يعتبر فيلم (آني) أحد أفلام الناجحة للمخرج الكبير «جون هيوستن» (
1907ـ
1988)، وهو من إنتاج عام 1981، عن قصة للكاتب الأمريكي "هارولد غراي" الذي
كتبها عام 1924، وبالرغم من قدم القصة، إلا أنها بقيت مجمدة
حتى عام 1977، حيث
قدمت على خشبة المسرح في برودواي، لتفوز بإثنيتن وعشرين جائزة
تقديرية
.
أما
فكرة تقديم هذه القصة سينمائياً فلم تتحقق إلا عندما إشتهرت على
المسرح، فقد رصدت
شركة كولومبيا مبلغ ثلاثون مليون دولار لإنتاج الفيلم مع حق
إخراجه وتوزيعه. وفي
البداية كان أمر الحصول على كل مايلزم لإنتاج الفيلم أمراً في
منتهى السهولة، حيث
وضع المنتج «راي ستارك»، والذي إكتشف بربارا سترايسند، كافة
إمكانياته بصفته أحد
كبار المسئولين في شركة كولومبيا لتقديم الفيلم بقالب ساخر
وكوميدي خفيف، ليشهد
مسيرة جديدة وناجحة لكولومبيا، فقد إستطاع «ستارك» أن يجمع نخبة
لامعة من الممثلين، مثل ألبرت فيني في دور المليونير، وكارول
بيرنيت في دور المشرفة على دار الأيتام، وجيفري هولدن و إدوارد
هيرمان وغيرهم. أما المفاجأة فهي إختياره للعجوز
«هيوستون» لإخراج الفيلم، حيث إشتهر هذا
المخرج في الخمسينات بإخراجه لأفلام
المنوعات ذات الطابع الكوميدي، فضلاً عن تميز فنه الإخراجي
بأساليب متعددة .
ويعلق هيوسون، بأن قبوله إخراج فيلم تقليدي يحتوي على منوعات
فكاهية، يجعل
كافة إمكانياته الفنية توضع على المحك من جديد، وإن الفائدة من
وراء هذا القبول هو
صقل قدراته ومواهبه التي إعتلاها الصدأ منذ زمن بعيد
.
تبقى مسألة إختيار الطفلة
التي قامت بدور اليتيمة «آني»، فقد إستمر البحث عنها لمدة عامين
كاملين. فمن بين
عشرين ألف صورة وثمانية آلاف طفلة قابلها مديرو الإنتاج ومشاهدة
خمسمائة وخمسين
طفلة على أشرطة الفيديو، إستقر الرأي في النهاية على تسع
متقدمات، كانت بينهن
الطفلة «إيلين كوين» من ولاية بنسلفانيا الأمريكية، تلك الطفلة
المغمورة ذات التسع
سنوات، والتي تحولت فيما بعد الى أشهر طفلة في العالم، حيث أعادت
أمجاد الصغيرات
في السينما الأمريكية
.
بدأت آني تصوير الفيلم في أبريل 1981، وعند الإنتهاء من
التصوير في سبتمبر، كان قد شارك في هذا الفيلم نحو ألفي شخص،
من بينهم 117 راقص
وراقصة، و82 ممثل وممثلة، وأكثر من ألف كومبارس، و225 هم فريق
التصوير والمكياج،
فضلاً عن 190 عاملاً ساهموا في بناء وتصميم مناظر الفيلم، وقام نحو
59 رجل شرطة
بالحفاظ على سلامة إستمرار التصوير، وأسهم في عمل الموسيقى
التصويرية والأغاني 65
موسيقياً، و175 موظفاً عملوا في مسرح المنوعات.
والغرض من ذكر كل هذه
الإحصائيات، هو تعريف القاريء والمتابع للسينما بالإمكانيات الضجمة
التي يتطلبها
الفيلم الإستعراضي، حيث إنه من الصعب مطالبة السينما العربية ـ
والمصرية بشكل خاص
ـ بتقديم فيلم إستعراضي متكامل فنياً، وهي السينما الفقيرة
جداً قياساً بالسينمات
الأخرى في العالم .
نعود لفيلمنا (آني) لنناقشه فنياً.. فمن ناحية الحبكة والبناء
الدرامي، فهو ـ كعادة
الأفلام الإستعراضية ـ لايهتم بها كثيراً، بل
يعتمد على العنصر الإســتــعـراضـي أســاســاً،
وبالرغم من ذلك فهو فيلم ممتع
ومسلٍّ، فقد ساهم في ذلك الأداء الجيد للممثلين، خصوصاً كارول
بيرنيت التي أضفت
على الفيلم نوعاً من الخفة والحيوية في المشاهد التي ظهرت
فيها. أما الطفلة إيلين
فقد كانت متألقة من خلال الرقصات التعبيرية والموسيقى الغنائية أدت
إيلين وأطفال
الملجأ الأدوار ببراعة، وهي مشقة كبيرة تحملها المخرج بصبر، فنجح
في إدارة ممثليه
من الأطفال في فيلمه هذا.
أما الديكور ومناظر الفيلم فقد عبرت تماماً عن أجواء
الثلاثينات، حيث نشاهد السيارات القديمة والشوارع الضيقة في
الأخياء الفقيرة،
ومظاهر العظمة في شوارع الأغنياء حيث المباني الفخمة والقصور
وحدائقها.
كما
ساهمت الإضاءة في إضفاء الأجواء المناسبة في الجو القاتم والمعبر
عن حياة البؤس في
الملجأ، والجو المبهر لحياة الأغنياء في القصور، وفيه تعبير
واضح عن الفارق بين
نمطين من الحياة فوق أرض واحدة.
إضافة الى كل هذا، فلابد من التأكيد على أن
نجاح هذا الفيلم كان وراءه مخرج ذو خبرة في السينما، قام بتقديم
خلاصة تجربته
وزبدة أفكاره ومواهبه في هذا القالب الإستعراضي
.
ولايفوتنا أن نشير الى أن
المخرج جون هيوسون قد سبق وأن حصل على أوسكار أفضل مخرج مرتين، كما
رشح لنفس
الجائزة ثلاث عشرة مرة عن عدد من أفلامه .
|