وثائقي المخرج التونسي كريم اليعقوبي "حديث ثورة" أحد الأعمال
السينمائية التي حاولت التوثيق لأولى ثورات الربيع العربي -الثورة
التونسية- بشكل يختلف عن باقي الأعمال المنجزة في الإطار ذاته
والموضوع نفسه، عمل يستحق المتابعة فمخرجه لم يعتمد على معادلة
السؤال والجواب، التساؤل والتحليل، بل ترك الكاميرا تخاطب الشعب
فقال هذا الأخير ما قال وكان له ما أراد. ومن خلال هذا الحوار
الذي جمعنا بالمخرج "كريم اليعقوبي" سنتعرف على خصوصية العمل الذي
يعتبر جزء لا يتجزأ من أفلام الثورة التونسية
>
·
ما هو الجانب الذي تناوله "حديث ثورة" من الثورة التونسية وفيما
يختلف عن غيره من الأعمال التي تندرج في إطار التوثيق لتلك الأحداث
؟
"حديث
ثورة" الذي يعد أول فيلم وثائقي طويل لي برأيي يختلف عن باقي
الأفلام في أنه لم يطرح أي سؤال بل ترك الشعب يتحدث عن نفسه وعن
همومه ويقدم رأيه بكل حرية حول ما جرى وما هو واقع، فهو يلخص أهم
المراحل التي مرت بها الثورة التونسية منذ شرارتها الأولى من 14
يناير إلى نهاية شهر أغسطس أي حوالي 8 أشهر من الثورة، فقد حاولت
من خلال هذا العمل تجسيد أهم المراحل التي مرت بها الثورة التي قام
ونادى بها الشعب المتمثلة في خروج التونسيين للانتفاض والدفاع عن
ممتلكاتهم الخاصة والتعبير عن رأيهم بكل حرية تجاه الظلم الذي
عاشوه هذا كمرحلة أولى، أما المرحلة الثانية فكانت كيف تم التحضير
من خلال الشارع للقصبة 1 حينما كان الشارع التونسي يغلي بالأفكار
والمواقف، ثم جاءت المواقف التونسية المساندة للثورتين المصرية
والليبية وتواصلت المساندة، وبعدها وقع إعادة تحضير الشارع للقصبة
2 واقتحام الميدان الذي كان محروسا من قبل الجنود والشرطة وكانت
تعبئة كبيرة خاصة في جمعة الغضب، على العموم هو رصد لأهم مراحل
الثورة التونسية والتحولات التي تلتها على الصعيدين السياسي
والاجتماعي وكيفية انتقال الشارع التونسي من فضاء للقمع إلى فضاء
للتعبير واتخاذ القرار وحسم المواقف كل هذا حاولت أن اختصره في 67
دقيقة.
·
يصف بعض المخرجين الأفلام التي أنجزت عن هذه الثورات بالإستعجالية،
لأنها لا تعتمد على تحليل الوقائع والأحداث ما تعليقك على هذا
الأمر ؟
صحيح هناك أعمال تتطلب التحليل والتعمق وقراءة ما ورد، لكن بالنسبة
لفيلمي "حديث ثورة" لست أنا من يحلل ولم أستدعي من يحلل مضمونه،
ولم أتوجه بأي سؤال للشعب بل الشعب هو من تحدث، حلل وعبر عما يريد
لأنه هو من أخذ المواقف واتخذ القرارات، فما كان عليا سوى توجيه
الكاميرا إلى طبقات مختلفة من الشعب، إذن العمل يعكس الاهتمام
بالثورة على المستوى الفكري للشعب التونسي الذي تعددت قراءته للوضع
حينها.
·
يقال أن السينما في تونس كانت مسيسة والآن تحررت من القيود وصارت
للمبدعين حرية أكثر هل هذا صحيح ؟
بالنسبة للسينما التونسية صحيح قبل 14 يناير كانت مسيسة والمقربون
من السلطة من الفنانين والسينمائيين كانوا الأوفر حظا من حيث الدعم
والإنتاج، لكن بالمقابل كان هناك مخرجين لم يتمتعوا بمزايا السلطة
وأنتجوا أعمال متميزة لكنها كانت أقل من أعمال الآخرين من حيث
العدد، حاليا لا يمكن القول أن هناك نقلة نوعية في السينما
التونسية لكن هناك تحرر على مستوى التعبير السينمائي، مثلا يمكن
لأي مبدع غير معروف إنجاز فيلم بإمكانياته الخاصة، في السابق لم
تكن لدى المخرج هذه الفرصة فإن كنت غير معروف وغير موالي للسلطة
ومبتدأ لا يرى أي عمل من أعمالك النور، وهذا من المكاسب التي
حققتها الثورة في تونس، فقد منحتنا الحرية وحققت مبدأ تكافؤ الفرص
فالآن بإمكانياتنا الخاصة يمكن أن ننجز أفلام وأشرطة وثائقية، أما
إن كانت هذه الإنتاجات في مستوى الثورة أم لا، وفق أصحابها أم لم
يوفقوا هذا ما لا نستطيع الإجابة عنه الآن، فنحن لم نرى سوى بعض
الأفلام في انتظار أعمال أخرى تبين أكثر حقيقة ما جرى في تونس
وتبرز رؤى مختلفة وحينها لكل منا قراءته للأحداث وتحليله لجملة
الأعمال السينمائية.
