«الوطن»
تفتح الملف:
الأطفال فى السنيما.. «جرائم» على هامش الإبداع
من «فيروز» و«داش» حتى كريم الأبنودى فى «حلاوة روح»
كتب : نجلاء أبوالنجا ومحمد عبدالجليل ونورهان
طلعت
فجرت أزمة فيلم «حلاوة روح» العديد من القضايا المزعجة التى يعانى
منها الإبداع وحريته فى السينما المصرية، ودق الهجوم المبرح
معنوياً وجسدياً على الطفل بطل الفيلم كريم الأبنودى ناقوس خطر فتح
العديد من الملفات، وأخطرها استخدام الأطفال فى السينما. ورغم أن
تاريخ السينما حافل بأطفال كانوا نجوماً وأبطالاً، واستخدموا فى
الكثير من الأفلام المهمة التى تعتبر علامات فى السينما، منذ أفلام
فيروز ولبلبة وأحمد فرحات، مروراً بأفلام عاطف سالم مثل «أم
العروسة» و«الحفيد» وغيرهما، ثم أفلام مثل «إمبراطورية ميم»
و«العفاريت» و«حين ميسرة» و«السفاح»، وحتى أفلام جنى ومنة عرفة
الأخيرة، وصولاً إلى فيلم «لا مؤاخذة» و«حلاوة روح».. ودون مقدمات
وعن طريق «حلاوة روح» اكتشف الجميع أن ذلك معارض لقانون الطفولة
بنصوص محددة ومعلنة، الأمر الذى يفجر عدة تساؤلات، على رأسها هل كل
الأطفال الذين ظهروا فى أعمال سينمائية أو درامية كان وجودهم غير
قانونى؟ وهل صحيح أنه لا يجوز استخدامهم فى أعمال جادة وقضايا
حساسة تخص المجتمع، بدعوى أن ذلك يتنافى مع براءة الطفولة؟ وهل
وجود الطفل فى السينما لا يُسمح به إلا فى إطار الأفلام الكوميدية
البسيطة فقط، وأنه سيتم تجريمه فيما عدا ذلك؟ «الوطن» تفتح فى هذا
الملف مشكلة الأطفال فى السينما، وحدود استخدام الطفولة قانونياً
وإبداعياً.
ماجدة خير الله: عالجت مشكلة استخدام الأطفال فى «العفاريت» وما
يحدث الآن رجوع لإمبراطورية «ساكسونيا»
فى البداية قال المخرج مجدى أحمد على: «لا بد من التأكيد على أن
الفن أكثر تعقيداً من الرسائل الإعلامية، فالفن لا يخضع لتلك
المعايير فى الحكم عليه، ومع كل احترامى للجمعيات الأهلية التى
تتعامل مع الفن على أنه رسالة بسيطة وخطابية، فإن ذلك التعامل يهين
الفن، فالكلام على الفن لا يصح اختصاره فى رسالة أو خطاب، فليس
المهم هو استخدام الطفل أو طريقة ذلك الاستخدام، بل المهم هو هل
هذا العمل الفنى جيد أم لا، فطالما أقدم عملاً فنياً يستحق
الاهتمام ويحمل قيمة فمن حقى أن أقدم كل شىء وبأى شكل يخدم ذلك
الفن، وخير مثال على ذلك فيلم «الموت فى فينيسيا» وهو من روائع
السينما العالمية وبطله طفل، وفيه يغرم بطل الفيلم بهذا الطفل
ويراه مثالاً لجمال فينيسيا.
وأضاف: «إذا قدمنا فيلماً عن أطفال الشوارع، فيجب أن يتم تصوير
حالهم ومعاناتهم كما هى فى الحقيقة، وإلا فما جدوى الفيلم؟ وكيف
سيتم نقل الصورة الكاملة؟ وما عدا ذلك سيكون أمراً ساذجاً،
والحقيقة أننى منزعج من تقدم عدد من مؤسسات المجتمع المدنى التى من
المفترض أن تدافع عن الحريات بطلبات للحكومة لكى تقمع تلك الحريات،
ومنزعج من ترديد بعض الفنانين تلك النغمة، وأطلب من مراكز الطفولة
رفع يدها عن الإبداع».
أما المخرج على عبدالخالق فقال إنه أثناء عرض الأفلام التى قدمت
الأطفال فى صورة جريئة لم يسمع أى تعليقات من أى جهة حكومية أو
منظمة، لأن وقتها لم تتدخل أى مؤسسة فى عمل الرقابة على المصنفات
الفنية، وبالتالى لم يحاسب أو يتم تجريم لأى طفل مشارك فى هذه
الأعمال مثلما يحدث الآن، وأضاف: «قرار رئيس الوزراء منع عرض
الفيلم شكل دعاية للفيلم بأكثر من عشرة ملايين جنيه، حيث خصصت له
فقرات بالساعات فى جميع برامج القنوات الفضائية دون استثناء،
وأفردت له صفحات فى الجرائد، وأؤكد أن الفيلم سيعاد عرضه مرة أخرى
بعد مروره على الرقابة، وحذف بعض مشاهده وعندها ستزيد إيراداته وهو
ما يجىء فى صالحه، لأنه لم يحقق إيرادات عالية فى عرضه الأول،
وللأسف الضجة حول العمل كانت أكبر من الحدث وأظهرت مدى ارتعاش يد
الدولة وميوعتها فى اتخاذ القرار، فإذا كان يريد اتخاذ قرار صارم
لمنع الفيلم بشكل نهائى».
