حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم (أوسكار) ـ 2010

خزانة المصابين”: فشل تجارياً وتسعى هوليود لتكريسه عنواناً رسمياً لتجربة العراق” The Hurt Locker

صور في الأردن برعاية رسمية مع أنه يقلل من شأن المقاتل العربي وينضح بالعنصرية ضد العرب

د. إبراهيم علوش

انعكست معاناة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق بعدد من الأفلام مثل “تسليم خارج القانون” Rendition، و”في وادي إلآه” In the Valley of Elah، و”منقح” Redacted وغيرها مما تم تناوله بالتحليل سابقاً.  وقد اتسمت تلك الأفلام بالمجمل بأنها كانت: أ – مناهضة نسبياً لسياسات إدارة بوش في العراق وأفغانستان، وب – بأنها لم تتمكن بالمجمل من تحقيق نجاح تجاري يذكر، أساساً لأن الشعب الأمريكي، حسب زعم النقاد، لا يريد أن يشاهد في السينما ما سأم من مشاهدته في النشرات والبرامج الإخبارية على التلفاز، مع العلم أن معظم تلك الأفلام لم يعرض على نطاق واسع على شاشات دور السينما التي تسيطر عليها في شمال أمريكا حفنة من الشركات الكبيرة مثل ريغال Regal، AMC، سينيمارك Cinemark، وكارمايكCarmike.

ثم تبلورت المفاجأة مع بدايات شهر شباط 2010 بأن “خزانة المصابين” The Hurt Locker، كناية عن الخزانة التي توضع فيها متعلقات من يُقتل أو يصاب بحرب العراق، بات الفيلم الذي ينافس “أفاتار” Avatar على تسع جوائز سينمائية كبرى فيAcademy Awards، وثلاث جوائز كبرى فيGolden Globe، وعدد كبيرة من الجوائز الأخرى!

وتأتي علامة التعجب، وكان يجب أن نُكثِر منها، لأن “أفاتار” بلغت مبيعات تذاكره أكثر من ملياري دولار ونيف مع نهاية شهر كانون الثاني 2010، بعد إطلاقه في دور العرض الأمريكية في 18/12/2009، بينما لم تبلغ مبيعات تذاكر “خزانة المصابين” The Hurt Locker، أكثر من سبعة عشر مليوناً تافهة من الدولارات (دوماً بمقاييس هوليود)، وكان قد عرض هذا الفيلم الفاشل في مهرجان فنيس السينمائي في 4/9/2008، وأطلق بشكل محدود في الولايات المتحدة في 26/6/2009، ولذلك يمكن اعتباره تجارياً واحداً من أكثر أفلام هوليود عن حرب العراق فشلاً، وتقول بعض المراجع على الإنترنت أنه تكلف 11 مليون دولار، بينما تقول مراجع أخرى أنه كلف 15 مليوناً!

موازنة “خزانة المصابين” The Hurt Locker متواضعة جداً إذن بمقاييس هوليود، وحتى بمقاييس بعض الأفلام العربية الجديدة.  ممثلو الفيلم ومخرجته غير معروفين فعلياً… ما عدا ممثلة واحدة تلعب دوراً ثانوياً جداً.  ولو انحاز النقاد الذين راحوا يبالغون بالاحتفاء بالفيلم  في وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية، ولو انحاز حكام هوليود الذين رشحوه لكل تلك الجوائز الكبرى، لفيلم أخر ذي موازنة متواضعة ورسالة سامية أو إبداع فني لما كانت ثمة ضرورة لعلامات التعجب.  لكن العبرة بالرسالة السياسية في النهاية: ففيلم “أفاتار”، بالرغم من بعض التحفظات، يقدم تجربة مقاومة مناهضة للإمبريالية، تتعلق ضمناً بالعراق، بينما يمجد فيلم “خزانة المصابين” تجربة مجموعة من العسكريين الأمريكيين في العراق في تعطيل المفخخات الشعبية أو Improvised Explosive Devices (IED’s)، وهي العبوات الناسفة المصنَّعة شعبياً مثل تلك التي تزرع على جوانب الطرق التي تسلكها قوات الاحتلال أو تخبئ في السيارات أو غيرها.

