أعاد الناقد وصاحب موقع سينماتك البحريني حسن حداد اصدار الطبعة الثانية من كتابه
(ثنائية القهر/التمرد في أفلام عاطف الطيب)، وكتب في مقدمة الطبعة الأولى:
فجأة، وبدون مقدمات.. مات عاطف الطيب.. ورحل عن عالمنا، فارس من بين أهم فرسان
السينما المصرية الجديدة.. فارس أخذ على عاتقه ـ مع قلة من رفاقه ـ تحرير السينما
المصرية من قوالب التقاليد البالية، والخروج إلى آفاق فنية رحبة.
كانت فعلاً.. حقيقة صعبة من أن نكتشف فجأة، بأننا فقدنا فناناً كبيراً كعاطف الطيب،
فالكل أجمع بأنها خسارة فادحة للسينما المصرية وللفن الجيد والجاد في كل مكان.
إذن.. لندع الذاكرة تعود بنا إلى الوراء، ونتذكر أول مشاهدة لنا لفيلمه (سواق
الأتوبيس)، هذا الفيلم الذي كان بحق مفاجأة للجميع.. حيث كان بمثابة البشارة الأولى
لوجود فن قادر على محاربة الاستهلاك في السينما المصرية، وبالتالي اعتباره
الانطلاقة الجماهيرية الحقيقية التي أعلنت للجميع عن وجود سينما مغايرة، وعرَّفت
بالسينما المصرية الجديدة، هذه السينما التي قامت على أكتاف سينمائيين مغامرين،
أمثال محمد خان وخيري بشارة وداود عبد السيد وغيرهم، إضافة إلى عاطف الطيب.
وكأن الطيب يعرف بأنه لا يملك من العمر إلا القليل، لذلك كان أغزر مخرجي جيله..
وقدم، في أقل من خمسة عشر عاماً، واحداً وعشرين فيلماً سينمائياً.. وجميعها أفلام
تسعى إلى الصدق الفني وتتطرق إلى الواقع، وتهتم بالمواضيع التي تعبر عن الإنسان
البسيط، وتناقش ذلك الواقع الصعب الذي يحيط بهذا الإنسان.
وعاطف الطيب، صعيدي المولد، بولاقي النشأة. أحب التمثيل منذ طفولته، وبات يحلم بأن
يكون نجماً في التمثيل. في المرحلة الإعدادية بدأ يرتاد دور السينما، ولاحظ أثناء
متابعته للأفلام، أنه لا بد من وجود شخص يحرك هذا العمل، ولم يفهم من هو؟ أنقذه
مدرس اللغة الإنجليزية بالمدرسة الثانوية، حيث كان يحدثهم عن أهمية الفن في حياة
المجتمع، وعرف منه بأن المخرج يمثل العمود الفقري للفيلم السينمائي. عندها قرر عاطف
الطيب أن يكون مخرجاً، ومن ثم التحق بالمعهد العالي للسينما بالقاهرة في عام 1967.
تخرج عاطف الطيب من المعهد العالي للسينما ـ قسم إخراج عام 1970. وعمل أثناء
الدراسة مساعداً للإخراج مع مدحت بكير في فيلم (ثلاث وجوه للحب ـ 1969)، وفيلم
(دعوة للحياة ـ 1973). كما عمل مساعداً للمونتاج مع كمال أبو العلا.
التحق، بعد تخرجه، بالجيش لأداء الخدمة العسكرية، وقضى به الفترة العصيبة (1971 ـ
1975)، والتي شهدت حرب أكتوبر 1973. وخلال الفترة التي قضاها بالجيش، أخرج فيلماً
قصيراً هو (جريدة الصباح ـ 1972) من إنتاج المركز القومي للأفلام التسجيلية
والقصيرة.
كانت فترة الجيش بالنسبة لعاطف الطيب فترة تكوين ذهني وفكري، حيث تمكن خلالها من
تكثيف مشاهداته للأفلام (بمعدل 4 أفلام يوميا). كذلك شارك في العديد من نوادي
السينما، حيث المناقشات الفكرية والفنية حول الأفلام، والتي أفادته كثيراً.
في نفس الفترة أيضاً، كانت علاقته بالمخرج العبقري شادي عبد السلام، الذي عمل معه
كمساعد للإخراج في فيلم (جيوش الشمس 1973)، الذي يتحدث عن حرب أكتوبر، حيث استفاد
كثيراً من هذه التجربة، فقد كانت طريقة وأسلوب شادي يجذبانه. وبعد أن ترك الجيش،
عمل مساعداً للمخرج محمد بسيوني في فيلم (ابتسامة واحدة لا تكفي ـ 1977). ثم أخرج
عاطف الطيب فيلماً قصيراً من إنتاج المركز التجريبي هو (المقايضة ـ 1978). عمل، بعد
ذلك، مساعداً للمخرج يوسف شاهين في فيلم (إسكندرية ليه ـ 1979). وقد أفاده العمل مع
هذا المخرج الكبير بشكل كبير. كما عمل مساعداً للمخرج محمد شبل في فيلم (أنياب ـ
1981).
إضافة إلى كل هذا، فقد عمل عاطف الطيب أيضاً، في عدد من الأفلام الأجنبية التي صورت
في مصر، حيث عمل مساعداً للمخرج لويس جيلبرت في فيلم (الجاسوس الذي أحبني)، ومع
المخرج جون جيلر من في فيلم (جريمة على النيل)، ومع المخرج مايكل بنويل في فيلم
(الصحوة)، ومع المخرج فيليب ليلوك في فيلم (توت عنخ آمون)، ومع المخرج فرانكلين
شافنر في فيلم (أبو الهول). وقد كانت هذه التجربة مفيدة جداً لعاطف الطيب، خاصة
فيما يتعلق بالإعداد اليومي للعمل، والدقة المتناهية التي يدرسون بها كل شيء، حتى
أدق التفاصيل الثانوية. |