الملكة.. هو اللقب الذي منحته لها السينما المصرية، ومملكتها هي الاغراء
على الشاشة. ورغم ذلك فان لقب (ملكة الاغراء) لا يسعد هند رستم.. وهي تقول
ان هذا اللقب ظلمها لانه يوحي بان صاحبته تتربع على عرش الانوثة والاغراء
فقط، وهذا يظلمها كفنانة لعبت أدواراً متنوعة تعتمد على المقدرة التمثيلية
وليس على المواهب الجسدية. وهند رستم اليوم، بعد ان تخطت سن الشباب، لا
تخشى الشيخوخة وتقول ان لكل سن جمالها.
ولم يكن طريق هند رستم سهلاً ولا مفروشاً بالورود، لقد دخلت عالم السينما
من بابه الخلفي (باب الكومبارس).. ولندعها تحكي الحكاية منذ البداية.. تقول
هند رستم:
(...كان أبي ضابط بوليس، وكانت أمي رائعة الجمال، وكنت أنا ثمرة هذا الزواج
ونشأت خلافات بين والدي ووالدتي، فطلقها وتزوج بأخرى، وتركتني أمي هي
الاخرى لتتزوج من رجل آخر...).
وواجهت أنا الطفلة محنة الضياع. إنتقلت الى أبي لأعيش مع زوجته التي شامتني
كل ألوان العذاب، وكانت تضربني بالسوط ضرباً مبرحاً يدمي جسدي الصغير، ويهد
كياني رعباً فأغرق في دنيا الضياع. وكان من الطبيعي أن يصدق أبي زوجته
الجديدة في كل ما تقوله عني من إفتراءات. وأصبحت حياتي سلسلة من العذابات
المتكررة. وخطوت بضع خطوات في تعليمي باللغة الفرنسية.. وحينما بلغت سن
الخامسة عشرة أخذت أفكر جيداً في أن أنهي بنفسي رحلة العذاب لكي أفلت من
هذه الدائرة الجهنمية، دائرة عذاب زوجة الاب وزوج الام. وألح علي شعور
إنبثق من أعماقي، بأنني خلقت لكي أكون فنانة مثل أولئك الفنانات الكبيرات،
فاتن حمامة وشادية وماجدة، ومانعت أمي كثيراً وأصررت أنا على أن أعمل
بالفن، وبدأت من أول السلم، دخلت الى عالم الفن من الباب الخلفي، باب
الكومبارس. كنت أقف أمام الكاميرا، فتاة رشيقة شقراء جميلة وأتقاضى جنيهين
أو ثلاثة. وعشت في غرفة أقتات فتات الطعام، ولكني لم أتذمر ولم أفقد الامل،
فقد كنت أحلم بالغد المشرق.
البداية
(...وكانت البداية حينما لفت نظر المخرج حسن الامام فعرض علي أن أرقص في
أحد أفلامه، ثم إقتنع حسن الامام بأنني سأكون المفاجأة الفنية الكبيرة التي
سوف يقدمها للجمهور وللمهتمين بالفن. وجمع حسن الامام الصحافيين والنقاد
والفنيين وقدم لهم المفاجأة: هند رستم. طلب إلي أن أمثل أي دور أختلقه من
خيالي، وأحسست أنني أمام إمتحان صعب، مثلت دور فتاة مستهترة ببراعة، ومثلت
دوراً درامياً باكياً هز القلوب. ونجحت في الامتحان، ودخلت عالم الاضواء.
وكانت بداية النجاح في فيلم (الجسد) الذي نجحت في كممثلة إغراء من الدرجة
الاولى وعبرت فيه بصدق وبكل حواسي دون إفتعال، عن شخصية الدور الذي قمت به
في الفيلم، وإعترف الجميع لي بالتفوق والنجاح.
وبطبيعتي كإمرأة، كان لا بد أن يخفق قلبي لرجل، وخفق قلبي حينما إلتقيت
المخرج حسن رضا، صاحب القلب الدافىء وتزوجنا، ولكن سرعان ما دب الخلاف
بيننا وحملت منه إبنتي الغالية (بسنت). وأراد أن يكيد لي فأنكر بنوته لبسنت
وإشتد النزاع بيننا.. وبحثت عن العدل في أروقة المحاكم، وكان العدل بطيئاً.
ولكن في النهاية أخذت حقي وردت العدالة لي إعتباري، وثبتت بنوة إبنتي
الغالية بسنت لأبيها.
وإرتميت في بحر الفن الزاخر بالعطاء، أعطيت للفن كل طاقاتي، أصبح الفن
بالنسبة لي هو الحياة بعينها، وهو وسيلتي للاعتلاء بالذات. وقدمت لجمهوري
أروع أفلامي (باب الحديد، شفيقة القبطية، الوديعة، إمرأة على الهامش،
الراهبة).
قدمت دور الصحافية في (الخروج من الجنة) والصعيدية في (دماء علي النيل)
والسيدة الارستقراطية في فيلم (الجبان والحب)، قدمت أكثر من مائة فيلم
للسينما المصرية، وحصلت على جوائز عالمية وشهادات تقدير على أدواري في عدة
أفلام منها دوري في فيلمي (باب الحديد) و(نساء في حياتي)، وحصلت علي جائزة
النقاد الى جانب جائزة السينما التي رفضتها لاعتقادي أن مثل هذه الجوائز
تعتمد على المجاملات.
وبعد عرض فيلمي (باب الحديد) في مهرجان برلين السينمائي طلبتني السينما
الالمانية لاعمل فيها، ولكنني رفضت لان مجدي تحت سماء مصر أعز من كل مجد
سواء تحت سماء اوروبا الرمادية.