هذه العبوات أو المفخخات تشكل أرقاً حقيقياً لأمريكا، وقد سببت حسب أحد التقارير الرسمية الأمريكية حوالي أربعين بالمئة من حالات قتل جنود الاحتلال في العراق حتى عام 2007، وما برحت وزارة الدفاع الأمريكية تنفق مليارات الدولارات على تطوير وسائل لاكتشافها وتعطيلها.  ولذلك، فإن فيلماً مثل “خزانة المصابين” The Hurt Locker يستخدم عدة كاميرات 16 ملم لنقل توتر تجربة مجموعة من العسكريين الأمريكيين في تعطيل المفخخات الشعبية، والبيئة العراقية المعادية والمثيرة للريبة دوماً المحيطة بعملهم، من منظورهم هم، وبأصواتهم، في الحوار وفي الخلفية، وليس من منظور يدعي الموضوعية أو الحياد مثلاً، أو يقدم أكثر من وجهة نظر ولو بشكل متحيز.  إن فيلماً من هذا النوع كان لا بد أن تنبش عظامه وهي رميم، وأن يُقدم إعلامياً وهوليودياً بقوة في محاولة لإنتاج شعبية كبيرة له تضارع “أفاتار” وتنسخ رسالته المناصرة لمقاومة الإمبريالية التي سبق أن حللنا في موضع أخر كيف تجاوزت خطوط حمر سياسية عديدة في التقليد الهوليودي.

وهي شعبية مفتعلة عن سابق إصرار وتصميم من قبل النخبة الإعلامية والهوليودية… وقد انتقد أكثر من محارب أمريكي سابق في العراق الأخطاء الفنية في الفيلم مثل استخدامه لبزات عسكرية لم يكن الجيش الأمريكي قد تبناها بعد في الفترة التي يصورها الفيلم وهي عام 2004.  كاتب الفيلم هو مارك بوال Mark Boal، وهو نفسه كاتب فيلم “في وادي إلآه” المناهض للحرب على العراق بالمناسبة!  وهذه الظاهرة، ظاهرة الكاتب التقني الذي يكتب نص فيلمين متناقضين في الرسالة السياسية ليست جديدة في هوليود، وسبق أن أشرنا إليها.  ولكن مارك بوال هو صحفي بالأساس تم زرعه في الحقيقة مع وحدة عسكرية أمريكية مكلفة بتعطيل المفخخات الشعبية، كجزء من جهد البنتاغون للسيطرة على التغطية الإعلامية لحرب العراق.  ومن هنا جاءت المادة التي وضع بوال فيلم “خزانة المصابين” بناءً عليها… وطبعاً، من هنا جاء ترشيحه شخصياً لجائزة أفضل كاتب سينمائي لعام 2010!

يقول النقاد إذن أن “خزانة المصابين” سيكون الفيلم الهوليودي (والتشديد هنا على أل التعريف) الذي تُعرف به حرب العراق، كما تُعرف حرب فيتنام بالفيلم العملاق “القيامة الآن” Apocalypse Now.  ولكن بمقدار ما ينجح فيلم “خزانة المصابين” فعلاً بالانتشار شعبياً في الولايات المتحدة، ولو بقرار من فوق، أي من خارج السوق وقانون العرض والطلب، فإنه سيحقق ذلك أولاً لأن المؤسسة الحاكمة بحاجة لتجاوز عقدة العراق كيلا تتحول إلى عقدة فيتنام  جديدة تعيق الحروب الخارجية الآن وفي المستقبل وفي جوار العراق، وثانياً لحاجة المؤسسة العسكرية لإعادة تجميع الصفوف وإعادة إنتاج التعاطف مع عسكرييها بعد انتشار معاداة الحرب بسبب خسائر أمريكا المادية والبشرية في العراق وأفغانستان.   وثمة جملٌ مباشرة وكاملة في الفيلم تمجد تجربة القتال في العراق، وتقدم الأمريكي الذي يجيد القتال كطفرة جينية في النشوء والارتقاء، كنموذج يثير العجب والحسد يجدر بالمشاهد أن يحذو حذوه!

