مرة أخرى مع المخرج شريف عرفة، وفيلمه الثاني (الدرجة الثالثة - 1988). وقد
عرض هذا الفيلم، بعد أن سبقته دعاية واسعة، بدأت قبل شهور طويلة من بدء
الإعداد له. فالفيلم يجمع ـ وللمرة الثانية ـ ما بين النجمة الكبيرة سعاد
حسني والنجم الأسمر أحمد زكي.. إلا أن هذا لم يشفع للفيلم عند الجمهور
المصري. فقد واجه (الدرجة الثالثة) كساداً غير متوقع في دور العرض المصرية،
علماً بأن الفيلم قد عرض في موسم عيد الأضحى، وهو موسم من بين أهم المواسم
السينمائية التي ينتهزها المنتجون لتحقيق أكبر عائد مادي وتجاري.
فقد راهن صناع الفيلم على وجود موضوع جماهيري بين أيديهم يتحدث عن كرة
القدم وجماهيريتها، وهي اللعبة الأكثر شهرة بين فئات المجتمع. هذا إضافة
الى ـ ماسبق وذكرنا ـ وجود نجمين كبيرين لدعم هذا الموضوع، كما رصد للفيلم
ميزانية ضخمة. كل هذه الأسباب جعلت صناع الفيلم يتفائلون بالنجاح الجماهيري
للفيلم. لذا جاءت النتيجة مفاجأة غير متوقعة تماماً.. حتى أن الفيلم لم
يستطع الصمود وتحقيق مردود يذكر في أسبوعه الأول.
فكرة الفيلم التي، الذي كتبها السيناريست ماهر عواد، تدور حول الصراع ما
بين مافيا المجتمع وبين الناس البسطاء العاديين الذين يحبون بتلقائية
ويعطون ويخلصون من دون حدود ودون مقابل. وسيناريو الفيلم يناقش مشاكل الكرة
والنادي واللاعبين والجمهور الكروي.. لكنه أيضاً يتخذ من كل هذا بعداً
سياسياً مباشراً وموازياً للأحداث.
إن الفيلم يبلور العلاقة بين جمهور الدرجة الثالثة الكادحين وبين رواد
المقصورة الرئيسية المرفهين.. الأولين يتحملون حرارة الشمس وبرودة الشتاء
من أجل تحميس الفريق وفوزه، والآخرين نراهم يجلسون في المقصورة المريحة
مستفيدين من نفس الإنتصارات والفوز الذي يحققه الفريق. وعندما يحاول جمهور
الدرجة الثالثة الحصول على بعض الإمتيازات والحقوق، يثور عليهم السادة
ويدخلون معهم في صراع يستمر طوال أحداث الفيلم، ويتصاعد لتتوتر العلاقة
فيما بين الطرفين متخذة شكل العلاقة بين السيد والمسود.. بين الحاكم
والمحكوم.
يتم إختيار سرور (أحمد زكي) ليكون همرة الوصل بين طرفي الصراع، وهو الإنسان
البسيط الساذج الذي يستغل من قبل إدارة النادي.. الى أن تحدث لحظة التنوير
للبطل، الذي تم إختياره من قاع المجتمع، والذي مع الوقت يصدق نفسه فرحاً
بوضعه الجديد هذا. إلا أنه وبمساعدة زوجته نعناعه (سعاد حسني) وأصدقائه
يكتشف أن لهذا التغيير ثمناً لابد أن يدفعه.. هنا تبدأ لحظة التنوير.
صحيح بأن فكرة الفيلم هادفة، إلا أن هذا لا يكفي لإنقاذ الفيلم وإعطائه صفة
الجودة. فقد وقع السيناريو في أخطاء وسلبيات فيما يتعلق بالبناء والحبكة
والسرد الدرامي. فالسيناريو في في ثلثيه الأخيرين جاء تقليدياً وفقد الكثير
من عناصره الجيدة والحيوية التي بدأ بها. فقد تضافرت عناصر الفيلم (تصوير
ومونتاج وموسيقى وإخراج) في الثلث الأول وأعطت مشاهد تميزت بالقوة والجمال
الفني.. كما في المشهد الإفتتاحي قبل ظهور العناوين، والذي لعبت فيه
الموسيقى والمونتاج دوراً هاماً في التأثير على المتفرج وإبهاره بالفكرة
الجديدة والمبتكرة. ولكن بشكل عام لم تتجاوز المواقف والأحداث ذلك السرد
الدرامي التقليدي، وحتى السلذج في بعض المشاهد. حيث تذكرنا بنفس الطرق
البدائية في التفكير، والتي كانت سائدة في الستينات لصنع الأفلام الهادفة،
وهي التي عبرت عن فترات التحولات السياسية والإقتصادية الصاخبة.
أما بالنسبة للإخراج، فقد حاول المخرج جاهداً إنقاذ السيناريو من تلك
السذاجة التي سيطرت على البناء السردي فيه. هذا بالرغم من أن الإيقاع جاء
متذبذباً مابين السرعة والبطء والتشويق والإملال. فقد قدم شريف عرفة مستوى
فني جيد يتميز بلمحات إخراجية جمالية ذكية.. هناك مثلاً المشهد الفنتازي
لإجتماع جمعية حبايب النادي في وسط الملعب.. ومشهد حفل زفاف سرور ونعناعة
في النادي.. هذا إضافة الى المشهد الختامي، حيث البراعة في التنفيذ
والسيطرة على مجموعة العناصر الإخراجية. وبشكل عام، إحتوى الفيلم على
الكثير من المشاهد واللقطات المدروسة بعناية، ساهمت كثيراً في الإرتقاء
بالصورةالسينمائية وإعطائها أبعاداً جمالية فنية معبرة.. وقد كان لوجود
مدير التصوير (محسن نصر) بخبرته الطويلة دوراً فعالاً في تجسيد كل ذلك. كما
ينبغي الإشارة الى موسيقى (مودي الإمام)، والتي ساهمت بشكل مؤثر وموحي في
التعليق على الأحداث الدرامية وإثراء المجال السمعي والبصري في نفس الوقت. |