ملكة الاغراء
إستقرت هند رستم على عرش الاغراء في السينما المصرية ولم يكن إغراء هند
إغراء العري ، بل إغراء الاثارة عبر الطريق الصعب، طريق الرقة والدلال
والجاذبية والسحر التي تشد بها المرأة قلوب الرجال. وبالاغراء إرتفعت هند
في سماء الفن.. وحملتها الشهرة فوق السحاب حتى أطلقوا عليها لقب (ملكة
الاغراء).. وتعلق هند رستم على هذا اللقب، فتقول:
(...ظلمني لقب "ملكة الاغراء"، فهو يوحي بان صاحبته تتربع على عرش الانوثة
والاغراء فقط، وهذا يظلمني كفنانة لعبت أدواراً متنوعة تعتمد على المقدرة
التمثيلية وليس على المواهب الجسدية. ولنتتبع معاً أدواري السينمائية.
الطريف أن أول دور سينمائي لي كان دور الام في فيلم (بنات الليل) وهو دور
لا يعتمد على الاغراء بقدر ما يعتمد على أسمى وأنبل العواطف الانسانية،
عاطفة الامومة. وفي ثاني أفلامي (الجسد) تمر الشخثية التي ألعبها بثلاث
مراحل مختلفة: أبدأ كتلميذة ثم راقصة ثم مجرد إنسانة مريضة. ودوري في هذا
الفيلم مثال للتنوع الفني.
ثالث أفلامي (إعترافات زوجة) أديت فيه دور الزوجة ست البيت التي تحافظ على
شرفها وتكرس حياتها لإسعاد زوجها والمحافظة على عش الزوجية، ثم يضع القدر
في طريقها إنسانة منحرفة تتسبب في هدم حياتها الزوجية.
وفي رابع أفلامي (الحب العظيم)، ألعب دور زوجة أيضاً لكن في ظروف مختلفة.
زوجة وأم لفتاة خرساء، تكتشف أنها مصابة بالسرطان وأن أيامها الباقية في
الحياة أصبحت محدودة، فتدفع زوجها الى حب صديقتها لكي يتزوجها بعد وفاتها،
فتضمن لإبنتها الخرساء زوجة أب رحيمة ترعاها وتعطف عليها. وفي فيلم (رد
قلبي) قمت بدور راقصة. وطبعاً هذا دور يعتمد على الانوثة والاغراء.
وفي فيلم (رحمة من السماء) لعبت شخصيتين متباينتين، سيدة مجتمع وزوجة وأم..
ثم تموت الام. وذات يوم يذهب الزوج لشراء لعبة لإبنته فيرى هند في شخصيتها
الثانية وهي شخصية راقصة. ولشدة الشبه بينهما تعتقد الطفلة أنها أمها
وتتعلق بها وتصر على أن تعود بها الى البيت، وتستمر الاحداث في صراع بين
رغبة الراقصة في تمثيل دور الام لكي تسعد الطفلة وكره الزوج لها ورفضه أن
تحتل مكان زوجته، وهو أيضاً دور غني بالمشاعر المتنوعة التي تقدر على أدائه
ممثلة سلاحها الاغراء فقط.
إنتقلت بعد ذلك الى دور جديد تماماً في فيلم (رجال في العاصفة) وهو دور
نشالة، والجديد أيضاً في هذا الدور أنه مرسوم في شكل كوميدي يختلف عن
الادوار التراجيدية التي سبق أن قدمتها.
لا بديلة
وتتابع تنويع أدواري.. فمثلت دور بنت البلد في فيلم (إبن حميدو) ودور
المعلمة في فيلم (توحة) ودور الفتاة الريفية الساذجة في (نساء وذئاب) تلك
الفتاة التي يعتدي عليها صاحب العزبة ويتخلى عنها. وتدور الاحداث ثم تلتقي
به فيراها شخصية مختلفة تماماً عن الفتاة الريفية الساذجة.. يراها نمرة
متوخشة تنتقم من الرجل الذي غدر بها.
وأتقمص شخصية الصعيدية الخشنة التي تحمل البندقية لتثأر من قاتل زوجها في
فيلم (دماء على النيل). وبعد ذلك ألعب دوراً صعباً للغاية في فيلم
(الوديعة) حيث أمثل دور إمرأة معقدة وهكذا يمنفي الاغراء ويصبح سلاحي
الوحيد كممثلة: تعبيرات وجهي. وعدت بعد ذلك لأؤكد إمكاناتي كممثلة كوميدية
في فيلمي (حب في حب، إعترافات زوج). ثم فاجأت جمهوري بدوري في فيلم (إمرأة
على الهامش) ثم دوري في فيلم (شفيقة القبطية).
# رغم إعترافنا بمقدرتك التمثيلية، إلا أن الكل يجمع على أنك ملكة الاغراء
على الشاشة المصرية.. ما تفسيرك لهذا؟
تمثيل أدوار الاغراء ليس سهلاً كما يتصور البعض.. وممثلة الاغراء لو إعتمدت
على العري فقط، فانها تصبح ممثلة رخيصة لأن المتفرج في هذه الحالة يترك
تعبير الوجه الذي ينطق ويقول، وينظر الى الجسد العاري. وكل إمرأة في العالم
تملك قسطاً من الاغراء.. من الممكن أن يكون ذلك في الابتسامة، في اللصوت،
في الاشارة. وكلما كانت الملابس محتشمة في رأيي، كانت الاثارة والاغراء
أكثر.
# من من ممثلات الاغراء الحاليات أقرب الى أدائك لهذا اللون؟
لا توجد واحدة أقرب ولا أبعد. كلهن نسخ من هند رستم على (ماسخ)، أنا أول
ممثلة مصرية صبغت شعرها. وفي هذه الايام (كله زي بعضه) الباروكات والالوان
إنتشرت دون دراسة للشخصية قبل تمثيلها. ودراسة الشخصية قبل أدائها مهمة
جداً. لقد عشت شخصية (شفيقة القبطية) وقدمتها بهد دراسة مجهدة. ورقصت
بالشمعدان بعد بدريبات عنيفة.
