يأتي فيلم (الحب تحت المطر)، والمأخوذ عن رواية بنفس الاسم لنجيب محفوظ،
ليكشف وبضراوة، الفساد الذي تعيشه طبقة البرجوازية الصغيرة في فترة ما قبل
حرب أكتوبر 73، وهي فترة من أقسى فترات الغليان السياسي والتي سميت بحالة
اللاحرب واللاسلم، ونية حسين كمال طيبة وواضحة، في تناول كل ذلك من خلال ما
طرحته الرواية، لكن النية وحدها لا تكفي لعمل فيلم سينمائي. فنحن نشعر بأن
هناك أكثر من مخرج وراء هذا الفيلم، وذلك لاضطراب وتفاوت مستواه. فمرة
يرتفع حسين كمال بلغته السينمائية إلى مستوى جيد، كما في مشهد مونولوج
(عشماوي) أمام الجدران المغطاة بالشعارات اللاهبة، وأخرى نراه يقدم لغة
ومستوى بدائي، كما في مشهد الشاب العابث حول زجاجات البيرة. وهذا الإضطراب
في المستوى ساهم بلا شك في النيل من قيمة الفيلم الفنية.
ولا يفوتنا أن نذكر بأن أهم مشاهد الفيلم، تلك التي تناولت ما وراء كواليس
صناعة السينما، مشاهد اتخذت موقف الهجاء العنيف من السينما التجارية
السائدة. وكأن حسين كمال ينتقد وبشكل لا شعوري السينما التي قدمها هو نفسه.
أما استخدامه للتناقض في شريط الصوت والصورة في أكثر من مشهد فجاء
استخداماً فنياً موفقاً. ومن بين المشاهد الزائدة التي أساءت إلى الفيلم،
مشهد الشباب وهم يعاكسون فتاة مع والدها، مشهد مفتعل ومبالغ فيه. كما أن
تصرفات العديد من الشخصيات ساذجة وغير مبررة، مثل القرار الفجائي للطبيب
باستكمال أبحاثه في السجن. أما النهاية التي تضمنت بداية حرب أكتوبر، كحل
لكل هذه المشاكل والمتناقضات، فيقول عنها حسين كمال: (...لا.. هذه ليست
نهاية فيلمي، هذه نهاية صنعها المنتج، فيلمي ينتهي بظلام دامس، ويعرف
المتفرج أنه من هذا الظلام طلع أكتوبر، ولكن هذا لا.. "سلويت" في الغروب،
ده أفيش صابون "أومو" عن حرب أكتوبر، ده استجداء ستة أكتوبر.. إنها إهانة
كبيرة!!...).(2)
لقد حاول حسين كمال أن يلتزم إلى حد كبير بما قدمته الرواية من شخصيات
كثيرة بكل علاقاتها مصالحها وأخلاقياتها، ولكنه أخفق في تجسيد كل ذلك لأن
هذا يحتاج أولاً لدراسة عميقة ومتأنية لرواية صعبة مثل هذه.. كما يحتاج
لتفرغ كامل من قبل المخرج لتنفيذه، ومخرجنا ـ كما عرفنا ـ قدم أربعة أفلام
في موسم واحد فقط، فكيف له أن يتفرغ لمثل ذلك. |