نحن أمام أحد أهم أفلام المخرج المصري الذائع الصيت حسين
كمال، وهو (شيء من الخوف ـ 1969)،
الفيلم الثالث في مشوار حسين كمال، والذي جاء في مرحلة تعد من أخصب
مراحل هذا المخرج الفنية، ألا وهي المرحلة
التجريبية. فبهذا الفيلم ينهي حسين كمال هذه المرحلة، وينهي ـ
أيضاً ـ تعاقده مع
القطاع العام، ويتجه للعمل مع القطاع الخاص، وذلك لتنفيذ أفلام
تستهدف تحقيق أعلى
الإيرادات، وتخاطب الغرائز والرغبات
السهلة لدى قطاع كبير من الجمهور .
خلال
مرحلته الفنية الأولى (التجريبية)، نجح حسين كمال في كسر وتحطيم
بعض القواعد
التقليدية للسينما المصرية، وتقديم شكل
جديد وضعه في مصاف أهم المخرجين المصريين
آنذاك. ففي فيلمه (شيء من الخوف) قدم أسلوباً فنياً مبتكراً، حيث
لجأ الى أسلوب
جعل من الفيلم أشبه بالحكاية الشعبية، علماً بأن الفيلم مأخوذ عن
قصة قصيرة للكاتب
ثروت عكاشة
.
وبعيد عن سردنا لحكاية عتريس وفؤاده (حكاية الفيلم) التي حفظها
الجمهور، فان حسين كمال كان ذكياً
عندما لجأ الى أسلوب الحكاية الشعبية مستخدماً
بعض الأغاني، التي توزعت بين ثنايا الفيلم، للتعليق على الأحداث،
وأكسبت
الفيلم نكهة خاصة جعلت المتفرج يتفاعل معه ويتحمس له حتى النهاية.
هذا من جهة،
ومن جهة أخرى حاول حسين كمال تغطية ما
في القصة من مبالغات في المواقف الدرامية، معتقداً بأن الموقف
بمجمله، وليس بتفاصيله، هو هدف الفيلم، على عكس ماكان في
فيلميه السابقين (المستحيل، البوسطجي)، حيث كانت التفاصيل فيهما
عوناً له في
إغناء الحدث الدرامي الرئيسي وتعميقه .
لقد تخلى حسين كمال ـ أيضاً ـ عن واقعيته
في هذا الفيلم، واقعيته التي قدمها في
(البوسطجي)، فالواقعية ليست تصوير الأماكن
الحقيقية وجعل الشخصيات تتكلم بلغة المكان، وإنما هي تقديم الأحداث
والشخصيات بشكل
مقنع وصادق في أفكارها وتصرفاتها، لتذوب في هذا الواقع وتعطي عملاً
واقعياً متكاملاً
.
وبالرغم من أن حسين كمال، في فيلم (شيء من الخوف)، إستطاع أن
يجعل المتفرج يعيش مع صورة من الريف
المصري، بكل تقاليدها وعاداتها ولغتها، إلا
أنه لم يستطع أن يقنعه بهذه الصورة المفتعلة والمبالغ فيها من
الإجرام والمتمثل في
عتريس.. والإجرام بطبيعته إما أن يكون من السلطات وأعوانها أو أن
يكون إجرام
الإقطاع، وهو إجرام منظم
.
وكما هو معروف منذ أقدم العصور، بأن التكوين
والهيكل الإجتماعي للأسرة في القرية
المصرية يعطي الأولوية في كل شيء للرجل، وليس المرأة سوى تابع
للرجل وتحت حمايته. فكيف يمكن لحسين كمال إقناعنا بأن تكون فؤاده
)المرأة)
هي من ينقذ القرية من الظلم والإجرام؟ كما إن إصرار عتريس (الجد)
على
أخذ وعد من حفيده لمواصلة مابدأه، ثم ذلك التحول المفاجيء للحفيد
يتناقض تماماً مع
تكوين شخصيته وتكوينها (في بداية الفيلم)، ولم يقدم لنا حسين كمال
مبررات
كافية ومقنعة لهذا التحول، أي إنه لم
يستطع إقناعنا بواقعية بعض شخصياته وبعض
أحداثه في فيلمه هذا .
لقد كان دور الصورة السينمائية، في القسم الأول من
الفيلم، بارزاً. وكان الحوار مركزاً
داخل تكوينات جمالية قوية للكادر. وليست
مشاهد الأرض العطشى وما بها من تشققات ثم إرتواؤها بالماء إلا
دليلاً على ذلك. أما
القسم الثاني، فقد طغى عليه الحوار وضعفت تكوينات الصورة فيه،
بالرغم من أن الحوار الذي كتبه عبدالرحمن الأبنودي تتضح فيه
الصياغة الجيدة والعذوبة في نسج الجمل
الحوارية. وتأتي الموسيقى التصويرية مع الأغاني والكورال، لتضفي
على الفيلم
طابعاً جميلاً ومؤثراً
.
وبالغم من إحتواء فيلم (شيء من الخوف) على بعض
السلبيات، إلا أنه يظل واحداً من
الأفلام البارزة، وذلك لتقديمه أسلوب الحكاية
الشعبية بشكل جديد ومؤثر . |