# ما رأيك في الافلام التي تعتمد على الجنس والاثارة؟
حقيقي أن بعض أفلامي كانت تعتمد على الاغراء.. وأعترف أنني مثلت بعضها من
أجل النقود فقط. وأعتبر هذه الافلام أخطاء حياتي. لكنني ضد الافلام التي
تعرض الجنس، إألا إذا كان لأغراض تربوية. وأحب أن أقول أن الفرق كبير بين
الجنس والاغراء.. الاغراء فن له جاذبيته وله قواعد وأصول.. وهو ليس فناً
رخيصاً. أما الجنس ففن رخيص بال أصول، الهدف منه إثارة الشباب مما يتسبب في
إنحرافه.
# من هو كاتب الجنس المفضل عندك؟
إحسان عبدالقدوس لانه يستطيع أن يقول لابنتي ما لا أستطيع أنا أن أقوله
لها. وإحسان في نظري يحمل مسؤولية كبيرة وخطيرة ويخفف حمل الآباء والامهات.
في عام 1975 ظهرت هند رستم في فيلم (الجبان والحب) مع حسن يوسف ونالت عنه
جائزة النقاد.. ومن بعده إكتفت بما حققته من أمجاد سينمائية، فبدأت
الابتعاد عن السينما بصورة شبه نهائية لتتفرغ لحياتها العائلية.
أول شقراء عرفتها السينما العربية، فيما كان نموذج الجمال السائد قبل
ظهورها الوجه الشرقي الملامح، والشعر الاسود الطويل. وجاءت هي في بداية
الخمسينات، بالخصلات الذهبية والبشرة البيضاء والملابس الضيقة. وقيل يومئذ
أنها الطبعة المصرية عن فاتنة السينما الامريكية مارلين مونرو. وقيل أنها
ترمز الى التيار الآتي الى السينما بعد سنوات الحرب العالمية الثانية. وقيل
غير ذلك، لكن كل ما قيل لم يمنع إستمرار الحقيقة التي تعبر عنها هند رستم:
أنها ظلت ممثلة الاغراء الاولى بلا منازع حتى إختارت عش الزوجية الهاديء،
وفضلت أن تعيش لبيتها وإبنتها.
قد يندهش الناس إذا عرفوا أنني مثلت ما يقرب من 124 فيلماً ليس بينها إلا
عشرون فيلماً فقط قمت فيها بأدوار الاغراء. والناس معذورون في ذلك.
فالانطباع الاول الذي يلتصق بالاذهان عن الفنان يظل ملازماً له طيلة حياته
الفنية، ولست نادمة أو آسفة على ذلك. فعندما ظهرت على الشاشة كانت تشكو
نقصاً في هذه الادوار. وجئت أنا لأملاء الفراغ الكبير في هذا الجانب. كانت
هناك فاتن حمامة وماجدة وهما تؤديان الادوار الطيبة الرقيقة. ولا يمكن
للجمهور أن يتقبل الاغراء من أي واحدة منهما. وكلنا نتذكر تلك العاصفة التي
هبت لأن فاتن حمامة سمحت لعمر الشريف أن يقبلها في (صراع في الوادي). وكانت
شادية التي لعبت أدوار الفتاة المراهقة اللعوب. لكنها وأغانيها المرحة التي
بدأت حياتها بها، كانت تحدد لشادية طريقاً غير طريق الاغراء الناضج. وهو
الاغراء الذي تخصصت في أدواره منذ اللحظات الاولى التي وضعت فيها قدمي داخل
إستوديوهات التصوير.
فيلمي الاول كانت تلعب بطولته السيدة فاتن حمامة (قلوب الناس). كنت فتاة في
سن الثامنة عشرة، أحب الحفلات والرقص الاجنبي الى درجة أنني شاركت في جميع
مسابقات الرقص التي كانت تقام في ذلك الحين. وكانت قدماي لا تستقران على
الارض، وإذناي لا تلتقطان إلا موسيقى الجاز. ولذلك نجحت في أدائ دوري في
الفيلم الاول وكان إستعراضاً راقصاً باسم (آه يا سلام ع الهوى). نجحت الى
درجة أن الموزع الذي كان يريد أن يشتري الفيلم لا بد أن يعرضوا عليه المشهد
الاستعراضي الذي رقصت فيه. طبعاً كان هناك إسم فاتن حمامة، ولكن الموزعين
كانوا يقيسون نجاح الفيلم أيضاً بكمية البهارات التي تجتذب المشاهدين، وكان
دوري الاول مليئاً بالحساسية والموسيقى والاثارة، جعل امنتجين يتهافتون على
التعاقد معي لمزيد من الادوار. وهكذا كان دوري الثاني هو البطولة الثانية
في فيلم (بنات الليل) الذي لعبت دور البطولة الاولى فيه النجمة مديحة يسري.
وإكتسح (بنات الليل) سوق السينما في ذلك الوقت، وكان لوناً جديداً من
الافلام الاجتماعية الهادفة التي تعالج قضايا الناس بجرأة نادرة. إذ أن قصة
الفيلم هي قصة هذه الفئة من النساء التي تعيش على هامش المجتمع وتحت سطح
الحياة. طبعاً صارت الآن قصة قديمة، لكننا ـ في ذلك الحين ـ كنا قريبي
العهد في مرحلة الحرب العالمية الثانية ووجود جنود الحلقاء على أرض مصر مما
جعل أعتق مهنة في التاريخ تزدهر. وبعدما إنقضت الحرب تسربت الآلاف من هؤلاء
النسوة الى شقوق الليل المظلمة يمارسن المهنة التي لا يجدن غيرها. وحدثت
مئات المآسي الانسانية نتيجة لهذا التحول الكبير في حياة المجتمه. لكن
النظرة الرسمية كانت تتعامى عن مشاكل هؤلاء البائسات. كن في رأي المتدينين
فاسقات، وفي رأي المتعلمين ساقطات، وفي رأي الوطنيين بقايا كريهة من آثار
جيوش الاحتلال. ولهذا جاء الفيلم جيداً في الموضوع والرؤية والاثارة.
