احتفلت لجنة السينما في مؤسسة عبدالحميد شومان في عمّان بالسينما اللبنانية
خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت بعرض أفلام روائية طويلة وقصيرة
وتسجيلية ورسوم متحركة، اضافة الى مختارات من أفلام تعود الى أعوام سابقة.
وقد بدأت التظاهرة بالفيلم الروائي اللبناني/ السويدي «زوزو» للمخرج جوزيف
فارس، وتلاه الفيلم الروائي «البيت الزهر» من إخراج جوانا توما وخليل جريج.
وهنا وقفة عند «زوزو» الذي لفت أنظار جمهور عمان حقاً.
في اليوم الذي تُكمل عائلة زوزو كل إجراءات السفر الى السويد وتقرر الرحيل
فعلاً... يقتل أفراد العائلة نتيجة سقوط قذيفة عشوائية على الشقة التي تسكن
فيها، ويبقى منها على قيد الحياة زوزو وأخوه الأكبر داني فقط، اللذان كانا
خارج المنزل وقت القصف. لكنهما سرعان ما يفترقان عن بعضهما بعضاً بسبب
الاقتتال الضاري في المدينة المجنونة بيروت التي يهيمن عليها المسلحون
الملثمون من مختلف الميول السياسية والطائفية. وتبقى مع زوزو جوازات السفر
والتذاكر... تذكّره بضرورة السفر الى السويد ليلتحق بالجد والجدة.
زوزو طفل حساس، يدخل في علاقة صداقة مع «صوص» صغير، يتبادل معه الأحاديث
«الوهمية» حول البلد والهجرة والحب والبنات، يهيم على وجهه بعد مقتل
العائلة. يدخل في عوالم فنتازية أحياناً، ويتعرف الى فتاة صغيرة جميلة،
يحلم معها ببيت وعائلة و... و... وأخيراً يركب الطائرة بمعونة قائد ميداني
لإحدى المليشيات، ليصل الى السويد... ويبدأ حياة جديدة مع جده وجدته بعد كل
هذه المعاناة.
لكن كوابيس الماضي القريب تؤرقه، وهو لا يستطيع ان يكون قوياً وعنيداً
مثلما يريد له جده، ويعجز عن مواجهة العنصريين الصغار في المدرسة.
المخرج جوزف فارس يكتفي بالعرض ويتجنب تقديم الحلول، يتعاطف ولا يلجأ الى
الخطابة... لذا تبرز الكاميرا بقوة في فيلمه، مثلما يبرز الشريط الصوتي
«الحربي» المصاحب... ليعيد خلق مشاهد الحرب والتفجيرات في شكل واقعي مذهل،
لا بل يبالغ في خلق هذه المشاهد حتى في السويد الهادئة... لخلق التأثير
الدرامي اللاحق.
لكن تظلّ أضعف نقطة في الفيلم التمثيل او الأداء... لكن هذه ليست مشكلة
المخرج الرئيسة، وربما هو لا يهتم بها كثيراً... حتى الحوارات بسيطة، وغير
مقنعة أحياناً. لكن كل هذا لا يهم كثيراً، أمام هيمنة الصورة في المشاهد
الفنتازية، والصوت في المشاهد الحربية. وتقريباً، نستطيع القول ان الفيلم
يبدأ فعلياًً بمشهد قصف منزل عائلة زوزو، حيث يأخذ الفيلم منحى سريعاً
جداً... ولا يتوقف الفيلم أبداً للتأمل في ما جرى... لكن ما جرى يعود
أحياناً بصورة رؤيا «سماوية»... يسائلها زوزو لماذا حصل ما حصل، وهل يمكن
أن تعود أمه الى الحياة؟
زوزو... طفل لبناني في الحادية عشرة من العمر... صورة الانسان العربي في
بلدان مزقتها الحروب والفتن الداخلية و/ أو الخارجية مثل لبنان وفلسطين
والعراق والسودان وغيرها... الوطن فيها يختزل في النهاية الى حقيبة وجواز
سفر وذكريات مرّة وحميمة... أما الثروات فيهيمن عليها المسلحون والسياسيون
الفاسدون.
وللحق، إنه شيء جميل ومهم ان يصنع في هذا الوقت فيلم بطله طفل صغير، فيلم
يعيد الى الذاكرة تلك الحرب الطويلة المجنونة في لبنان، ويرجّع أصداءها
التي تتكرر الآن في العراق والسودان وفلسطين؛ اقتتال شبه أهلي، إرهاب،
احتلال، فساد ورشاوى، هجرة يومية للأهالي بالآلاف الى دول الجوار وأبعد
منها.
في عمّان، وأنا أشاهد الفيلم... شعرت بالعراق، الذي تركته، بقوة. كنت مثل
زوزو بعدما وصل الى السويد، كنت آمناً... لكنني مصدوم ومجروح... والجرح
يصعب علاجه. أشباح الماضي والذكريات تطارد الحاضر والمستقبل. لقد استطاع
المخرج ان يثير تساؤلات إنسانية راهنة على رغم موضوع فيلمه القديم، الحرب
لا تزال قائمة في العالم العربي وتمسّ الجميع... حتى في البلدان التي لا
تعاني منها في شكل مباشر... الحرب أصبحت حالة ذهنية!
يحمل الفيلم رسالة مطلقة ضد استخدام العنف، ويختار زوزو وصديقه السويدي
«المنفتح» ان يسلكا بطريقة مختلفة – عمّا يريده جد زوزو – في صراعهما ضد
العنصريين في المدرسة، فيتجنبان الاشتباك بالأيدي... لئلا تنتقل التفجيرات
والعنف الى السويد أيضاً. لكنني أتساءل أحياناً، أمام تنامي كل أنواع
الأصوليات والعنصريات والرجعيات، أمام تنامي كل أشكال العنف وأساليب
الإرهاب... ماذا علينا ان نفعل... هل ان خيار عدم المواجهة و/ أو المواجهة
بالكلام فقط كافيان في هذه الأوقات! انه مجرد تساؤل، يذكّرني بالفيلم
الجميل «عزيزتي ويندي» عن مجموعة من المراهقين المسالمين، على هامش
المجتمع، يعشقون الأسلحة النارية، ويتفننون ويبرعون في استخدامها باعتبارها
فناً ورياضة وأناقة... ولا يستخدمونها أبداً لحلّ المشكلات أو للدفاع عن
النفس. لكنْ، في النهاية يضطرون لاستخدامها، ويموتون جميعاً في مجزرة
رهيبة!
|