حرب فيتنام هو موضوع هوليوود القديم /الجديد .. الحرب/المأساة التي
تولد عنها كمّ هائل من الخيبة والإحباط لدى المحارب والإنسان
الأمريكي على السواء. فقد قدمت هوليوود هذه الحرب في أفلام كثيرة
أغلبها تناول الحرب بتأثيراتها النفسية
وما خلفته من شروخ وانهيارات في المبادئ والقيم لدى الشعب
الأمريكي، حيث الموت
والدمار والمعاناة وبالتالي تخريب نفسية الإنسان من الداخل.
وفيلم (العودة
إلى الوطن ـ 1977) عن هذه الحرب التي امتد تأثيرها إلى ملايين
الأسر الأمريكية،
وظلت تحرك الشارع الأمريكي لفترة طويلة. ولا يمكن لأحد أن ينكر على
السينما دورها
الكبير الذي لعبته في هذه الحرب، بل أنها حاربت في فيتنام تماماً
كما حارب الجنود.
ولأن هذه الحرب استمرت ما يقارب العشر سنوات، فقد كان رصيد الأفلام
السينمائية التي تناولت هذه الحرب كبيراً ومتنوعاً. فكانت هناك
أفلام صنعها مؤيدو
الشعب الفيتنامي، وأفلام صنعها أعداء فيتنام في أمريكا والغرب،
إضافة إلى الأفلام
التي صنعها الثوار الفيتناميين أنفسهم. وحتى بعد نهاية الحرب، كانت
هناك الأفلام
الأمريكية التي تنتهج أسلوب النقد للحكومة الأمريكية، وتحكي عن
تورطها في هذه
الحرب التي تركت آثاراً جسدية ونفسية على من شارك فيها ومن عاصرها.
لقد كانت حرب
فيتنام هي ضمير أمريكا السيئ، لذلك سيظل انعكاسها على الأدب والفن
يطل علينا من
حين إلى آخر.
فيلم (العودة إلى الوطن) يعلن صراحة بأنه ضد هذه الحرب،
متناولاً ما خلفته من شروخ وانهيارات عند الفرد داخل المجتمع
الأمريكي، ومتعمداً
أن لا يقدم مشاهد للمعارك الحربية داخل فيتنام. والفيلم ككيان
درامي يقوم على ذلك
الثالوث التقليدي للأفلام الميلودرامية: الزوج + الزوجة + العشيق،
لكنه يقدم هذا الثالوث على أرض ملتهبة بالأحداث، فيغير من بناء
وانفعالات الشخصيات، ليعطي
مضامين وأفكار جديدة.
فالعشيق هو من خاض تلك الحرب، فتركت بصماتها على جسده
وعقله فانطلق يحذر منها. والزوج هو المخدوع بالحرب وإعلامها، الذي
يقوده إلى مصير
مؤلم هو الانتحار. أما الزوجة فهي الشاهدة على هذه المأساة التي
أحرقت كل شيء. تتحدث بطلة الفيلم "جين فوندا"، التي شاركت في
الإنتاج وتدخلت في صياغة فكرته وجمعت
مادته من خلال لقاءاتها مع الجنود العائدين من الحرب، فتقول:
(...لقد اتخذت قراري
بالمشاركة في هذا الفيلم عندما شعرت أنه من خلال دوري يمكنني أن
أقول الحقيقة التي
يجب أن تقال...).
أما مخرج الفيلم فقد استطاع، بعد أربعة شهور تصوير وثمانية
شهور إعداد للعرض، أن يقدم فيلماً إنسانياً قوياً ومؤثراً، يحوي
نسيجاً درامياً
موحياً لفترة أواخر الستينات، ويحمل تلك الخلفية الكئيبة لحرب
فيتنام. يقول
المخرج "هال أشبي": (...نحن نوجه برسالة إلى المجتمع العالمي،
وبالذات هذا الجيل
الجديد من الشباب الذي يعرف فقط بأنه كان هناك حرب شنتها أمريكا ضد
فيتنام.. حرب
انتهت بالعار والهزيمة للجيش الأمريكي، ولكنه لا يعرف كيف أثرت هذه
الحرب على
مصائر الأسر والمجتمع الأمريكي ككل...).
إن رسالة الفيلم قد وصلت بشكل قوي
ومباشر للمتفرج، حيث نتائج هذه الحرب أمامنا، هي جنود مشوهون في
المستشفيات.
وآلام هذه الحرب هي النغمة الوحيدة والمستمرة طوال الفيلم من خلال
الأجساد المشوهة، ومن خلال علاقة الزوجة بالجندي المقعد، هذان
الممثلان قدما أداءاً قوياً ومؤثراً، أضفى على شاعرية ومتعة
جمالية، خصوصاً "جون فويت" الذي استحق جائزة أفضل ممثل في
مهرجان كان الدولي عام 1978.
|