# وهل كان دورك الثالث يسير في هذا الخط؟
أبداً.. إن الفيلمين اللذين مثلتهما بعد ذلك كانا (إعترافات زوجية) و(الحب
الكبير) أديت فيهما دور الزوجة الطيبة والسيدة الكسيرة الجناح. لكن صورتي
في الفيلمين الاولين هي التي ظلت عالقة في أذهان الناس. والصحافة أطلقت علي
لقب (سيدة الاغراء) وظل هذا اللقب من يومها ملازماً لي ورغم أنني لعبت
أدواراً مختلفة، معقدة الشخصية والتركيب، إلا أن اللصورة الاولى التي تحضر
الى الذهن عندما يذكر إسمي هي صورة الاغراء. وربما كانت هذه العقدة دفعتني
الى البحث عن إدوار متنوعة. إنني دون إغراء أكثر ممثلة تعددت الشخصيات التي
مثلتها. إن أدواري في (شفيقة القبطية، الخروج من الجنة، الوديعة) وغيرها لا
ينطبق عليها وصف الاغراء، وأظل مع ذلك سيدة الاغراء الاولى.
# إذا كنت قد حملت لقب (سيدة الاغراء) دون أن تسعي اليه، فما رأيك في
الممثلة العالمية الراحلة مارلين مونرو؟ هل كنت تتشبهين بها؟ وهل تواجهين
الازمة النفسية التي واجهتها باعتبارها شكلاً جميلاً فقط، وهي الازمة التي
إنتهت بها الى الانتحار؟
كانت لي صور عدة في بداية حياتي الفنية تشبه صور مارلين مونرو، ولذلك قال
الكثيرون أنني أتشيه بها. إن مارلين مونرو صارخة لكنني لم أكن شديدة
الاعجاب بها. إن الممثلة العالمية التي كنت مفتونة بها وبتمثيلها هي ريتا
هيوارث، الزوجة السابقة للأمير علي خان، وأم إبنته ياسمين. لقد شاهدت ريتا
هيوارث في فيلمها المشهور (غيلدا) 21 مرة وكنت أدخل دار السينما التي يعرض
فيها الفيلم مرتين في اليوم الواحد أحياناً. وهكذا يمكن القول أنني كنت
متشابهة مع مارلين مونرو ولكنني كنت في الحقيية مفتونة بريتا هوارث. كما
أنني كنت شديدة الاعجاب بأداء الممثلة العالمية أنغريد برغمان. أما مأساة
مارلين مونرو فهي مأساة كل المشاهير. إن الابتسامة لا بد أن تكون مرسومة
على شفتي حتى لو كنت في أشد حالات الضيق. إن الآخرين يطلبون من الممثلة أن
لا تكف عن التمثيل طوال الاربع وعشرين ساعة، وهذا شيء مدمر. وبالنسبة الى
مارلين مونرو كانت الشهرة طوقاً من الماس يحيط بعنقها، فلما حاولت أن تبتعد
أكثر مما يجب وأن تكون أكثر حرية مما يجب، خنقها طوق الماس فاختارت
الانتحار. لقد سدت فوهة البركان بالاقراص المهدئة والمنومة ، لكن البركان
لا يعرف الصيدليات. لذلك عندما إنفجر جرف كل شيء.. جرف حياتها نفسها معه.
غير أنني أختلف عن مارلين كثيراً في كوني مؤمنة باللّه، كما أن حياتي ليست
على هذه الدرجة من الجفاف والوحشة. إن لي زوجي الذي أحبه، وبيتي الذي
أستريح فيه وإبنتي التي أحبها، كما أنني أحس بيني وبين ضميري بالراحة
الكاملة. لقد عشت حياتي دون أن أوذي أحداً، أو أشعر بالقلق أو بتأنيب
الضمير لأنني فعلت شيئاً لم أكن أريده.
# هل إسمك الفني هو إسمك الحقيقي، أم أنك ـ كعادة النجوم ـ إستعرت هذا
الاسم لكي يعرفك الناس به؟
إسمي الكامل في شهادة الميلاد هو هند حسين رستم، وعلى عكس ما يتبعه
الفنانون.
# لكن الفنانات عادة يلجأن الى تغيير أسمائهن الحقيقية للتهرب من معارضة
العائلة في إشتغالهن في الفن؟
ولماذا أتهرب؟ لقد أردت أن أكون ممثلة، وكنت. فلماذا أتخذ إسماً آخر غير
إسمي الحقيقي؟ لا أنكر بانني واجهت معارضة عنيفة في بدء حياتي من أهل أبي
بالذات. أبي كان ضابطاً في الشرطة، وبالاضافة الى هذا المركز الحساس كانت
عائلة أبي إحدى العائلات التركية العريقة. وهذا أحد أسرار عصبيتي ومعاناتي
في مستهل حياتي. لقد إنفصلت والدتي عن والدي في وقت مبكر، وبحكم القانون
كنت أعيش مع والدي في ظل التقاليد الاناضولية الصارمة. فكل الامور عند
الاتراك تندرج تحت إسم (جناح) أي حرام أو عيب، وتحت هذه الاسمين قائمة
طويلة من التصرفات: ألعاب الاطفال، الضحك و فتح الشبابيك، إرتداء الملابس
القصيرة، الاستماع الى الراديو، الحديث مع أطفال الجيران. كل حياة الاطفال
الجميلة لا تعترف بها التربية التركية الصارمة. ولذا كنت أتمرد كثيراً على
هذه الصرامة فيكون جزائي العصا. لذلك كنت كثيراً ما أذهب الى والدتي حيث
الاسرة المصرية الصميمة التي لا تكف عن الضحك والابتسام وتعامل الاطفال
برقة وإعجاب، وبين هذين القطبين: الصرامة والابتسامة، عبرت طفولتي، وهي
طفولة نصف سعيدة.