رامى عبدالرازق: الجريمة هى استخدام الأطفال فى أعمال خارج السياق
مثل «جنى» ومنة عرفة
فى حين يقول السيناريست بشير الديك: «أملك يقيناً راسخاً وهو ضرورة
أن يكون العمل الفنى فى الأصل عملاً جيداً ومحترماً يملك رؤية
وقضية، بعيداً عن أى معايير أخرى، وفى إطار تقديم هذا الفن الجيد
يتم احتمال تقديم أى شىء، طالما سيقدم فى هذا الإطار من الفن
الجيد، وسأضرب مثلاً لذلك بفيلم «إيرما الغانية» والذى تدور كل
أحداثه ما بين شقة دعارة فى «البيجال»، حى الغانيات الشهير بفرنسا،
وليس فيه لقطة تخدش حياء أى شخص، وهذا هو المنطلق والمعيار الأساسى
فى الحكم على العمل الفنى».
ويضيف: «قدمنا فى مصر العديد من الأفلام التى يظهر بها أطفال أمثال
«الحفيد» و«إمبراطورية ميم» وحتى فيلم «لا مؤاخذة» الذى تم تقديمه
مؤخراً ويجاور فيلم «حلاوة روح» فى دور العرض لم ينتقده أحد أو
يوجه له اللوم رغم أنه ملىء بالأطفال، وذلك لأنه يقدم رؤية واعية
ومحترمة وهادفة بعيداً عن إثارة الغرائز».
سينمائيون: على جمعيات ومراكز حقوق الطفولة الاتجاه لأطفال
الشوارع.. ورفع أيديهم عن الأعمال الفنية
وعبرت الناقدة ماجدة خير الله عن انزعاجها الشديد مما يحدث وقالت:
«الأمر كله مجرد هوجة وستنتهى لأنها قائمة على غير منطق، ومن جهات
«فاضية»، تحاول البحث عن دور تافه وتترك القضايا الحقيقية، فأطفال
الشوارع الحقيقيون يملأون الشوارع ويحتاجون للرعاية وهم ملقون تحت
الكبارى، ويعتدى عليهم بدنياً وجنسياً، ومن باب أولى أن تتجه هذه
الجمعيات إلى هؤلاء الأطفال بدلاً من الاتجاه لمحاربة الأطفال
الممثلين فى السينما. ولى تجربة سابقة فى فيلم «العفاريت» بطولة
مديحة كامل وعمرو دياب، وكان به عدد كبير من الأطفال، حيث ألقيت
الضوء على قضية أطفال الشوارع واستخدامهم فى ترويج المخدرات، وما
يتعلمونه من سرقة وإدمان، وكانت قضية شديدة الخطورة والحساسية ولم
يعترض أحد، بل بالعكس نال الفيلم كل الاحترام وما زال يعرض حتى
اليوم رغم مرور 20 عاماً على صنعه، وإذا كان استخدام الطفل عيباً
فى السينما فلماذا لا تتم محاسبة الأعمال السابقة؟ وإذا رجعنا
للوراء سنجد فيلماً مثل «إمبراطورية ميم» قام فيه هشام سليم وهو
طفل بتقبيل الخادمة، ودخن السجائر وشرب بيرة، لأنه كان يجسد شخصية
طفل مراهق، وكذلك فيلم «حين ميسرة» الذى كان يعالج قضية الأطفال
المشردين، لدرجة أنهم كانوا يمارسون الجنس معاً، ويعانون من
الضياع، ولم يتهم أحد الفيلم بأنه ينتهك الطفولة أو يعتدى على
البراءة، لكن ما نراه الآن مهزلة، و«حلاوة روح» فيلم ضعيف على
المستوى الفنى، بغض النظر عن فكرة الطفل، وقانونية ظهوره، وأرى أنه
يجب أن تبتعد منظمات الطفولة عن الإبداع، لأنه حالة استثنائية ويجب
ألا تعمم عليه هذه النصوص العقيمة وليتجهوا لدورهم الحقيقى
ويعالجوا الطفولة المشردة بالشوارع».
