ثيمته الصراع بين الأفكار القديمة والقيم الإنسانية
فيلم {قبل سقوط الثلج» لهشام زمان
كاظم مرشد السلوم
من الأفلام السينمائية العراقية المهمة التي عرضت في مهرجان أبو
ظبي السينمائي في دورته السابعة، وحاز جائزة أفضل فيلم من العالم
العربي ضمن مسابقة آفاق جديدة هو فيلم المخرج الكردي هشام زمان "
قبل سقوط الثلج ". الفيلم يؤكد حرفية صانعه هشام زمان ابن كركوك
الذي خبر الأفكار القديمة وربما عاش تحت وطأتها، تلك الأفكار
المنضوية تحت وطأة أشد عتمة هي وطأة الدكتاتورية التي حرصت على أن
تبقي الشعب العراقي أسير هذه الافكار، ونجحت في ذلك الى حد كبير،
إذ لايزال الكثيرون يعيشون وفق ما تمليه عليهم هذه الافكار.
وفق مقولة لايسلم الشرف الرفيع من الأذى، يبدأ هشام حكاية فيلم "
قبل سقوط الثلج" العنوان له دلالته التي تمتد طيلة فترة عرض
الفيلم البالغة 105 دقائق. متخذا من احدى قرى كردستان العراق مكانا
ومادة لحكايته.
هشام يؤكد هنا ان قرى كردستان لا تزال ترزح تحت وطأة تسلط الأغوات،
ولم تنفع فترة الاستقرار الكبير الذي توفر في هذا المكان منذ
العام 1991 في تخفيف أو تجاوز سلطة الأفكار القديمة .
"سيار"
شاب يافع فلاح يعيل عائلته بعد وفاة والده، شكله يدل على عدم نضوجه
فهو مازال في أوج مراهقته، وملامحه تدل على تعصب قروي سيظهر طيلة
فترة الفيلم ولكن قبل سقوط الثلج
!!
أحد الاغوات يخطب اخت سيار لابنه، لكن يبدو ان الفتاة لها علاقة
بأحد شباب القرية، أكثر انفتاحا من غيره، بعد موافقته على الزواج
يكتشف سيار هرب اخته مع احدهم، من هنا تبدأ رحلته، رحلة البحث عن
شقيقته الهاربة لغرض قتلها غسلا للعار وفقا للعرف العشائري، وكذلك
رحلة التغيرات الكبيرة التي ستطرأ على شخصيته فيما بعد نتيجة
اطلاعه، بل اصطدامه بعوالم لم يعشها، عوالم أكثر سعة تحتوي على كل
ما يبهره، وهو الفلاح الذي لم يسبق ان مد بصره أبعد من الجبال
المحيطة بقريته، ويطلع على عادات ربما تستوجب وفقا لنظام العشيرة
وحكم الاغوات عقوبة القتل لمن يمارسها
.
مجازفة خطيرة كادت تودي بحياته، متمثلة بطريقة اجتيازه للحدود
العراقية التركية، من خلال تهريبه بأحد صهاريج النفط الخام، ولف
جسده كاملا بشريط لاصق، إذ يتوجب عليه النزول بكامل جسده داخل
البترول، أثناء تفحص حرس الحدود للصهريج، واعتقد أن بناء هذا
المشهد كان من الصعوبة بمكان على الممثل الشاب طاهر عبد الله طاهر،
الذي لعب دور سيار بطل الحكاية.
اجتيازه للحدود يمثل انتقالا لعالم آخر غير عالمه، عالم سيصادف فيه
الكثير من المفارقات، تلك المفارقات التي ستغير الكثير من قناعاته
فيما بعد
.
ايفين هي الفتاة التركية المراهقة التي تختبىء بملابس الصبيان
لتتمكن من العيش وسط اطفال الشوارع والعمل كصباغ احذية، ظهورها
مصادفة في حياة سيار، هو الانهيار الاول لثوابت طالما آمن بها، اذ
لايستطيع التخلي عنها الى نهاية حكايته.
يستطيع التوصل إلى مكان اخته وزوجها، بوشاية من الشاب القروي الذي
سبق وان ساعدهما على الهروب من القرية، لكنهما يتمكنان من الهرب،
ليعرف فيما بعد ان وجهتهما هذه المرة الى المانيا، التي ينجح في
الوصول لها، بصبحة ايفين المراهقة التي تصر على مرافقته بحثا عن
أبيها الذي تركها وأمها منذ فترة طويلة ليتزوج بأمرأة المانية.
