من حسن حظ المهرجانات العربية أن لا مهرجانا واحدا بينها بحجم
«كان» لأن بلوغ هذا الحجم يتطلب جهدا لا تستطيع تأمينه، ولا تأمين
شروطه الإدارية والفنية المختلفة، ومن حسن حظّها أيضا أنها لا تطرح
نفسها بديلا. فحتى يكون مهرجان ما بديلا، عليه أن يكون مجهّزا
بعناصر لا يمكن تأمينها في بلدان ليست نشطة على صعيد العروض
باستثناء دولة واحدة (الإمارات العربية المتحدة) تليها البحرين
وقطر في صف ثان، ثم لبنان والأردن ومصر في صف ثالث.
على المهرجان الذي يحاول أن يطرح نفسه كبديل أو حتى كشبيه أن يكون
وصل إلى أحد المراكز المتقدّمة. أن يحاكي فينيسيا الإيطالي أو
برلين الألماني أو أن يكون تخصصه فاق الرقعة المحددة فإذا هو بموقع
واحد مع لوكارنو المتخصص بالسينما الشابّة أساسا أو بصندانس
المتخصص بالسينما المستقلة.
حسن الحظ جنّب المهرجانات العربية الدولية مغبّة أن تفشل. نجحت، في
شكل عام، في أنها بقيت نتاجا عربيا في مدن عربية لجمهور عربي. وهذه
هو أفضل مرتبة تستطيع بلوغها لأسباب جوهرية تماما من بينها ذلك
السوق الذي يستقبل ولا يصنع ثم ذلك السوق القابع تحت يد موزّعين
ليسوا في وارد تعميم سينما مختلفة.
ما يجعل «كان» - «كان»، هو أن السينما الفرنسية التي تحتل مركز
القلب في هذا المهرجان، تحتل مركز القلب بين قلوب المسؤولين عنها.
تحتضنها الحكومة ويسهر عليها المنتجون ويؤمّها جمهور كبير يؤمن بها
وبل يفضّلها. إلى جانب أن السينما الفرنسية هي التقاطع الأكثر ثراء
ونجاحا، فهي تطرح نفسها شريكا للسينمات من حول العالم أفريقية
وآسيوية ولاتينية وأوروبية وبل أميركية - هوليوودية أيضا.
بالتالي، ما يصنع نجاح هذا المهرجان هو نتاج هذا الدور البارز
للسينما الفرنسية تحت أي ظرف ومن دون أن تحاول أي من الحكومات
المتعاقبة إيقاف عجلته لا على نحو مباشر ولا على نحو يؤدي إلى
تعثّره على نحو غير مباشر.
إشكالات
لكن من سوء طالع المهرجانات العربية حقيقة أنها تبدأ كبيرة ثم
تصغر. الميزانيات الضرورية لمهرجانات دبي وأبوظبي والدوحة لم تكن
لمجرد تقديم عروض إعلامية وترفيهية ضخمة، بل لتركيز وتأسيس حدث مدو
على الساحة العالمية يسهم في التعريف بالمهرجان وبالمدينة ويقرّب
المسافة بين هذا الجزء المستقر من العالم العربي وبين الغربي الذي
كان دائما ما ينظر إليها من خلال مواقف جاهزة آخرها هو أنها
مهرجانات تملك الكثير من المال لتصرفه، في حين أن مهرجاني أبوظبي
ودبي على وجه التحديد جهدا لتقديم الوجه الجاد من العملية بأسرها
ولتحريك الجامد من المواقف الجاهزة. حقيقة أنهما انطلقا كمهرجانين
دوليين (كذلك فعل مهرجان الدوحة لاحقا) هو اختيار من السهل الدفاع
عنه، لكنه يبقى اختيارا سليما ومن حق كل دولة أن تقدم عليه أو على
أي مهرجان آخر ترى حاجتها إليه.
كذلك فإن حقيقة طرحها نفسها على أساس أنها مهرجانات كبيرة ومكلفة
هي مسألة ضرورية. في عالم اليوم من الأصعب البدء بمهرجان صغير على
أساس أنه سيكبر. من السهل، إذا ما كان التمويل متوفرا، أن يبدأ
كبيرا ويبقى كذلك أو أن يكبر رويدا كل بضع سنوات.
بالنظر لما سبق، فإنه من المثير للاستغراب ما نسمعه من تقليص
ميزانيات. في سنوات قليلة شهد أحد المهرجانات الخليجية انضمار
الميزانية إلى نحو نصف تلك التي شهدتها الدورة الأولى منه.
