يجد الكاتب والناقد السينمائي حسن
الحداد صعوبة بالغة في تحديد من هو الناقد السينمائي.. ولكي
يجيب على سؤال «الوقت»
بشأن تعريفه للناقد السينمائي كان لابد له أولاً، أن يتعرف على وظيفة النقد
الفني،
التي هي بالأساس، تعريف بالفن والإبداع، وتوصيل التجربة
الجمالية للعمل الفني إلى
المتلقي، بشكل أفضل، أو جعلها أكثر إمتاعاً.. وبالتالي فالناقد
أو الناقد السينمائي خصوصاً - كما يرى الحداد - هو الشخص الذي يساهم في توصيل العمل
السينمائي للمتلقي..
وليكون بمقدوره فعل ذلك، عليه أولاً وأخيراً، أن يكون ذا ثقافة
عالية، ومطلعاً،
ومتابعاً جيداً لكل ما تنتجه الحياة السينمائية، من أفلام وكتب
ومصادر ثقافية..
وهذا بالطبع يعطيه الأولوية للتحدث عن فيلم معين.. وإبداء رؤاه الفكرية
والفنية عن
أي عمل سينمائي.
أنواع النقد السينمائي
·
هل توجد أنواع من النقد
السينمائي؟
-
بالطبع، للنقد السينمائي، والنقد الفني عموماً، أنواع ومدارس
نقدية
يمكن تحديدها في: النقد التفسيري والنقد التقديري، وهما
متلازمان لتوصيل المنتج
الإبداعي للمتلقي.. الأول يفسر العمل الفني، والآخر يحكم
عليه.. وليس هذا معناه أن الأول يأتي قبل الآخر.. إنهما مندمجان مع بعض ومتلازمان،
لإعطاء وجهة نظر نقدية
وجمالية في العمل الإبداعي. والنقد السياقي، وهو الذي يبحث في
السياق التاريخي
والاجتماعي والنفسي للعمل الفني. أما النقد الانطباعي، فهو
الذي يتناول تأثير العمل النفسي والفني على المتلقي. ثم يأتي النقد القصدي، الذي يتناول
مقصد الفنان من
العمل المنتج. وآخر مدارس النقد الفني، هو النقد الباطن، أو ما
يسمى «النقد
الجديد»، فهذا النقد يركز الاهتمام على العمل وبواطنه
ومميزاته، من دون النظر في مقصد العمل أو تفسيره. وأمام كل هذه المدارس والمناهج النقدية
التي مر بها النقد
الفني عبر تاريخه، لابد من الإشارة إلى أنه من الخطأ الاعتقاد
بأن النقاد يمكن
تصنيفهم بسهولة تحت واحدة من هذه المدارس فقط.. فمعظم الكتابات
النقدية، هي مزيج من بعض هذه المدارس. بل إنه ليس من التناقض المنطقي أن يجمع البحث
النقدي الواحد بين
أنواع النقد الخمسة جميعاً.. وإن كان الناقد يفضل عادة نقداً
معيناً منها. شخصياً، لا أميل إلى تصنيفي ضمن منهج محدد من النقد. فالعمل الفني هو
الذي يفرض علي أدواتي
للنقد.. لابد أن يكون الناقد مرناً في رؤيته للعمل الفني، يجب
عليه أن يخلق أدواته
لتتناسب والعمل الفني.
النقد في مقابل الإبداع
·
متى يصبح النقد السينمائي
ضرورياً؟
-
النقد السينمائي، أو النقد الفني عموماً، ضروري جداً.. ولابد
من
وجوده في مقابل الإبداع.. فأي إبداع فني أو أدبي يحتاج من
يحاكيه نقدياً.. وهذا
بالطبع سيساعد المبدع والناقد على السواء، للوصول إلى كثير من
الأمور الفنية والتقنية المخفية، وتطوير أدواتهم الفنية هذه.. وبالتالي تكون
الإفادة واضحة وجلية
للمتلقي.
لابد من وجود الناقد، في كل زمان ومكان.. فلا يمكن الاستغناء
عن الناقد
في حياتنا الفنية والثقافية، فهو بمثابة العراف والمرشد لطبيعة
الفن وتأثيراته
الجمالية.. فبقدر احتياج أي فنان لجمهوره، فهو يحتاج أيضاً
للناقد.. لتوجيه إدراك المتلقي لقيم العمل الفني الجديد والمبتكر، وبذلك يشجع على
تقبله.
النقد التلقائي
·
أين يوجد الناقد الفني على خريطة البحرين
الفنية؟
-
الناقد موجود
في كل واحد فينا.. موجود في المتلقي.. المتفرج على هذا الكم
الرهيب من الأفلام..
أحياناً نستمع لملاحظات وآراء مهمة من متفرج السينما اليومي..
وهذا يمكن أن نطلق
عليه النقد التلقائي..
