الملفت للإنتباه في فيلم (خارج أفريقيا)
ـ وهو الأمر الذي جذب إنتباه المخرج أيضاً ـ هو ذلك الحماس من
بارونة شابة فاتنة
ضحت بكل شيء وتنازلت عن أموال عائلتها مقابل لقب ومزرعة في كينيا،
وهامت في الأرض
السمراء وراء حب لم تكن على ثقة بأنها ستفوز به
.
ولا يفوتنا أن نشير هنا، الى أن المخرج الأمريكي سيدني بولاك قد
دخل أفريقيا محملاً بإنفعالات الشاعر
والفنان الذي تبهره لحضات شروق الشمس على الأرض الأفريقية، وثراء
هذه الأرض السمراء
وخصوبتها وتفجرها بالسحر والجمال. لذلك نراه قد إهتم كثيراً
بالخلفية في مؤخرة
الصورة، وأعطانا كادرات جميلة وجذابة للطبيعة الأفريقية الشاعرية
أحياناً أثناء
الغروب، والشمس تصبغ الأفق بإحمرار دامي.. أو ليلاً عندما تمتليء
الغابات بأصوات
الحيوانات والطيور، مضفية طابعاً خاصاً وأثيراً
.
ثم هناك فريق العمل الفني،
والذي تعامل بجرأة مع الخامات الفنية والطبيعية المتاحة، حيث
التركيز على إستخراج
الواقع الحقيقي من كل عناصر الفيلم، والتركيز على ماتركته الكاتبة
من واقعية وحلقت
عنه في فضاء رومانسيتها. إضافة الى أن كاتب السيناريو قد ملأ
الفراغات الدرامية في
القصة بإضافات معقولة ومحبوكة، مما جعلنا نشعر بأن الزمن في الفيلم
قد
أعيد توزيعه
من جديد.. وإن الأحداث قد أعطيت أحجاماً خاصة ومناسبة لجو الفيلم
العام. وهو بذلك
قد حرر السيناريو من التوالي الزمني اليومي المبتذل، وبالتالي أمد
المخرج وممثليه
بعناصر جديدة جعلت السيناريو يبدو متكاملاً ومشاهده متقنة
.
يأتي الآن دور
الحديث عن هذا الإنتاج الضخم.. حيث التساؤل الذي يمكن أن يطرح من
قبل المتفرج
..أين
أنفقت الثلاثين مليون دولار؟ والفيلم ـ بالطبع ـ بكل تفاصيله
الصغيرة والكبيرة
يجيب عن هكذا تساؤل.
لقد كان فريق الفنيين، مع المخرج، حريصين كل الحرص على
إحياء تلك الفترة التاريخية، وإعادة الحياة في كينيا كما كانت عليه
في عام 1914، ولهذا السبب بحثوا في المتاحف وبين الصور
الفوتوغرافية القديمة عن تلك الفترة
بالذات، إبتداء من شكل السكن الذي أقامت فيه الكاتبة، الى نوع
الستائر وقماش
الملابس، الى طراز المقاعد والموائد ولمبات الغاز، كما بحثوا عن
نفس نوع السيارات المستخدمة في تلك الفترة.. هذا إضافة الى القطار
البخاري الذي ظهر في المشاهد
الأولى من الفيلم.. ثم يأتي الأصعب من كل هذا، وهو توفير طائرة
صالحة للإستعمال
تناسب تلك الفترة. كما إنهم إستحضروا الأسود المدربة من كاليفورنيا
لتمثيل بعض
المشاهد، حيث كان من الصعب تطويع الأسود البرية. وبذلك فقد قُدر
عدد العاملين
وراء كاميرات الفيلم بحوالي عشرة آلاف شخص، كانت مهمتهم تحقيق
الصورة الحقيقية
والمناسبة لأفريقيا في بداية هذا القرن. وفي إعتقادنا بأن كل هذا
الجهد، قد يفسر
السبب الذي من أجله قدمت لجنة الأوسكار أغلب جوائزها للفريق الفني،
من صوت وديكور وتصوير وموسيقى
.
وربما لايهمنا، في الفيلم، قصة تلك المرأة وذكرياتها، إلا
أن الفيلم يعد تحفة فنية وعملاً سينمائياً على مستوى راقٍ من
الجودة الفنية.. صور
لنا الجانب الجذاب من أفريقيا الطبيعة.. أفريقيا السحر والجمال
والرومانسية، وكأن
المخرج ـ بذلك ـ يقدم بطاقة حب الى أفريقيا
.
|