# وهل هذا هو سر التناقض في شخصيتك؟
طبعاً.. لقد ورثت عن الاتراك الصرامة والعجرفة، بينما ورثت عن أهل أمي الفن
والفرفشة. لكن عصبيتي ليست عائدة الى هذا السبب وحده، إنما أعتقد أن الطفل
الصغير عندما يجد نفسه حائراً في المحاكم وأقسام البوليس لأن والديه
يتنازعانه، فمن الطبيعي أن يحس بالخوف ويشعر بالضيق. إن الطلاق من أكبر
الاضرار التي تؤثر على نفسية الاطفال وعلى مستقبلهم في ما بعد.
# وهل تعاملين إبنتك (بسنت) كما كنت تريدين أن يعاملك أهلك وأنت صغيرة؟
إن بسنت بالنسبة الي صديقة وحبيبة. لقد حاولت منذ أن كانت صغيرة أن أجنبها
كل الآلام التي يمكن أن تؤثر على نفسيتها. وإستطاعت هي أن تستوعب حياتها
بسرعة وبذكاء. لقد أعطيتها كل ما كنت أريد أن أعطيها إياه: حب الناس، أي أن
تحب هي الناس، وهذا من أصعب الاشياء لاننا نعيش الآن في زمن وغد لا يحب فيه
الناس بعضهم بعضاً. وإذا أظهروا المودة، فلغرض في نفس يعقوب. كذلك علمتها
إحترام العمل، وهذا أمر جوهري، لأن العمل كيان الانسان الحقيقي، كما أنني
عودتها على الصدق في الكلام والبساطة، وأهم من كل ذلك أنشأتها على الايمان
باللّه والرضاء بمقاديره.
# وما هي نظرتها إليك كممثلة؟ هل هي من المعجبات بك أم أنها تعرض إستمرارك
في الفن؟
إنها صديقتي، وهي من أشد المشجعات لي. إنها تحترم الفن رغم أننا في الشرق
لا نحترم الفن كثيراً، والفنانة بالذات. ومن زمان كانت المحاكم لا تعترف
بشهادة الممثل أو (المشخصاتي) كما كانوا يسمونه في ذلك الحين. صحيح أن هذه
المظاهر إختفت، لكن التربية الشرقية لا تزال في داخلنا تحتفظ للمرأة بمكان
متأخر عن الرجل، مكان التابع. فما بالك لو كانت هذه المرأة فنانة، وممثلة
بالذات، وممثلة إغراء أيضاً !! وفي نهاية الامر فانني لا أهتم كثيراً بهذه
الاعتبارات، فمادام ضميري مستريحاً ومادمت لا أسيء الى أحد وأعرف واجبي نحو
ربي وبيتي ونفسي فانني أطرح خلف ظهري تلك الوساوس.
# لكن الشهرج تحميك من كل هذه الاحاسيس. أي أن نظرة الناس الى الفنانة
تتغير كثيراً بعد نجاحها وشهرتها. فالنجاح كما يقولون خير مبرر للتصرفات؟
نعم، الشهرة تحمل الي كل يوم باقات كثيرة متنوعة من زهور الاعجاب والتقدير،
لكنني لا أتحدث عن نفسي فقط، بل عن نظرة عامة يمارسها الشرق على الفنان.
# من هو الفنان الذي تدينين له بما أنت فيه من نجاح؟
حسن الامام بلا شك. إنني مدينة له مدى حياتي. وهو ذو شخصية عذبة خارج العمل
لكنه في الاستوديو يصل الى حد الشراسة. وفي رأيي أن هذا لصالح العمل الفني.
وهو فنان كبير إستفاد من كل من سبقوه وإستطاع أن يكون لنفسه شخصية فنية
متميزة، ويحمل قلباً في غاية الرقة. ودائماً يقف الى جانب المرفوضين
والمظلومين في المجتمع. وحسن الامام أول من أطلق علي إسم هند رستم. وعندما
كان يفاجأ بعنادي وعصبيتي، كان يقول: الاتراك مجانين، لكنني أحمد الله أن
هذا العناد وهذه العصبية كانا دائماً خارج البلاتوه وبعيداً عن العمل. أما
في الاستوديو فقد كنت دائماً كالطفلة الصغيرة أمام حسن الامام، ألبي أوامره
بالطاعة والاحترام. إنه مخرج كبير.
الملكة
ملكة الاغراء، كنز ثمين بين نجوم السينما العربية. أثرت على أجيال عربية
بأكملها ليس فقط بالصورة التي كونها لها حسن الامام ولكن بعالم يوسف شاهين
وصلاح أبوسيف.. هذه الملكة هي هند رستم.
قصتها مع السينما تصلح لان تكون موضوع فيلم تتغلب فيه الاحلام على الواقع،
يضرب فيه القدر والصدفة ضربة يتغير من خلالها مجرى الحياة. كانت طفلة بريئة
تتفتح شيئاً فشيئاً على العالم وإذا بها تصبح ممثلة تبهر العالم. إنها لا
تتذكر اليوم بدقة، لكنها تتذكر أنها ذهبت في ذلك اليوم مع صديقة لها تحب
دخول عالم السينما، إصطحبتها الى مكتب حسين حلمي المهندس وفي المكتب وضع
لها القدر إشاراته الاولى. كان هناك المخرج محمد عبدالجواد، وبحدس صانعي
الافلام، لم ينظر الى الصديقة التي أتت عمداً الى ذلك المكتب بحثاً عن
الباب المفتوح على السينما، بل نظر إليها هي ورأى فيها الوجه والجسد اللذين
يصلحان لان يكونا مادة سينمائية. وطلب منها أن تقبل الدخول الى عالم
السينما المضيء. حينها تفتحت في قلبها براعم الفن السينمائي وقالت: نعم.