السؤال غير واضح وغير محدد.. فالناقد الفني موجود على الساحة البحرينية.. وليكن السؤال.. أين ينشر هذا النقد..
فالصحافة الفنية المحلية
محكومة بقيود والتزامات من قبل الصحيفة نفسها.. وليست هناك أطر
وأشكال محددة يمكن
الوثوق بها لاستمرار هذا الحيز النقدي في الفن.. المهم أن تكون
هناك قنوات مستمرة تمكن الناقد من الاستمرار والتواصل مع المتلقي.
أسماء المخرجين أولاً
·
أي
فيلم سينمائي أثر فيك كناقد سينمائي؟
-
بصفتي متابعاً جيداً للسينما، منذ بداية
الثمانينات من القرن الماضي.. فمن الصعب ذكر فيلم واحد معين
يمكن الرجوع إليه،
كمؤثر في تحفيز موهبة النقد لدي.. أسماء الأفلام كثيرة.. ولكن
من المهم التأكيد على أن أسماء مخرجين، أمثال كوبولا، سكورسيزي (أميركا)، وتاركوفسكي
(روسيا)، وفلليني،
وفيسكونتي وبيرتولوتشي (إيطاليا).. وعربياً، هناك عمالقة
أيضاً، أمثال صلاح أبوسيف،
ويوسف شاهين، وشادي عبدالسلام، وغيرهم كثير.. كان لهم دور مهم
في تكويني الفني والنقدي.
صناعة السينما في البحرين
·
السينما البحرينية.. هلا حدثتنا عنها..؟
-
مصطلح السينما البحرينية ليس صحيحاً بالمعنى العلمي.. وهذا
بالطبع
ينطبق على معظم دول العالم العربي فيما عدا مصر.. ففي مصر هناك
سينما لها مؤسساتها
ومعاملها واستوديوهاتها وتراث سينمائي زاخر..
من الصعب الحديث عن «سينما
بحرينية» في الوقت الحالي.. حتى مع وجود أفلام سينمائية طويلة
وقصيرة.. وازدياد دور العرض السينمائي في السنوات العشر الأخيرة.. فمصطلح «سينما»،
أجده يحتمل كثيراً من
الصفات التي لابد من توافرها للحديث عن السينما كصناعة.. إن وجود سينما في
أي مكان
من العالم تسبقه تراكمات فنية وتقنية، لتكوين عجلة إنتاج
متواصلة ومعامل
واستوديوهات.. وهذا أمر لا يمكن التعويل عليه في الوقت الحالي.
لذا يمكن أن
نشير إلى أن في البحرين مستهلكاً سينمائياً فعالاً.. بمعنى
الجمهور العريض الذي
يتعامل مع السينما.. فتاريخ بدايات العروض السينمائية في
البحرين كانت منذ الأربعينات من القرن الماضي، حيث بدأ الجمهور في التكون بشكل
سريع، مذهولاً بهذا
الفن الاستثنائي. من جهة أخرى، يمكن الحديث عن تجارب وأفلام
بحرينية، نعتبرها
بمثابة اللبنات الأولى لبدء الاشتغال بالصورة المتحركة في
البحرين.. وهذا النشاط قد بدأ مبكراً مع نهاية الستينات.. حيث يعتبر الفنان خليفة شاهين،
الذي ولد العام
,1939
أول مخرج سينمائي في البحرين. وقد تخرج شاهين من مدرسة للفنون
في لندن العام
,1965
وأنتج وأخرج أول صحيفة سينمائية العام ,1966 وأول فيلم تسجيلي
بعنوان «كشمير تنادي» العام ,1967 وفي العام 1971 أسس شاهين شركته الخاصة.