المهرجان منها يبدأ كبيرا محاطا بالتشجيع والدعم ثم يشهد انحسار
التمويل مع بقاء الرغبة في نجاحه. أمران لا يلتقيان بل يتناقضان.
والحقيقة أنه من المبكر جدّا الطلب بأن يتصرّف المهرجان بنفسه. أن
يحل إشكالات تقليل ميزانيّته ذلك لأن الوضع السينمائي، على نشاط
العروض والسعي الجاد لاستقطاب الإنتاجات الأجنبية للتصوير في
البلاد العربية كافة، لا يزال هشا للغاية.
مصر تستطيع أن تنعم بالأرضية المشتركة ما بين المهرجان وبين
احتوائها لصناعة. لكن حتى السينما المصرية تعاني من الانحسار وتجهد
في سبيل الوقوف على قدميها بغياب قرارات حازمة لدعمها. لكن ما
تشترك فيه لجانب الدول كلها هو أن الإنتاج السينمائي (كثر عددا أو
قل) ما زال محدود العرض، قنوات التوزيع تعيش فوضى الأسعار والدعم
(مع غياب صناعة حقيقية لأسطوانات الأفلام وسياسة قوية للتوزيع
والعرض التلفزيونيين) التسويقي محدود.
*نقلة
غريبة
*
والأخبار المنتشرة في «كان» منذ عامين لم تعد كما كانت قبل ذلك.
في البداية، كان المهرجان العربي مطروحا كحدث لافت لا بد منه..
عنوانا صحافيا مهمّا بين عناوين المجلات ونشرات الأخبار المتخصصة.
كان لدى المهرجان قدرة على الحضور الذي يثير الفضول والإعجاب معا.
الآن كل شيء ساكن باستثناء حفلة صغيرة هنا وإعلان طبيعي هناك.
اتصالات محدودة. مبرمجون يشاهدون ويختارون ويتّصلون ويقومون بما هو
ضروري، لكن لا شيء يمكن إعلانه والترويج له في المجلات اليومية
الصادرة في «كان»، سوى إعلانات حول موعد إقامة الدورة المقبلة.
ذلك الزخم السابق، الانطلاقة القوية، الجهود المبذولة بصدق لم يعد
يواكبه الإعلان عن انتصار ما. عن فيلم فاز به هذا المهرجان أو ذاك.
عن قبول سينمائي كبير حضور الدورة المقبلة أو عن نقلة نوعية تثير
الأقاويل وتستدعي من المجلات المذكورة، التي تنطق بلسان حال
المجتمع السينمائي الدولي طوال أيام المهرجان، ويستمر دورها لما
بعده، التسابق على نشر الأخبار والتحقيقات.
آخر المعلن عن أن الدورة الثانية لمهرجان أجيال الذي تقيمه مؤسسة
«الدوحة فيلم إنستتيوت» التي كان أعلن عن قيامها ما بين السادس
والعشرين والثلاثين من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل قد تنتقل
إلى الثاني من ديسمبر (كانون الأول) وحتى السادس منه، أي إنها
ستختتم قبل أربعة أيام من انطلاقة مهرجان دبي. الخطوة غير مفهومة
إلا من خلال تنافس لن يثمر عن نجاح مهرجان الدوحة أو تأثيره على
دبي، بل سيكتفي بالتسبب في جدولة مزعجة من ناحية ومزاحمة لا معنى
لها مطلقا.
وفي أحد أعداد «ذا هوليوود ريبورتر» و«فاراياتي» إعلان عن مهرجان
القاهرة السينمائي الدولي كان يحتاج لكتابة أفضل عوض «بداية جديدة
لمهرجان قديم». لا عنصر البداية الجديدة ولا عامل السن «القديم»
يوعزان بأن المهرجان نفسه سيكون أفضل، والمشكلة هي أنه سيكون أفضل
في الواقع من أي من السنوات العشر الأخيرة له بعدما آلت إدارته
للزميل سمير فريد، لكن ليس لما يحاول ذلك الشعار تحقيقه.
المسألة لا تنتهي عند هذا الحد مطلقا، لأن المعضلة الرئيسة في كل
ذلك هو أن المهرجانات العربية تطلب الأفلام ولا تطلبها هي. على عكس
المهرجانات الكبيرة الأخرى، حيث يسود العرض والطلب، فإن الوضع ما
زال كما كان عليه منذ البداية: المنتجون والمخرجون الدوليون (كبارا
أو صغارا) لا يختارون هذا المهرجان أو ذاك لعرض أعمالهم.