لقد أعطت هند رستم الكثير من نفسها الى السينما وجمهور السينما.. أعطت
العديد من الصور التي لن ينساها جمهور السينما العربية لانها صور لا تخاطب
عقله البتة، بل تجسد له الحلم، الحلم الندي: الجسد. صورة هند رستم هي صورة
في الاساس سينمائية لانها شربت من نبع أهم النجوم العالميين: مي واست، جين
مانسفيلد، مارلين مونرو، أنغريد برغمان... فحينما ظهرت في فترة فاتن حمامة
وماجدة وشادية، لن تنافسهن بل أضافت إليهن صورة جديدة، صورة بعيدة عن عذرية
ماجدة وبراءة فاتن وعذوبة شادية، صورة الاغراء.
# نرى في أدوارك الكثيرة من تأثير اللون الامريكي، مثل أدوار جين مانسفيلد
ومارلين مونرو وغيرهن...
نعم.. أنا متشبعة باللون الامريكي. هذا يرجع الى (الكاراكتر). كنا أربعة في
مصر: فاتن، ماجدة، شادية، وأنا.. حينما دخلت عليهن، دخلت بلون مختلف. إضافة
لذلك، كنت في صغري أحب الافلام الاجنبية وقاسيت من أجل ذلك الامرّين. كنت
أحب كثيراً بيتي ديفيس، جون كراوفورد، لانا تورنر، ريتا هوارث.. أما مارلين
مونرو فقد أحببتها في الفترة الاخيرة.. ثم الممثلة العظيمة التي مثلت (جان
دارك) السويدية أنغريد بريغمان.. كنت أحب مشاهدة أفلامهن التي أعتبرها
معهداً. لقد قالت اللصحافة بأنني متشبعة بريتا هوارث، ثم هناك من قال باني
أحاول محاكاة مارلين مونرو.. نعم، كنت أستعير منهن بعض الاشياء مثل الجدية
في العمل والحس الدرامي وذلك في فترة مبكرة من حياتي الفنية.. كنت مثل
الكمبيوتر أخزن كل المعلومات والاحاسيس.
# كيف تكون حالتك النفسانية عندما تستعدين للعمل في فيلم..
نفسية وحشة جداً.. لنأخذ دور (هنومة) على سبيل المثال.. أنا قبل ذلك الحين
لم أبع كوكا كولا (تضحك) ولم أتنطط في الاتورات قبل كده (تضحك) . طبعاً،
إلتقيت بهنومة الاصلية حتى أراها كيف تتكلم. الفنان متأثر ببيئة وحتى يغير
من ذلك، عليه أن ينزل الى الشارع وبالطبع يخاف الممثل من الدور ومن المخرج.
أنا أخاف من المخرج إحتراماً له. فعندما يقول المخرج (نور .. بروفة) أشعر
برهبة تتملكني، فافقد وعيي وتتحرك داخلي شخصية أخرى. حينما أدخل غرفة
المكياج فاني أتخلى عن شخصيتي، لن أعود هند رستم بل فلانة. كانوا يقولون
عني (اللي يشتغل قصاد هند لازم عليه يكون حامي قوي). إني أدرس النور بجدية
وأعرف أين نوري الخاص بي ثم أحاول معرفة الممثل الذي هو أمامي، ما هو وزنه
وثقله حتى أتمكن من أكله أو سرقته. أنا بنت حرامية..
# هل تسرقين الممثل أو الكاميرا..
إسرق الكاميرا وأسرقه هو بالتالي (تضحك).. كانت المنافسة في تلك الفترة
قائمة. مثلاً، حينما يصفق الحاضرون في البلاتوه لممثلة أخرى غيري، كنت أشعر
بالغيرة، أدخل غرفتي في الاستوديو والغيظ متملك مني.. لازم أظهر براعتي في
المشهد التالي و(أضيّعو).. (تضحك)... والنتيجة هي أن المشاهد يصدقنا
جميعاً.
إسماعيل ياسين كان رجلاً مخلصاً لعمله وملتزم به، أما كعمل فان أفلامي معه
لم تنفعني. لم تكن هذه الافلام تتضمن فناً. عملت معه العديد من الافلام
و(زهئت) منها، حتى أن إبنتي قالت لي: (يا مامي، ستوب إيت). كنا نمثل
شخصيتين لا تتماشيان الواحدة مع الاخرى، بالرغم من أن أفلامنا الثلاثة كسرت
الشباك. لون إسماعيل ياسين ليس لوني الفني.
# المتعة الكبيرة التي يستخلصها المشاهد من أدوارك تأتي بالدرجة الاولى من
فيلم باب الحديد..
باب الحديد، شفيقة القبطية، الراهبة، نساء وذئاب... إن باب الحديد يختلف عن
السينما المصرية والعربية عامة وليس فقط على مستوى هند رستم فقط، هذا
الفيلم الوحيد الذي يصور العالم النفساني لشخصية ما. كان المرحوم غبريال
تلحمي يقول بانه لا يريد فيلماً عادياً ولكن فيلماً للمهرجانات. حضرت العرض
الاول التجاري للفيلم، فهاج الجمهور ورفضه ليس فقط في مصر ولكن في جل
البلدان العربية. الحالة نفسها واجهها فيلم (بين السماء والارض) لصلاح
أبوسيف. ولكن بعد عرضه في التلفزة، إكتشفه الجمهور وأحبه كثيراً. هذا
الفيلم وفيلم باب الحديد من الأوسمة التي أفتخر بها. باب الحديد بالنسبة
إلي هو (أوسكار). مناخ هذا الفيلم العام يشبه مناخ افلام الامريكي إيليا
كازان.. لكنه أوحش فيلماً في حياتي لانه ترك لي ذكريات عنيفة. كنا نهوى
الفيلم بصورة فظيعة. وتعرضت للموت مرات عديدة.. ولكن تبقى السعادة هي
النتيجة الاساسية.