وتابعت «خير الله»: «نحن نعالج واقعاً رديئاً ولا بد أن يكون هناك
طفل حسب وجهة النظر الإبداعية، ودورنا ألا يتعارض وجود الطفل مع
حرية الإبداع، ولا يكون مهيناً فى نفس الوقت، فلم يكن الإبداع
يوماً إهانة لأى إنسان، حتى وإن كان طفلاً ويعرض قضية حساسة،
وعلينا التصدى لتجريم استخدام الأطفال فى السينما لأنهم مع الوقت
سيجرمون ظهور المرأة، ويعتبرون ذلك إهانة، ثم يأتى الدور على
الرجال بحجج مختلفة وكل هذا مخالف للإبداع، وأعتقد أننا نحارب مع
جبهة متخلفة، ونعيد ما يسمى قانون أو إمبراطورية «ساكسونيا»، التى
تترك معاقبة الشخص وتحارب خياله، أما الناقد رامى عبدالرازق فقال:
«الطفل منذ بدء السينما وهو عنصر أساسى لا يتخلف عن الإبداع
وحريته، منذ أيام أنور وجدى وفيروز ولبلبة وأفلام عاطف سالم وحتى
الآن، وله وجود ميلودرامى مرتبط بالسياق الفنى والمرحلة الزمنية
وما يسيطر عليها من عادات وصفات، لكن بكل صراحة فى الفترة الأخيرة
هناك استغلال سيئ للطفولة فى السينما، خاصة فى أفلام الأخوين
السبكى، حيث يحاول المنتجان جذب الأسرة عن طريق حشر طفل فى الفيلم
بهدف مادى، حتى يذهب الأطفال فى الأسر لمشاهدة الفيلم ويصطحبون
أسرهم مرغمين، وللأسف الشديد الأفلام الأخيرة التى قدمت أطفالاً
كانت شديدة السوء، وعلى رأسها أفلام جنى ومنة عرفة مثل «آخر كلام»
و«حصل خير» وكلها فعلاً أوضاع مهينة للطفولة، خاصة إذا عرفنا أن فى
فيلم «حصل خير» يتم إلقاء مشكلة إخصاء رجال أمام الطفلة جنى بطلة
الفيلم، وتتفوه بألفاظ تتنافى مع طفولتها وبراءتها، وهذا كان يؤذى
الأطفال الذين يدخلون الفيلم. وكذلك الأمر بالنسبة لمنه عرفة فى
فيلم «آخر كلام»، وأعتبر أن استخدام الأطفال كوسيلة جذب ودون سياق
فنى محترم هو الجريمة الحقيقية، أما الأطفال على الشاشة فهم جزء لا
يتجزأ بوجه عام من الإبداع، وتجريم ذلك تعدٍ سافر على حرية الإبداع
والمبدعين لا يمكن تصوره أبداً».
من جانبه قال الناقد طارق الشناوى: «مشاركة الأطفال فى أعمال
سينمائية صادمة ليس بجديد، فقد قدمت السينما فى عام 1954 فى فيلم «جعلونى
مجرماً» نماذج لأطفال تقوم الراحلة نجمة إبراهيم بتوجيههم ودفعهم
نحو تعلم السرقة والاستيلاء، وقدم أنور وجدى فى أفلامه نماذج
للطفلة التى حولها إلى امرأة مسخوطة، وإذا حكمنا عليه اجتماعياً
سنقول إنه سرق طفولتها، فالمنظومات الاجتماعية تعتبر هذه النماذج
فى الأفلام متجاوزة فى حقوق الأطفال، بعكس ما قدمت فاتن حمامة فى
فيلم «يوم سعيد» فقد قدمت لنا طفلة خفيفة الظل، دون وجود أى
انتهاكات لطفولتها، لكن يظل القانون المباشر يمنع عمل الأطفال
ويجرمه لأنه فى المطلق يجرم عمل الأطفال».
ويتابع: «لم يحدث أى هجوم على أى من هذه الأفلام وقت عرضها، لأننا
أصبحنا اجتماعياً أشد وأكثر تقليدية وتراجعنا للخلف، وأصبح لدينا
شىء أشبه بالانتقام، وللأسف فوجئت ببعض الفنانين والمثقفين وقد
أصبحوا أكثر تحفظاً من الدولة، وقالوا أثناء الاجتماع مع رئيس
الوزراء إنهم كانوا سيقومون بثورة لوقف الفيلم إذا لم يصدر قراره
بإيقافه، وللأسف بعض الأصوات التى انتظرت دفاعها عن فكرة حرية
الإبداع أمسكوا العصا من المنتصف، ولم يكونوا مباشرين فى رفضهم
لفكرة وقف الفيلم، ليس دفاعاً عنه على وجه الخصوص لكن دفاعاً عن
المبدأ ذاته، أما الناقد عصام زكريا فقال: «لا أرى تبريراً لهذه
الضجة التى نشاهدها حالياً، فهناك جهل حقيقى من بعض منتقدى الفيلم
حول صناعة السينما، لأن الطفل يصور مشاهده وحده ثم يقوم المخرج
بتركيبها على باقى المشاهد دون أن ينتهك طفولته، ثم إن الفيلم
«للكبار فقط» أى لا يشاهده الأطفال، وبالتالى أين الانتهاكات التى
عرضها الفيلم لهؤلاء الأطفال؟ وإذا حدثت انتهاكات من خلال تشغيل
الأطفال ساعات عمل زيادة أو تعرضهم لألفاظ أو للضرب فالمسئول عن
ذلك هو مكتب العمل أو جمعيات حقوق الطفل، لكن بعيداً عن ذلك لا
يوجد أى انتهاك للطفولة». |