السينمائيون العرب يفعلون لأن المهرجانات تحوّلت إلى احتمالات
ربحية تعوّض الخسارة التي يتعرّض إليها معظم المنتوج لعدم توفّر
الأسواق، لكن غير العرب ما زالوا ينظرون إلى تلك المهرجانات
الأميركية أو الأوروبية حيث يستطيعون بيع إنتاجاتهم ما يعود بنا
إلى حال الأسواق العربية التي تفتقر، في معظم دولها، إما إلى
الاستقرار الأمني حاليا أو إلى إسهام جدي من المسؤولين لتحريك
عجلتها، وهذه بدورها تحتاج للتزامن والربط مع سياسة ثقافية شاملة.
*
أفلام اليوم
*
هل تجد رئيسة لجنة التحكيم ضالتها في اختيارات كان من أفلام
المرأة؟
ارتفعت الأصوات هذه السنة لتتحدّث عن حضور المرأة الذي تلا غيابها
في السنوات الماضية. رئيسة لجنة التحكيم هي المخرجة النيوزلندية
جين كامبيون وهناك رئيسات وعضوات في لجان التحكيم الأخرى. إنه كمن
لو أن «كان» اكتشف المرأة من جديد.
الحال أن «كان» أضطر إلى ذلك بسبب النقد الذي وُجّه إليه خلال
السنوات السابقة حيال غياب الأفلام التي تخرجها النساء علما بأن
المرأة موجودة كمخرجة في السينما منذ العقد الأول من القرن الماضي.
لكن إلى جانب هذا الوجود انتمت السينما في غالب العاملين فيها إلى
الرجال. من مالكي استوديوهات إلى رؤسائها ومنهم إلى رؤساء أقسامها
ثم منتجيها ومخرجيها وكتابها وموسيقييها ومصوّريها. طبعا هناك نساء
بين كل هؤلاء، إلا أن وجودهم محدود. في هوليوود، كما في غيرها،
تكتب غالبية السيناريوهات لبطولة رجالية أو لبطولة رجالية - نسائية
مشتركة. قلة، بالمقارنة، هي التي تتحدث عن المرأة وخصوصا المرأة
الناضجة.
على الرغم من ذلك لو أراد المهرجان سابقا أو اليوم تأليف نصف قائمة
أفلامه الرسمية من أفلام نسائية لاستطاع لكنه كان سيواجه إخفاقا
نوعيا كون معظم المخرجين الذين اعتاد اللجوء إليهم، وهم اللجوء
إليه، من الرجال من سنواته التأسيسية إلى هذا الحين. كما كان
سيواجه عدم توازن لأن عدد الرجال الواقفين وراء الكاميرا هم، في
نهاية المطاف، أربعة أضعاف عدد النساء على الأقل.
على ذلك، إذا ما أرادت رئيسة لجنة التحكيم البحث عن أفلام نسائية
تقترحها للفوز بإحدى الجوائز الرئيسة، فإن لديها فيلما من هذا
النوع هو «جمّد الماء» لليابانية ناوومي كواسي. وإذا ما أرادت
الاعتماد على فيلم يتحدّث عن المرأة في المقام الأول، فلديها
فيلمان تختار أحدهما هما «رجل الديار» لتومي لي جونز وبطولة هيلاري
سوانك و«يومان وليلة» للأخوين البلجيكيين جان - بيير ولوك داردان.
*
أمواج عاتية
*
يفتح «جمّد الماء» على لقطات للبحر الهائج. ثورة عاطفة تحرّك ذلك
الكائن المخيف تلتقطها كاميرا يوتاكا يامازاكي على نحو كابوسي.