بالنسبة ليوسف شاهين، يحتل الممثل الدرجة الثانية. ما يهتم به شاهين أولاً
هو إطار الصورة والاخراج، ثم يأتي الممثل. لقد مثلت تحت إدارته بعض الافلام
قبل (باب الحديد) مثل (إنت حبيبي) وهذا الفيلم يمثل الخط الغريب في مسيرة
يوسف شاهين. لقد صور أغنية لشادية وفريد الاطرش لن أنساها في حياتي أبداً
على مستوى كلام الاغنية والتنفيذ.. (أنا بولع فيك كبريت يا حبيبي...) أغنية
تجنن من الكوميديا (الشيك). عندما إلتقيت به في (باب الحديد) وجدته شخصية
مغايرة تماماً. فأصبح مجنوناً. قلت له مرة: (انت مجنون يا يوسف شاهين، ليه
عايز تنططني من قطر لقطر، والقطر ماشي... لا... ده جنان. انت فاهمني هنومة
ولا إيه...).. (تضحك) كل مرة ننتهي فيها من مشهد، نراه يقول (ستوب) انت مش
قاعدة في صالون، انت قاعدة على الارض، انت هنومة...). لقد جعلني، بقلة أدبه
أنسجم مع شخصية هنومة... ان يوسف شاهين لا يعرض حدوتة. لا انه يعرض فناً.
ان أول صورة تشاهدها من فيلم له تقول هذا الفيلم من إخراج يوسف شاهين.
# هل شاهدت شاهين وهو يمثل أمام الكاميرا؟
نعم، وكان يخاف من الكاميرا ويتأتىء ولك ان تعرف ان الذي شجعه على أداء
الدور هو أنا. كان مفروضاً أن يؤدي هذا الدور واحد من ممثلين، أحدهما محمد
توفيق، فقلت له: (يا جو، ليه ما تعملوش انت). وأضحى يوسف شاهين مكسباً
كبيراً للفيلم كأداء وكتمثيل. يمكن ان تقول: يوسف شاهين يحتل المرتبة
الاولى وهند رستم المرتبة الثانية. لان هند رستم هي الوسيلة لاظهار قناوي
(شاهين) الشخصية المعقدة. لو كانت شخصية هنومة معقدة مثل شخصية قناوي،
لاخذت الدور ومثلته. لقد شاهدت هذا الفيلم أكثر من عشرين مرة ولكن، حتى
الآن، حينما أشاهد نهايته، حينما تلبس شخصية قناوي قميص المجانين، أبكي..
كان يوسف شاهين والاستاذ البارودي عظيمين.
# لنتحدث عن صلاح ابوسيف. كم فيلم مثلت تحت إدارته؟
(لا أنام) و(بين السماء والارض). ولكني أشعر باني مثلت تحت إدارته أكثر من
عشرة افلام. لماذا هذا الشعور؟ لا أعرف. ابوسيف مخرج هادىء الطبع جداً،
يهتم كثيراً بالممثل وباعماق الشخصية. لقد اعتمد في فيلم (بين السماء
والارض) على الممثلين لانه اختار علبة ووضع فيها اكثر من 12 شخصية. وهذا
فيلم من الافلام الشرسة. ولو لم يكن هناك الممثل، لضاع الفيلم فوراً وضاع
الممثل. لان الممثل هنا يعتمد فقط على قدراته وموهبته. فلا ينفعه شعره
الاصفر ولا المساحة ولا النور ولا سرقة الكاميرا.. و(ده اللي كان مزعلني)..
(تضحك) هذا الفيلم هو فيلم الممثل البحت. وابوسيف له عظمة إدارة الممثل. لو
شاهدت (القاهرة 30) لوجدت تلك العظمة، فهو قصر يتولاه ملك يقول اشياء كثيرة
وحلوة. ما يعجبني في ابوسيف هو انك تقرأ له بين السطور، أو بين الصور. هنا
تبدأ المتعة. أقول لك بصراحة، أنا سعيدة بعملي مع هؤلاء العمالقة لان لكل
واحد منهم جماله، قوته، لونه... أنا غيورة لاني لم أمثل في فيلم (القاهرة
30)، وكذلك (بداية ونهاية). لقد شعرت في هذا الفيلم الاخير بالظلمة، بقلة
النور والامل وكل مرة أشاهد فيلم (في بيتنا رجل)، أقول: هذا فيلم صلاح
ابوسيف، مع انه فيلم لهنري بركات. كان بركات (سمتمنتل) رقيق، أما في هذا
الفيلم، فهو واقعي.
# كيف تكون حالتك قبل أي عرض أي فيلم من افلامك امام الجمهور؟
الفنان الاصيل هو الذي يبقى دائماً مع نجاح الفيلم. هذا الفنان يود ان تكون
مشاهده الخاصة به حلوة وناجحة. حينما يعرض الفيلم تكون اللعبة قد إنتهت
ودورك معها. نعم، المخرج هو المسؤول الاول، ولكن الممثل ينتابه الخوف
دائماً. كنت ابعث ببعض اصدقائي لمعرفة ردود فعل الجمهور في حفلة الساعة
العاشرة صباحاً. (الفنان من ساعة ما يسلم البلاتوه لحد الفيلم ما يتعرض وهو
خايف). انا مثلاً اخاف من العروض الخاصة، اذهب اليها ولكن تتحول آذاني الى
ميكروفونات. حينما اذهب الى السينما، لا أجلس في المكان المخصص للمدعوين،
بل ابقى مع الجمهور. هناك مشهد الشم في فيلم (شفيقة القبطية). كنت اشاهد
الفيلم مع الناس وكان (قلبي حيوقف.. دن... دن... دن) اخذت مهدئات لان
المشهد بالذات اما ينجح او يضحك الناس ويفشل الفيلم، ليس هناك جدالاً في
هذا. اما تصوره ويبكي المتفرج او تصورة ويضحك ذاك المشاهد. هناك اثباتات،
اسأل مجدي العمروسي شريك عبدالوهاب في (صوت الفن)، سيقول لك باني دفعت من
جيبي الخاص سبعة آلاف جنيه يوم كانت للجنيه قيمة، لصالح فيلم (الراهبة) في
باب الملابس وخارج عقدي. كنت أود ان تكون الشخصية غنية من كل النواحي، وسبب
ذلك اننا كنا نحب عملنا. وهذا هو سبب النجاح.