ومن بين الأفلام التي
أخرجها لشركته «اليوم القومي» 1973 «صور جزيرة» ,1957 «أناس في
الأفق» ,1976
«الموجة
السوداء» 1977 كما شارك مع فريق الإنتاج التابع لشركة «وولت
ديزني» في
تمثيل فيلم «حمد والقراصنة» .1971
كما نجحت مجموعة من الشباب الطموح من أمثال داراب علي ومجيد شمس وعلي عباس، في تقديم مجموعة من الأفلام
التسجيلية والروائية
القصيرة. وفي العام 1975 بدأ الفنان بسام الذوادي تقديم أول
أفلامه القصيرة، قبل
التحاقه بمعهد السينما بالقاهرة. وبعد تخرجه عمل مخرجاً في
التلفزيون وقدم مجموعة من الأعمال الدرامية، ومن ثم بدأ مشواره مع السينما بفيلم
«الحاجز» العام ,1993
ليكون بذلك أول فيلم روائي طويل ينتج في البحرين. وبعد خمسة
عشر عاماً، قدم الذوادي فيلمه الثاني «زائر» العام .2004 أما فيلمه الثالث فكان «حكاية
بحرينية» إنتاج
العام .2006
على مستوى الفيلم التسجيلي والروائي القصير، بدأت في السنوات
الخمس
الأخيرة، تبرز ظاهرة إيجابية في الوسط الفني البحريني، خصوصاً
مع توافر كاميرا
الفيديو (الديجيتال). حيث أخذت مجموعة من الشباب العمل بالصورة
المتحركة، والاشتغال على أفلام روائية قصيرة في غالبيتها، أمثال محمد يوسف جناحي،
يوسف القصير، علي
رحمة، ياسر القرمزي، سعيد منصور، حسين الحليبي، عبدالله رشدان،
محمد راشد بوعلي،
محمد القصاب، والمسرحي الكبير عبدالله السعداوي، الذي ساهم
بدوره مع خالد الرويعي ويوسف الحمدان على تأسيس مهرجان الصواري للأفلام العام .2005
وفي ضوء ما ذكرنا
سابقاً، يمكننا الجزم، بأن السينما كصناعة في دول الخليج لن
تقوم لها قائمة إلا من خلال دعم القطاع العام.. أي الأجهزة والمؤسسات الرسمية
والحكومية، باعتبار أن الهم
الفني والتثقيفي يتزامن مع توجهات هذه الدول لتربية جيل مثقف
ومهتم بالأدب والفن
عموماً، والإحساس من جانب هذه الحكومات بالمسؤولية تجاه
المواطن، بغض النظر عن الربح المادي.. هذا ما يتراءى لنا من خلال تصريحات المسؤولين
في هذه الدول.
السينما والوعي الشعبي
·
هل تعتقد بأن هناك من يؤمن بأهمية الصورة السينمائية وخطورتها في خلق الوعي والثقافة لدى المتلقي
العربي..؟ وما هو واقع
المؤسسات الرسمية والشعبية ودورها في مجال الصورة المتحركة؟
-
ننتخب السينما لأن
تكون العامل المهم الذي يساهم في تشكيل وصياغة الوجدان الشعبي.
وأهمية هذا الدور ينبع دوماً من واقع المجتمع الثقافي والاجتماعي نفسه، بمعنى
فقدان التأثير المهم
للكلمة المكتوبة على الجماهير، التي تعاني من الأمية. لذلك
تبقى الغلبة للإذاعة
المسموعة (الراديو) والمرئية (السينما والتليفزيون). والسينما
ليست فكراً وفناً فحسب، ولكنها بالدرجة الأولى صناعة وتجارة.. فالسينما، منذ
بدايتها، لم تأخذ على
عاتقها مهمة القيام بتوعية الجماهير ورفع مستواها الفكري
والثقافي.. ولم يأخذ هذا الهدف حيزاً من أجندة المنتجين. وكانت السينما ولاتزال لدى
الغالبية منهم تجارة تدر
عليهم كثيراً من الأرباح.
إذاً، الإنتاج هو الحجر الأساس الذي تقوم عليه صناعة السينما.. والمسيطر على عملية الإنتاج هو الذي يحدد هوية هذه
السينما. لكن يجب أن
نعترف في كل هذه المعطيات بأن عملية الإنتاج ليست عملية سهلة،
بل هي محكومة بشبكة
من العلاقات لا تقتصر - كما في الإنتاج الأدبي - على ورق وقلم
وكُلف طباعة، بل هي عملية تمر عبر آلات ومواد ومؤسسات ورساميل، هي التي تكوِّن ما
نقول عنه صناعة
سينما. ما لا شك فيه، أن الذي يصنع السينما ليس الفنان كما
يعتقد الغالبية؛ بل هو
التاجر صاحب رأس المال القادر على توصيلها للمتفرج. وهذا
بالضبط ما تيقن منه وآمن به رأس المال الأميركي منذ البداية، عندما جعل من السينما،
صناعة تدر الأرباح
الخيالية، وتملأ الجيوب بمليارات الدولارات. وباعتبار أن
للصورة أكبر الأثر على
المتلقي - مهما اختلف الجميع في طريقة توصيل هذه الصورة - لابد
أن يكون هناك رأس المال الوطني والمثقف، الذي يسعى - إضافة إلى الربح - إلى
الفائدة العامة للوطن
والشعب.. وهذا ما لا يتوافر في الوطن العربي.. إلا فيما ندر.
الغريب أن الجميع يعرف مدى أهمية وفاعلية هذه الصورة، ولكنهم يجهلون كيفية التعامل
معها. فالعمل المؤسساتي
الثقافي العربي فقير جداً من الناحية العلمية والعملية. فإذا
تحدثنا عن مؤسسات
القطاع الخاص، فنجدها غالباً تعاونية، أي العمل فيها يكون
اختيارياً وتعتمد على الأمزجة والأهواء، إضافة إلى أنها تحتاج إلى رأس مال يساهم في
تنفيذ مشروعاتها..
وإذا تحدثنا عن مؤسسات القطاع العام، فهي ترزح تحت الكم الهائل
من اللامبالاة والبيروقراطية.
جريدةالوقت
البحرينية في
08.09.2007
|