اللقطة الطويلة الثانية هي للبحر وقد همد كما لو أنه أيقن أنه لن
يستطيع ابتلاع اليابسة فجمد. فيلم جين كامبيون الذي نال هنا سعفة
«كان» سنة 1993 وعنوانه «البيانو» بدأ بداية قريبة من هذا لبحر
هائج ثم لقطات للبحر وقد هدأ. لكن اللقاءات تنتهي عند هذا الحد
عمليا. فيلم كواسي ينتمي إلى أسلوبها الخاص في العمل: ابتكار فكرة
جيّدة وتأليف قصّة مثيرة وصادقة المشاعر حولها، ثم وضع سيناريو لا
ينجز الموعود منهما وتنفيذه على النحو المكتوب. في مكان ما بين
الكتابة والتنفيذ المصوّر تضيع المخرجة في محاولتها الإجادة في كل
شيء. تسرح طويلا وتكرر كثيرا وتعود إلى البدايات أكثر من مرّة. في
المقابل، وإلى جانب بلورتها لفكرة تعيشها بصدق، هناك حسن استغلالها
للمواقع التي تختارها للتنفيذ (القرى، الجبال، البحر). تستغلها
جماليا حتى في أدكن لحظاتها. تلك الأمواج العاتية تنضح بالحياة،
رغم أنها مخيفة.
وهي إذ تركّز على البحر تدفع بأبطالها إلى نوع من تقديسه. في
الأساس لدينا حكاية صبي وفتاة مراهقين يعرفان بعضهما كرفيقي مدرسة.
يكتشف كايتو (نيجيري موراكامي) جثّة عارية في الماء ولن نعرف
مكانها من الإعراب في هذا الفيلم إلا قرب نهاية الفيلم. كايتو يعيش
مع أمّه بعد انفصالها عن أبيه. كتوم. لا يضحك ومنطو إلى حد ملحوظ.
الفتاة التي تحبّه، ولو أنه حب مبكر (جون يوشيناغا) تعيش مع
والدتها وأبيها. تقارن المخرجة بين العائلتين: واحدة انفرط كيانها
وأخرى ملتحمة. الصبي هو نتاج الأولى. الفتاة هي نتاج الثانية. هذه
المقارنة ليست متسرعة ولا هي مباشرة بل تكشف عن نفسها بالتدريج وهو
أمر جيد ويلعب في خلفية الموت البطيء الذي سينال من أم الفتاة
ميوكو ماتسودا. مشهد الوفاة ذاته هو فصل كامل. الروح تستعد لمغادرة
الجسد طويلا قبل أن تغادره فعلا وخلال ذلك أغاني من ثقافة جزيرة
أمامي أوشيما التي اكتشفت المخرجة حديثا أن جدتها أتت من هناك
والتي تقع فيها الأحداث. أغاني فرحة ترد البسمة إلى وجه الأم،
وأخرى حزينة ولو أن المحيطين بآخر لحظاتها يغنونها بنشوة.
كياتو يفتقد لكل ذلك وما يلبث من بعد أن ينفجر في والدته كونها لم
تتوقف عن العلاقات الجسدية وبين أكثر من عشيق منذ غياب أبيه.
الجثّة التي في أوّل الفيلم هي جثّة آخرهم، كما يقول. هل قتله هو؟
أمر مستبعد لكن المخرجة لا تجيب إيجابا أو سلبا. بل إن الكثير من
الأمور تبقى فالتة بما في ذلك المعنى المجسّد بالبحر في كل حالاته،
والمقصود بذبح الشاة بالطريقة المؤلمة التي تتابعها الكاميرا
لتسجيلها. طبعا يستطيع المرء أن يفسّر وقد يكون مصيبا لكن بعض
المفقود ما بين السيناريو والتنفيذ يكمن في تحديد وجهة نظر المخرجة
ما يفي بحق المشاهد في معرفة كنه الترميز المطلوب.
في كل هذا تحافظ المخرجة على أسلوبها الدائم: كاميرا محمولة باليد
التي لا تتوقف عن الاهتزاز لتأكيد منحى تسجيلي. وهي تعرف ما تفعله
(ولو أن ما تفعله ليس بالضرورة جيّدا) فهي تحاول أن تحاكي رغبتها
الدائمة في تقديم الفولكلور الياباني على الشاشة العريضة والمرّات
التي تنجح فيها هي أقل من تلك التي يتحوّل فيها العمل إلى استطراد
يكاد لا ينتهي.
*
شحنة واقعية
*
في «يومان وليلة» للأخوين داردن دراما اجتماعية مهمّة ونسائية
بالكامل: بطلة الفيلم (ماريون كوتيار) تؤكد هنا أنها أفضل وأصدق في
أدوارها الأوروبية من تلك الهوليوودية التي تلجأ إليها من حين
لآخر. تلعب هنا شخصية العاملة التي تخسر وظيفتها بعد تصويت زملائها
بصرفها. هي بحاجة للوظيفة والعمل (زوجها يعمل نادلا في مطعم صغير)
وهم بحاجة إلى المكافأة السنوية المنتظرة ورئيس مجلس إدارة الشركة
وضعهم أمام اختيارين: إما الموافقة على صرفها وإما الموافقة على
إلغاء المكافآت، وذلك في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها
الشركة وتلك الأشمل التي تمر بها أوروبا.
