مباغت
وصادم هذا الفيلم الذي شاهدناه متأخراً.. مدهش هذا الحلم السينمائي
الذي طغى على حواس أبت إلا أن تحتفي به.. ساحر ما فعله أبو أسعد بنا،
ونحن نتابع فيلمه الأخير "الجنة الآن".. عيون تراقب بحذر.. أنفاس تتلهف
وتتوقع وتحلم.. إلا أن ما قدمه من مشاهد ولقطات، قد فاق أي توقع.
ففي
أمسية سينمائية خاصة هيئها لنا "نادي البحرين للسينما".. كان الجميع
يعيش حالة من الترقب لفيلم.. وصل صيته إلى معاقل هوليوود.. بل وحصل على
الغولدن غلوب، وترشح للأوسكار كأفضل فيلم أجنبي. هذا.. بعد أن حصل على
جائزة أفضل فيلم أوروبي (بلو إنجيل) في مهرجان برلين الدولي 2005..
وبعد أن طاف أغلب دول العالم (ألمانيا، بلجيكا، فرنسا، فنلندا، النمسا،
اليونان، أسبانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، هولندا، المجر،
إيطاليا، استراليا....)، وعرض في أبرز مهرجاناتها.. من برلين (انطلاقته
الأولى)، إلى كارلو فيفاري، ثم تليورايد وتورنتو، إلى نيويورك ودبي
والقاهرة.
نبدأ
من المشهد الأخير في الفيلم، مع تلك اللقطة التي تركز على عين "سعيد"
بحركة زوم، وهو في باص وسط حشد من الجنود الإسرائيليين، ومع انتظار
سماع صوت الانفجار وأشلاء الجنود تتطاير.. إلى أن ينتهي المشهد بشاشة
بيضاء تشير إلى حالة العدمية التي كان يعيشها "سعيد"... ومع انتهاء هذا
المشهد.. مع هذه الشاشة البيضاء، نشعر بأنفاس المتفرج وانتظاره وهو
متسمر في مقعده.. بل وحاملاً معه تساؤلاته إلى خارج الصالة.. ماذا فعل
هذا الـ"سعيد".. هل فجر نفسه..؟! هل نجح؟!
إذن..
كيف لأي متفرج في تلك الأمسية، أن يتجاسر ويلتفت يميناً أو يساراً..
خوفاً من أن تفوته لحظة الموت المرتقبة.. هذا ما جعل من الفيلم، قطعة
فنية متكاملة تجسد لحظات الخوف والترقب لدى أي متفرج، عربياً كان أو
أجنبي.. هؤلاء الذين ملئوا تلك القاعة الصغيرة.. ملئوها بالرغبة في
التعرف على فيلم يقدم لهم حواراً جدلياً حول أحقية عمليات الاستشهاد من
عدمها.. فيلماً يحاول أن يقدم الأسئلة، وليس الإجابة عليها.. كما هي
حالة الفن الأصيل.
الفلسطيني هاني أبو أسعد في "الجنة الآن".. نجح في تخطي حاجز الخوف،
وخرج عن السيطرة الإيديولوجية العربية، التي سيطرت على الفيلم
الفلسطيني عقود من الزمن.. نراه ـ ككاتب سيناريو ـ يحرر فيلمه من أية
إدانة أو ترويج، ويبتعد عن الدعاية أو الخطابية أو الاستعراض.. هذا
إضافة إلى أنه لم يساير النظرة الغربية للقضية الفلسطينية، بالرغم من
إنتاج الفيلم الغربي. كما أنه نحج في تحاشي ذلك الإبهار السينمائي على
حساب الفكرة والمضمون الذي أراد طرحه.
نجح
أبو أسعد في تقديم معالجة سينمائية تتحدث عن المشاعر والأفكار، من خلال
سيناريو بسيط ومركز، مبتعداً عن أي حشو درامي، ومتخذا من التشويق
عنصراً مهماً لمتابعة مصائر شخصياته متأملاً تلك القضية الخطيرة التي
طرحها الفيلم. ويتخذ من السرد الدرامي عنصراً آخراً لتقديم أجواء
الحياة في نابلس وفي إسرائيل، في لقطات سريعة ولماحة.
|