حين إلتقينا قالت لي وايقاع كلماتها له مذاق الصراحة:
نعم إعتزلت، قرار الاعتزال قرار هام في حياة أي فنانة.. إعتزلت عندما أصبحت
السينما (حاجة تانية)، عندما أصبحت السينما (سيما)، عندما إختفت القصة
الجيدة والمخرج الدؤوب، والمناخ الذي يسوده الحب. باختصار عندما ولت سينما
الامس ولم تعد سوى ذكريات جميلة محفورة في وجدان جيلي من الفنانين الذين
عاشوا وانتهوا ـ هواة ـ ولم يبخلوا ـ بعمرهم ـ وعصارة أيامهم على فنهم. كل
هذا دفعني لاتخاذ القرار ولست آسفة عليه. لقد (شبعت) سينما واعطاني جمهوري
الحب والتقدير والاحترام بما فيه الكفاية.
جلست هند رستم امامي معبأة بالكبرياء، لفتاتها وهي تتحدث تبدو كلفتات طاووس
تحاصره العيون فينتفض غروراً. قلت لها: قيل يوماً لانجريد برجمان وكانت في
قمة الشهرة (ان تواضعك فهم بالغرور).. ضحكت هند بصوت عال واجابت بحماس:
مستحيل اكون مغرورة.. انا املك الثقة في نفسي وقدراتي، دون ان يتسلل الي
الاحساس بالغرور. الفنان المغرور يصنع من غروره قبراً لفنه وحب الناس له.
ذاكرتي لا تنسى لقائي مع العقاد. عندما فكر علي ومصطفى أمين في عمل بعض
اللقاءات اللصحفية التي تجمع بين الكتاب والفنانين، كان اللقاء الاول بين
العقاد وبيني بعد ان عرضوا عليه أربعة اسماء هم: شادية وفاتن وماجدة وأنا.
إختارني رغم ان عمري لم يتعد وقتها الثانية والعشرين. أي مازلت صغيرة العقل
جداً. لم أنم طوال اربع وعشرين ساعة عندما عرفت انه إختارني. كنت أسأل نفسي
طوال الليل ماذا سأقول لهذا العملاق. لهذا الرجل الموسوعة. ولانني كنت
عنيدة ذهبت وكنت اشعر بدقات قلبي تعلن الخوف والاضطراب طوال طريقي اليه.
وبمجرد ان رآني قال لي جملة عاشت في وجداني حتى اليوم. قال (لقد إلتقى
الهلال بالنجوم). نعم اذكر تاريخ هذا اللقاء. لقد كان في 13ديسمبر عام
1958. يومها تمنيت ان أتزوج هذا الرجل.
# قلت لها ما إحساسك بالزمن؟ تنهدت، وبعد فترة صمت ليست قصيرة، قالت:
أحب (الكبر) قوي. لان هذا العمر يعتبر عمر النضج والتأمل. لقد اكتشفت ان
السن الصغيرة خالية من الحكمة والمتعة التي يشعر بها الكبار. كل عمر له
جماله. يجب ان اعيش عمري دون ان اتصابى. نضج المرأة هو عصارة ايامها الحلوة
والمرة.
صورة مقربة :
دموعي قريبة احياناً.. عندما ابكي اشعر بالارتياح.. المنطق يحتل معظم
كلماتي وآرائي.. اتسامح في حدود.. اتفاءل واتشاءم بشدة.. احب رؤية الوجه
البشوش المبتسم.. اخاف جداً من الحسد.. استيقظ في السادسة.. هوايتي المفضلة
تربية الكلاب.. واحب السباحة وركوب الخيل.. اقرأ من حين لآخر بعض كتب علم
النفس لمعرفة الاسلوب الامثل للتعامل مع الآخرين.. احب كتابات احسان
عبدالقدوس الذي يعبر فيها بصدق عن اعماق ومشاعر المرأة.. تعلمت من زوجي
الدكتور فياض الكثير.. تعلمت منه الهدوء والحكمة والصبر والاتزان وحب
الناس.. تعلمت منه الصوت المنخفض في الحوار.
# ومذكراتك.. لماذا بغلقين أدراج مكتبك عليها؟
حينما أبلغ من العمر أرذله.. أقصد حينما تكون لدي خبرة أكثر، يعني لما يكون
عندي ثمانون سنة كده.. ممكن أكتبها.
في عام 1987.. وقع الاختيار على الفنانة هند رستم لتكون نجمة مهرجان الفيلم
العربي بباريس، ولتكون ـ رغم اعتزالها الفن وإبتعادها عن الاضواء ـ سفيرة
فوق العادة لمصر خارج الحدود.
هذا لأهمية تاريخها الفني الحافل وأدوارها المتنوعة على الشاشة.. فهي أكثر
فنانات جيلها تغييراً في نوعية أدوارها.. فبالاضافة الى تربعها على عرش
الاغراء كملكة، قدمت الكثير من الادوار البعيدة عن الاغراء، فهناك أدوار
الفتاة ذات الشخصية الجادة وبنت البلد والزوجة الثانية. ثم من ينسى لها
أدوارها في افلام (باب الحديد، بين السماء والارض، وشفيقة القبطية،
الراهبة، الوديعة)، وهي أفلام أصبحت من كلاسيكيات السينما المصرية ومن
العلامات المميزة فيها. |