مع هذا، عندما تجد البطل الأبيض يتغلب جسدياً ويتفوق معنوياً على زميله الأسود، يلعب الفيلم على وتر العقد لعنصرية عند بعض الشبان البيض الذين يرون الأمريكيين الأفارقة يتغلبون عليهم عامةً في معظم الألعاب الرياضية، وفي المشاجرات التي تحدث في الشارع.

كما يعزف الفيلم على أوتار قديمة عند الشعب الأمريكي، تم تأصيلها في الثقافة الشعبية على مدى عقود.  فالمواطن أو الجندي الأمريكي العادي يعتقد عامة أنه أفضل مقاتل  في العالم، وأنه حين يتغلب الأجنبي عليه فإن ذلك يندر أن يحدث في مواجهة متكافئة، بل لا بد أن يحدث نتيجة عملية استشهادية أو غدر المفخخات الشعبية.  وقد تجاوزت الأفلام الأمريكية الجديدة مرحلة تصوير العرب كجبناء يخافون القتال، وانتقلت إلى تصويرهم كمحاربين أقل كفاءة وأقل التزاماً بالشرف العسكري من المحاربين الأمريكيين.  ولذلك، ففي كل معركة مباشرة بالأسلحة النارية في الفيلم، يتغلب الأمريكي على العربي، حتى لو تغلب العربي على العسكري البريطاني، مما يؤكد تفوق العسكري الأمريكي، ولا يستطيع العربي أن يتفوق على الأمريكي إلا بالغدر.  وهي النقطة التي تجعلنا نتساءل لماذا توفر بعض الجهات الرسمية في الأردن دعماً لوجستياً وعسكرياً وحراسة وتسهيلات لمثل هذا الفيلم، كما جاء في رسائل الشكر في نهايته؟!

والمقاتل العربي في الفيلم ليس فقط غداراً وأقل كفاءة من العسكري الأمريكي، بل لا يتورع عن قتل المدنيين من شعبه، وعن زرع القنابل في وعلى أجسادهم، وهي القنابل التي يسعى لتفكيكها الأمريكيون.  فالأمريكيون في الفيلم صناع أمن واستقرار في العراق!

كل عربي في الفيلم يسمى “حجي”، طفلاً أو شيخاً أو رجلاً أو امرأة، وهو ما يمثل واحداً فقط من التعبيرات العنصرية التي ينضح بها الفيلم… “كلهم يشبهون بعضهم البعض”، كما يقول عن العراقيين أحد الجنود الأمريكيين السمر في الفيلم.  ويتوصل بطل الفيلم الرئيسي إلى نفس النتيجة في النهاية بعدما يفقد تعاطفه مع ولد عراقي كان قد صادقه.  فكيف تسمح هيئة الأفلام الملكية المسؤولة عن أية كاميرا سينمائية تنصب بالأردن بتصوير هذا الفيلم وغيره مثل “منطقة حرة” في الأردن تصور العرب بهذه الطريقة الرديئة والمهينة؟!

البطل الرئيسي للفيلم رجل عادي غير ملفت للنظر حتى يبدأ بالتصرف كراعي بقر، لا يراعي القوانين، ويعمل لوحده، ويتخطى الأعراف ليحقق أهدافه، ويفعل كل ذلك باستخفاف بالآخرين وبجرأة وبكفاءة عسكرية لا متناهية في نفس الوقت.  وهو لا يخلو من النزعة الإنسانية مع عائلته، ولكنه في النهاية يكتشف أن نداءه في الحياة يتلخص بالعمل العسكري، فيترك عائلته ويعود مسروراً للعراق.

ذلك هو الفيلم الذي بدأ تصويره في صيف عام 2007 في أحياء عمان المزدحمة مثل حي نزال وحي الدبابة وأم الحيران وماركا والسواقة، والذي يريدون له أن ينال الجوائز بدلاً من “أفاتار”!

العرب اليوم في

09/02/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)