يأتي فيلم (الكرنك ـ 1975)
للمخرج المصري علي بدرخان ليؤسس مع أفلام (على من نطلق الرصاص ـ
العصفور ـ زائر الفجر) ما يسمى بالسينما السياسية. ولو كان فيلم
(الكرنك) هو أكثرها جرأة، وذلك باستعراضه بشكل واضح وصريح جداً
للنظام السياسي في استخدامه لكل أدوات القهر والتنكيل، ضد كل من
يخالفه في الفكر والرأي السياسي، أو حتى ضد اثنين متحابين ليدمرهما
لدرجة التخريب، ويفسد العلاقات الإنسانية الجميلة فيما بينهما.
ولا يخفى على الجميع، في
أن فيلم (الكرنك) قد صحبته ضجة كبيرة في الوسط الفني والصحافة،
وحتى على المستوى الجماهيري، وذلك لأن الجميع اعتبره تأريخاً لفترة
سياسية، تعتبر من أهم فترات التاريخ السياسي المصري ( وهي الفترة
التي امتدت منذ الهزيمة في 1967 وحتى حرب أكتوبر 1973)، مروراً
بحركة التصحيح في 15 مايو 1971) واعتبره البعض تشويهاً لثورة يوليو
1953 وقائدها عبد الناصر، بل هجوماً على مراكز القوى في تلك
الفترة، وتملقاً لحركة التصحيح التي قادها الرئيس السادات.
إلا أن بدرخان يدافع عن
فيلمه هذا، فيقول: (...توقيت عرض الفيلم بعد وفاة عبد الناصر هو
الذي أعطى انطباعا بأن المقصود منه مهاجمة المرحلة الناصرية، وهذا
غير صحيح. فالمقصود من الفيلم كشف بعض الممارسات التي كانت تصدر من
بعض الأشخاص المتسترين برداء النظام، والتي استهدفت كرامة الإنسان
وتحطيم معنوياته. وهذه الممارسات موجودة في أي نظام وفي كل
زمان...).
بدأت فكرة (الكرنك) عند
بدرخان، بعد قراءته للقصة التي كتبها نجيب محفوظ ونشرتها الصحافة.
بعدها قرأ بأن الكاتب ممدوح الليثي قد اشترى القصة وسينتجها
سينمائياً. فما كان من بدرخان إلا أن اتصل بالليثي وقال له:
(...أنا نفسي أخرج الكرنك، ومن غير فلوس أبداً!!...). وهذا بالطبع
دليلاً على اقتناع بدرخان بالقصة وأهميتها. وبهذا يكون بدرخان قد
خطى خطوة في طريق السينما السياسية.
يبدأ فيلم (الكرنك) وينتهي
بحرب أكتوبر، وهو إقحام مفتعل ـ إن كان من الناحية الدرامية أو حتى
الفكرية. ولا يعني هذا سوى الاستغلال التجاري والتملق. فمن الملاحظ
بأن السينما المصرية في تلك الموحلة قد اتخذت من حرب أكتوبر
ديكوراً جديداً للأفلام التجارية، مثلما كانت السينما في الخمسينات
والستينات تتملق ثورة يوليو، وذلك بأن تجعل من الثورة نهاية سعيدة
للفيلم. وربما كان هذا إرضاءً للنظام الحاكم وللرقابة، مما يعطي
للفيلم امتيازات كثيرة أهمها الحصول على أولوية العرض. أما بالنسبة
لفيلم (الكرنك) فمن هذه البداية والنهاية نستنتج بأنه يقول بأن
غياب الحرية والقانون وسيطرة الإرهاب والقمع يؤدي إلى الهزيمة،
وعودة الحرية وسيادة القانون يؤدي إلى النصر. وهذا بحد ذاته قد
أوقع الفيلم في خطأ فكري كبير ورؤية ساذجة، على حساب الرؤية
الموضوعية للواقع والتاريخ. فالحديث عن الهزائم والانتصارات لا
يكون هكذا. |