أداء رفيع المستوى لنيكولاس كيج فيلم
«جو»
التضحية لحماية الشباب من الجريمة!
عبدالستار ناجي
تشرفت بلقاء النجم الاميركي نيكولاس كيج ثلاث مرات بين مهرجاني كان
وفنيسيا، وفي كل مرة، هو ذلك المحاور الرصين، وذلك العمق، الذي
يتجاوز بكثير طروحات أفلامه التي ظلت مشبعة بالمغامرات، حسب
مواصفات شركات الانتاج والتوزيع.
ومنذ أيام شاهدت فيلمه الاخير
«جو»والذي
تأخر عرضه لأكثر من عام تقريبا، بحجة عدم الحصول على صالات عرض،
وبعد الخروج من الفيلم اكتشفت السبب، انه
«نيكولاس
كيج»الذي
اختار مؤخرا، ان يسبح بطريقته... وان يمثل بطريقته وليس بطريقة
صناع الانتاج ومواصفات هوليوود.
في فيلم
«جو»ستشاهدون
نيكولاس كيج الحقيقي، صاحب القدرات الفنية، وليس الجسدية...
والعضلات المفتولة...
فنان حقيقي يمثل بمستوى رفيع، ويتصدى لموضوع في غاية الاهمية، وهي
محاولة من تورط بالجريمة، ان يكفر عن ماضيه، ويحمي صبيا شابا من
الانزلاق الى الهاوية وتكرار معادلة الجريمة التي عاشها هو نفسه
حينما كان في ذات العمر تقريبا، وحينما اضطرته الامور الى الانزلاق
للجريمة نتيجة عنف الآخرين اتجاهه... وهو لا يريد لغيره من الشباب
ان يسيروا في ذات الاتجاه.
فكرة ذكية، وموضوع انساني، لمحاربة الفقر... والجريمة... والعنف،
يتخلى من خلاله نيكولاس كيج عن كل شيء من مشواره ونجوميته وحتى
أجره ليقدم عملا سينمائيا، يضاف الى رصيده الفني... وليس المادي.
الفيلم يعتمد على سيناريو كتبه غاري هاويكنز، مستمدا على رؤية بنفس
الاسم من توقيع الروائي الاميركي لاري براون وقد توفي هذا الاخير
عام 2004.
قام باخراج الفيلم دايفيد غوردن غرين الذي أخرج أفلام
«كل
الفتيات الحقيقيات 2003»و«جورج
واشنطن 2000»و«برنس
أفلانشي - 2013»بالاضافة
لكم كبير من الاعمال التلفزيونية.
المحور الروائي، يتحدث عن لقاء أحد المسؤولين عن العمال في
الغابات،
«جو
- نيكولاس كيج»
الذي عاش ماضيا صعبا نتيجة تورطه بجريمة، يلتقي بشاب في الخامسة
عشرة من عمره، جاء لطلب العمل معه في الغابات، يعيش ذات الظروف
التي عاشها
«جو»في
صباه، وأوصلته الى الجريمة... وهو يحاول حماية ذلك الشاب
«جاري
- كي شيريدان»من
الانزلاق الى ذات الدرب، نتيجة عنف أسرته... وبالذات والده المدمن.
فيلم يذهب الى الاحاسيس... والعمق، عكس جملة أفلام كيج السابقة،
التي تنشغل بالمغامرات والحروب.... والعضلات.
فيلم يذهب الى الانسان وقضاياه، وتأمين الفرص الحقيقية من أجل حياة
كريمة... وعمل يحمي الاسرة... والانسان من الضياع.
يحاول الشاب
«غاري»العمل
مقابل اي شيء، وبأي وظيفة من أجل حماية والدته وشقيقته من الضياع
نتيجة ادمان والده... وفقر أسرتهم... وهنا نشيد بالأداء الرائع
لغاري بولتر
«لدور
الاب المدمن»وهو
بلا أدنى شك دور صعب... وعنيف... وحاد.
وفي المقابل، هناك أداء نيكولاس كيج، الذي يتساءل المشاهد حينما
يخرج من الفيلم، لماذا أضاع هذا النجم كل هذه السنوات، وراء أفلام،
ما ان تخرج منها حتى تنساها... وتنسى التفاصيل في الأداء...
أجواء الفيلم تظل محصورة في عوالم الغابات وقسوة الحياة، وايضا
تسليط الضوء على معاناة الطفل الذي يجد نفسه مضطرا لان يكبر...
ويعاني من أجل حماية أسرته، وايضا نظرة
«جو»اليه،
والذي يرى به نفسه، وطفولته، وظروفه، ولهذا فهو يحاول حمايته، حتى
لو اضطرته الظروف الى مواجهة الظروف مكانه، ولا نريد ان نحرق
الأحداث، حينها نقول، بان تضحيات
«جو»
تذهب بعيدا من اجل عدم تكرار ميلاد مجرم او متهم جديد.
فيلم يقول الكثير، فهو يتهم المجتمع، والظروف، والادمان، في السبب
المباشر بالعنف والجريمة ولهذا يدعو الى تأهيل المدمنين، وايضا منح
فرص عمل حقيقية للاجيال، وحماية الابناء من الوقوع تحت الظروف
والضغوط.
فيلم يقول الكثير ايضا، بالذات، فيما يخص امكانات النجم نيكولاس
كيج الذي تنازل عن ثلاثة ارباع أجره، من اجل ان يقدم هذه الشخصية
وهذا الفيلم الذي ظل ينتظر في العلب، لانه لم يجد الجهة الموزعة،
وصالات العرض، التي وجدت في خروج نيكلولاس كيج عن النهج الذي عرف
به مشكلة، فبعد ان كان مجرد عضلات تحقق العدالة، تحول الى انسان
يعيش ظروف الآخرين لتحقيق العدالة.
ونشير هنا الى ان ميزانية الفيلم بلغت 6 ملايين دولار، علما بان
أجر نيكولاس عن أفلام المغامرات يصل الى 30 مليون دولار. ويبقى ان
نقول: انها دعوة للاحتفاء بنجم عرف الطريق الحقيقي لسينما الانسان
وقضاياه، انه نيكولاس كيج الرائع. |