(أربع
بنات ـ 2008) هو الفيلم الروائي الأول للمخرج البحريني حسين
الحليبي، هذا الفنان الذي قدم فيما سبق عدداً من الأفلام القصيرة،
كان أبرزها فيلم (يوم أسود) عام 2004. ومن شاهد (يوم أسود)، لابد
سترتسم على جبينه لمحة استغراب، لذلك الفارق في المستوى الفني،
وحتى في الأسلوب والتوجه الذي يحمله كلا الفيلمين.
شخصياً.. كنت متفائلاً كمتلقي من أن الحليبي، سيكون حذراً في
تعاطيه مع أولى تجاربه الروائية الطويلة.. لكننا بعد مشاهدة (أربع
بنات) تأكد لنا بأنه كمخرج قد اختار الطريق الآخر.. الطريق السهل
لصناعة فيلم.. وابتعد عن السينما الفنية، والتي ينضوي تحتها فيلمه
الأسبق (يوم أسود). وهذه قضية سنتحدث فيها فيما بعد.
فيلم
(أربع بنات)، الذي كتبه حمد الشهابي، يتحدث عن مشاكل أربع بنات
يعشن ضمن مجتمع أو محيط تقيده الكثير من التقاليد الاجتماعية
والاقتصادية والدينية.. ويطرح الفيلم إمكانية التصدي لكل هذه
التقاليد والقيود. وبالتالي فالفيلم يقدم خطاباً مباشراً ضد
المجتمع وضد التطرف الديني. والمصادفة فقط، هي التي جمعت بينهن، من
بين أربع عائلات تختلف في أسلوب حياتها وظروف معيشتها.
فنحن
هنا أمام الفتاة نورة (هدى الدري)، التي عاشت مشكلة عائلية أدت إلى
طلاقها من يوسف (خالد الرويعي)، جراء الغيرة والشكل الذي ينتاب
الزوج إثر معاشرته لأصحاب السوء. مما يجعلها تنتقل للعيش مع خالتها
ريحانة (سعاد علي). وهي في نفس الوقت تحاول البحث عن عمل يوفر لها
ولخالتها لقمة العيش.
الفتاة
الثانية، هي آمال (شيماء جناحي)، التي تعيش تحت كنف زوج والدتها
القاسي (مبارك خميس)، رجل مدن على تعاطي الخمر، ويحاول الضغط عليها
لكي تعمل وتعيله هو ووالدتها. وتصل الأمور بينهما، لدرجة طردها من
المنزل لتلجأ إلى بيت الجيران، وتتعرف على الفتاة الثالثة إيمان
(ابتسام العطاوي)، ويتفقان معاً على البحث عن عمل مناسب.
من جهة
أخرى تلتقي "نورة" بـ"مريم" (دارين خالد)، الفتاة العاملة في إحدى
المجمعات التجارية، والتي تتعرض للطرد من وظيفتها بسبب خطأ في
الحسابات، بالرغم من حاجتها للعمل لتأمين لقمة العيش لها ولوالدتها
المطلقة. لتنشأ بين "نورة" و"مريم" علاقة مشتركة، وهي البحث عن عمل
مناسب.
الأربع
بنات، تجمعهم قضية واحدة، وهي البحث عن عمل مناسب، ينتشلهم من
العجز والمشاكل التي يعانون منها. لذا تقترح إحداهن فكرة استغلال
مغسلة السيارات، التي تركها زوج "ريحانة" خالة "نورة"، والبدء في
تشغليها معاً، بالرغم من تلك المشاكل التي قد تواجههن بسبب خصوصية
هذا العمل بالذات للفتاة في مجتمع مغلق ومتحفظ، ومحاط بالمتشددين
اجتماعياً ودينياً. هذا إضافة إلى تربص "يوسف" طليق نورة الذي
يطالب بالمغسلة كحق له من تركة أخيه زوج "ريحانة".
هنا
تبدأ الأحداث في التصاعد، بعد أن يقرر "يوسف" شن حرب على الأربع
بنات باسم الدين والمجتمع، فيثير الأهالي ويدعوهم في المسجد
بالتحرك لمحاربة البنات لتغيير المنكر باليد، بحجة بطلان ما
يفعلونه شرعاً وقانوناً، إلا أن النهاية تكون سعيدة، بعد أن يكتشف
الناس زيف حجج "يوسف" ومطامعه الشخصية.