إيقاع الحياة في المانيا مضافا الى ماشهده في تركيا، كان لهما
التأثير الكبير في تغيير قناعاته، لكن المتبقي منها يجبره على
مواصلة رحلة البحث واسترداد شرف العائلة الذي هتكته شقيقته.
الشعور بالحب، وتقربه من ايفين، تشابه قصتهما، هدفهما في البحث،
الضياع في المانيا وقبلها في تركيا، خذلان والد ايفين لها بعد ان
وجدته حين يخبرها انها ليست ابنته، بل هي ابنة صديقته وادعى انها
ابنته لسبب انساني ليس إلا، كل ذلك جعل منه "سيارا" جديدا غير سيار
القروي، ولم يعد يعرف ماذا سيفعل حين يصل الى اخته
.
يسافران الى اوسلو بمساعدة المهربين، هناك في احدى الغابات يلقى
القبض على الجميع، ولا احد يرضى أن يعترف من هو المهرب، ولان
التحقيق، ربما العنيف مع ايفين، جعله يعترف ليكمل رحلته الى اوسلو،
هناك يعثر على عنوان اخته التي تعيش مع زوجها على أطراف المدينة،
دون علمه ان ثمة أشخاصا يلاحقونه يريدون قتله بسبب اعترافه على
المهربين.
بيت منعزل يحيط به الثلج من كل جانب، رسم هشام هذا المشهد بدقة
وحرفية عالية، سيار يطلب من ايفين التي اصبحت لا تعرف اي انسان
غيره، رابطة كل مصيرها به، ان تنتظره في محطة باص ، حيث سينجز مهمة
ما ويعود، يصل الى البيت يراقبه، يشاهد خروج اخته ذاهبة الى العمل،
يفاجئها، يشهر سلاحه لقتلها، لكن ماشهده طيلة هذه الرحلة الطويلة،
وتغير قناعاته وانهيار ثوابت طالما امن بها في داخلة، علاقته
بايفين، يجعله يعفو عنها ويطلب منها الذهاب، لكنه لم يكن يعرف انه
مراقب، ثمة احد ما يتربص له ، ليفاجئه ويطعنه بسكين، ويقتله،
ويتركه ملقى على الثلج، الثلج المتراكم قبل سقوط الثلج الذي سيغطي
جسده. والذي كان يتمنى ان ينهي مهمته قبل سقوطه.
ايفين وحدها تراقب الطريق الموحش الذي بدأ تساقط الثلج يزيد من
وحشته، بانتظار من لايعود.....
قبل سقوط الثلج فيلم طريق لأبطال مجهولي المصير، أبطال غير ناضجين،
لم ينفع نضوجهم المتأخر من إنقاذهم من حتمية نهايتهم، تلك النهاية
التي سببتها أعراف وتقاليد بالية مازالت تخيم على شعوب عدة، ربما
لعقود قادمة ايضا
.
في المشهد الأخير في الفيلم نسمع صوت زغاريد وتصفيق لنشاهد شقيقة
سيار الصغرى تزف الى ابن الآغا، مشهد اراد هشام من خلاله ان يقول
ان مايحكم هذا المكان والاماكن التي تشبهه باقية لاتتغير .
ممثلو هشام زمان تعاملوا مع الموضوع ومع الكاميرا بعفوية
المراهقين، طاهر عبد الله طاهر، سوزان ألير، بهرا اوزان، وبالتأكيد
كان لهشام الفضل في تحريكهم.
هشام جعل كاميرته تتحرك بعفوية مشابهة لعفوية ابطاله، لذلك لم يكن
فيها الكثير من التكلف، بعض المشاهد جاءت لتظهر جمال قرى كردستان،
ووحشة جبالها ووعورة طريقها، وذلك متأت من الحالات النفسية
لأبطاله، المكان يكون معاديا او اليفا تبعا للمعادل النفسي أو
للمزاج من يعيش فيه
.
هشام زمان طرح أسئلة وجودية، لكائن بسيط يقع تحت ضغط نفسي ، خاضع
لشروط اجتماعية قاسية.
الوطن الجزائرية في
|