بعد
«معارك حبّ» الذي تناولت فيه الحرب اللبنانية، تعود المخرجة دانييل عربيد
ب«رجل ضائع»، الذي سبق أن عُرض في الدورة الستين ل«مهرجان كانّ» ضمن
«أسبوعي النقاد» في هذا الشريط الذي يفضح نضجاً فكرياً قلّ نظيره في
السينما العربية.
تصوّر
عربيد لقاء بين رجلين ضائعين، الأول لبناني والثاني فرنسي، مؤرخة لمرحلة
مؤلمة من تاريخ لبنان، مرحلة ما بعد الحرب، لكن في لغتها الاستعمارية تبتعد
عن الشعارات وتقتحم عالماً ذكورياً حيث سكانه لم يحسموا بعد قرارهم بالرحيل
أو البقاء، علماً انه في الأفلام السبعة التي أنجزتها، كانت مسألة البحث عن
الذات تتكرر دوماً.
استناداً
إلى تجربتين حياتيتين ثريتين، تجربة المصوّر الفرنسي انطوان داغاتا والكاتب
الأميركي وليم فولمان ـ، تروي عربيد قصة رجلين (ملفيل بوبو والكسندر صدّيق)
يتجاذبان على غرار العالمين الغربي والشرقي العلاقة الملتسبة التي تميزهما،
أحدهما يعيش ليتذكر، والآخر كي ينسى، لكن لدى كل منهما شيء يبحث عنه وشيء
ضاع منه.
يجري
اللقاء الأول بين المصوّر طوماس كوريه الذي يبحث دوماً عن أحاسيس شديدة
التطرف والرجل الغامض فؤاد صالح الذي ينام على سرّ دفين، عند الحدود
السورية - الأردنية. سنرافقهما في رحلات لالتقاط الواقع وتخزين اللحظة في
آلة التصوير الفوتوغرافي. تقول عربيد: هذا ثاني فيلم روائي طويل أنجزه
وأعمل على السيناريو منذ ثلاث سنوات.
تتطرق
الفكرة إلى رجل ضائع في العالم العربي. عندما تسافر إلى البلدان العربية،
ترى رجالاً أكثر من النساء، يتجولون بين مكان وآخر، وخصوصاً وسط المدن،
وخلال رحلاتي الكثيرة، وعندما كنت أصور «حدود»، تأثرت بهذا المشهد وقلت لا
بدّ أن لكل من هؤلاء الرجال قصة. فهم يشبهون أحدهم الآخر نوعاً ما، في حين
أن لكل رجل في الغرب مظهراً مختلفاً».
انطلاقاً
من هنا، راحت عربيد تتساءل عن مسألة الفردية، وتعلّق قائلة: في العالم
العربي، الجماعة بارزة ولكن ليس الفردية، تهمني فكرة الفردية هذه، بغض
النظر عما إذا كنت أفضل تجسيدها في الغرب أو في البلدان العربية. لذا قررت
أن أصوّر قصة ذلك الشخص الذي يشبه الجميع لكنه يملك فردية قوية في الوقت
عينه. ولا تظهر قصته عندما تنظر إليه للمرة الأولى، فهو يُمحى وسط الجموع.
عربيد
كسينمائية منقسمة بين الرجلين، فهي عاشت نصف حياتها في فرنسا ونصفها الآخر
في لبنان، لكنها تؤكد أن الفيلم ليس عن ذلك الرجل العربي الضائع فحسب، بل
هو أيضا عن رجل فرنسي ضائع يذهب إلى العالم العربي بصفته مصوّرا ويلتقي
مصادفة هذا الرجل اللبناني الأصل، على الحدود السورية - الأردنية.
وبما أن
أحدهما يشبه الآخر على نحو كبير، يسافران معاً، والفرنسي يتخّذ العربي
مترجماً له. «الفيلم يروي قصتهما، والتي قد تكون العلاقة بين الشرق والغرب،
لكنهما في الواقع لا يمثلان الشرق أو الغرب، لأنهما لا يمثلان مجتمعيهما»،
تشرح عربيد.
الضياع
يتجسد في العديد من الأشياء في الفيلم، انه البحث عن الذات أو عن حرية
مثالية غير موجودة....لأن كل شيء يقيّدك في المجتمع، وخصوصاً في الشرق، حيث
أنت مجبر على التفكير كما تريد عائلتك.
تقول
عربيد ملاحظة أن لكل شخص ظروفا تؤدي به إلى الضياع. لكن، خلافاً للكثير من
الأفلام التي طرحت أوضاع المفقودين في لبنان، يصور «رجل ضائع» قصة رجل قرر
بملء إرادته أن يضيع. قرر أن يهرب من عائلته في الثمانينات (من القرن
العشرين) أي خلال الحرب، ليعتبر لاحقاً في عداد المفقودين. نظرية الفيلم هي
الآتي: في لبنان نحو 17 ألف مفقود، قد يكون أحد هؤلاء قرر أن يوضّب أغراضه
ويرحل، لأنه لم يعد قادراً على تحمّل حياته في ذلك المجتمع.
ورغم أنها
امرأة، إلا أن عربيد تحسن تصوير عالم الرجال هذا. وتقول إنها كتبت
السيناريو كما لو كانت رجلاً. «عليك أولاً أن تشعر بذلك من الداخل، كفرد،
يمكنك أن تكتب سيناريو عن ولد في العاشرة من العمر وأنت في الأربعين». أما
عن اتهامها بعدم تضمّن الشيء الكثير الذي يشي بوجود مخرجة لبنانية خلف
الكاميرا، فردها أن لبنانيتها موجودة في الفيلم بمجرد أن بطل الفيلم
يرفضها. هناك علاقة قوية مع لبنان، لكن لن أقول لك «لبنان الأخضر»، لأنني
لست مسرورة لما يحصل فيه الآن!
البيان الإماراتية في 16
يناير 2008
|