من
خلال ما طرحناه من سرد للأحداث والشخصيات، يتضح بأن الفيلم ينتقد
وبشكل مباشر، تلك الظروف الاجتماعية والمعيشية الصعبة التي يعاني
منها الشباب، إضافة لانتقاده للتيار الديني المتطرف، واستغلال
البعض للدين في تبرير تصرفاتهم ومصالحهم الشخصية.
في
السينما، لا يصلح الحديث النبوي (إنما الأعمال بالنيات).. هذا حقاً
ما راودني بعد مشاهدتي للفيلم البحريني (أربع بنات). فالدراما التي
قدمها الفيلم، أخذتنا بعيداً عن السينما كمشروع فني، أو حتى
سينمائي تجاري.. فقد شحنتنا أحداث الفيلم بقصص وقضايا كثيرة، زعم
صناع الفيلم بأنهم يدافعون عنها، ويحملون مشعل النور ضد التخلف
الاجتماعي والتطرف الديني. وهي قضايا طرحت بشكل درامي مباشر، يبتعد
كثيراً عن التعبير الفني. ووضعنا الفيلم أمام أحداث حملها الكثير
من الميلودراما التلفزيونية التقليدية. وشحنها بقصص زائدة لن تؤثر
على مضمون الفيلم إن حذفت.
إن
فيلم (أربع بنات)، يثير قضية فنية هامة، بعيداً عن موضوعه المطروح،
وهي قضية (السينما الفنية)، ومدى الفائدة من التمسك بالسينما
التجارية التي يحاول البعض مجاراتها، وتقديم فن سهل واستهلاكي،
بعيداً عن السينما كفن.
السينما.. كما هو معروف، هو الفن الأكثر انتشاراً.. بمعنى هو فن
شعبي.. يتعامل معه غالبية الشعب، الفقير والغني، الصغير والكبير..
ولكن هذا لا يعني أن يكون التوجه الأساسي هو التعاطي مع السينما
كفن استهلاكي، خال من الإبداع الجمالي.. مقدماً ما يطلبه المتفرج
من تسلية وترفيه فقط.. لابد أن يتعامل المشتغلون بالصورة عندنا، مع
السينما بشكلها الأشمل، فالسينما صناعة وتجارة وفن.. ثلاث مرتكزات
يقوم عليها هذا الفن الساحر..!!
والسينما الفنية، من وجهة نظر شخصية.. ربما لا تشكل مصطلحاً
بالمعني التقني للكلمة، ولكنه بالطبع مشتقاً من المفهوم الدلالي
للكلمة.. أي أنها السينما التي تسعى لتقديم الفن والصورة المعبرة
عن مشاعر وأفكار وحالات معينة.. متحاشية الخوض في التفسير والتكرار
للمعنى من غير سبب. وهي بالتالي ستختلف عما تسعى إليه غالبية
الأفلام التقليدية.
ربما
يختلف معي الكثيرون، عندما أقول بأن الاشتغال على الصورة المتحركة
في البحرين، لابد أن يتجه لتقديم السينما الفنية.. أي بمعنى عليه
أن يبتعد عن السينما الاستهلاكية التي تسعى وراء الربح ودغدغة
غرائز الجمهور العريض وتلبية رغباته غير المشروعة.. فالأفلام
الأمريكية والهندية والعربية التي تقوم بهذا الأمر كثيرة، بل
وتسيطر على مجمل العروض السينمائية في البحرين.. ومن المنطقي أن
نجزم بأن صانع الصورة البحريني لن ينجح في مجاراة تلك السينما
السائدة.. لذا لابد له من تقديم شيء آخر مختلف، وهو السينما
الفنية، التي تعتمد على نواحي إبداعية خلاقة.. تسعى لرفع مستوى
التلقي لدى المتفرج والاستحواذ على اهتمامه.
وبالرغم من التغطيات الصحفية لعروض فيلم (أربع بنات) في البحرين،
والتي تحدثت عن ذلك النجاح والإقبال الجماهيري الذي حضي به لدى
المتفرج البحريني، إلا أنه لابد من التأكيد على أن الأفلام القليلة
التي تنتج في البحرين ودول الخليج الأخرى (أربع بنات، أحدها)، لم
ولن تنجح في تغطية مصاريفها الإنتاجية من ثمن بيع التذاكر، وذلك
نظراً للكثير من الأمور، أبرزها تلك الكثافة السكانية الضئيلة في
المنطقة..!!
هنا
يبرز السؤال التالي: لماذا التعويل إذن على السينما الشعبية أو
الجماهيرية في هذه الدول، هذا بالرغم من أن إيرادات شباك التذاكر
من هذه النوعية من الأفلام لن تحسم القضية لصالحها..؟!