الأخوان داردن يتابعان بطلتهما وهي تقوم يومي السبت والأحد (قبل
اجتماع ثان يوم الاثنين) لإقناع زملائها بالتصويت ثانية لصالحها ما
يعني أن الموافقين سيخسرون مكافآتهم. تنتقل من مكان لآخر وتحصد
قبولا من البعض ورفضا من البعض الآخر. هذا البذل في سبيل الاحتفاظ
بالعمل ليس مجرد طلب تقوم به بابتسامة عريضة. هي تحت الضغط
وأحوالها النفسية متردية وزوجها يحثّها إذ يخشى حاجتهما للمال إذا
ما توقف عملها. فوق ذلك، تشعر بالمذلة وهي تطلب. تخبر زوجها بأنها
تتسوّل.
كل ذلك يصل جيّدا إلى المشاهد مشبعا بالطرح الاجتماعي الذي طالما
ميّز أعمال المخرجين المعروفين. ساندرا (بطلة الفيلم) مهزومة من
قبل أن تبدأ وشعورها بالهزيمة يتعالى إلى أن تبتلع ما عندها من
مسكنات دفعة واحدة لكي تموت. لكن زوجها وصديقتها يسعفانها فتعود
إلى أرض المعركة بإيمان. المفاجأة في النهاية ليست في أنها خسرت
العمل، بل في تلك الشحنة من المؤازرة التي تشعر بها حيال بعض من
منحها صوته فهناك ذلك الأفريقي الذي قد يخسر وظيفته وإذا ما خسرها
سيخسر إقامته. رغم ذلك منحها صوته. إلى جانبه هناك العربي هشام
وصديقتها التي فضّلت ترك زوجها الممانع على أن تدير ظهرها لساندرا،
كما فضّل هشام أن يواصل قحط الرزق في عمل آخر يقوم به «في الويك -
إند» كما يقول لإعالة عائلته.
جيّد ذلك التآلف وعدم التفرقة بين مواطني وقاطني البلد الواحد.
العدو، يوحي الأخوين القول، هو ذلك الوضع الاقتصادي وهما ليسا في
وارد تحليله بل النظر مباشرة إلى بعض نتائجه.
*
حامي الديار
* «رجل
الديار» لتومي لي جونز هو أول إخراج له منذ أن حقق عمله السابق
«ثلاثة مدافن لملكياديس استرادا» (2005). كلاهما وسترن (كذلك حال
فيلمه المقبل «ذا كاوبويز») وكلاهما من خارج التقليد والتنميط. في
«ثلاثة مدافن» هو وسترن حديث فيه السيارة لجانب الحصان وربوع الغرب
الأميركي. هنا هو غرب في زمنه الكلاسيكي. لكن لا شيء نمطيا في
موضوعي الفيلمين. لي جونز الذي لم يظهر، ممثلا، في أفلام وسترن
كثيرة من قبل، خص نفسه حتى الآن بهذا النطاق من الأفلام مبتعدا في
الوقت ذاته عن الحكايات التي عادة ما نراها في أفلام هذا النوع.
في «رجل الديار»
Homesman (المقصود
المبطّن في العنوان هو «حامي الديار») تمثل هيلاري سوانك شخصية
امرأة اسمها ماري بي تعيش وحيدة في بلدة نائية في غرب ولاية
نبراسكا. لقد تجاوزت سن الشباب لكن ذلك لا يمنعها من أن تعرض، من
دون وجل، على أحد الجيران الزواج بها. حين تحضر اجتماعا في الكنيسة
يقوده الراعي (جون لوثغو في دور قصير) حول من سيقود ثلاث نساء
مجنونات إلى المصحّة في شرقي البلاد تتبرّع هي بالمهمّة وتفوز بها
رغم معارضة البعض. في طريقها للتنفيذ تمر برجل مربط اليدين جرى وضع
عقدة حبل مشدودة على عنقه وترك تحت رحمة حصانه. إذا تحرّك من تحته
ضاقت العقدة ومات مشنوقا. توافق على فك قيده وإنقاذه من الموت إذا
ما عمل لديها وبالطبع يوافق. بريغز (تومي لي جونز) ليس رجلا معروفا
بالنزاهة والبطولة، لكن يمكن الاعتماد عليه في المهام أو هكذا تقرر
ماري بي التي تنطلق بعربتها والنساء مقيّدات داخلها عبر البراري في
رحلة شاقّة.
