولان روج”، لأكتشف أن
المخرج “باز لورمان” هو مخرج كلا العملين. ترك “لورمان” العنان لشغفه
الاستعراضي؛ فذهب وراء الأضواء والأزياء والاحتفالات الصاخبة مهملًا بذلك
السياق الدرامي للأحداث والشخصيات، فأصبح الفيلم أشبه مايكون بفيلم
استعراضي عن كونه فيلمًا دراميًا رومانسيًا، ربما أراد “لورمان” أن يضع
بصمته الاستعراضية عليه لتفرقته عن النسختين القديمتين، ولكنه فشل -مثلهما-
أيضًا في الوصول إلى مستوى الرواية الإبداعي.
الشيء الوحيد الذي نال استحسان النقاد (إلى جانب الديكور والأزياء بالطبع)،
كان أداء “ليوناردو ديكابريو” الذي أدى شخصية “جاتسبي” أفضل من نظيريه
السابقين، واصفين أداءه بأنه “أعظم وأبسط تأثير خاص في الفيلم”، وبأنه ربما
كان الأفضل لـ “ليو” في مسيرته الفنية على الإطلاق.
- ذئب وول ستريت
استطاع “ديكابريو” أن يخرج أفضل ما لديه في هذا الفيلم في تعاونه الـ 5 مع
“سكورسيزي”، لهذا جاء قرار عدم اختياره لجائزة الأوسكار عن هذا الدور صفعة
شديدة على وجهه ووجه جمهوره أيضًا.
الفيلم تجسيد سينمائي لمذكرات رجل الأعمال “جوردان بلفورت”، الذي يحتوي على
الكثير من المشاهد الغير لائقة؛ لذلك تم حذف ما يقارب من الساعة عند عرضه
في شاشات الوطن العربي.
قام “ليوناردو” وعلى مدار 3 ساعات متواصلة بأداء مذهل، منتقلًا بأبعاد
شخصية “البطل” من شاب فقير يحركه طموحه، إلى أحد أبرز شخصيات عالم البورصة
“وولستريت” الذي لا يأبه لأي شيء سوى جمع المزيد من الأموال. فبعد تلقيه
“وصفة” النجاح من رئيسه/معلمه الأول “مارك هانا”، يقوم بدوره النجم “ماثيو
ماكونهي”، بأن ينتشي طوال الوقت ليتمكن من ممارسة مهنة سمسار البورصة
والفوز بأموال العملاء، النصيحة التي يتبعها “ليو” طوال الفيلم ليظهر
منتشيًا بفعل تعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية على مدار اليوم، بل
وإنشاء شركة تضارب أموال ليعمل كل موظفيها على هذا الأساس.
أشاد النقاد بأداء “ديكابريو”، على الرغم من تحفظ البعض على محتوى الفيلم
اللا أخلاقي، معترفين بفضله في الوصول بالفيلم إلى هذا المستوى. وتم ترشحه
لجائزة أوسكار أفضل ممثل (للمرة الـ 4)، وأيضًا لجائزة أفضل فيلم؛ حيث
شارك في الإنتاج هذه المرة لضمان إحدى الجائزتين، غير متخيل بأنه من الممكن
أن يترشح لجائزتين في نفس العام ولا يحصل على أي منهما.
لا أتذكر أني شاهدت فيلمًا واحدًا لـ “ليوناردو ديكابريو” ولم يبهرني
بأدائه، بغض النظر عن قوة العمل ككل، فالرجل لديه من الاجتهاد ما يكفي
للقيام بدوره على أكمل وجه، ولديه من الإمكانيات ما تكفيه للتعمق في
الشخصية التي يؤديها؛ مما يجعلك تنسى أن ما تشاهده ما هو إلا عمل درامي من
نسج خيال المؤلف.
لذا، كان من الغريب أن تظل تلك الجهود دون أن تتوج بجائزة أوسكار واحدة حتى
الآن، وهذا يرجعنا للسؤال الذي تم طرحه في بداية المقال: لماذا لم يحصل
“ليوناردو ديكابريو” على الجائزة حتى الآن؟
البعض يرجع ذلك لعدم اقتناع الأكاديمية بخلعه عباءة “الشاب الوسيم” منذ ما
يقرب الـ 10 سنوات، ومازالوا لا يستطيعون تقبل فكرة كونه يمتلك موهبة لا
ينافسه عليها الكثيرون.
البعض الآخر يرجع ذلك لكونه أحد هؤلاء الممثلين الغامضين في طريقة تأديتهم
لأدوارهم، مما يجعل المشاهد غير مستعد لمقايضة حياته مع حياة البطل، على
عكس النوع الآخر من الممثلين مثل “توم هانكس” -على سبيل المثال- الذين
يؤدون أدوارهم بطريقة “السهل الممتنع” مما يشعر المُشاهد بقربهم الشديد
منه.
وهناك من يرى أن “ديكابريو” لم يستحق الجائزة حتى الآن، وأنه صادف في كل
مرة يترشح فيها لجائزة الأوسكار وجود من هو أكثر منه استحقاقًا بها؛ هذا كل
ما في الأمر.
أيًا كانت الإجابة، فالشيء الوحيد الذي لا يمكن الخلاف عليه هو أن “ليو” قد
أخرج بالفعل كل ما في جعبته الفنية خلال أفلامه الـ 3 الأخيرة، والرجل ما
عاد يمتلك شيئًا آخر ليقدمه فيما بعد، فإذا رضيت عنه الأكاديمية وأرادت
منحه الجائزة يومًا ما، فحتمًا سيكون ذلك على أداء أقل في المستوى مما قدمه
بالفعل، أو ربما حقيقة الأمر أنهم لن يمنحوها له أبدًا. |