·
باعتقادك هل ستفرز هذه الأوضاع التي مرت بها تونس أو بالأحرى هل
سيظهر مستقبلا جيل جديد من السينمائيين يشّيد بدوره لمدرسة
سينمائية جديدة في بلاده وفي الوطن العربي ؟
تعاملنا مع مواضيع حقوق الإنسان ومع ما يحدث للمواطن العربي كّون
لدينا وفي فكرنا صورة لهذه الثورات، وبالتالي الاجتياح والصراع
العربي الصهيوني الممتد لسنوات كان حاضر في مخيلتنا فلما قامت هذه
الثورات هيئتنا ووجدنا أنفسنا على المستوى الفني نمتلك تصور بسيط
يخولنا ويؤهلنا لإنتاج هذه الأعمال، أما بالنسبة للإنتاج الموجود
حاليا فهو غير كافي ولا يمثل الثورات التي حركتها إرادة الشعب،
أتمنى أن نجد في السنوات الخمس المقبلة انتاجات كبيرة كما ونوعية
سواء كانت أفلام روائية أو وثائقية، كما أتمنى ألا ننسى الثورات
وقيمتها ومعانيها مع مرور الوقت، لكي لا يأتي من يذكرنا ويتذكرنا
بالتوثيق ونحن الأولى بذلك، فبناء مدرسية سينمائية جديدة من هذا
المنطلق هو طموحنا جميعا و ليس عمل فرد وحده فقط.
·
كثر الحديث في وقت سابق عن التيار الإسلامي الذي هب ريحه على بعض
الدول العربية وقد صدرت منهم بعض المواقف فإلى أي مدى يمكن أن يؤثر
هؤلاء على المشهد السينمائي والفن عموما ؟
بالنسبة للوضع في تونس مازال الأمر كما هو لم يتغير كثيرا، هناك
بعض التغييرات لكنها ليست جوهرية لكي نقول أن سلطة الحكم غيرت في
السينما التونسية، يمكن للتغيير أن يأتي فيما بعد لكن حاليا لا
يوجد أي شيء من هذا القبيل والسلطة لحد الآن لم تتدخل في السينما،
فهذه الأخيرة لديها أولويات واهتمامات أكبر من التدخل في السينما،
ولا يمكن لأي أحد أن يقمع الإبداع.
·
كمخرج ما هي اللقطة التي أثرت فيك وكنت تتمنى تصويرها والتأريخ لها
لكن لسبب ما لم يتحقق ذلك؟
أنا كنت موجود في الحراسة يوم تمكننا من إلقاء القبض على القناص،
يومها لم تكن لدي الكاميرا، كانت عندي صديقي كان يصور هو الأخر
أجواء الحراسة بالعديد من الأحياء الشعبية بتونس وحينها تمنيت لو
كانت في متناولي الكاميرا لأصور وأوثق لتلك اللحظة، لحظة إلقاء
القبض على القناص وهو أحد رجال أمن النظام الأسبق.
·
متفاءل بمستقبل السينما في تونس ؟
متفاءل إذا تم تغيير النظام التعليمي في تونس، لكن في حال عدم
إصلاح المنظومة التربوية في تونس فكل الفنون وبدون استثناء مهددة
لأن التعليم هو الأساس والمناهج التعليمية الموجودة حاليا ترتكز
على جمع المعلومات وليس على الإبداع، فعلى قدر امتلاكك القدرة على
تخزين المعلومة وحسن استغلالها على قدر ما تضمن النجاح، وهذا
باعتقادي ليس بنظام تعليمي يخول لتكون لدينا إبداعات في المستقبل،
فكل شيء مرهون بالتعليم.
·
ما هي مشاريعك بعد "حديث ثورة" ؟
أريد أن أشير إلى أن وثائقي "حديث ثورة" أنتجته بإمكانياتي
الخاصةّ، هنالك العديد من المواضيع التي يمكن التطرق إليها والحديث
عنها والتي تهم بالدرجة الأولى الشعب التونسي، لكن المشكل ليس في
المواضيع بل في الإمكانيات، وأنا أجد نفسي مجبر على المواصلة في
هذا الطريق لأن الواقع هو الذي يوجهني والمخرج ابن بيئته كما يقال،
أنا لم أختر الفيلم الوثائقي إنما الظروف جعلتني اتجه إلى هذا
الصنف، في رصيدي سبعة أشرطة روائية قصيرة و"حديث ثورة" هو أول شريط
وثائقي طويل، وبالتالي المشاريع مرهونة بالواقع ومتوقفة على مدى
توفر الإمكانيات والتمويل.
الجزيرة الوثائقية في
|