خلال الرحلة سيواجهان بعض المخاطر، لكن الفيلم لن ينحني أمام إغراء
توظيف تلك المخاطر لتقديم معارك أو مشاهد تشويقية. لكن بعض تلك
المشاهد لا تبدو وقد اهتم بكتابتها على نحو جيّد. مثلا المشهد الذي
يعترض بعض الهنود الحمر العربة فيهديهم بريغز حصانا فينصرفون للتو.
حتى ولو أن ذلك قابل للحدوث، إلا أنه مقدّم كما لو كان الحال
الطبيعي أكثر من سواه.
بعد ذلك، ومن دون الكشف عن مفاجأة مهمّة في الأحداث، يشتد عود
الفيلم في مشاهد النهاية ليس بسبب دور قصير آخر لميريل ستريب، بل
لأن بريغز، وقد بات مسؤولا بالكامل عن القافلة يكتسب الوصف الممنوح
له في العنوان فعلا. لكن الفيلم رغم هذا، يبقى حريصا على إبراز دور
بطلته هيلاري سوانك التي لم تنجح في العثور على أدوار درامية مهمّة
تقوم بها خلال السنوات الخمس الأخيرة بما في ذلك دورها في «أميليا»
للمخرجة ميرا نير الذي كان من المفترض به أن يؤكد على حضورها
كممثلة جيّدة لكنه فشل تجاريا فشلا كبيرا. فيلمها الأسبق الذي حقق
لها أوسكار أفضل ممثلة وحضورا كبيرا تستحقه كان «مليون دولار
بايبي» لكلينت إيستوود (2004).. وهو ممثل - مخرج آخر ولو أنه أكثر
نشاطا على جانبي الكاميرا من تومي لي جونز.
هذا فيلم صغير الميزانية (تستطيع أن تعرف ذلك من خلال بعض اختيارات
الأحداث) والحاشية معا. جيّد في ابتعاده عن السائد وفي تصويره
(لرودريغو برييتو) لكنه خافت مثل موسيقى تتطلّب بعض النوتات
العالية لكي تحقق كامل وجودها.
*
مخرجون فازوا أكثر من مرّة
*الفوز
مرّة واحدة في سباق أفضل مخرج (قلب الجوائز) صعب، لكن حفنة قليلة
أنجزت ما يشبه المعجزة:
-
رينيه كليمان (فرنسي) عن «معركة خط السكة» (1946) و«جدران
مالابايا» (1948).
-
روبير بريسون (فرنسي) عن «هروب رجل» (1957) و«المال» (1983 تناصفها
مع الروسي أندريه تاركوفسكي عن «نوستالجيا»).
-
سيرغي يوتكيفيتش (روسي) عن «عطيل» (1958) و«لينين في بولاند» (1966).
-
جون بورمان (آيرلندي) عن «ليو الأخير» (1970) و«الجنرال» (1998).
-
جويل كووَن (أميركي) عن «بارتون فينك» (1991) و«الرجل الذي لم يكن
هناك» (2001 تقاسمها مع الأميركي ديفيد لينش عن «مولهولاند درايف»).
*
الممثلات الفائزات: غالبية أوروبية
*
لم تتمتع الممثلات الأميركيات بالكثير من جوائز «أفضل ممثلة» في
مهرجان كان السينمائي خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية. تحديدا
مُنحت هذه الجائزة، خلال هذه الفترة، سبع مرّات لفرنسيات، ومرتين
لصينيات ومرتين لبريطانيات ومرتين لدنماركيات. بينما توزعت الجوائز
الأخرى على الدول التالية بمعدل جائزة «أفضل ممثلة» واحدة لكل
دولة: إيطاليا، بولندا، رومانيا، إسبانيا، كندا، كوريا، البرازيل،
كندا وإسرائيل.
أما عدد الممثلات الأميركيات اللواتي فزن بها خلال هذه الحقبة فهو
ثلاث وهن:
-
ميريل ستريب عن «صرخة في الظلام» سنة 1989
-
هولي هنتر عن «البيانو» سنة 1993
-
كرستين دانست عن «كآبة» سنة 2011 |